بعد إعلان وقف إطلاق النار.. هل انتهت الحرب في قطاع غزة؟
الإجابة عن هذا السؤال سهلة، فعلى الرّغم من إعلان الحكومة الإسرائيلية عن نهاية عملياتها العسكرية الرئيسية في غزة واتِّـخاذها قرارا بوقف إطلاق النار من جانب واحد، فإن الحرب لم تنته بعدُ، ليس فقط لأن حركة حماس قد استمرّت في إطلاق صواريخ القسام فى أعقاب الإعلان، لكن لأن الحرب لم تحقّـق أية أهداف كُـبرى للطرفين، بما يشير إلى احتمالات تجدّدها، إلا أن الساحة قد شهِـدت أيضا أوضاعا تجعل تلك الإجابة السهلة غير مريحة تماما.
وفي العادة تنتهي الحروب، عندما يحقِّـق أحد أطرافها نصْـرا ساحقا، بما يعني أن الطرف الآخر قد تكبّـد هزيمة فادِحة تشير إلى انهيار مقاومته، لينتهي الأمر، كما أنها قد تتوقّـف في حالة تعرّض الطّـرفين لإرهاق عسكري يُـدرك كل منهما معه أنه لن يكون قادرا على مواصلة القِـتال بصورة تؤدّي إلى تحقيق أهدافه، وبالتالي، تتجمّـد الحرب في انتظار جولة أخرى أو يتوقّـف إطلاق النار، حتى يتمّ اختراقه أو تثبيته.
إن هناك مشكلة مُـزمنة تتعلّـق بنهايات الحروب في الشرق الأوسط، فما حدَث فى حرب غزّة قد يبدو أقرب إلى حالات توقّـف إطلاق النار القابِـلة للتجدّد بشكل سريع مرّة أخرى، لكن، هل أرهقت إسرائيل، التي كانت تخوض حربا مفتوحة من طرف واحد ولم تتكبّـد فيها خسائر عسكرية ذات أهمية؟ ولماذا تبدو حماس، التي تعرّضت لضربات قاسِـية، راغبة في استئناف العمليات العسكرية أو مُـضطرة إلى القيام بذلك؟ فما جرى ليس حالة نمَـطية لحروب الإرهاق.
لم ينتصر أحد
إن واحدة من مفاتيح فهم ما جرى، وربما ما سيدور في الفترة القادمة، هي أنه لم يعُـد أحد ينتصر في حروب المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وهي مسألة مطروحة بالنِّـسبة لإسرائيل تحديدا. فقد تعلّـمت إسرائيل تقليديا، أنها يُـمكن أن تحقِّـق انتصارا عسكريا كاسحا في بعض الأحيان، كما جرى خلال حرب 1967، لكن رغم ذلك، لا يعترف الطّـرف الآخر ببساطة، بالأوضاع المترتِّـبة على الهزيمة، وبالتالي، لا يقوم بتوقيع أي اتفاق يرتّـب التزامات دائمة، بينما يستعدّ لجولة عسكرية أخرى.
لكن الدرس الأهم الذي تلقّـته إسرائيل فيما يتعلّـق بعدم القُـدرة على تحقيق انتصارات عسكرية، قد ارتبط بحرب لبنان عام 2006، فهي لم تتمكّـن من تحقيق الأهداف الكبرى، التي حدّدتها لنفسها في بداية الحرب، والتي بدا وكأنها يُـمكنها القضاء على حزب الله، وأرتبك الأداء العسكري لقواتها في لبنان بصورة مثيرة وتلقّـت ضربات إزعاج شديدة التأثير من جانب “الكاتيوشا”، لدرجة أن حزب الله كان يُـمكنه أن يزعم أنه انتصَـر وأن يجد من يستمعون إليه.
إن حركة حماس لا تستطيع هذه المرّة أن تزعَـم أنها قد انتصرَت على إسرائيل أو أن إسرائيل قد أوقفت الحرب، لأنها تكبّـدت خسائر لا تُـحتمل، لكن الواضح أيضا، أن إسرائيل لم تحقِّـق انتصارا، فلم تتمكّـن من القضاء على حركة حماس ولا يوجد أي تقدير محدّد لما إذا كانت قد تمكّـنت من إضعافها عسكريا أو أن ثورة تُـوشك أن تندلع ضدّها في غزة أو أن قياداتها تعاني من انشقاقات حادّة، بشكل يُـمكن أن يغيِّـر الموازين القائمة في القطاع، وِفق أهدافها الرئيسية للحرب.
المشكلة الحقيقية التي تواجه إسرائيل، عملياتية، فأهدافها المحدّدة من شنّ الحرب، وهي منع أعمال إطلاق صواريخ القسام أو “غراد” ضد إسرائيل، ووقف عمليات تهريب الأسلحة عبر الحدود أو المياه، تُـواجه مشكلة أيضا، فتلك الأهداف لم تتحقّـق عبر استخدام القوّة العنيفة وتأمل إسرائيل فيما يلي:
1 – أنها يمكن أن توقف إطلاق الصواريخ عبر ترتيبات أمن لن تسحب قواتها من غزة، إلا بعد إتمامها، إلا أنها ستُـواجه مشكلة البقاء الطويل نسبيا للقوات في القطاع.
2 – أنها يُـمكن أن توقف أعمال التهريب عبر آليات دولية، كالتفتيش البحري ومراقبة الحدود، وهو ما بدأ يثير مشكلة حقيقية مع مصر.
إن مشكلة إسرائيل كالتالي، فلقد تمكّـنت من ترتيب مثل تلك الأوضاع في مواجهة حزب الله، فيما يتعلّـق بإطلاق الصواريخ والابتعاد عن الحدود عام 2006، رغم أنها لم تحقِّـق نتائج عسكرية كُـبرى تتجاوز تدمير بنية لبنان، وقد قامت بنفس العملية في قطاع غزّة، لكنها لا تبدو قادِرة على تحقيق نفس الأهداف بنفس السهولة، فحدود قوّتها تتقلّـص، وبالتالي، لا يزال الوقت مبكِّـرا للحديث عن استقرار مسرح العمليات، ناهيك عن هُـدنة طويلة المدى.
لم يُـهزم أحد
أيضا، فإن واحدة من مفاتيح فهم ما جرى وربما ما سيدور في الفترة القادمة، هي أنه لم يعُـد أحد يُـهزم في حروب المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وهي مسألة مطروحة بالنسبة لحركة حماس تحديدا، فنادرا ما أقرّ أي طرف عربي في عهد الحروب النِّـظامية قديما، بأنه تعرّض إلى هزيمة، وما جرى، كان عبارة عن نكبات أو نكسات أو “جولات”، وألهبت مسألة الهزيمة العسكرية والانتصار السياسي أذهان بعض القادة، لتمثل مخرجا من مآزق حقيقية.
في ظل الحروب غير النظامية، أصبحت المسألة أكثر تعقيدا، إذ بدأت إستراتيجيات “الصمود” و”الممانعة” في الظهور، وتتمثّـل الفِـكرة في أنه طالَـما فشل طرف في القضاء على وجود أو قُـدرات طرف آخر، وطالما لم يتمكّـن من إنهاء إرادته على المقاومة، فإنه لا توجد هزيمة، وهناك جوانب منطقية وغير منطقية في ذلك.
الجانب الغير منطقي، هو أن حماس لم تقم بخـوض الحرب لمجرّد أن تبقى بعدها، ومن المُـفترض أنها كانت ترمي لتحقيق أهداف تجبر إسرائيل على تغيير مواقِـف أساسية لها، لكن الأهمّ أن مجرّد قُـدرتها على البقاء تطرح فِـعلا مثل تلك الأهداف على جدول أعمال المفاوضات، ربما بأكبر ممّـا تمكّـن حزب الله من القِـيام به عام 2006، رغم أن أداءه العسكري كان أفضل من أداء عناصِـرها المسلحة.
إن أهداف حماس في الحرب، هي غالبا نفس الشروط التي وضعتها لإنهائها من جانبها، وهي (إضافة إلى وقف العمليات وسحب القوات)، فتح المعابر وفكّ الحِـصار، في إطار صيغة يتِـم الاعتراف فيها بسيطرة حماس على قطاع غزة، وربما كانت تلك الأهداف هي التي أدّت إلى توتّـرات شديدة، ليس في إطار الحرب مع إسرائيل فقط، ولكن في إطار التّـعامل مع مصر أيضا، التي تُـدرك حماس أن لديها موقِـفا صارما إزاء “انفِـصال” غزّة أو “أسلمة” القطاع.
لقد خاضت حماس ثاني أكبر معركة عنيفة في تاريخها، بعد معركتها مع حركة فتح عام 2007، وتواجه نفس مشكلة إسرائيل في تحقيق أهدافها، فسوف يتِـم التوصل إلى صيغة لفتح المعابر، بل ورفع الحصار وإعادة إعمار غزّة، لكنها لا تزال غير متأكِّـدة من موقعها داخل تلك الصيغة، لِـذا، فإن الحرب لم تنتَـه بالنسبة لها بعدُ وستظلّ تواجه تلك المشكلة لفترة قادمة، ولديها تقديراتها وارتباطاتها الخاصة التي تؤثر على قراراتها.
من جانب واحد
إن الطرفان الرئيسيان للحرب، يواجهان مشكلة في تحقيق الأهداف التي تمّ خوض الحرب من أجلها، لِـذا، فإن العملية بالنسبة لهُـما مستمرّة، وبنفس الضراوة، رغم أن أعمال العنف المسلح قد تُـصبح أقلّ حدّة، والصيغة التي تمّ بمُـقتضاها وقف إطلاق النار، تتّـسم بهشاشة شديدة. فحماس لم تلتزم بها وبدأت في إثبات ذلك على الفور، وإسرائيل، تقرّر أنها ستردّ “بشدّة” ضدّ أي هجمات توجّـه لقواتها أو لمدنها.
إن مشكلة أي وقف لإطلاق النار أصلا، حتى لو كان الطرفان قد وافَـقا عليه، هي أنه يكون قابلا للاختراق ببساطة شديدة في مراحله الأولى، فحوالي 70% من عمليات وقْـف إطلاق النار الأولى التي شهدتها المعارك في العالم عموما لم تستقِـر، وتتصاعد تلك الاحتمالات عندما تكون غير مرتبِـطة بتفاهمات أو ترتيبات تضمَـن عدم تِـكرارها.
يُـضاف إلى ذلك، أن كل طرف يشعُـر أنه قادر على تحقيق أهدافه، رغم أنه لم يحقِّـقها خلال الحرب، فقيادات إسرائيل لديها حاليا تلك الثقة التي افتقدتها في حرب 2006 وتعتقد أن لديها فُـرصة لن تتكرّر لتحقيق ما تريده، كما أن قيادات حماس تشعُـر أنها تخوض معركتها الأخيرة، وعندما تُـدار الصراعات بمنطِـق أنها مسألة حياة أو موت، فإن النتائج تكون شديدة السوء بالنِّـسبة لسكّـان منطقة تحوّلت إلى مسرح عمليات، وهو ما جرى لمواطني قطاع غزّة، وللأسف، لا توجد نهاية واضحة لتلك المأساة.
د. محمد عبد السلام – القاهرة
غزة (رويترز) – بدأت القوات الاسرائيلية في الانسحاب من قطاع غزة يوم الاثنين 19 يناير، في اعقاب هدنة مبدئية مع حركة المقاومة الاسلامية (حماس) سمحت للفلسطينيين بتقييم ما خلّـفته الحرب المدمّـرة التي استمرت ثلاثة اسابيع.
وصرّح مسؤولون عسكريون بان القوات والجنود الذين تدفّـقوا على غزة في الثالث من يناير في اطار هجوم لمواجهة الهجمات الصاروخية الفلسطينية، يرحلون تدريجيا، على الرغم من انهم ما زالوا مستعدّين لمواجهة اي تفجر للقتال. واعلنت اسرائيل وحماس بشكل منفصِـل وقفا لاطلاق النار يوم الاحد 17 يناير، مما ادّى الى شعور بالارتياح لدى الدول الغربية، التي على الرغم من تعاطفها علانية مع المخاوف الامنية الاسرائيلية، قد شعرت بانزعاج لتزايد الخسائر البشرية في قطاع غزة.
والقت الازمة بظلالها على الايام الاخيرة من ادارة الرئيس جورج بوش، وكشفت الازمة تحدّيات الشرق الاوسط، التي قد يجد الرئيس المنتخب باراك اوباما الذي سيؤدّي اليمين يوم الثلاثاء 20 يناير، انها لا تذلل بشكل لا يقل عن تلك التي واجهها من سبقوه من الرؤساء. وبدأت الأسَـر الخروج من أماكن اختبائها في غزة، بما فيها مجمّـعات مدارس الامم المتحدة، حيث سعى 45 الفا الى الاحتماء اثناء القتال والعودة الى منازلهم، ليجد البعض منهم انها دُمِّـرت او أصيبت باضرار.
ووفقا لما ذكره مكتب الاحصاء المركزي الفلسطيني، تم تسوية نحو اربعة الاف مبنى سكني بالارض اثناء الحملة العسكرية، وقال دبلوماسيون غربيون إن اصلاح البنية التحتية في غزة، يمكن ان يتكلف نحو 1.6 مليار دولار امريكي.
واعلنت حماس وقف اطلاق النار بعد 12 ساعة من تحرك اسرائيل الاحادي، وقالت ان حلفاءها الاسلاميين في غزة سيتمسّـكون به ايضا. وتقول اسرائيل ان الصواريخ التي تطلقها حماس على اسرائيل، هي سبب الحملة العسكرية التي تشنها على غزة. واعلن اسماعيل هنية، زعيم حماس في غزة تحقيق “نصر شعبي” على اسرائيل، وأضاف في كلمة أذاعها تلفزيون الاقصى، التابع للحركة، أن “العدو” فشل في تحقيق أهدافه.
ودعا الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي – الذي انضم اليه قادة المانيا وبريطانيا واسبانيا وايطاليا وجمهورية التشيك، باعتبارها الرئيس الحالي للاتحاد الاوروبي، لاجراء محادثات مع اولمرت – اسرائيل الى فتح حدود غزة امام المعونات في اقرب وقت ممكن.
غير انه، على الرغم من اكتساب وقف اطلاق الناز زخما، الا انه لا يوجد اتفاق رسمي بين اسرائيل وحماس. ويبدو الموقف في غزة مثلما كان عليه قبل الصراع، اي مواجهة مسلحة ومستقبل عبوس ينتظر مليون ونصف نسمة محاصرين في غزة في حصار يهدف الى دفع حماس لاطلاق صواريخها وطموحات لتدمير الدولة اليهودية. ومع انتشال جُـثث العشرات من مقاتلي حماس من ميادين المعارك التي هدأت فجأة يوم الاحد، قال مسؤولون طبِّـيون في غزة، ان نحو 700 من بين 1300 قتيل هم من المدنيين.
واصاب نحو 17 صاروخا جنوب اسرائيل بعد وقف اطلاق النار، الذي اعلن اولمرت سريانه بدءا من الثانية صباحا بالتوقيت المحلي يوم الاحد (منتصف الليل بتوقيت غرينتش)، وردت اسرائيل بغارتين جويتين ضد مواقع اطلاق الصواريخ. وقالت الشرطة، ان ثلاثة صواريخ على الاقل ضربت جنوب اسرائيل بعد اعلان حماس وقف العمليات. وعلى الرغم من الانتهاكات، رحبت الولايات المتحدة بوقف اطلاق النار، كما عبرت الامم المتحدة عن ارتياحها.
وقالت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس إن “الهدف ما زال هو وقف دائم لاطلاق النار يتم احترامه بشكل كامل ويؤدي الى تحقيق الاستقرار وعودة الامور الى طبيعتها في غزة”. وقال متحدث باسم الرئيس المنتخب باراك اوباما، انه يرحب بالهدنة وسيقول المزيد عن الموقف في غزة بعد ان يتم تنصيبه يوم الثلاثاء.
وفي القدس، عبر مارك ريجيف، المتحدث باسم اولمرت عن امله ان يتم فتح المعابر اذا ما صمدت الهدنة، وقال “اذا صمد وقف اطلاق النار، وامل ان يصمد، سترون المعابر تفتح لكمٍّ هائل من الدعم الانساني”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 19 يناير 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.