بعد تحديد موعد الإنتخابات البرلمانية.. خطى متسارعة من أجـل “مغرب جديد”
تتسارَع الخُـطى بالمغرب، للوُصول إلى موعد الإنتخابات التشريعية بتِـرسانة قانونية متوافَـق عليها، تضمن توجيه إشارات تبدّد الشك من خلال تنزيل ديمقراطي للدستور الجديد..
.. واختبار قُـدرة النخبة السياسية والحِـزبية على الدّفع نحو مغرب جديد، خرج آلاف من الشباب منذ العشرين من فبراير الماضي يُـنادون به بأعلى صوتهم.
في الأثناء، قد تتعثّـر الخطى أو تتباطأ، لكن تاريخ الخامس والعشرين من نوفمبر القادم، موعِـد الإنتخابات التشريعية الأولى بعد إقرار الإصلاحات الدستورية، يبقى امتحانا حقيقيا لهذه النُّـخبة، حيث سيكون حاملا لمؤشِّـرات ما ستكون عليه البلاد في ظِـلّ الربيع العربي، الذي يعتقِـد المغاربة أنهم تفاعلوا معه سِـلميا من خلال هذه الإصلاحات وجنَّـبوا بلادهم “المجهول”، الذي يرون أن البلاد العربية التي اندلعت بها أو حتى نجحت بها الثورات الشبابية، ذاهِـبة إليه بشكل أو بآخر.
موعد الإستحقاق الدستوري
كان الموعد الأوليّ، الذي اقترحته وزارة الداخلية، المُـشرفة على إعداد الإنتخابات للإستحقاق الدستوري الأول في ظل دستور يوليو 2011، هو أكتوبر الجاري، لكن الإقتراع لاختيار البرلمان الجديد يحتاج إلى الكثير من الترتيبات والإستعدادات القانونية واللوجِـيستية، لذلك تمّ التوافق مع الأحزاب السياسية على موعد جديد في 25 نوفمبر.
وحين ظهرت تشكيكات بالموعد، بعد تأخّـر في الإعداد، أكدت وزارة الداخلية الموعد بشكل قاطع، حتى يكون حافزا للفاعلين المعنيين على إسراع الخطى، و”تجاوز” اختلافات سيطول النقاش حولها بكل تأكيد.
وإذا كانت الجهات المعنية تولي وجهها اليوم باتجاه الإنتخابات القادمة، فإن أعينها ظلت مثبتة على تشريعيات 2007 وما رافقها من عزوف واسع عن التصويت، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة 37% من إجمالي المسجّـلين باللوائح الانتخابية، كما أن 20% من أصوات المقترعين كانت لاغية. وهو ما أدى بالضرورة إلى أن تُـصبح نسبة المشاركة مِـلفا مؤرقا، لأن حجمها الفعلي سيشكل الدليل على انخراط المغاربة بمسلسل الإصلاحات الجديد وعلامة ثِـقة بأن البلاد تسير صوب التغيير الإيجابي.
ومن أجل تحقيق ذلك، كان لابد من دفع القوى السياسية والأحزاب عموما، للمشاركة بالإعداد وبالحملة من أجل تحفيز المواطنين على التسجيل باللّـوائح الإنتخابية والمشاركة بالاقتراع يوم 25 نوفمبر.
بقاء “دار لقمان” على حالها
على صعيد آخر، وجدت بعض القوى السياسية أن آلية الإعداد للإنتخابات المقبلة، لا تحمل معها ما يتناسب مع ما يُـقال عن التغيير، ووجدت هذه القوى التي تتراوح مرجعياتها بين الإسلام والإشتراكية اليسارية، أن إسناد ملف الإعداد لوزارة الداخلية، مؤشر كافٍ – حسب رأيها – على بقاء “دار لقمان” على حالها، فأعلنت مقاطعة الإنتخابات، لتُـصبح جبهة المقاطعة “عريضة” بغضّ النظر عن الحجم الإنتخابي الحقيقي لهذه الجبهة.
جماعة العدل والإحسان الأصولية وحزب النهج الديمقراطي اليساري الراديكالي، لم يكونا ضمن الأطراف التي انتظرت اتضاح آلية الإعداد للإنتخابات، ليُـعلنا المقاطعة. فالجماعة شِـبه محظورة وغيْـر مشاركة بالمسلسل السياسي أصلا وحزب النّـهج، لا يعتقدان أن الإنتخابات في ظل النظام القائم، يمكن أن تكون نزيهة وديمقراطية.
لكن المفاجأة جاءت هذه المرة من الحزب الاشتراكي الموَحَّـد اليساري (الذي لم يتخلف عن المشاركة في الانتخابات منذ 1984 ويحتلّ في البرلمان الحالي 3 مقاعد)، ومن حزب الطليعة الاشتراكي ومن حزب البديل الحضاري.
مقاطعات مفاجئة
الحزب الإشتراكي الموحد، وبعد نِـقاش ساخن في مجلسه الوطني، قرر المقاطعة لـ “غياب أي إرادة جادّة لتأسيس انتقال ديمقراطي حقيقي، يربط القرار السياسي بصناديق الاقتراع ويقطع مع منطق التحكّـم في الحقل السياسي من الأعلى”، مُـستدِلا بـ “استمرار وزارة الداخلية في تنظيم الإنتخابات، رغما عن تاريخها المعروف في تزوير الإستحقاقات، في مقابل رفض تشكيل هيئة وطنية مستقلّـة للإشراف على الانتخابات” و”خلق الأحزاب الإدارية وتزوير نتائج الاستحقاقات الانتخابية، والاستفتاء الأخير على الدستور، مما جعل العملية السياسية تصِل إلى طريق مسدود، أفضى لدفعها إلى هامش المجتمع”.
ومن جهته، قال حزب الطليعة الإشتراكي إنه سيُـقاطِـع الانتخابات، لأن “الخطوات التي قامت بها الطَّـبقة الحاكمة، منذ الإعلان عن الدستور وما رافقه من مناورات إلى الإعلان عن إجراء الإنتخابات، لا ترمي قطْـعا للإستجابة إلى مطالب الشعب المرفوعة في الشارع.. وإنما إلى إعادة نفس الشروط السابقة، التي ملَّـها الشعب، مُـدركا خلفياتها ومراميها، سواء في الدساتير المرقّـعة أو في القوانين الإنتخابية”.
أما حزب البديل الحضاري، الذي أعلنت السلطات عن حله في عام 2008 ثم تمّ التغاضي عن القرار، فيرى أن “كل المؤشرات تُـوحي اليوم أن هناك هُـوّة عميقة بين الخطاب الرسمي والممارسة الميدانية المعاكسة، خصوصا تلك الصادرة عن وزارة الداخلية”.
والملفت أن جُـلّ بيانات الأحزاب المقاطِـعة حملت في طياتها دعوات “من أجل تشكيل جبهة وطنية لمقاطعة الإنتخابات المقبلة، كامتداد للنِّـضالات الشعبية التي تجسِّـدها حركة 20 فبراير، والتي تحبل بإمكانية القطْـع مع الإستبداد والحُـكم المطلَـق ونهْـب خيرات البلاد واقتصاد الريع والإمتيازات”.
إدماج الشباب في اللائحة الوطنية
في سياق متصل، تتمثل أهمية الأطراف المقاطعة في شمولها للأحزاب والتيارات الدّاعمة لحركة 20 فبراير، التي لا زالت تُـؤطِّـر الإحتجاجات الشبابية بالبلاد، للمطالبة بإصلاحات دستورية وسياسية واقتصادية واجتماعية، ومحاربة الفساد والفصل بين الثروة والنفوذ، والتي جاء تحرّكها في إطار الربيع العربي، محفزا للإصلاحات التي عرفتها البلاد. وفي هذا الصدد، شكلت مقاطعة الإنتخابات، شعارا أساسيا للتظاهرات الإحتجاجية، التي نظمتها الحركة مساء يوم الأحد 25 سبتمبر في عشرات المدن المغربية.
وبحكم أن الشباب يعتبر “هدفا” أساسيا للفاعلين السياسيين بمختلف مكوِّناتهم، فإن تأمين إشراك هذه الفئة العريضة من السكان في المؤسسات المُـنتَـخبة، يظل في لبّ انشغالاتهم، فتعدَّدت الإقتراحات لتتبَـلْـور (بالنسبة للمشاركين بالإعداد للانتخابات) في اعتماد مقترح يقضي بإدخال الشباب فيما يُـعرف مغربيا باللاّئحة الوطنية، التي تخصِّـص منذ 2002 للنساء كتمييز إيجابي من أجل تشجيع المرأة على الحضور في مؤسسات الدولة المُـنتَـخبة.
وفيما كانت اللائحة الوطنية تضُـم 30 مقعدا من جملة 325 هي مقاعد مجلس النواب، ويتم انتخابها على المستوى الوطني (بقية المقاعد تنتخب باللائحة المحلية)، تم رفع عدد مقاعد اللائحة في الصيغة النهائية للإقتراح إلى 90 مقعدا من جملة 395 مقعدا (يخصص منها 60 مقعدا للنساء و30 مقعدا للشباب)، بترتيب 2 نساء يتبعهما شاب يقِـل عمُـره عن 40 عاما.
هذا الإقتراح الذي حُسم به الأمر في مجلس النواب الأسبوع الماضي، أدى إلى اندلاع نقاشات تحوّلت تاليا إلى توترات، ليس فقط بين الأحزاب المعنية، بل أيضا داخل كل حزب منها. فإذا كان البعض يرى أن مبدأ اللائحة أصبح مُتجاوزا بعد أن تحوّل إلى مجرد ريع سياسي، وفي ظل فشل النساء اللواتي انتُـخِـبن سابقا في خلق فِـعل نسوي حقيقي، فإن القطاعات النسائية لهذه الأحزاب وجدت في تركيبة اللاّئحة المقترحة، انتقاصا من المكاسب التي حقّـقتها المرأة في السلطة التشريعية بل ومتعارضة مع مبدإ المناصفة، الذي أقره الدستور المغربي الجديد.
المعركة لم تنته بعدُ
على صعيد آخر، شهد الإعداد للانتخابات نِـقـاشات صاخبة أيضا بين الأحزاب ووزارة الداخلية بشأن “العتبة اللاّغية” أو الحدّ الأدنى المطلوب من الأصوات للحصول على مقعد في البرلمان. ففيما كانت الأحزاب الكُـبر تدفع باتجاه رفع العتبة لتصل إلى 8 أو 6%، طالبت الأحزاب الصغرى بنسبة 3%، لكن وزارة الداخلية وصلت في المشروع الذي صوّت عليه البرلمان إلى 6% بالنسبة للدوائر الإنتخابية المحلية، وهي نسبة تم تخفيضها إلى 3% بالنسبة للإنتخاب على مستوى الدائرة الانتخابية الوطنية.
الأحزاب السياسية المشاركة بالبرلمان صوّتت لصالح القانون المنظِّـم للانتخابات، الذي قدّمته وزارة الداخلية، باستثناء حزب العدالة والتنمية (الأصولي المعارض)، الذي صوّت ضدّ المشروع “لأنه لا يستجيب لمتطلَّـبات المرحلة التي يعيشها المغرب، بعد المصادقة على الدستور الجديد” ورفْـض الحكومة لاقتراحاته، التي ضمت إشراك أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج في اللائحة الوطنية وتمكينهم من التصويت في بلد الإقامة، عوض اللجوء إلى التصويت بالوكالة الذي يفتح الباب أمام عدد من التلاعبات وتحفّـظا على نسبة العتبة التي اقترح رفعها إلى 8%، بهدف محاربة “بلقنة” المشهد السياسي.
مع ذلك، فإن إقرار قانون الانتخابات، لا يعني أن المعركة حول الإعداد للتشريعيات القادِمة قد انتهت، إذ ينتظر نشوب معركة ساخنة أخرى حول التقطيع الانتخابي (أي تقسيم الدوائر الإنتخابية). واذا كانت وزارة الداخلية تقترح اعتماد حدود العمالات (المحافظات) والأقاليم، فإن عددا من الأحزاب ترى أنها حدود غير عادلة ستعطي نِـسبا متفاوتة حول الحجْـم السكاني لكل دائرة.
امتحان مغربي صعب
طبقا للدستور المغربي الجديد، فإن الملك يختار رئيس الحكومة من “الحزب” الفائز بالمرتبة الأولى بالبرلمان، ومع أن عدة أحزاب سياسية (من اليمين) حاولت الدّفع باتِّـجاه أن يكون الإختيار من “تكتُّـل الأحزاب” الفائزة بالمرتبة الأولى وبررت بأن ذلك يساعد على بروز تكتلات في شكل أقطاب سياسية (يمين ويسار ووسط)، إلا أن اقتراحها رُفض دون أن تغيب التحالفات أو التكتلات تماما من المشهد السياسي المغربي في محاولة استباقية لإفشال الحزب الفائز من أغلبية برلمانية وتؤهّل آليا الحزب (أو التكتل) الذي يليه لتشكيل الحكومة.
ويذهب البعض إلى أن نهج التكتلات الانتخابية يهدِف إلى حرمان حزب العدالة والتنمية الأصولي من الفوز بالمرتبة الأولى أو من رئاسة الحكومة، إذا ما فاز بها، وهو ما تعطيه نتائج استطلاعات نوايا الناخبين منذ عدّة أسابيع.
في الأثناء تؤشر التوترات التي تعرفها النقاشات الجارية بين وزارة الداخلية والحزب (الذي هدد بعض قيادييه بالمقاطعة)، إلى أن هذا الفوز لا زال صعب المنال وأن المتغيرات الإقليمية والمؤشرات الدولية عن التعاطي الإيجابي مع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية المعتدلة، لن يكون لها الحضور اليقيني بالمغرب. فالحملة ضد هذا الحزب الذي يُـعتبر الأقوى والأكثر تماسُـكا وتنظيما بين الأحزاب المشاركة حاليا بالبرلمان، لم تتوقف وما قدمه من إشارات عن تفاعله الإيجابي مع توجّـهات المراجع العُـليا لم تصله عليها حتى الآن اشارات مماثلة.
إنه امتحان مغربي صعب، إن كان فيما يتعلق بإعداد الإنتخابات أو بإجرائها أو في تدبير نتائجها، لأنه امتحان يجري في ظل ربيع عربي لا يعرف حدودا وفي ظل استمرار احتجاجات فئات من الشباب المغربي، لم تجد ما يُقنعها بأن ما يجري من حولها يسير في الإتجاه الذي تشتهيه.
في منتصف أغسطس الماضي، أعلن المغرب أنه سيجري انتخابات برلمانية يوم 25 نوفمبر 2011 قبل عشرة أشهر من موعدها الإعتيادي.
في الأثناء تسعى المملكة لتبني اصلاحات دستورية لمنع اندلاع أي انتفاضة في البلاد تستلهم ما بات يعرف باسم الربيع العربي.
الانتخابات كانت مقررة في سبتمبر 2012 لكن العاهل المغربي الملك محمد السادس قال إنه يريد اجراء انتخابات مبكرة للسماح لحكومة جديدة بتنفيذ الإصلاحات التي جرت الموافقة عليها في استفتاء نظم في شهر يوليو 2011.
وتشمل الإصلاحات التي أيدتها أغلبية عريضة من الناخبين المغاربة نقل بعض سلطات الملك الى مسؤولين منتخبين على أن يبقى له القول الفصل في القضايا الإستراتيجية.
تحدد موعد إجراء الانتخابات الجديد بناء على مفاوضات دقيقة بين وزارة الداخلية المغربية التي تشرف على الإنتخابات وبعض الأحزاب السياسية التي تقول إن هناك حاجة لمزيد من الوقت لضمان نزاهة الانتخابات.
ويوم 16 أغسطس، قالت الوزارة في بيان نقلته وكالة المغرب العربي للانباء الرسمية “بعد سلسلة من المشاورات مع الأحزاب السياسية حول مشاريع النصوص الإنتخابية والتحضير لمختلف الإستحقاقات الانتخابية المقبلة يعلن وزير الداخلية أن تاريخ الاقتراع الخاص بانتخاب أعضاء مجلس النواب هو يوم الجمعة 25 نوفمبر 2011”.
وتهدف الاصلاحات الى تلبية مطلب بديمقراطية أكبر وتقليل خطر خروج احتجاجات في الشوارع مثل تلك التي أطاحت برئيسي تونس ومصر في وقت سابق من العام الحالي.
وكان العاهل المغربي البالغ من العمر 47 عاما قال في كلمة بثها التلفزيون يوم 30 يوليو 2011 إن التعديلات الدستورية “يجب أن تنفذ بسرعة”، مضيفا بأن “أي تأجيل للانتخابات سيهدد ديناميكية الثقة ويهدم الفرص التي تطرحها الإصلاحات الجديدة”.
كما أكد الملك محمد السادس أنه “من المهم البدء بانتخاب برلمان جديد حتى يمكن المضيّ قدما بتعيين رئيس للحكومة”.
(المصدر: وكالات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.