بين إيران وإسرائيل.. لعبة “بُـوكِـر” ثنائية وخطِـرة
إلى أين تسير الأمور بين إيران والغرب هذه المرة؟
هل هذه “الفورة الجديدة” من التصعيد، هي مجرّد نسخة أخرى من الإنفلونزا الدورية العابِـرة، التي تصيب الطرفين بين الفينة والأخرى، فترفع الحرارة بينهما ثم تخفضها سريعا (كما حدث مراراً طيلة السنوات العشر الماضية)، أم أن الحرب الكلامية هذه المرة ستكون تمهيداً لأفعال حقيقية؟
سنأتي إلى هذين السؤالين بعد قليل. قبل ذلك، لا بد من وقْـفة أمام التطوّرات التي “طبخت” المناخ التصعيدي الجديد بين الطرفين.
تقارير.. وتطورات
هناك أولاً، التقرير الأخير لوكالة الطاقة الذرية الدولية، الذي قدّم وللمرة الأولى، صورة مُتَّـسقة عن جهود التسلُّـح النووي الإيراني السابقة وأوحى بأن التجارب على هذه البرنامج العسكري، استمرت منذ عام 2003 وحتى الآن.
هذه الحصيلة تطابَـقت مع استنتاجات أجهزة الاستخبارات الأمريكية عام 2007، بأن إيران ركَّـزت جهودها حتى عام 2003 على صنع قنبلة نووية.
بالطبع، لم تتأخر طهران في الإعلان عن أن تقرير وكالة الطاقة، هو من انتاج “فبركات أمريكية” مُتّـهمة في الوقت نفسه رئيس الوكالة يوكيا أمانو بأنه أصبح “ألْـعوبة في يد واشنطن”.
بَـيْـد أن المدلولات السياسية للتقرير، تزوِّد الولايات المتحدة وحلفاؤها بذخيرة حيّة ثمينة، لتصعيد الضغوط على طهران، إذ حتى لو لم تكن وكالة الطاقة الذرية حاسمة وقاطعة في وصفها للنشاطات العسكرية النووية الإيرانية بعد عام 2003، إلا أنها أعادت وضْـع القضية النووية الإيرانية في قلب الساحة الدولية مجدّدا، بعد أن كانت ثورات الربيع العربي قد غطَّـت عليها.
التطور الثاني، المرتبط بتقرير وكالة الطاقة، هي المعلومات الكثيفة التي تمّ تداولها الأسبوع الماضي حول تخصيب اليوارنيوم في إيران، الذي يُـعتبَـر المؤشر الحقيقي حول عسكرة البرنامح النووي.
فقد أشارت هذه المعلومات إلى أن إيران أنتجت 3000 كيلوغرام من اليورانيوم منخفِـض التخصيب، وهي تُـراكِـم المزيد منه يومياً. وإذا ما أرادت طهران صُـنع قنبلة نووية، فهي لن تحتاج سوى إلى تخصيب نحو 1850 كيلوغراماً من اليورانيوم منخفِـض التخصيب لتوليد 20 كيلوغراماً عاليَ التخصيب بنسبة 90%.
التطور الثالث، هو إعلان الإدارة الأمريكية عن اكتشاف “مُـؤامرة إيرانية” لاغتيال السفير السعودي في واشنطن وتشديد الرئيس الأمريكي أوباما نفسه على أن بلاده “تمتلِـك أدلّـة حسية قوية” تدعم هذا الاتهام.
التطور الرابع، هو المجابهة الخفِـية، ولكن العنيفة، بين طهران وبين واشنطن وبروكسل وأنقرة، حيال الوضع في سوريا، إذ أكّـدت مصادر موثوقة، أن الحكومة الإيرانية هدّدت بنشر 400 ألف جندي على الحدود مع تركيا وبإشعال حرب إقليمية، إذا ما تدخّـل حلف شمال الأطلسي عسكرياً في سوريا، كما فعل في ليبيا.
وأخيراً، وهنا الأهَـم، كان صليل السيوف العسكري. فخلال أسبوع واحد، كانت بريطانيا تُـسرِّب معلومات مفاجِـئة، عن أن قواتها الجوية والبحرية وضعت الخُـطط اللاّزمة لدعم أي هجوم أمريكي على المُنشآت النووية الإيرانية، فيما كانت الولايات المتحدة تؤكِّـد أنها ستُـرسل تعزيزات عسكرية كُـبرى إلى منطقة الخليح العربي “لتوفير الحماية لأصدقائنا هناك، غَـداة انسحاب القوات الأمريكية من العراق”.
وفي هذه الأثناء، كان القادة والمحلِّـلون الإستراتيجيون الإسرائيليون يناقشون، علَـناً وللمرة الأولى، خِـيار شنّ غارات جوية إسرائيلية على إيران “في أقرب وقت”.
فرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو لم ينفِ وجود استعدادات وتدريبات إسرائيلية في إيطاليا لتوجيه ضربة لإيران، فيما كان المحلِّـل في “هآرتس”، أري شافيت يقول: “حين نقِـف على مُـفترق طُـرق، نكون أمام خِـيارين: المنع أو الرّدع، أي: إما شنّ هجوم عسكري على إيران أو التخلّـي عن الغموض النووي. لكن، في كِـلتا الحالتين، ستندلع الفوضى في الشرق الأوسط وفي إسرائيل. فما كان موجوداً بالأمس، سيتبَـدّد اليوم وستولد حِـقبة جديدة في المنطقة”.
وقال محلل إسرائيلي آخر، هو زفي بارئل: “الآن، إسرائيل تواجِـه إيران في لُـعبة بُـوكِـر، تقتصر على لاعبيْـن، حيث أن طهران، إما ستكشف بلفة إسرائيل أو تخاطِـر بالتعرّض إلى ضربة عسكرية”.
لكن في كلتا الحالتين، تجِـد إسرائيل نفسها في وضع دقيق، لا تستطيع إنقاذها منه سوى الأسْـرة الدولية عبْـر فرض عقوبات أقوى على إيران. لكن، ماذا لو لم يحدُث ذلك؟
إلى أين؟
هذه بعض التطوّرات التي خلَـقت كل هذه الأجواء الملبَّـدة بالكثير من الغيوم الدّاكنة في سماء الشرق الأوسط، وهي، كما هو واضح، تطوّرات حبْـلى بالكثير من فتائل التفجير السياسي، كما السايكولوجي، كما حتى العسكري ربما.
وهذا ما يعيدنا إلى أسئلتنا الأولى: إلى أين من هنا؟ إذا دقّـقنا في ردود الفِعل الأمريكية والأوروبية على تقرير وكالة الطاقة الذرية الدولية، سنجِـد أنها عنيفة بالفعل، لكنها كلها تتّـفق على القول أن الردّ يجب أن يقتصر على فرْض المزيد من العقوبات الاقتصادية وعلى تجنُّـب الخِـيار العسكري.
بالطبع، مسألة العقوبات ليست أمراً بسيطا أو هيِّـناً، خاصة إذا ما طاولت هذه المرة المصرف المركزي الإيراني، إذ أن مثل هذه الخطوة، التي يُطلَـق عليها في واشنطن وصف “الخيار النووي” لفرط خطورتها، ستؤدّي عملياً إلى شل الاقتصاد الإيراني وإركاعه على ركبتيْـه، لأنها ستمنعه من القيام بأي نشاطات تجارية ومالية في الأسواق العالمية.
ومع ذلك، لا يبدو أن إسرائيل (وهي الطرف الذي يجب التركيز عليه أساساً في المعمَـعة الراهنة)، ستكتفي بهذا القَـدْر من الضغوط، على رغم أهميتها، وهي كانت ولا تزال، تنشُـط على جبهتيْـن في آن:
الأولى، تحويل أزمتها مع إيران إلى أزمة داخلية أمريكية ودولية عبْـر تحريك اللُّـوبي القوي، المُـوالي لها في الكونغرس الأمريكي، كي يقوم هو بدوْره بالضغط على إدارة أوباما لاتِّـخاذ مواقف أكثر تصعيداً ضدّ إيران (وهذا ما فعله الكونغرس قبْـل نحو الأسبوعين، حين أصدر قراراً يدعو إلى خنْـق المصرف المركزي الإيراني).
والثانية، العمل على جَـرِّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران، من خلال المبادرة إلى توجيه ضربة عسكرية إلى هذه الأخيرة، ثم مطالبة الأولى بحمايتها من ردّ الفعل الإيراني “الذي يريد مسْـحها عن خريطة الشرق الأوسط”.
كتبت “الغارديان” البريطانية (في 9 نوفمبر الحالي): “ثمة سيناريو يُـمكن أن تستدرج فيه الولايات المتحدة إلى نزاع، من دون أن ترغب في ذلك. فإذا ما شنّـت إسرائيل غارات جوية على إيران، لكنها فشِـلت في إنجاز المهمّـة، الأمر الذي سيترك عَـتاد إيران الثقيل كما هو، فإن طهران ستكون قادِرة على الردّ ضدّ كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، كما هدّدت، وهذا بالتحديد هو ما تتوقّـعه قيادة البنتاغون”.
سيناريو “القطة”
أي السيناريوهات الأقرب إلى التحقق؟ سيناريو العقوبات بالطبع. فالولايات المتحدة ليست في وارد شنّ حرب جديدة في الشرق الأوسط، فيما هي تتحرّك بسرعة لإسدال الستار على حربيْـها الفاشلتيْـن في أفغانستان والعراق، وتتخبّـط في أزمة مالية واقتصادية عنيفة، لم تخرج من نفقها بعدُ.
وعلى أي حال، أوضح ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي قبل يومين بصريح العبارة رفْـض واشنطن للخيار العسكري في هذه المرحلة، محذِّراً من أن شنّ هجوم عسكري على إيران “ستكون له تداعِـيات خطيرة على المنطقة، من غيْـر أن يؤدّي حتماً إلى وقف البرنامج النووي الإيراني”.
وأضاف: “على المرء أن يحذِّر من العواقب غيْـر المحسوبة. هذه العواقب، يُـمكن أن يكون منها، ليس فقط عدم ردْع إيران عمّا تريد فعله، ولكن الأهَـم، أنه قد تكون لها تداعِـيات خطيرة على المنطقة وتداعِـيات خطيرة على القوات الأمريكية في هذه المنطقة”.
الخيار الذي تميل إليه واشنطن، هو كما أشرنا، مواصلة فرْض العقوبات الاقتصادية والسياسية على إيران، لكن الأمر قد لا يقف هنا، إذ أن واشنطن قد تختار أيضاً التعايُـش (عبْـر استراتيجية الإحتواء) مع القنبلة النووية الإيرانية، كما تعايَـشت في السابق مع الأسلحة النووية الروسية، إلى أن تمكَّـنت من تدمير وتفكيك الاتحاد السوفييتي نفسه.
وهذا بالتحديد، أكثر ما يُخيف إسرائيل، لأنها ستفقِـد بذلك هيْـمنتها وتفوّقها الفِـعلي في الشرق الأوسط، خاصة وأن الزمن الجيو – استراتيجي (بكل تلاوينه)، لم يعُـد يعمل لصالحها: فالولايات المتحدة في حالة انحِـدار نِـسبي، وأوروبا تكافح كي لا تتفكّـك مجدّدا، وتركيا عادت بقوة إلى الفعل التاريخي في حديقتها الخلفية الشرق أوسطية، ومصر تستعِـد لعودة مماثلة. وإذا ما أضفنا إلى كل ذلك إيران النووية، وربما غداً السعودية ومصر وتركيا النووية، لتَـوصَّـلنا إلى استنتاج أن إسرائيل باتت بالفعل على مُـفترق طُـرق دقيق وخطير. فماذا ستختار؟
من يَـعرِف سايكلولوجيا القطة المحاصَـرة في زاوية، سيكون مُـضطراً أن يضع في الحساب أن تثب مثل هذه القطة في أي لحظة إلى المعركة، حتى ولو كانت عُـرضة للسقوط في موقد نار. وإسرائيل، وبسبب الانقلابات الإستراتيجية في المنطقة والعالم، هي الآن من هذا النوع بالتحديد من القِـطط.
القدس (رويترز) – قالت شركة استثمار إسرائيلية كبيرة يوم الخميس 10 نوفمبر، إن التكلفة الاقتصادية لأي ضربة عسكرية للمنشآت النووية الإيرانية، ستكون أعلى من أن يقبلها العالم، ولذلك من المرجّـح أن يرضخ العالم لحصول إيران على سلاح نووي.
وقال عامير كاهانوفيتش، كبير الاقتصاديين في كلال فاينانس، إحدى اكبر شركات السمسرة الاسرائيلية، إن الارتفاع الحاد في أسعار النفط وتكاليف الحرب والضرر الذي سيلحق بالتجارة العالمية، سيكون كبيرا للغاية مما سيثني القوى العالمية عن اتخاذ أي عمل جاد.
ويتعارض هذا التقييم تماما مع الموقف الاسرائيلي الرسمي الذي يرفض تطلعات ايران النووية ويرى أن جميع الخيارات مطروحة لمنع حصولها على السلاح النووي وهو ما تعتبره اسرائيل خطرا على وجودها.
وفي تقرير بعنوان “رؤية اقتصادية للمسألة الايرانية” وضع كاهانوفيتش تصورات لمسار الاحداث تتراوح بين فرض مزيد من “العقوبات الخفيفة” وتوجيه ضربات عسكرية وأبلغ المستثمرين أنه من المرجح أن يحجم العالم عن اتخاذ الخطوات الضرورية لمنع ايران من اكتساب أسلحة نووية.
وكتب يقول ان التكلفة الاقتصادية لمواجهة عسكرية قد ترد عليها ايران وحلفاؤها في غزة ولبنان بهجمات صواريخ انتقامية ستكون مرتفعة للغاية حتى بالنسبة لإسرائيل. وأضاف “للاسف، يبدو أن السيناريو الاكثر ترجيحا، هو ايران نووية.”
ودعت اسرائيل يوم الاربعاء 9 نوفمبر القوى العالمية لمنع إيران من اكتساب أسلحة نووية، بعدما قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إن طهران عملت فيما يبدو على تصميم قنبلة نووية، وربما تكون ما زالت تجري أبحاثا سرية.
وزادت التكهنات بضرب إيران الاسبوع الماضي، حينما اختبرت اسرائيل التي يعتقد على نطاق واسع أنها الدولة الوحيدة التي تمتلك ترسانة نووية في الشرق الاوسط، صاروخا بعيد المدى وكذلك بعدما قال رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو إن برنامج طهران النووي يشكل خطرا “مباشرا وفادحا”.
وقالت ايران، التي تنفي رغبتها في الحصول على أسلحة نووية، ان تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية “غير متوازن” وذو “دوافع سياسية” وتوعّـدت بالمُـضي في برنامجها النووي.
وقال كاهانوفيتش، انه حتى التهديد بضرب إيران قد تكون له تداعيات اقتصادية برفع علاوات المخاطر في إسرائيل.
وقال التقرير إن ايران ستضطر، اذا لم تجد أمامها سبيلا آخر، لاتخاذ إجراء مثل إغلاق مضيق هرمز، الأمر الذي سيؤدّي إلى رفع سعر النفط فوق 250 دولارا للبرميل. وأضاف أن عبْء تمويل المواجهة العسكرية، سيكون أكبر من الاحتمال في ضوء معاناة دول كثيرة بالفعل، بسبب الازمة الاقتصادية العالمية.
وردا على سؤال عن احتمال التوصل لاتفاق عالمي على تشديد العقوبات على ايران، قال افرايم كام، الباحث في معهد دراسات الأمن الوطني في اسرائيل، ان الصين وروسيا اللتين تتمتّـعان بحق النقض (الفيتو) بمجلس الامن الدولي، لن تؤيِّـدا مثل هذه الخطوات وتخاطرا بالتعرّض لتداعياتها الاقتصادية. وقال “أقصى ما يمكن أن نراه، هو جولة أخرى من العقوبات الخفيفة”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 نوفمبر 2011).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.