بناء المستوطنات الإسرائيلية جريمة قد ترقى إلى مستوى “جرائم الحرب”
وجهت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق بشان المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في تقريرها لمجلس حقوق الإنسان، نداء لدولة إسرائيل "بالتوقف الفوري عن بناء المستوطنات، وتفكيك ما هو قائم منها، وتعويض المتضررين".
وذهب التقرير الى حد اعتبار أن الاستمرار في بنائها قد يرقى الى مستوى جرائم الحرب التي يمكن للمحكمة الجنائية الدولية النظر فيها.
قدمت اللجنة الدولية لتقصي الحقائق حول المستوطنات الإسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة ، يوم الخميس31 يناير 2013، أول تقرير لها امام الصحافة الدولية في جنيف، اشتمل على مختلف الانتهاكات التي يحدثها بناء المستوطنات على حقوق وحياة المواطنين الفلسطينيين .
وعلى الرغم من عدم سماح السلطات الإسرائيلية لأعضاء الوفد بالدخول الى إسرائيل والأراضي المحتلة، تمكن اعضاؤها الثلاثة من تقديم تقرير مكون من 37 صفحة اعتمادا على تحقيقات وشهادات تم تلقيها في البلدان المجاورة، وبالأخص في الأردن.
ويعتبر هذا التقرير ،الى جانب قرار محكمة العدل الدولية، الصادر في عام 2004 بخصوص الجدار والمستوطنات، من النصوص المرجعية في تصنيف إنتهاكات القانون الدولي والقانون الانساني الدولي بسبب بناء المستوطنات.
في رد فعل الجانب الفلسطيني على ما جاء في تقرير لجنة تقصي الحقائق حول المستوطنات، قالت حنان عشراوي العضو القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية “إننا مسرورين لهذه الخلاصة المبدئية (التي توصل إليها التقرير) والمتميزة بالصراحة “.
وأضافت السيدة عشراوي” إننا لنشعر بالتشجيع بهذا التحليل المرتكز على انتهاكات إسرائيل… والذي يقول بصراحة ليس فقط بان إسرائيل تنتهك المعاهدة الرابعة من معاهدات جنيف فحسب بل ايضا أنها قد تقدم للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية”.
تمييز وتغيير في الموازين الديموغرافية
يعتبر التقرير أن عملية الاستيطان الاسرائيلي التي طالت الأراضي الفلسطينية منذ العام 1967، ، “عملت على إقامة حوالي 250 مستوطنة” ، و “سمحت بتوطين 8% من المواطنين الاسرائيليين في الاراضي الفلسطينية”. واستشهد التقرير بتصريح الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، المرتكز على قرار محكمة العدل الدولية التي رات ” بأن بناء الجدار المدعم ببناء المستوطنات الإسرائيلية، يعمل على تغيير التركيبة الديموغرافية للأراضي الفلسطينية المحتلة ويعمل على تقويض ، وبشكل خطير حق تقرير المصير للفلسطينيين”.
وأشار التقرير الى طبيعة الاشراف الإسرائيلي المحكم على المستوطنات أمنيا، وإدارتها بواسطة مجالس مكونة خصيصا من المستوطنين اليهود، مما يجعل هذه المناطق خالية من أي تواجد او مراقبة للسلطة الفلسطينية.
وهذا التواجد للمستوطنات الإسرائيلية يفرض رقابة على الموارد المائية والطبيعية ، وهو ما يجعل” 86% من مناطق نهر الأردن والبحر الميت تحت نطاق قانون مجالس المستوطنات الاقليمية التي تستغل الموارد الطبيعية في تلك المناطق وتحرم منها الفلسطينيين”.
وبلغة الأرقام يورد تقرير لجنة تقصي الحقائق” بان المساحة المحسوبة على المستوطنات في نطاقاتها المحاطة بسياج لا تتعدى 3% من مجموع مساحة الضفة الغربية، لكن المساحة الفعلية المخصصة للمستوطنات والمدارة من قبل المجالس الاقليمية للمستوطنات تفوق 43% من مجموع مساحة الضفة الغربية”.
أما فيما يتعلق بالمستوطنين في المنطقة (ج) فيقدر بحوالي 320 الف يعيشون الى جانب حوالي 150 الف فلسطيني. وفي القدس الشرقية تم إدخال حوالي 200 الف مستوطن للعيش إلى جانب حوالي 390 الف فلسطيني.
ويرى التقرير في فقرة أخرى أن إسرائيل تعمد الى تطبيق نظامي قانون مختلفين: أحدهما يطبق على المستوطنين الإسرائيليين، والآخر على الفلسطينيين. وفي الوقت الذي تُعرض فيه حوالي 95% من حالات الإجرام التي يتسبب فيها الفلسطينيون على العدالة، تبقى حالات الاجرام التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون بدون تحقيق في أغلب الأحيان. يضاف الى ذلك أن الفلسطينيين يعانون من تطبيق تمييزي لأحكام القوانين العسكرية التي يقول التقرير أنها “لا توفي بالمعايير الدولية “.
وبعد التمييز في مجال حرية التنقل، وفي المجال الاقتصادي ، يقر التقرير وفقا لبعض الوثائق ما يُتداول بخصوص التمييز في حق الوصول الى المياه، بحيث أن معدل استهلاك الفلسطيني اليومي لا يتعدى 75 ليترا في الوقت الذي يصل فيه معدل استهلاك المستوطن الإسرائيلي 400 ليتر في اليوم . وهذه النسبة قد تتقلص لدى الفلسطينيين البدو الى حدود ما بين 10 الى 20 ليترا.
عرقلة قيام دولة فلسطينية
وتوصلت لجنة تقصي الحقائق التي تراسها القاضية الفرنسية كريستين شانيه، وتشارك فيها القاضيتان أسما جاهانجير، ويونيتي ضاو ، الى خاتمة ” ان إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية ، والعمل على توسيعها ، قد يؤدي الى ضم تلك الأراضي ، والعمل على عرقلة قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف، وبالتالي منع الفلسطينيين من تطبيق حق تقرير مصيرهم”.
وترى اللجنة ، بان إقامة المستوطنات تخدم مصالح المستوطنين اليهود وحدهم، ويتم الحفاظ عليها بواسطة نظام “يميز كلية بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين. وهو النظام القانوني الذي يتم دعمه بإجراءات عسكرية وأمنية تتم على حساب حقوق الشعب الفلسطيني”.
وهذه الانتهاكات المرتكبة بموجب القانون الدولي والقانون الانساني الدولي خصوصا فيما يتعلق بإبعاد سكان منطقة محتلة الى خارجها، أو إدخال سكان من جنسية القوة المحتلة الى المناطق الواقعة تحت الاحتلال ، يعتبر التقرير أنها قد تصبح من بين الشكاوى التي قد ترفعها السلطة الفلسطينية الى المحكمة الجنائية الدولية في حال إنهاء فلسطين لملف عضويتها في المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت رئيسة اللجنة كريستين شانيه، قد شددت في رد على أسئلة الصحفيين في جنيف، عما إذا كانت انتهاكات إسرائيل المرتكبة بسبب المستوطنات هي بمثابة جرائم حرب قد تعرض على المحكمة الجنائية الدولية ، بقولها ” إن المادة 8 من قانون تأسيس المحكمة الجنائية الدولية هي ضمن البند الخاص بجرائم الحرب، وبإمكان الفلسطينيين، في حال إكمال عملية الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، رفع شكوى بهذا الخصوص”.
الجانب الإسرائيلي الذي يعرف مرحلة توتر مع مجلس حقوق الإنسان منذ اعلانه عن وقف التعامل مع آلياته، وعدم تقديم تقريره أمام آلية الاستعراض الدوري الشامل يوم الأربعاء 30 يناير، استقبل تقرير لجنة تقصي الحقائق حول المستوطنات بالانتقاد. إذ اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بأنه تقرير ” يُؤسف له، ويحقق نتائج عكسية”.
وكررت إسرائيل ، على لسان الناطق باسم الخارجية إيغال بالمور،انتقاداتها الموجهة لمجلس حقوق الإنسان والمتمثلة في كونه ” منحازا ضد إسرائيل، وغير متوازن”. ويرى هذا الأخير ” أن السبيل الوحيد لتسوية كل المشاكل بما في ذلك قضية المستوطنات، هي المفاوضات المباشرة وبدون شروط”.
مسئولية الدول والشركات الخاصة
في موقف ملفت، وبعد مطالبة دولة إسرائيل بالامتثال للقوانين والقرارات الدولية المتكررة، أشار تقرير لجنة تقصي الحقائق الى مسئولية الدول ومسئولية الشركات والمؤسسات التي تساعد على إقامة تلك المستوطنات.
إذ وجهت اللجنة نداء للدول، من أجل “تطبيق التزاماتها تجاه الدولة التي تنتهك المعايير الدولية “، وبالأخص مطالبتها “بعدم الاعتراف بوضع غير قانوني ناتج عن انتهاكات إسرائيلية “.
كما ذكر التقرير المؤسسات والشركات الخاصة بضرورة مراعاة مدى تأثير نشاطاتها في المستوطنات على تطبيق واحترام القانون الدولي والقانون الانساني الدولي وحقوق الإنسان.
وطالب التقرير الدول بمراقبة مدى احترام المؤسسات المسجلة لديها لمعايير حقوق الإنسان أثناء قيامها بأعمال في المستوطنات. وطالب بتحويل هذا الملف الى فريق العمل المعني بالنشاطات التجارية وحقوق الإنسان للنظر فيه.
وعن سؤال حول ما إذا كانت اللجنة تدعم مطالبة منظمات المجتمع المدني بمقاطعة المنتجات المستوردة من المستوطنات الإسرائيلية ، اكتفت رئيسة اللجنة بالقول ان هذا الموضوع لم يطرح للنقاش.
ومن المنتظر الآن أن تعرض لجنة تقصي الحقائق تقريرها على مجلس حقوق الإنسان في دورته القادمة المقرر انعقادها في شهر مارس 2013.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.