بعد أقل من شهر.. سعيٌ لإسقاط حكومة الباجي قايد السبسي
بالرغم من أن حكومة السيد الباجي قايد السبسي الإنتقالية لم يمْـضِ على تشكيلها سوى ثلاثة أسابيع وبضعة أيام، فقد أخذت بعض الأطراف السياسية تشكك في جديتها وتهدِّد بالعمل على سحْـب الثقة منها، وهو ما أثار قلق أوساط واسعة أصبحت حريصة أكثر من أي وقت مضى على تجنيب الوضع السياسي والأمني كل مظاهر التوتّـر والإحتقان.
صحيح أن عدم الاستقرار من خصائِـص الثورات، لكن هناك أصواتا كثيرة تُـطالب بل تذكر بأنه لا يحِـق للأقليات السياسية أن تفرض أجندتها على المواطنين وأن تعيد دفع البلاد نحْـو المجهول.
تمسّـك الوزير الأول التونسي في محاورته المباشرة (مساء الأربعاء 30 مارس 2011) مع القنوات التلفزيونية الوطنية الثلاثة بالدِّفاع عن هيبة الدولة، وشبَّـه أطرافاً سياسية لم يذكُـرها، بالطُّـفيليات وانتقد بشدة أحزابا قال إنها لا تستطيع أن تملأ شاحِـنة، محتجّـا على خطاب “المزايدات على الحكومة” ومستهجِـنا كثْـرة الذين يريدون تزعّـم الثورة، حسب تعبيره. كما رفض بوضوح أن يتقاسم صلاحياته مع أي طرف آخر، ويقصد بذلك (الهيئة العليا لحماية الثورة والإصلاح السياسي والإنتقال الديمقراطي)، التي احتجّ بعض أعضائها على تعيين وزير الداخلية الجديد، دون استشارتها مسبقا. هذه الهيئة التي اتّـسمت اجتماعاتها الأخيرة بكثير من التوتّـر والصَّـخب، وهو ما كان له سيِّء الأثر على صورة النُّـخبة السياسية الجديدة لدى قطاعات واسعة من الرأي العام.
بعبارة موجزة، كان الباجي قايد السبسي في حديثه حادّا ضدّ مَـن اتَّـهمهم بالعمل على تعطيل المسار الديمقراطي. لقد وجد الرجل نفسه، بعد أسابيع قليلة، عُـرضة لحملة مُـعادية لشخصه، يقودها البعض تحت عناوين متعدِّدة، إما بحجة “تقصير حكومته عن الوفاء بتطلّـعات الشعب” أو لأنه “لم يقطع مع أساليب الحكومة السابقة” أو بمبررات من قبيل أنه “مِـن وجوه الحِـقبة البورقيبية”. ولم يتوانَ البعضُ الآخَـر عن المطالبة برحيله والشروع في تنظيم حملة من أجل إسقاط الحكومة.
أهمية استعادة “هيبة الدولة”
ففي تحرّك أخير نظم تحت عنوان (القصبة 3)، توجّـه خلاله عدد من المحتجِّـين نحو مقرّ الحكومة، بنيَّـة الإعتصام مرّة أخرى للمطالبة برحيل الباجي قايد السبسي، لكن قِـوى الأمن الداخلي تصدّت لهم وقامت بتشتيتهم. مع الملاحَـظ أن الكثير من أبناء الجهات الداخلية الذين سبَـق لهم أن شاركوا بشكل فاعِـل في الإعتصامين السابقين، قد أكّـدوا عدم عِـلمهم بهذا التحرّك الجديد وبدوافعه، وهو ما يفسِّـر محدودية الحركة الأخيرة وما خلَّـفته من تساؤلات حوْل هوية الذين استلَـموا المبادرة وأهدافهم.
فالساحة “الإحتجاجية” قد اختلطت في الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ، حيث تنوّعت التحرّكات بشكل غيْـر مسبوق، وذلك منذ أن دخل على الخطّ السلفيون وأنصار حزب التحرير والمنتسِـبون إلى بعض تيارات أقصى اليسار وأصحاب المطالب الفِـئوية أو الجهوية والعاطلون عن العمل، وحتى ممّـن لم يخطر بباله أن ينزل في يوم من الأيام إلى الشارع للتظاهر ورفع صوته ضدّ النظام.
هذا الصَّـخب المتصاعد لم يُـثِـر فقط حفيظة الحكومة ووزيرها الأول، وإنما أعاد أجواء القلق في صفوف الكثير من التونسيين، بما في ذلك جزء واسع من النُّـخب، الذين عبَّـروا بوضوح عن خوْفهم من أن يؤثِّـر ذلك على حالة الاستقرار النِّـسبي على الصعيديْـن، الأمني والسياسي، التي سُـجِّـلت على إثْـر تولِّـي قايد السبسي رئاسة الحكومة، خاصة بعد اضطرار أصحاب محلاّت شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي وسط العاصمة وما جاوره إلى غلق محلاّتهم، خوفا من تكرار الإعتداء عليها ونهْـبها.
فالتونسيون الذين تعوّدوا على الاستقرار المفروض من أعلى، يجدون صعوبة حقيقية في أن يضمنوه بأنفسهم في أجواء الحرية، وهذا ما ألحّ عليه الوزير الأول من خلال تأكيده على أهمية استعادة (هيبة الدولة). هذه الكلمة التي أثارت جدَلا واسعا في مختلف الأوساط وكُـتِـبت عنها مقالات كثيرة، نظرا لأنها ذكَّـرت الكثيرين بلغة التهديد والوعيد التي استعملها سابقا كل من بورقيبة وبن علي، مع اختلاف الدرجة والمرحلة.
“استضعاف الدولة”
في المقابل، يُـستبعد أن يكون الوزير الأول التونسي قد يقصِـد بها التلويح بالعصا الغليظة، فهو يعلم بأن الوضع لم يعُـد هو الوضْـع، وإنما شعورا منه بأن البلاد تُـعاني مما سمّـاه بـ “استضعاف الدولة”. وهو استضعاف “تعدَّدت مؤشِّـراته خلال الفترة السابقة”، على حدِّ تعبيره.
فعلى سبيل المثال، تمّ إيقاف رجل أمن على إثر اشتباكه مع أحد المنحرِفين، حسب بعض الروايات، وذلك بسبب العُـنف الذي تعرّض له هذا الأخير. وعلى إثر إيقاف الشرطي، اعتصم زملاءه أمام مكتب قاضي التحقيق وتولّـوا إخراج زميلهم من زِنزانة الإيقاف، مما دفع بجزء من القضاة إلى الإضراب عن العمل.
وتأتي مثل هذه التطورات في وقت يطالِـب فيه التونسيون بحزْم أكثر من قبل رجال الأمن لمواجهة حالة الإنفِـلات وتكاثُـر العصابات وحالات الإعتداء على المُـمتلكات والحُـرمات، وبالتالي، فإن من بين المُـشكلات التي تواجِـهها الحكومة المؤقتة، تحقيق المعادلة الصَّـعبة بين ضبْـط الأوضاع لتوفير النظام والأمن، والحيلولة دون تعطيل أجهزة الدولة من جهة، مع احترام حقوق الأفراد والحريات التي توفِّـرها الديمقراطية من جهة أخرى، إذ بدون ذلك تسود الفوضى ويستحيل على أيِّ حكومة في العالَـم أن تقوم بوظائفها في مثل هذه الظروف.
هل فشلت الحكومة الانتقالية؟
السؤال المطروح حاليا: هل يُـمكن القول بأن الحكومة الإنتقالية قد فشلت وأنها أصبحت مهدّدة جديا بالسقوط؟ موضوعيا، لم يمضِ على هذه الحكومة سوى أقل من شهر، وهي فترة قصيرة جدا لتقييم أدائها والحُـكم عليها، سَـلبا أو إيجابا. يُـضاف إلى ذلك، أنها التزمت إلى حدِّ الآن بالمهَـام التي طرحتها على نفسها. فهي من الجانِـب السياسي، متمسِّـكة بتوفير الشروط التي يتطلَّـبها انتخاب مجلسٍ تأسيسي، بما في ذلك إصرارها على احترام الموعد الذي حُـدِّد لإجراء الانتخابات يوم 24 يوليو، وذلك بالرغم من مطالبة جبهة 14 يناير اليسارية، بتأجيل ذلك إلى شهر أكتوبر.
أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، فقد أعدّت الحكومة حِـزمة من القرارات الظرفية، شملت دعْـم المؤسسات التجارية والخدماتية وتقديم مساعدات للناشطين في القطاع الفلاحي والصَّـيد البحري وإعادة توزيع الاعتمادات المالية على الجهات ذات الأولوية، وفتح المجال لتشغيل 40 ألف عاطِـل، سيكون نصفهم في القطاع العام. كما شرع الوزراء في الانتقال إلى مختلف الجهات لشرْح هذه القرارات والدِّفاع عنها، بعد غياب استمر منذ 14 يناير الماضي.
لكن، بالرغم من هذه الإجراءات التي استوجبَـت مُـراجعة ميزانية الدولة، فإن الحالة الإقتصادية تبقى هشّـة وغيْـر جيدة، وذلك نتيجة استمرار الإعتصامات في كثير من المؤسسات، مما أدّى إلى غلْـق بعضها، خاصة المملوكة لأجانب، إضافة إلى عوْدة العمال التونسيين من ليبيا في وضع كارثي، وهو ما زاد الطِّـين بلّـة. وقد أدت هذه العوامل مجتمعة إلى جعل التقديرات الرسمية تتوقّـع بأن تتراوح نِـسبة النمو خلال هذه السنة بين صِـفر وواحد بالمائة.
تجاذب في انتظار الحسم
وبشكل عام، يستمِـرّ التَّـجاذُب الثلاثي بين حكومة محدودة الصلاحيات والإمكانات، تقودها شخصية قوية لا تنوي التنازل عن جُـزء من صلاحياتها لغيرها، وبين معارضة متعدِّدة الرؤوس، لكلِّ منها حساباته، تعتبر نفسها متحدِّثة باسم الشعب ومسؤولة عن حماية أهداف الثورة، وبين شارع مُـنقسم على ذاته، يُـطالب جزء منه بحلول عاجِـلة وقرارات ملموسة تقطع نهائيا مع المرحلة الماضية وتستجيب لمطالب الجميع، في حين يعطي الجزء الآخر الأولوية لإنهاء الإنفلات الأمني وتمكين الدورة الإقتصادية من استئناف نشاطها بشكل طبيعي.
ومن أجل تجاوز هذا المأزق، يتمسّـك الكثيرون بإجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي يوم 24 يوليو، رغم عدم ضيْـق الوقت، حتى يتمّ الحسْـم في مبدإ الشرعية، أي أن يستمِـدّ الجميع تمثيليتهم الحقيقية من الشعب مباشرة، وتنتهي بذلك حالة تنازُع الشرعيات الغامضة.
وصل رئيس الحكومة الايطالية سيلفيو بلوسكوني يوم الاثنين 4 أبريل 2011 الى تونس في زيارة خاطفة تستغرق بضع ساعات في اجواء من التوتر بين البلدين بسبب قضية الهجرة غير الشرعية من تونس الى ايطاليا.
وسيجري برلوسكوني الذي يرافقه في رحلته وزير الداخلية روبرتو ماروني، محادثات مع الرئيس التونسي الموقت فؤاد المبزع ثم مع رئيس الوزراء الباجي قائد السبسي. وسيغادر تونس بعد الغداء.
من جهته، سيلتقي ماروني في الصباح نظيره التونسي حبيب الصيد الذي عين قبل اسبوع.
واكدت الحكومة الايطالية مجددا مساء السبت 2 أبريل وجود اتفاق بين روما وتونس حول اعادة المهاجرين السريين التونسيين الموجودين في ايطاليا، على الرغم من نفي وزارة الخارجية التونسية ذلك قبل ساعات.
ونقلت وكالة الانباء الايطالية (انسا) عن مصدر حكومي ان “وزيري الداخلية والخارجية روبرتو ماروني وفرانكو فراتيني اتفقا مع السلطات التونسية على اعادة فورية وتدريجية لكل مواطني شمال افريقيا الذين وصلوا الى جزيرة لامبيدوزا هذه السنة على اساس اتفاق وقع بين البلدين في 60 آب/اغسطس 1998 ومدد في كانون الثاني/يناير 2009”.
واضاف المصدر نفسه ان الوزيرين الايطاليين توصلا الى هذا الاتفاق “خلال مهمتهما في تونس في 25 آذار/مارس”، موضحا “لكن هذا التعهد لم يحترم”.
ومنذ زيارة وزيري الداخلية والخارجية، تتهم السلطات الايطالية تونس بعدم احترام الوعد الذي قطع بهذه المناسبة بوقف انطلاق المهاجرين من سواحل تونس.
وكانت وزارة الخارجية التونسية قالت السبت انه لم يتم توقيع اي اتفاق في مجال الهجرة السرية مع ايطاليا خلال زيارة وزيري الخارجية والداخلية الايطاليين قبل اسبوع لتونس، ودعت روما الى التضامن مع تونس التي تستقبل عشرات آلاف اللاجئين الذين فروا من ليبيا.
واوضحت الوزارة في بيان نقلته وكالة الانباء التونسية الحكومية “في ضوء التصريحات التي تداولتها مؤخرا وسائل الاعلام بايطاليا نقلا عن بعض الاطراف السياسية الايطالية والتي مفادها عدم احترام تونس” لهذا الاتفاق “تشدد الوزارة على انه لم يقع امضاء اي اتفاق بمناسبة تلك الزيارة”.
ومنذ الاطاحة بنظام زين العابدين بن علي في 14 كانون الثاني/يناير الماضي، وصل نحو 22 الف مهاجر سري الى جزيرة لامبيدوزا الايطالية قادمين اساسا من تونس.
وقد وصل اكثر من مئتي مهاجر ليل الاحد الاثنين الى الجزيرة الصغيرة التي تم ترحيل حوالى 1300 لاجىء آخرين منها، كما اعلنت السلطات المحلية.
ورسا مركب ينقل 210 اشخاص الى مرفأ لامبيدوزا قبيل منتصف ليل الاحد الاثنين بتوقيت غرينتش، بعد وصول اكثر من 600 مهاجر الاحد في حوالى عشرة مراكب.
وفي الوقت نفسه يتواصل اجلاء هؤلاء المهاجرين الذين نقل 1344 منهم على متن البعارتين لاسوبيربا وكلوديا الى مراكز استقبال في جميع انحاء ايطاليا.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 4 أبريل 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.