تأجيل البت في تقرير غولدستون: تكتيك أم انتكاسة؟
مجلس حقوق الإنسان يؤجل بطلب من أصحاب المشروع، قرار البت في مصير تقرير لجنة تقصي الحقائق في حرب غزة، الى الدورة 13 في شهر مارس 2010. الممثل الفلسطيني يرى في ذلك تكتيكا للحصول على "دعم أكثر لتطبيق تقرير مُـهم"، بينما ترى فيه منظمات المجتمع المدني الفلسطينية "صفعة قوية، وقتل لحقوق الإنسان".
عرف مجلس حقوق الإنسان في جلسة يوم الجمعة 2 أكتوبر، المخصصة لاستعراض مشاريع القرارات الصادرة عنه، مفاجأة تأجيل البث في مشروع القرار المتعلق بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والذي يطالب من بين ما يُـطالب به، بتطبيق توصيات لجنة تقصي الحقائق التي رأسها القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون حول الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة في موفى العام الماضي وبداية هذا العام، إذ أوضح ممثل باكستان السفير سمير أكرم، باسم المجموعات الجغرافية المتبنية لمشروع القرار، أي منظمة المؤتمر الإسلامي والمجموعة الإفريقية والمجموعة العربية ومجموعة دول عدم الانحياز، بأنها تطالب بـ “تأجيل النظر في مشروع القرار المتعلق بوضع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية”، حتى الدورة 13 لمجلس حقوق الإنسان”، وهي الدورة التي ستعقد في شهر مارس 2010.
القرار الذي باغث الجميع، حتى بعض الدول العربية، يرى فيه الممثل الفلسطيني محاولة لمنح الدول “مزيدا من الوقت ولتعزيز المسار السلمي في الشرق الأوسط”، بينما ترى فيه منظمات أهلية فلسطينية “صفعة قوية وقتلا لحقوق الإنسان”.
الموقف الرسمي الفلسطيني: “لا نريد التسرع”
ويرى االسفير إبراهيم خريشي، لممثل الدائم لفلسطين لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف، في تصريح لـ swissinfo.ch بأن “ما يُشاع عن سحب مشروع القرار، هو غير صحيح، بل ما قمنا به الآن بالاتفاق مع باقي المجموعات التي صادقت على هذا التقرير وما ورد به، وتبنت مشروع القرار الذي قدم الى مجلس حقوق الإنسان لإعتماده، هو التأجيل لإعطاء كافة الأطراف مزيدا من الوقت لمزيد من النقاش، لأن التقرير الطويل يستحق دراسة أكثر لتبادل الأفكار حول آليات المتابعة القوية”. وأضاف السفير الفلسطيني “لا نريد أن نستصدر قرارا سريعا يصطدم في محطات فيتو أو امتناع، ومن ثم يُقتل”.
تأجيل البث في مشروع القرار المعروض على مجلس حقوق الإنسان لتطبيق توصيات تقرير غولدستون، لا يُنقص في نظر السفير الفلسطيني من أهمية التقرير، إذ يعتبر “التقرير موجودا وهو وثيقة صدرت عن لجنة دولية… هناك إمكانيات قانونية للإستفادة منه في أكثر من محطة وفي أكثر من محكمة ومؤسسة، وحتى الجمعية العامة، أصبح هذا الآن جزءً من وثائقها لأنه صادر عن مؤسسة أممية… لذلك ارتأينا أن ننقل مشروع القرار من هذه الجلسة إلى الجلسة القادمة، للأخذ به واعتباره، وما تم ما هو إلا نقلا وليس سحبا أو تعطيلا او أي شي يُشاع هنا وهناك في بعض وسائل الإعلام”.
عرقلة ام دعم لإنعاش المسار السلمي!
إسرائيل التي جندت لوبياتها وجماعات ضغطها للتأثير على الدول في اعتماد تقرير القاضي غولدستون، الذي اقر بارتكاب كل من إسرائيل ومقاتلي الجماعات الفلسطينية المسلحة “جرائم حرب ولربما جرائم ضد الإنسانية”، اعتبرت على لسان رئيس وزرائها بنيامين نتانياهو أن “اعتماد تقرير غولدستون، عرقلة لإنعاش المسار السلمي”.
وقد سارعت منظمات مدعمة لإسرائيل مثل “منظمة مراقبة منظمة الأمم المتحدة”، للترويج للحدث على أنه “سحب للمشروع”، قائلة في بيان لها “إنه يمثل هزيمة كبرى بالنسبة لتقرير غولدستون غير المتوازن”، مرددة الاتهامات التي ردذّدتها محافل إسرائيلية منذ تأسيس لجنة تقصي الحقائق بخصوص أحداث غزة.
لكن السفير الفلسطيني، الذي أثنى على تقرير غولدستون على أنه “تقرير فريد من نوعه في تاريخ حقوق الإنسان، بوصفه اقر آلية للدفاع عن حقوق الإنسان قد تستفيد منها كل الشعوب التي تعاني من الانتهاكات”، يرى في عملية التأجيل أمرا “قد يساعد الجهود التي تُبذل الآن من أجل مشروع يُحكى عنه لعملية السلام في منطقة الشرق الأوسط وفرصة لتعزيز نشاط مجلس حقوق الإنسان، لكي لا يبقى مجرد محفل لإشاعة حقوق الإنسان، بل ايضا ليكون حاميا لتلك الحقوق”.
وقد رددت أوساط دبلوماسية أن السفير الفلسطيني تلقى مكالمة هاتفية من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أمره فيها بالتأجيل، وهو القرار الذي يكون الرئيس الفلسطيني قد اتخذه بسبب الضغوط التي مارستها كل من الولايات المتحدة وروسيا عليه، حسب نفس المصادر.
وعما إذا كان القاضي ريتشارد غولدستون قد أطلع على القرار، أوضح السفير الفلسطيني أنه “تم الحديث معه وهو لا يرى في ذلك ضررا وأن التأجيل لن يُنقص من قيمة التقرير ولا من قوته القانونية والمعنوية. وسنعمل إن شاء الله في الجلسة القادمة، على أن نُفعل هذا الأمر بشكل معقول ومقبول وقابل للاستمرار”.
“صفعة قوية ” و”قتل لحقوق الإنسان”
منظمات المجتمع المدني الفلسطينية القليلة، التي لها ممثلون في جنيف، سارعت للإعراب عن تخوفها من إضعاف تقرير غولدستون بعملية التأجيل، ومنها من ذهبت الى حد التشكيك في نوايا الساهرين على هذه العملية، إذ ترى رانيا ماضي، ممثلة منظمة بديل الفلسطينية في جنيف في حديث لـ swissinfo.ch “الحقيقة أن ما حدث، صفعة قوية او قتلا لحقوق، ليس فقط الإنسان الفلسطيني بل كل إنسان”.
وتساءلت ممثلة منظمة بديل “كيف يمكن أن تكون لنا ثقة في المستقبل في مجلس حقوق الإنسان وفي أصحاب اتخاذ القرار، سواء كانوا من الفلسطينيين او من غيرهم، لإننا كمنظمات أهلية فلسطينية مصابون بالذعر، لأننا عملنا كثيرا لكي نوصل صوت الضحايا إلى هذا المجلس، ولكن ليست هذه هي المرة الأولى التي يُصاب فيها الشعب الفلسطيني بخيبة أمل”.
وعبرت الناشطة الفلسطينية عن “الحيرة في كيفية مواجهة الشعب الفلسطيني عند العودة للبلد”، مستشهدة بقول الرئيس الأمريكي الذي صرح بان “تأجيل الإنصاف العادل، هو حرمان من الحق في العدالة”.
وعن التعليلات التي يقدمها الجانب الرسمي الفلسطيني لهذا التأجيل، تقول السيدة رانيا ماضي “نحن كمنظمات أهلية غير مقتنعين بها ولا نستطيع أن نقبل بها، لأنها تمييع للقرار، لأننا عندما نعود للموضوع في جلسة شهر مارس القادم، ستكون هناك حلولا سياسية أخرى تم اتخاذها وسنترك الضحايا مع معاناتهم في غزة”.
واختتمت حديثها قائلة “إن ما يتم هو خزي وعار لكل إنسان مواطن شريف يؤمن بأنه يجب أن يكون هناك صوت للضحايا في هذا المجلس”.
سويسرا: في التأجيل فرصة لتعزيز آليات المتابعة
سويسرا التي رحبت بتقرير غولدستون حول الحرب في غزة وبما جاء فيه من توثيق للجرائم بصورة “متكافئة وبالنسبة لطرفي النزاع”، شددت أثناء استعراض التقرير على ضرورة تطبيق توصياته.
بعد إعلان تأجيل البث في مشروع القرار امام مجلس حقوق الإنسان، يرى السفير السويسري دانتي مرتينالي في حديث لسويس إنفو أن “هذا التأجيل سيسمح لمختلف الوفود بدراسة هذا التقرير الكبير والجدي للغاية، كما يسمح لهم بإمعان، النظر في الطرق التي يمكن بها متابعة تطبيق ما جاء فيه من توصيات والتدقيق في الآليات التي سيتم الاعتماد عليها”.
وذكّر السفير السويسري بأن “سويسرا في تدخلها الأولي أمام المجلس بخصوص تقرير غولدستون، شددت على أن “الضحايا من كِـلا الطرفيين، يطالبون باتخاذ إجراءات عملية، وقد عدد التقرير سلسلة من تلك الإجراءات يجب ان ندرسها بدقة وعناية”. وانتهى السفير السويسري الى خاتمة “نأمل في أن نتمكن من تحديد آلية متابعة بالنسبة لهذا التقرير الهام”.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
من النقاط الواردة في مشروع القرار الذي تقدمت به الدول العربية والافريقية والاسلامية ودول عدم الانحياز أمام مجلس حقوق الانسان بخصوص الوضع في الاراضي الفلسطينية المحتلة، وأجل البث فيه الى دورة مارس القادم:
1 – إدانة عدم تعاون القوة المحتلة إسرائيل مع لجنة تقصي الحقائق المستقلة.
2- الترحيب بتقرير لجنة تقضي الحقائق المستقلة.
3- اعتماد التوصيات الواردة في التقرير كلية… ودعوة الأطراف المعنية بما في ذلك مؤسسات الأمم المتحدة للسهر على تطبيقها الفوري وفقا للمهام المنوطة بها.
4- ترحب بالتقرير الدوري الأولي للمفوضة السامية لحقوق الانسان حول تطبيق بنود قرار مجلس حقوق الانسان رقم S-9/1، واعتماد التوصيات الواردة فيه كلية ومطالبة المفوضية السامية بمواصلة تقديم تقارير للمجلس.
5- توصي الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بالنظر في تقرير لجنة تقصي الحقائق المستقلة.
6- تطالب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بتقديم تقرير للدورة 13 لمجلس حقوق الإنسان حول مدى تطبيق الفقرة الثالثة من هذا القرار.
7- تقر متابعة مدى تطبيق بنود هذا القرار خلال الدورة 13 للمجلس.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.