بقاء آل الأسد في دفّة الحكم بات مستحيلا
كل التوقّعات السابقة، طيلة السنتيْن الماضيتين حول سقوط سريع لعائلة الأسد، لم تتحقق. فالنظام، على رغم كل خسائره الاقتصادية والسيكولوجية (زوال رهْبة الخوف) والحِصار الإقليمي والدولي الذي تعرَّض له، لم يتفكّك. والجيش (نحو 230 ألف جندي)، لم ينحلّ، على رغم الانشِقاقات وإرْهاق الحرب الأهلية المُتواصلة والمتصاعدة.
ثم أن رأس النظام، أي عائلة الأسد – مخلوف، لا تزال واثقة من أن استِخدامها للقوة العارية والوحشِية، سيُحقق لها النّصر، كما ألحق بأعدائها الهزيمة في عام 1982، وهذا ما دفع في السابق أنصار النظام السوري والعديد من المحلِّـلين، إلى القول بأن ما هو أهَـم في هذه اللعبة الدموية، ليس صُمود المعارضة السورية، بل ثبات النظام، وصولاً إلى الاستنتاج بأن ثمرة الحلّ السياسي ستسقُط في خاتمة المطاف، في حضن آل الأسد مجددا.
تطورات دراماتيكية
كل هذا صحيح، ولكن بوصفه من أحاديث الأمْس. أما اليوم، فقد ظهرت مؤشِّرات قوية تُوحي للمرّة الأولى بأن عصر آل الأسد – مخلوف دخل بالفِعل مرحلة الأفول، وهي مؤشِّرات داخلية وخارجية في آن.
فعلى الصعيد الداخلي، أكّدت مصادر عربية وثيقة الإطّلاع، على جملة أمور خطيرة تمسّ مصير آل الأسد، أهمها: أوّلا، أن عشيرة المرشدي العلوية، التي تضم 300 ألف نسمة، والتي تُعتبر بيضة القبان الرئيسية في كل الصراعات على السلطة داخل الطائفة العلوية (هي التي نصرت حافظ على رِفعت عام 1984)، انقلبت على آل الأسد. وثانيا، أن مُوافقة إيران ومعها حزب الله، على تعْيين تمّام سلام، المقرَّب من السعودية وتيار 14 آذار، كرئيس لحكومة لبنان، نابِع من قناعتها بأن حُكم عائلة الأسد زائل لا محالة، وأن عليها ترتيب أوضاع حلفائها اللبنانيين والعراقيين الآن قبل فوات الأوان.
وثالثا، وخيراً، أن حزب الله رفَض مِراراً وتِكراراً طلبات النظام السوري إشعال فتيل الحرب الأهلية في لبنان كوسيلة لإنقاذ نفسه، وهذا عكس الحقيقة بأن النظاميْن الإيراني والسوري يُمكن أن يختلِفا كما أن يتّفقا.
مفاجأة بوتين
جنباً إلى جنب مع هذه التطوّرات المحلية السورية والإقليمية الإيرانية، جاء الموقف المفاجئ للرئيس الروسي بوتين الدّاعي إلى “وقف تسليح كل الأطراف في لبنان”، ليكون أول مؤشِّر بارز على أن موسكو لم تعُد تثِق بقدرة آل الأسد على إعادة الإمساك، لا بالسلطة ولا حتى بأي حلّ سياسي للأزمة. ولذا، فقد باتت هذه العائلة عِبئاً استراتيجياً، بعد أن كانت كنْزاً استراتيجياً لموسكو.
فضلاً عن ذلك، جاء التغيير في موقف بوتين ليعكس، على ما يبدو، مخاوِفه من أن اندِفاع الغرب إلى تسليح المعارضة السورية على نحو نوعي وكثيف، لن يُسفر فقط عن المزيد من استِنزاف نظام الأسد، بل أيضاً استنزافها هي في حرب عِصابات على النّمط الأفغاني، خاصة وأن صنابير التمويل الإيراني لدمشق بدأت تجفّ تدريجيا.
الآن، إذا ما جمعنا كل هذه المُعطيات، الداخلية والخارجية، ووضعناها في أنبوب اختبار واحد ثم خضضنا هذا الأنبوب، فعلى ماذا سنحصل؟ على حصيلة واحدة تكاد تكون مؤكّدة: سقوط حُكم آل الأسد لم يعُد محتماً وحسب، بل هو يبدو قريبا جدا.
فحين تنفك عن النظام عشيرة علوية ضخْمة كالمرشدي وحين يبدأ الحليفان، الإيراني والروسي، بالإبتعاد عن قصر المُهاجرين في دمشق، لا يبقى أمام ساكن هذا القصر، سوى خيارات أحلاهما مُـرّ: الرحيل السريع أو الموت السريع. أما الإستمرار والبقاء، حتى ولو في قلعة محصّنة في جبال العلويين، فلم يعُد خياراً لآل الأسد، بل بات وهْماً كبيرا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.