بعد تفاقم القرصنة.. “الحل يكمن في تحرك جماعي لإعادة بناء الدولة الصومالية”
اعتبر الخبير والمحلِّـل السياسي الدكتور عبد السلام علي نوير، أستاذ مشارك العلوم السياسية بكلية الأنظمة والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود بالرياض، أن "قراصنة البحر الأحمر، الذين اختطفوا ناقلة النفط العملاقة "سرياس ستار"، هم نتاج الحرب الأهلية الدّائرة في الصومال".
واعتبر الخبير الصومالي أن الحلّ يكمُـن في عمل “معالجة شاملة للوضع في الصومال وترتيبات جادّة بالتنسيق مع المجتمع الدولي، لإعادة بناء الدولة الصومالية، كمدخل مُـهم لتأمين هذه المنطقة، التي صارت تُـمثل تهديدًا مباشرًا لواحد من أهمّ الشرايين الاقتصادية في العالم”.
وفي حديث خاص لسويس إنفو، ذهب الدكتور عبد السلام نوير، أستاذ مساعد العلوم السياسية بقسم العلوم السياسية بكلية التجارة بجامعة أسيوط بمصر: أن عمليات القرصنة قد تكون “صناعة أمريكية” وذهب إلى أن الولايات المتحدة ربما تكون الجهة “التي تقِـف خلف عمليات القرصنة” التي تقع على السواحل الصومالية بهدف اتخاذها بعد ذلك، “ذريعة للسّـيطرة على السواحل، ومِـن ثمّ مُـبرّرًا للتدخل، وربما لاحتلال الأراضي الصومالية”، على حد تعبيره.
وكان قراصنة قد اختطفوا يوم الأحد 16 نوفمبر الجاري، ناقِـلة نفط سعودية عملاقة على متنها شحنة من النفط، قيمتها 100 مليون دولار، على بُـعد 450 ميلا بحريا، جنوب شرقي كينيا، ثم نقلوها يوم الثلاثاء 18 نوفمبر 2008 إلى ميناء هاراديري، الواقع في منتصف ساحل “هارادهير” بالأراضي الصومالية.
وقالت شركة “فيلا انترناشيونال”، الذّراع الملاحية لشركة “أرامكو” السعودية في بيان يوم الثلاثاء 18 نوفمبر، إنه يعتقد أن جميع أفراد الطاقم وعددهم 25، سالِـمون، وأن أفراد الطاقم ينتمون إلى كرواتيا وبريطانيا والفلبين وبولندا والسعودية، مشيرة إلى أنها تنتظر اتصالات أخرى من القراصنة، الذين يُـسيطرون على السفينة.
وكان وزير خارجية اليمن أبو بكر القربي واضحا، عندما عبّـر عن مخاوفه من كثافة الأساطيل الغربية المُـنتشرة في خليج عدن بدعوى مكافحة القرصنة، مؤكدا أنها تمثل تهديدا للأمن القومي العربي، وقال إن هذا الانتشار قد يؤدّي إلى “تدويل البحر الأحمر”.
في السياق نفسه، عبّـرت العديد من دُول المنطقة عن مخاوفها، سواء من تفشّـي القرصنة، حيث وقع 63 حادثا منذ بداية عام 2008 الجاري أو من آثارها وتداعِـياتها المحتملة، وأعلنت مصر عن استضافة اجتماع يوم الخميس المُـقبل لبحث هذه القضية بمشاركة الدّول المُـطلة على البحر الأحمر.
وتشعُـر هذه الدول بقلَـق بالغ، سواء على الجانب الأمني أو الاقتصادي، حيث باتت معظم شركات الشّـحن تفكِّـر في تجنّـب المرور بخليج عدن والبحر الأحمر، والتحوّل إلى رأس الرجاء الصالح، وهو ما سيزيد من تكلفة السلع.
سويس إنفو: ما تفسيركم لما حدث من قيام قراصنة عند ساحل شمال الصومال باختطاف ناقلة النفط السعودية العملاقة “سرياس ستار”؟ وكيف يمكن لعصابة من هذا النوع أن تتصرف بهذه الطريقة في ممرّ بحري حيوي، يُـعتبر من أهم الشرايين الاقتصادية في العالم؟
الدكتور عبد السلام نوير: في تقديري أن فراغ الأمن في الصومال ومصادر التسلح العديدة للفصائل الصومالية المتنازعة، وعدم اتخاذ إجراءات حاسمة لتأمين الخطوط البحرية والممرات المائية، فعندما بدأت المشكلة، شرعت الدول الكبرى في التصرّف منفردة لمُـعالجة أعراض الأزمة، وليس أسبابها الفعلية. فهل هي مجرّد مصادفة أن القراصنة كلّهم صوماليون؟!
سويس إنفو: ومَـن هُـم في رأيك، أولئك الذين يقومون بأعمال القرصنة هذه؟
الدكتور عبد السلام نوير: أقرب التّـفسيرات، أن هؤلاء هُـم نتاج الحرب الأهلية الدائرة في الصومال، وأنهم مدعومون من الولايات المتحدة.
سويس إنفو: وهل تتوقّـع أن يكون الهدف من العملية فقط الحصول على الفدية، كما هو معتاد؟ أم أن هناك أهداف أخرى؟
الدكتور عبد السلام نوير: أعتقد ذلك، وإن كانت حتى الآن مجرّد عملية قرصَـنة كبيرة الحجم والأهمية، ولكنها فاعليها لم يقرنوها بأي مطالب سياسية، وأرجح أن يكون ذلك من قِبَل الولايات المتحدة لإثبات أنها في النهاية هي التي يمكنها حماية الخطوط البحرية، إذا أرادت!
سويس إنفو: وماذا تعني سيطرة القراصنة على ناقلة النفط؟ هل هناك رسالة سياسية معيّـنة يمكن قراءتها في هذا الحادث؟
الدكتور عبد السلام نوير: ربما يمتدّ الأمر لتأكيد دَور بعض الفصائل في الصومال في إطار الصراع الدّائر هناك، وقد يكون هذا مقدّمة لطلب دعم في مواجهة الفصائل الأخرى، لكن هذا لم تبد بعد أي مؤشرات للدّلالة عليه، فالقراصنة لم يُـعلنوا عن أي مطالب ذات طبيعة سياسية بعد.
سويس إنفو: لكن.. أين أجهزة الرّصد والمراقبة، وأين الرقابة البحرية؟
الدكتور عبد السلام نوير: أعمال الرّصد والمراقبة لا تشمل كل الخطوط البحرية، والأكثر فعالية، ليس الرقابة، ولكن إسناد الفعل إلى دولة يُـمكن التعامل معها ومعاقبتها، على نحو ما حدث في الخليج، حينما هدّدت إيران بضرب الناقلات، فكان الحلّ الكويتي برفع العلم الأمريكي على الناقلات الأمريكية، ومِـن ثمّ، فإن التعرّض لها سيكون تعرّضاً للولايات المتحدة، لكن الحال هنا مختلف، لأن الفعل صادِر عن قراصنة، وليس عن دولة.
فلو وُجد ولو “شبح” دولة في الصومال، لأمكن تحميلها المسؤولية الدولية عما يجري، لكنك تلمح قبولاً ضمنياً من المجتمع الدولي حتى الآن بالوضع، ربما لأنه لم تصِـل بعد حدود الخطر بالنسبة لهم، غير أنني أعتقد أنه ربما يكون حادث ناقلة النفط المختطفة هذه، مقدمة لتعامل من نوع مختلف.
سويس إنفو: وما مسؤولية المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية تُجاه هذه الحوادث المتكررة؟
د. عبد السلام نوير: المفروض أن المسؤولية مباشرة وأنه يجب التحرّك لمواجهة القراصنة مباشرةً، غير أنه أمر غير فعّـال في ضوء بيئة ستنتج لك الكثير منهم كل يوم بفعل غياب الدولة الصومالية، ومن ثمّ، فإن المفروض على الجامعة العربية أن تتّـجه لمعالجة شاملة للوضع في الصومال، بعمل ترتيبات جادّة والتنسيق مع المجتمع الدولي، لإعادة بناء الدولة الصومالية كمدخل مهمّ لتأمين هذه المنطقة الحيوية من البحر الأحمر.
سويس إنفو: وهل ترى أن التداعيات الأمنية والاقتصادية لعمليات القرصنة تفرض على الدول العربية المطلّـة على البحر الأحمر تكثيف آليات التشاور والتنسيق والتعاون، من أجل دراسة تلك الظاهرة ومكافحتها؟
د. عبد السلام نوير: بالتأكيد، فالأمر جدّ خطير ولابد أن يقوم كلٌ بدوره، لكن المسؤولية الأعمق، هي عن الوضع المأساوي في الصومال وغياب الدولة فيها، مما أدّى إلى تلك القرصنة. فالمسؤولية المباشرة، تتمثل في ضرورة التحرّك الجماعي على المستويين العربي أولاً والدولي ثانياً، لتأمين الخطوط البحرية والتأكيد على أن حلّ المشكلة لن يتأتي بإرسال الدّول الكبرى بعض قِـطع من أسطولها لتأمين تجارتها، وإنما يجب ربط الحلّ بإعادة بناء الدولة في الصومال والبحث عن سُـبل جماعية، لتأمين الخطوط البحرية.
سويس إنفو: هل تعتقد أن الدّول العربية المطلة على البحر الأحمر (مصر والسعودية واليمن والأردن والسودان والصومال وجيبوتي)، هي المسؤولة والقادرة على تأمين وحماية البحر الأحمر من القرصنة؟
د. عبد السلام نوير: المتّـفق عليه دوليًا، أن كل دولة تقتصِـر على حماية حدودها البحرية، أما ما عدا ذلك، فهو من أعالي البحار، يعني مياه دولية، وتتوقّـف قدرة الدولة على حماية سُـفنها في تلك المياه الدولية، على قوة أسطولها والهيبة الدولية التي تحظى بها على الصعيد العسكري.
وقد كانت حماية المنطقة المحيطة بباب المندب تتم بين اليمن والصومال، لكن المشكلة نجمت عن الإهمال الدولي والعربي لقضية الصومال، الأمر الذي أوجد فراغاً أمنياً مَـلأته الميليشيات المسلحة، التي تحصل على السلاح من مصادر عديدة، وقد كانت عمليات القرصنة تتِـم بالقرب من المِـياه الصومالية، لكن الجديد هذه المرة، هو أن الاختطاف تمّ خارجها.
ومن الواضح، أن المشكلة تتفاقم من حيث الكَـم والنوع، من حيث الكَمّ، أي من حيث عدد العمليات التي يتِـم تنفيذها، ومن حيث النّـوع، أي من حيث نوعية العمليات التي يتِـم بها الاختطاف على نحو ما أشار المسؤولون العسكريون الأمريكيون عن طريقة سيطرة القراصنة على الناقلة، كما تتفاقم من حيث توجّهها إلى التجارة الخاصة بسلعة إستراتيجية، مثل النفط.
والعمليات المتّـصلة بتحرير مثل هذه الناقلات بالضرورة، أكثر خطورة من غيرها من السلع، بحُـكم خطورة المادة المنقولة، خشية الحريق والتلوث البحري، إذا ما استشعر الخاطفون خطورة موقِـفهم، ومن ثمّ، فإن التعامل معهم يتم بأسلوب هادِئ وبطريقة مأمونة.
سويس إنفو: على الرغم من أن سبع قطع حربية تابعة لحلف شمال الأطلسي مرّت منتصف الشهر الماضي من قناة السويس في طريقها للسواحل الصومالية لمواجهة القراصنة، إلا أن القرصنة لم تتوقّـف.. فلماذا؟
د. عبد السلام نوير: هذا صحيح.. والسبب في تقديري أن مصدر القرصنة ما زال موجودًا، وهو الوضع الأمني المُـنهار في الصومال، ومرور القطع البحرية المذكورة، لم يفعل شيئاً لمواجهة القراصنة، وإلا فالمطلوب هو بقاء هذه القِـطع على طول الخطوط التجارية البحرية لحماية الناقلات، وهو أمر مستحيل للغاية.
سويس إنفو: كيف استطاعت مجموعات صغيرة خارجة على القانون هزيمة القدرات الاستطلاعية الفضائية القادِرة على معرفة ما يدور على سطح الأرض والبحر، والتي تتباهى بها الدّول العظمى؟
الدكتور عبد السلام نوير: لابد أن نعترف أن القُـدرات البشرية يظل لها دورها المُـهمّ، حتى مع التقدّم التكنولوجي الهائل، وتتزايد أهميتها وفاعليتها، حينما تزداد الثقة في التكنولوجيا ويتجلّـى وهْـم تضاؤل القُـدرة على الفعل في مواجهتها.
سويس إنفو: من المعلوم أن الأوضاع في الصومال كانت في طريقها للحلّ والتهدئة وفجأة استنجد فصيل صومالي باثيوبيا واحتمى بالأمريكيين.. فما تفسيركم لما يحدث بالصومال الآن؟ ولمصلحة مَن؟ وكيف ترون مستقبل البلد؟
الدكتور عبد السلام نوير: أعتقد أن الولايات المتحدة تقِـف خلف السِّـتار وتحرّك الأحداث من خلال عميلها في المنطقة، وهو أثيوبيا، وما يحدث في الصومال اليوم، هو شكل من أشكال الفوضى غير الخلاّقة في القرن الإفريقي، والتي توجد فراغاً أمنيا ضد مصلحة الأمن القومي للسودان ولمصر، وذلك لقربه من منابع النيل وتأثيره على قضايا السودان وفصائله المتصارعة، وإخراجه البحر الأحمر من السيطرة العربية، الأمر الذي بدأ بنفي عروبة إريتريا.
في اعتقادي، أن الصومال سيظل على هذا الحال من التمزّق والفوضى والتقاتل، ما بقي مهملاً، عربياً ودولياً، وما لم تتّـجه الأنظار العربية لضبط الأوضاع هناك، متكاتفةً مع الإرادة الدولية، لكن الفارق أنه، بالنسبة لنا كعرب هو مصدر ضُـعف، أما دولياً، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل مستفيدان من هذا الوضع.
أجرى الحوار: همام سرحان – القاهرة
تعد الناقلة “سرياس ستار” أكبر سفينة يتم اختطافها حتى الآن، حيث تبلغ حمولتها من النفط مليوني برميل، أي ما يعادل ربع الإنتاج اليومي للنفط السعودي، كما تبلغ قيمة تلك الحمولة 200 مليون دولار.
والناقلة مملوكة لشركة النفط السعودية الأمريكية أرامكو، وتحمل علم ليبيريا، وجرى اختطافها في عملية وصفت بـ “غير المسبوقة”، حيث كانت على مسافة 860 كيلومترا من الساحل الكيني يوم الأحد 16 نوفمبر الجاري.
وكانت الناقلة سيروس ستار، التي بنيت في كوريا الجنوبية، في طريقها إلى الولايات المتحدة عبر رأس الرجاء الصالح، وهو ما أدى إلى ارتفاع في أسعار البترول الخام.
يبلغ طول السفينة 330 مترا ووزنها 318 ألف طن، أي ما يعادل حاملة طائرات أمريكية عملاقة.
وتقول شركة فيلا إنترناشيونال المشغلة للناقلة، إن الطاقم مؤلف من 25 شخصًا، من جنسيات كرواتية وبريطانية وفلبينية وبولندية وسعودية.
قال المكتب الدولي للملاحة البحرية إن 63 هجوما لقراصنة صوماليين سجلت منذ مطلع العام الجاري، وهم يحتجزون حاليا أكثر من 12 سفينة، بينها واحدة تحمل 33 دبابة!
قدرت منظمة بحرية متمركزة في كينيا عدد القراصنة المنتشرين على طول السواحل الصومالية بنحو 1100 رجل، موزعين في أربع مجموعات ومعظمهم من خفر السواحل السابقين.
يتحكم خليج عدن بالمدخل الجنوبي لقناة السويس، وهو واحد من أهم المحاور في الملاحة البحرية في العالم، حيث تمر سنويا عبره قرابة 16 ألف سفينة ونحو 30% من الإنتاج النفطي العالمي.
يستخدم القراصنة زوارق سريعة جدًا تعمل انطلاقًا من سفينة أم، وهم يملكون أسلحة رشاشة وقاذفات قنابل يدوية، وقد يكون لديهم قاذفات صواريخ، كما يملكون هواتف تعمل بنظام “دي.بي.أس” وبالأقمار الاصطناعية.
تتراوح الفدى التي يطلبها القراصنة بين مئات الآلاف وملايين الدولارات، حسب السفينة التي يستولون عليها وهويات الرهائن، وتفيد تقديرات حديثة بأن القراصنة حصلوا على نحو 30 مليون دولار خلال عام 2008 فقط!
يبلغ طول سواحل الصومال 3700 كلم، وهي من السواحل الأطول في العالم، وتراقب هذه السواحل بين 12 و15 سفينة تابعة للتحالف البحري (كومبايند تاسك فورس 150)، الذي يضم عدة دول تعمل في مجال مكافحة الإرهاب.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.