بروز السلفيين على الركح السياسي يثير المخاوف والتساؤلات
يقرّ باحثون وخبراء أمريكيون أنّهم تفاجؤوا تماماً في حجم الحضور السلفي مع الثورات الديمقراطية العربية.
بل يذهب مارك لينش، أحد أبرز الدارسين للإسلام السياسي في المنطقة، ومدير معهد دراسات الشرق الأوسط في جامعة جورج واشنطن، إلى التصريح لـ swissinfo.ch بالقول أنّ “أوساط الباحثين في واشنطن لم تقرأ عن السلفيين ولا تعرف من هم ولم تقابلهم، بعكس الحالة من الإخوان المسلمين، إذ اشتغل الباحثون والخبراء الأمريكان خلال العشرة أعوام الماضية على دراستهم ومعرفتهم”.
صدمة كثير من الباحثين العرب لا تقل عن زملائهم الغربيين، إذ أنّ ابتعاد السلفيين عن المشهد السياسي الإنتخابي خلال العقود الماضية واستنكافهم عن المشاركة في اللعبة السياسية أو تشكيل أحزاب – مع استثناءات قليلة في الكويت والبحرين – فإنّ الصورة تبدو غائمة وضبابية تماماً حول حضورهم وأفكارهم ودورهم، وربما طغت عليها الصورة النمطية حول القاعدة (بعد أحداث 11 سبتمبر) أو خدمة السلطان والحكومات (كما هو الحال مع مجموعات سلفية تسمى بالتقليدية)، من دون وجود قراءة تفصيلية لهذه الجماعات والمجموعات واختلافاتها فيما بينها ومع الإسلاميين الآخرين.
اليوم التالي للثورة..
يقرّ مارك لينش بأنّ القراءة الحالية للسلفيين، لدى مراكز البحث الأمريكية، ما تزال سطحية وقاصرة، تربطهم بما تعتبره تشدداً أو مواقف متطرفة تجاه المرأة والديمقراطية والغرب، فيما ينقسم الباحثون تجاه انخراط السلفيين في مصر باللعبة السياسية إلى اتجاهين، وفقاً لـ (لينش). الأول، ينظر إليهم من زاوية واحدة، وهي أنهم متشددون مثل القاعدة وأنّهم خطر على العملية الديمقراطية. أما الثاني، فيرى الوجه الآخر من العملة، بذريعة أن دخولهم المشهد السياسي، سيغير من أفكارهم ويطورها ويعزز الإعتدال والواقعية لديهم، كما حدث قبلهم مع جماعة الإخوان المسلمين.
ربما تبدو السيناريوهات والخيارات أكثر تعقيداً من الإحتمالين السابقين (لدى باحثي واشنطن). فالثورة الديمقراطية ليست مفترق طرق فقط لدى السلفيين، بل تتجاوز ذلك إلى وصفها زلزالاً داخل السلفية نفسها، إذ كانت أغلب أطيافها (الجهادية والتقليدية – العلمية، مثل الدعوة السلفية سابقاً في الإسكندرية، وما يسمى بـ”المدخلية”- أصحاب نظرية طاعة ولي الأمر)، كل هؤلاء يعلنون رفض الإنخراط في العمل السياسي وعدم قبول الديمقراطية بوصفها نظاماً نهائياً للحكم ورفض العمل الحزبي، وتقوم فرضياتهم على غياب الأمل بالتغيير عبر البوابة السياسية والإستعانة بدلاً منها بالنافذة المجتمعية والتعليمية.
إلاّ أنّ هذه الفرضيات والمقولات سقطت تماماً مع الثورة الديمقراطية، وقد تبدت حالة الإرتباك السلفي في التعامل مع الثورة بوضوح في المشهد المصري، عندما انقسمت بين من أيّـد الثورة وشارك فيها، مثل السلفية الحركية في شبرا – القاهرة، ومن تقلبت مواقفه وتناقضت ما بين بدايتها ونهايتها، مثل محمد حسان وشيوخ الدعوة في الإسكندرية، ومن أعلن تأييده لنظام مبارك ورفض الخروج عليه، كما هو الحال مع أسامة القوصى وهشام البيلي ومحمد سعيد رسلان (وهم من يُطلق عليهم باقي السلفيين تسمية “شيوخ أمن الدولة”).
الثورة مثّلت تحدياً تاريخياً وأيديولوجياً للسلفيين؛ فإما أن يبقوا مصرين على فرضيات تهاوت وسقطت مع الثورة، كما فعل بعضهم، ويعيشوا حالة إنكار لقدرة الشعوب على التغيير السياسي السلمي، وخطإ الإصرار على طاعة حكام لا يتمتعون بالشرعية، وهو ما فعله بعضهم في القاهرة والدول العربية الأخرى، وإما أن ينقلبوا على ما قالوه سابقاً، ويدخلوا في معمعة العمل الحزبي والسياسي، وهو ما حدث فعلاً مع حزب النور المصري، الذي حل ثانياً في الإنتخابات المصرية، بالرغم من قصر المدة الزمنية التي تشكل فيها، وإما أن يأخذوا دوراً سياسياً غير مباشر، كما قرر علماء وشيوخ سلفيون أسسوا “مجلس شورى علماء الثورة” وعرّفوا دورهم بدعم المرشحين الأفضل والمساهمة في دفع التحول الديمقراطي إلى الأمام، باتجاه الإلتزام بالإسلام بوصفه هوية ومرجعية للدولة المصرية.
التجربة ما تزال في البدايات!
في جوابه على سؤال: فيما إذا كان السلفيون قد تغيروا بعد الثورة؟ يوضح أحد أبرز قادة حزب النور، ياسر برهامي، بأنّ السلفيين لم يتغيروا، إنما الواقع هو الذي تغيّر، إذ كانت الأمور (مع الأنظمة السابقة) محسومة، فيقدم الإسلاميون التنازلات، فيما لا يحصلون على شيء في النهاية، أما اليوم، فالأمور تغيرت، وهو ما دعا السلفيين إلى إعادة تقييم خياراتهم الإصلاحية والسياسية.
بالرغم من هذا التحول الكبير في الموقف من العمل السياسي، إلاّ أنّ الخطاب السياسي والفكري للسلفيين ما يزال متمسكاً بترسانة من الفكر والتراث والمواقف التي تؤكد على تحكيم الشريعة الإسلامية والعداء مع العلمانيين واليساريين، والموقف الأكثر تشدداً – مقارنة بالإخوان – تجاه المسيحيين والمرأة والفنون والحريات الفردية.
حتى الموقف من الديمقراطية لم ينضج بعدُ لدى الأحزاب السلفية، فما تزال تصر على أنّها تقبل بالديمقراطية بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، وهو ما دعا التيار السلفي بأن يلقي بثقله كاملاً وراء القبول بالتعديلات الدستورية، حماية للمادة الثانية من الدستور المصري التي تؤكد بأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الأول للتشريع، وقد نجح السلفيون في حشد الشارع المصري وراء موقفهم، ما دفع بأحد شيوخهم، محمد حسين يعقوب، إلى إطلاق مصطلح “غزوة الصناديق” على الإستفتاء، مُحدثاً سجالاً إعلامياً وسياسياً كبيراً..
كل هذا، بانتظار الأيام القادمة التي ستكشف مدى قابلية الخطاب السلفي للتطور والمرونة، وفيما إذا كنا أمام استنساخ تطور الإخوان سابقاً أو تجاه حالة جديدة أكثر تصلباً وتعقيداً!
سيناريوهات المرحلة القادمة
يرى حسن أبو هنية، الباحث في الحركات السلفية، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch، أنّ السيناريو الأقرب للسلفيين يتمثل بالإنشطار والتشظي، وقد بدأت ملامحه واضحة مع اختلاف مواقفهم وتباينها في الثورة وما بعدها، ويرى أنّ هذه هي السنة مع التحولات الكبرى لدى الحركات الاجتماعية.
ربما يعزز ما يقوله أبو هنية أنّ انعكاس الحالة المصرية على السلفية العالمية لم يأخذ طابعاً موحداً، بالرغم من عقد اجتماعات ومؤتمرات عديدة من السلفيين من مختلف أنحاء العالم لتدارس المرحلة الجديدة. فهنالك توجهات لتشكيل أحزاب شبيهة بالنور، كما هو الحال مع الإعلان عن حركة النهضة السلفية في اليمن أو التوجه نحو الصدام مع العلمانيين على قاعدة “أسلمة المجتمع”، كما هو الحال للسلفيين في تونس أو رفض التحولات داخل السلفية، كما هو حال التيار المدخلي في مختلف الدول العربية.
المؤكد على كل حال، أن ما حدث في مصر لن يبقى محصورا هناك، بل سوف تتأثر به الحركات والمجموعات السلفية في العالم العربي، فهو بمثابة مخاض كبير، سيكون له ما بعده، لكن الوقت لا زال مبكرا على إطلاق الأحكام النهائية، فالتجربة ما تزال طرية!
صنعاء (رويترز) – شكل سلفيون متشددون في اليمن أول حزب سياسي لهم لمطالبة الرئيس اليمني المنتخب حديثا عبد ربه منصور هادي بتطبيق الشريعة الاسلامية في جميع مجالات الحياة ورفض تدخل القوى الخارجية.
وكان السلفيون وهم الأكثر تزمتا حتى بين الاسلاميين الأصوليين يتجنبون السياسة عادة. غير أن نجاح حزب النور السلفي في مصر الذي احتل الترتيب الثاني من حيث عدد المقاعد في أول برلمان جاء نتيجة انتخابات ديمقراطية في البلاد منذ عقود ربما غير ابتعاد السلفيين عن السياسة.
وقال سلفيو اليمن ان حزبهم السياسي الجديد سيحمل اسم اتحاد الرشاد اليمني.
وقال المؤسسون في بيان يصف المشاركة كواجب ديني في ختام أعمال المؤتمر السلفي العام في العاصمة اليمنية ان المشاركين “بعد مشاورات عدة أشهر قرروا المشاركة في العملية السياسية من خلال تأسيس حزب اتحاد الرشاد اليمني”.
ودعا المشاركون للحوار مع جماعات إسلامية سُنية أخرى ومع المتمردين الشيعة في شمال البلاد لإنهاء الاضطرابات السياسية التي دفعت اليمن الى حافة الحرب الاهلية.
وقال عبد الوهاب الحميقاني أحد زعماء التيار السلفي “من الضرورة فتح حوار مع الجماعات المسلحة كأنصار الشريعة والحوثيين لاخراج اليمن من دوامه العنف”.
واستغل كل من المتمردين الشيعة الذين يعرفون بالحوثيين وجماعة أنصار الشريعة ضعف سيطرة الحكومة المركزية للاستيلاء على مساحات كبيرة من البلاد خلال العام المنصرم.
ويتوقف مصير الحكومة الانتقالية في اليمن على الاقل في أحد الجوانب على كيفية التعامل مع هاتين الجماعتين.
ورغم أنه من غير المقرر ألا تجرى الانتخابات اليمنية قبل عام 2014 الا أنه سيكون في مقدور حزب اتحاد الرشاد المشاركة في الحوار الوطني.
واتفق على الحوار في إطار اتفاق تم التوصل اليه بوساطة خليجية أتاح للرئيس علي عبد الله صالح ترك منصبه بعد عام من الاحتجاجات المناهضة لحكمه.
وإشارة السلفيين للتفاوض مع الحوثيين أمر غير مألوف لتمسكهم بعقيدة متشددة تنظر للشيعة باعتبارهم زنادقة. وكان هناك قتال بين الحوثيين والسلفيين على مدى شهور في شمال اليمن وفي مناطق أخرى.
ووجهت الدعوة للحوثيين الذين استطاعوا أن يقتطعوا لأنفسهم فعليا دولة داخل الدولة على الحدود اليمنية السعودية للمشاركة في الحوار الوطني. ولكن الحكومة قالت انها لن تتعامل مع أنصار الشريعة التي تستلهم نموذج تنظيم القاعدة.
ويستلهم تنظيم القاعدة نفسه تفسيرا للاسلام قريبا من الرؤية التي يتبناها السلفيون.
وقالت جماعة أنصار الشريعة في بيانات وضعت على منتديات الكترونية اسلامية في وقت سابق هذا الاسبوع ان استبعادها من الحوار الوطني وضم الحوثيين أمر متناقض.
وسيتنافس حزب اتحاد الرشاد مع لاعبين اكثر رسوخا في الساحة السياسية اليمنية مثل حزب الاصلاح الاسلامي المعارض وحزب المؤتمر الشعبي العام الذي يتزعمه صالح نفسه.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 15 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.