مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

بعد قرار الشعب حظرها في اقتراع عامّ… هل تبني سويسرا محطّات طاقة نووية جديدة؟ 

محطة نووية
بدأ تشغيل محطة غوسغن للطاقة النووية في شمال شرق سويسرا في عام 1979. Keystone / Gaetan Bally

 
تسعى الحكومة السويسرية إلى إلغاء الحظر المفروض على بناء محطات طاقة نووية جديدة، الذي أقرّه الناخبون والناخبات في اقتراع سابق. ولا تزال فكرة إحياء الطاقة النوويّة مثار اختلاف في سويسرا، بينما تشهد نهضة جديدة في دول تسعى إلى تطوير مصادر طاقة منخفضة الكربون لمواجهة الطلب المتزايد على الكهرباء.  

 وافق الشعب السويسريّ على التخلص التدريجي من الطاقة النووية في بلد جبال الألب عام 2017. وعُدّ القرار حينها تاريخيا. فقد اتخذت هذه الخطوة بعد الحادث النووي في فوكوشيما في اليابان، عام 2011، ونتيجة عملية طويلة شملت نقاشات عامة، ومداولات سياسية حول مستقبل الطاقة النووية في البلاد، وتقييم مخاطرها المحتملة، إلى جانب دراسة البدائل المتاحة من مصادر الطاقة المتجددة. 

لكن قد لا يدوم هذا القرار طويلاً. إذ أعلنت الحكومة السويسرية بعد سبع سنوات، استعدادها لإنهاء الحظر المفروض على بناء محطات طاقة نووية جديدة، لإبقاء الخيارات جميعها مفتوحة أمام تنويع مصادر الطاقة . 

لماذا تعتقد الحكومة أنه ينبغي إعادة فتح الباب أمام إنشاء محطات نووية جديدة؟ 

صرّح وزير البيئة والطاقة السويسري، ألبرت روشتي، في 28 أغسطس الماضي، بأن “تحولًا جذريًا” قد حدث، من أهمّ عوامله الحرب في أوكرانيا، وتأثيرها في واردات الغاز الروسي.   

ويؤكد روشتي مخاوف أوروبا المتعلّقة بأمن الطاقة، خاصة خلال فصل الشتاء، ويشير إلى المشاكل التقنية في المحطات النووية الفرنسية التي تزود سويسرا بالكهرباء، مضيفاً أن النمو السكاني، والتباطؤ في تطوير الطاقة المتجددة بسبب الطعون القانونية زادا الطين بلّة.   

يقول الوزير السويسري: “تغيرت أوضاع سوق الكهرباءرابط خارجي تغيّرا جذريا منذ عام 2017″. كما أيّدت صناديق الاقتراع العام الماضي،قانوناً جديداً للمناخ، يهدف إلى توجيه البلاد نحو الحياد الكربوني بحلول عام 2050. 

ويضيف روشتي: “لقد قررنا الحد من استخدام الوقود الأحفوري إلى مستوى الصفر، ما يتطلب إنتاج المزيد من الكهرباء.”  

ألا تمتلك سويسرا بالفعل ما يكفي من محطات الطاقة النووية؟ 

تمتلك سويسرا ثلاث محطات طاقة نووية قديمة تولّد حوالي ثلث احتياجات البلاد من الطاقةرابط خارجي، بينما يتأتّى أكثر من نصف الكهرباء المستهلكة من الطاقة الكهرومائية. وبدأت عام 2019، عملية إيقاف تشغيل محطة “مولبيرغ” (Mühleberg)، لتبقى المحطات الأخرى عاملة طالما كانت آمنة فنيّا، ولا تشكّل أي خطر على سلامة الناس، مع توقع استمرار عملها مستقبلاً لمدة 60 عاماً. 

محتويات خارجية

وتخشى الحكومة عجز الطاقة المتجددة وحدها، بعد إغلاق هذه المحطّات في النهاية، على سدّ الفجوة في الاحتياجات الضرورية من إمدادات الطاقة. فوقع النظر في البداية، في محطات الطاقة العاملة بالغاز كخيار بديل، لكن يذكر الوزير، أنّ هذا الخيار أصبح “شبه منعدم” الآن، من أجل تحقيق الحياد الكربوني. ويقول إنّ التراجع عن الحظر المفروض على بناء محطات طاقة نووية جديدة كان “خياراً احتياطياً، يُلتجأ إليه عند الضرورة فقط”.   

 ويعتبر أنّ الطاقة الكهرومائية، وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، على المدى المتوسّط الحل الوحيد لزيادة إنتاج الكهرباء. لكن لا يمكنه أن يتوقّع إن كانت الطاقة المتجدّدة وحدها قادرة على إنتاج ما يكفي من الكهرباء على المدى الطويل. فالطاقة النووية الجديدة “ليست خياراً” على المدى القصير، أو حتى المتوسط. ويشدّد قائلا: “يجب أن نبدأ الآن، لكي نكون مستعدين عند الحاجة على المدى الطويل، خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة”. 

ما هو وضع الطاقة النووية حول العالم حاليا؟ 

تثير المخاوف المتعلّقة بأمن الطاقة، وتغير المناخ اهتماماً متجدداً بالطاقة النووية، خاصّة وأنّها تمثّل 10% من إنتاج الكهرباء عالمياً، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى ما يقرب من 20% في الاقتصادات المتقدمة. 

ويُتوقّع أن يبلغ إنتاج الطاقة النووية عالمياً في العام المقبل، أعلى مستوياته على الإطلاق، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية (IEA)رابط خارجي. كما يُتوقَّع أن يرتفع إنتاج الطاقة النووية عالمياً بنسبة 1.6% عام 2024، و3.5% عام 2025.  

الطاقة الكهربائية والطاقة النووية
Statista / swissinfo.ch

ويٌعزى هذا النمو إلى الزيادة المستمرة في إنتاج محطات الطاقة النووية الفرنسية، مع اكتمال أعمال الصيانة، وإعادة تشغيل المفاعلات في اليابان، وتشغيل مفاعلات جديدة في أسواق مختلفة منها الصين، والهند، وكوريا، وأوروبا. وسيتركّز معظم النمو حتى عام 2026 في الصين والهند، بينما يتزايد نفوذ كل من الصين وروسيا في هذا القطاع؛ إذ توفّران التكنولوجيا لـ 70% من المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية التي هي قيد البناء. 

وقد استرجعت الطاقة النووية مكانتها من جديد، بعد تراجعها في أوروبا حتى بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مع سعي المزيد من دول الاتحاد الأوروبي إلى تأمين إمدادات الطاقة. وقد دفعت أهداف الاتحاد الأوروبي المناخيّة الطموحة دولاً مثل إيطاليا، وبلجيكا إلى التراجع عن معارضتها السابقة بناء مفاعلات نووية جديدة. 

محتويات خارجية

في قمة المناخ COP28، المنعقدة في دبي العام الماضي، وافقت أكثر من 20 دولة، منها الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، على مضاعفة قدرة الطاقة النووية بمعدل ثلاث مراترابط خارجي بحلول عام 2050، كجزء من الجهود الرامية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية. 

وتعهّد في مارس من هذا العام، 30 فردا من القادة في العالم، والحكومات من أوروبا وخارجها، بدعم الطاقة النووية في قمة بروكسل. وصادق البرلمان في الشهر الموالي، على إصلاح سوق الكهرباء في الاتحاد الأوروبي، لتعزيز الاستثمار في الطاقات منخفضة الكربون، مثل الطاقة النووية. 

ما هي ردود الفعل تجاه تراجع الحكومة عن موقفها حول الطاقة النووية؟ 

واجه هذا التحول انتقادات فوريّة حادة، من قبل الجماعات المدافعة عن البيئة، وكذلك الأحزاب الوسطية واليسارية، التي أشارت إلى التكاليف الباهظة، والفترة الطويلة (15-25 عاماً) اللازمة لبناء محطات نووية جديدة. وأكدت أن هذه “الخطوة إلى الوراء غير مسؤولة”، وتعرقل تطوير الطاقات المتجددة لتحقيق أهداف المناخ السويسرية. 

يعتبر غيرهارد بفيستر، رئيس حزب الوسط، أن محطات الطاقة النووية الجديدة غير مربحة. ويصرّح لصحيفة ” تاغس أنتسايغر”، أنه “من غير الوارد على الإطلاق” استخدام أموال من الميزانية المخصصة للطاقة المتجددة لتمويل المحطات النووية الجديدة، من خلال الإعانات الحكومية. 

لكن رحّب كلّ من حزب الشعب والحزب الليبرالي الراديكالي بهذا “القرار العقلاني”. إذ ستحتاج سويسرا بعد عام 2050، إلى إمدادات كهربائيّة آمنة وصديقة للبيئة على مدار العام. ويشير كريستيان فاسرفالن، البرلماني من الحزب الراديكالي، إلى أن “التنوع الصحيح” في مصادر الطاقة، سيحسم النتيجة. 

كما تشيد افتتاحية صحيفة ” لوتون” بهذا القرار قائلة: ” تعيد دول عديدة إطلاق برامجها النووية المدنية، من بينها ديمقراطيات غربية عديدة، فعلى بلدنا ألا يخاطر بتهميش نفسه، حتى لو لعبت الطاقة النووية في النهاية دوراً ثانوياً، وأقل مركزية مما هي عليه اليوم.” 

المزيد
صورة لمحطة الطاقة السويسرية

المزيد

مصادر الطاقة .. هل تصبح المحطات النووية بديلا موثوقا به من جديد؟

تم نشر هذا المحتوى على وسط مخاوف بشأن أزمتي المناخ والطاقة، يبدو أننا على عتبة عهد جديد للطاقة النووية رغم الجدل المثار حولها.

طالع المزيدمصادر الطاقة .. هل تصبح المحطات النووية بديلا موثوقا به من جديد؟

ما مدى احتمالية ظهور محطات نووية جديدة في سويسرا في المستقبل القريب؟ 

أوردت قناة الإذاعة والتلفزيون العموميّة السويسريّة الناطقة بالألمانيّة (SRF) أنّ خطط سويسرا لبناء محطات طاقة نووية جديدة غير واضحة المعالم. ولم تتناول الحكومةُ قضايا تكنولوجيا المحطات المهمّة بعدُ، وكيفية تأمين اليورانيوم، وتخزين النفايات النووية، وكذلك التكاليف المالية. 

ولا وجود حاليا، لمشاريع جديدة مخطط لها، لما تواجهه شركات الطاقة من عقبات سياسية ومالية، وقد يتأجل تنفيذ المشاريع لفترة تمتد من عقدين إلى ثلاثة عقود. 

وتعمل الحكومة حاليا، على اقتراح مشروع قانون يعدّل التشريعات النووية، بحلول نهاية عام 2024، لمناقشته في البرلمان العام المقبل. وقد يُدعى الشعب إلى التصويت مرّة أخرى على هذه المسألة، إذا سارت الأمور على ما يرام.  

تبدو شركتا “بي كيه دابليو” (BKW)، و”أكسبو” (Axpo)، من أكبر الشركات المزودة بالكهرباء في سويسرا، منفتحتين على استخدام التكنولوجيا النووية. لكنهما تنبّهان إلى أنّ المحطات الجديدة، تحتاج على الأرجح، إلى تمويل أو إعانات حكومية لتكون مجدية، وذات فعالية. وتضغط الشركتان في الوقت نفسه، للمضي قدماً، وبخطوات حثيثة نحو تعزيز مشاريع الطاقة المتجددة، وتطويرها. 

أما ستيفاني إيغر، خبيرة الطاقة النووية في مؤسسة الطاقة السويسرية (SES)، فتنتقد استخدام الطاقة النووية، وتصرّح لوكالة رويترز أنّ بناء محطّة نووية جديدة، قد يستغرق ما لا يقلّ عن 35 عاما، بسبب التغييرات القانونية، والتمويل، والتصاريح، واعتراضات الشعب المحتملة.  

ومن جهته، يتوقع أندرياس بوتز، رئيس مركز الهندسة والعلوم النووية في معهد “بول شيرر” (Paul Scherrer)، جاهزيّة المحطات النووية للاستعمال في منتصف أربعينات هذا القرن، إن بدأ البناء عام 2040.   

تحرير: بالتس ريغندينغر

ترجمة: جيلان ندا

ترجمة الرسوم البيانية والمراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية