بعد تبدّد فُـرص الحوار الداخلي.. اليمن على سكّـة المجهول!
المواجهات أصبحت شِـبه يومية بين قوّات الأمن وما بات يُـعرف بـ "الحِـراك في الجنوب".. والإشتباكات تجدّدت بين القوات الحكومية والمتمرّدين الحوثيين في صعدة شمالا.. وملاحقات مجاميع القاعدة مستمرة في شبوة ومأرب.. والحرب القبلية قائمة بين حاشد وبكيل.. والاختطافات وأعمال العنف متواصلة..
كل تلك الأحداث المُـلتهبة هنا وهناك أصبحت مؤشِّـرات على أن الأوضاع في البلاد وُضعت على سكّـة المجهول وتتّجه إلى مزيد من التعقيد والتأزّم، لاسيما في ظل الانقسام الواضح بين السلطة والمعارضة حِـيال طُـرق ومعالجات ملفّـات تلك الأحداث، والتي تتبدّى في تبادُل الاتِّـهامات بين الجانبين بتحميل كلّ طرف المسؤولية للطرف الآخر، ممّـا دفع المراقبين إلى التصريح بأن البلاد تعيش أزمة حقيقية، إن لم تكُـن تشهد انحدارا خطيرا نحو المجهول.
مواجهات دامية
فقد طغت على المشهد اليمني تتابُـع تلك الأحداث. فبعد أيام قليلة من المواجهات الدامية بين قوات الأمن، بقيادة طارق الفضلي في زنجبار وأتباعه ممّـن ينتمون إلى ما يُـعرف بحِـراك الجنوب والتي أسفرت عن سقوط ما يزيد عن 30 قتيلا واعتقال العشرات من بين صفوف المحتجين، استمرّت الاحتجاجات في أكثر من مكان متحدِّية قوات الأمن والجيش، فيما أعلن قادة هذه الحركة، التي بدأت منذ عام 2006، الاستمرار في طرح مطالِـبهم الانفصالية وفكّ الارتباط بالدولة اليمنية الموحّـدة بين شطريْ البلاد عام 1990.
وبلغ الأمر مستوى أكثر خطورة ببروز ظاهرة الاعتِـداء والقتل ضدّ مواطنين من الشمال من قِـبل مواطنيهم في الجنوب وأسفرت تلك الحوادث عن سقوط أربعة قتلى في لحج وردفان، وحرق محلات لباعة من الشمال في المكلا، علاوة على تنامي ظاهرة العُـنف اللّـفظي تُـجاه كل ما هو شمالي، في دلالة اعتبرها المراقبون تعبيرا عن تراكُـمات طويلة للغُـبن وسوء الإدارة والفشل للسلطة الحالية على مستويين.
يتمثل الأول، في عدم تمكّـنها من خلق حالة من الرِّضا وسط السكان في تلك المناطق بعد مُـضيّ أكثر من 18 عاما على إعلان الوحدة اليمنية. والثاني، تزايد مصاعِـبها في احتواء الاحتجاجات، على الرّغم ممّـا بذلته من جهود واستِـرضاء للعديد من الفعاليات النافذة في تلك المناطق.
لقد أثبتت الأحداث المُـتعاقبة، تنامي قوى الحِـراك وتوسّـع أطرافه، على الرغم من الإجراءات التي عالجت بعض المطالب الحقوقية ومن الوعود التي أطلقتها مؤخّـرا قيادات عليا في البلاد، والمتعلِّـقة بتطبيق حُـكم محلّـي واسع الصلاحيات، وهو الأمر الذي لم يُـغْـرِ قادة الحِـراك ولا المعارضة، نتيجة لما تولد لديها من قناعات جرّاء الممارسات السابقة، بأن السلطة تمتلِـك من الوسائل ما يُـتيح لها أن تُـفرغ أي مبادرة من مضمونها.
وهي تستحضر – في هذا الصّـدد – كمّـا هائلا من التّجارب المريرة، التي ما فتئت تتذكّـرها، فتثنيها عن الإقدام على أي خطوة تؤدّي إلى انفراج الأوضاع والخروج من الأزمة الرّاهنة التي تخيِّـم على المناطق الجنوبية الشرقية، ممّـا يُـبقي الأمور على ما هي عليه في تلك الجهات منذ عام 2006، إن لم تكُـن مرشّـحة لتطوّرات أكثر مأساوية، خاصة في ضوء تنامي ظاهرة تغذية الكراهِـية وشحن مشاعر العداء الجِـهوية بين المواطنين، على النحو الذي بدا من خلال الأحداث الأخيرة وفي ظل عدم قُـدرة قوات الأمن الوصول إلى منفِّـذي تلك الاعتداءات.
حرب ملتهبة تحت الرماد
إذا كان هذا هو حال الجنوب، فالأوضاع في شمال الشمال، وتحديدا في صعدة، تزداد اضطرابا منذ اندلاع أول مواجهة مسلّـحة بين المتمرِّدين الحوثيين والقوات الحكومية عام 2004.
ومع أن الرئيس علي عبدالله صالح كان قد أعلن في شهر يوليو 2008 أن تلك الحرب ذهبت إلى غير رجعة، إلا أنها في الواقع ظلّـت، رغم مساعي لجنة الوساطة، مشتعِـلة تحت الرّماد على الدّوام، بل ووِفقا لما يتناقله المراقبون والمتابعون، تعاظمت خلالها قوات وإمكانات ما يسمّـى بـ “الحوثيين”، إلى درجة أنهم تمكّـنوا من السّـيطرة على مدارس حكومية وحوّلوها إلى مخيمات تعليمية “للشباب المُـؤمن” الجناح العقائدي للحركة، ووصل الأمر أن هدّدوا بنقل المعارك إلى داخل السعودية، بعد أن اتّـهموا في بيان لهم أن هذه الأخيرة “دخلت الحرب ضدّهم بسماحها للِـواء عسكري يمني بدخول أراضيها بقصد الالتِـفاف على المواقع التي يتمركز فيها أنصار الحركة”.
هذا التطوّر جاء في وقت اتّـهمت فيه الحكومة، الحوثيين بأنهم قاموا – وبعد أكثر من عام على الإعلان عن نهاية الحرب في صعدة – بقتل 329 فردا بينهم 28 امرأة و10 أطفال وجرحوا 227 آخرين، فضلا عن اختطافهم لـ 500 فردا، كما اتّـهمت السلطة المحلية جماعة الحوثي بترويع وقتل وخطف المواطنين.
وفي السياق ذاته، وفي مقابلة مع قناة “الجزيرة” أكّـد حميد الأحمر عضو مجلس النواب من جهته أكثر من مرة (في نفس المقابلة)، أن “محافظة صعدة أصبحت خارج سيطرة الدولة ويحكمها فعليا الحوثي”، الذي نفى مزاعم الأحمر واعتبرها مقدّمة لإعلان الحرب عليه.
مواجهات قبلية أيضا..
وفي كل الأحوال، تؤكّـد هذه المعطيات أن واقع الحال هو استمرار الحرب في ظلّ إعلان السلام، وأن المنطقة ما زالت بعيدة عن الإستقرار المأمول، ما لم تكُـن الحرب السادسة قد بدأت فعلا بتجدّد المواجهات في مناطق متفرِّقة وإعلان الناطق الرسمي باسم مكتب الحوثي عن استعادة الجماعة سيطرتها على المواقع العسكرية في مُـديرية غمر والعفراء، في خطوة اعتبرها استباقا لأي التِـفاف على قواته، إلا أنه برّرها بكون المواطنين يدافعون عن أنفسهم ضدّ تمركُـز قوات الجيش فوق قُـراهم ومزارعهم، إلا أن الحكومة حمّـلت جماعة الحوثي مسؤولية أعمال العُـدوان التي تُـمارسها الجماعة.
وفي مؤشِّـر جديد على أن الأوضاع في اليمن تسير نحو مزيد من التعقيد، تصاعدت المواجهات القبلية الدائرة في المدن القريبة من صعدة منذ عشر سنوات بين القبيلتيْـن الرئيسيتيْـن في البلاد “حاشد” و”بكيل”. واتضح أن هناك مجاميع من هذه الأخيرة تقاتل في جبهة الحوثيين ضد قبيلة حاشد، التي كانت أعلنت الأسبوع الماضي “النكف القبلي”، والذي يعني حسب الأعراف القبلية، دعوة كلّ البطون والأفخاذ والفروع في اليمن المنتمية إليها المبادرة إلى مناصرتها ومدها بالعتاد والرجال والاصطفاف معها في حربها ضد “بكيل”.
يأتي كل ذلك في الوقت الذي تُـطارد فيه قوات الجيش والأمن مجاميع من عناصر القاعدة كانوا يحتمون في المناطق القبلية وسبق أن أعلنوا أن ما تُـواجهه سلطات صنعاء من تحدِّيات، يجعل الظروف مُـواتية “لإسقاط الدولة الكافرة وإقامة دولة الخلافة”، على حد زعمهم.
جمود يضع البلد على سكة المجهول
البُـؤر المشتعلة هنا وهناك، تبدو في الوقت الحالي مرشّـحة لمزيد من التوتّـر، خاصة مع انسِـداد آفاق الحِـوار بين السلطة والمعارضة، بعد أن ربطت هذه الأخيرة مواصلة الحوار بين الجانبيْـن، بشرط “إطلاق المُـحتجزين على ذمّـة الحراك”، وهو ما يعني حسب المراقبين، تجاوزا للشروط السابقة لمواضيع الحوار، التي كانت محصورة بإصلاح النظام السياسي والدستوري والإنتخابي إلى شروط جديدة، وهي “معالجة إفرازات الملفّـات الساخنة والمُـلتهبة” التي باتت مفتوحة على كل الاحتمالات الممكنة، ليس لأنها فقط تنطوي بذاتها على مسائل معقّـدة، وإنما لأنها تشكِّـل أيضا مطية للمعارضة كي تضغط بها على السلطات لحملها على القبول بإصلاحات جِـذرية، لا تفوّت عليها فُـرص الفوز في الانتخابات، التي تعتقد أن السلطة وممارستها هي سبب حِـرمانها من الفوز فيها غير مرة بسبب ما تعتبره “انفرادها بوسائل الترغيب والتّـرهيب في مربّـع اللعبة الديمقراطية”.
في المقابل، لا يبدو أن السلطة مستعدة للقبول بهذا المُـبتغى كما أن الإتِّـهامات الموجهة للمعارضة بـ “تحريك بُـؤر التوتر في البلاد واختلاق الأزمات”، كما ذهبت إلى ذلك الصحف الرسمية، باعث على استمرار الجمود وهيمنته على الحياة السياسية في البلاد، وهو جمود ما فتئ ينسحب على مجمل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية إلى درجة أنه أصاب البلاد بالشلل التام ووضعها على سكّـة المجهول ما لم تُـلـيَّـنْ مواقف الأطراف السياسية بشكل يحُـول دون سقوط المجتمع والدولة في ذلك “المجهول” البعيد حتى الآن عن إدراك ومعرفة الجميع.
صنعاء – عبد الكريم سلام – swissinfo.ch
صنعاء (رويترز) – قالت السلطات اليمنية إن قنبلة انفجرت قرب مبنى للشرطة في جنوب اليمن، بينما أبطلت قوات الامن مفعول قنبلة اكبر كانت معدة للانفجار خارج مبنى حكومي في المنطقة، التي تصاعدت فيها النعرة الانفصالية.
ونقل موقع للحزب اليمني الحاكم على الانترنت عن مصادر امنية قولها، ان الانفجار احدث فجوة في سور خارج مبنى ادارة للتحقيق الجنائي في محافظة أبين لكنه لم يوقع اي اصابات. وأبطل مفعول شحنة اخرى أكبر، هي لغم متصل بجهاز توقيت بعد زرعه لينفجر قرب سور مكاتب هيئة رقابية حكومية في أبين.
وقال الموقع، ان المصادر المسؤولة ذكرت ان خارجين على القانون وراء العملين “الارهابيين” بغرض زعزعة الامن والاستقرار في محافظة أبين وان السلطات ستلاحق المشتبه بهم وتعتقلهم لتقديمهم للمحاكمة وينالوا العقاب.
وقتل مسلحون، أربعة جنود يمنيين وجرحوا اخر الاسبوع الماضي في كمين نصب في أبين، شرقي عدن العاصمة السابقة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، التي اتحدت مع الشمال عام 1990.
وفي يوليو الماضي، قتل ثمانية اخرون في اشتباكات بين قوات الامن ورجال مسلحين في اجتماع للمعارضة في أبين للمطالبة بالافراج عن سجناء احتجزوا خلال اضطرابات وقعت مؤخرا. ويشكو سكان الجنوب، الذي توجد به معظم المنشآت النفطية اليمنية، من انتهاك الشماليين لاتفاق الوحدة لنهب مواردهم والتفرقة بين سكان الجنوب والشمال.
وواجه اليمن، وهو من أفقر الدول خارج إفريقيا، موجة من هجمات القاعدة خلال العامين الماضيين، كما يواجه تمردا شيعيا في الشمال واضطرابات متصاعدة في الجنوب.
وتخشى المملكة السعودية، أكبر مصدِّر للنفط في العالم، وهي جارة اليمن، ان يسمح عدم الاستقرار في اليمن باستخدام اراضيها لاحياء الحملة التي شنتها القاعدة بين عامي 2003 و2006 ضد الاسرة السعودية الحاكمة حليفة الولايات المتحدة.
وتولى الرئيس اليمني علي عبد الله صالح السلطة في اليمن الشمالي عام 1978 وأصبح رئيسا للجمهورية اليمنية الجديدة منذ عام 1990 وفاز عام 2006 بفترة رئاسية أخرى مدتها سبع سنوات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 أغسطس 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.