“مبادرة الإصلاح العربي” تواصل زرع الأمل في المستقبل
مرت الآن عشر سنوات على انطلاق مبادرة الإصلاح العربيرابط خارجي، وهي مبادرة مدنية ولدت - إلى جانب مبادرات أخرى - ضمن سياق حالة الضيق الشديد الذي كانت تمر بها المنطقة العربية في منتصف العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين وقبل خمسة أعوام من اندلاع ثورات الربيع العربي بدءا بتونس ومرورا بمصر وليبيا واليمن وسوريا.
حالة الضيق الشديد التي استمرت فترة طويلة، كانت خلالها أنظمة الحكم العربية مطلقة اليد، لم ترحم معارضيها، إلى جانب أسلوبها المتعالي وعنجهية حكامها الذين كانوا شديدي البخل على الصعيد السياسي يرفضون الإصلاح، وإذا استجاب أحدهم للمطالبين بخطوات بسيطة في اتجاه دمقرطة الحياة العربية، جاءت هذه الإستجابة محدودة وهزيلة وكانت أقرب للمخاتلة والمناورة منها إلى الوعي الحقيقي بحجم الأزمة وثقل المسؤولية.
ما هي المبادرة؟
تمثل “مبادرة الإصلاح العربي” شبكة مراكز بحثية وسياسية عربية مستقلة، ومتشاركة مع نظيرات لها من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
يبلغ عدد شركاء مبادرة الإصلاح العربي اكثر من 20 مركز فكري وبحثي من العالم العربي وأوروبا والولايات المتحدة.
هدف المبادرة هو تحفيز القدرة البحثية العربية، لتقديم ما تملكه هذه المنطقة من معرفة بالموضوع ولتطوير برنامج للإصلاح الديمقراطي في العالم العربي يتميز بالواقعية وبأصالة المنبت.
وتهدف المبادرة كذلك إلى إنتاج مقترحات سياسية يمكنها المساعدة في تقدم الإصلاح في المنطقة.
عرفت السنوات القليلة التي سبقت الثورات العربية تعدد المحاولات الرامية إلى إقناع الماسكين بمصائر الشعوب بأن مصلحتهم ومصلحة شعوبهم تقتضي قليل من تنفيس المرجل قبل أن ينفجر. وكانت تلك المحاولات تختلف في مستوى قدرتها على التأثير والإستمرارية، وإذ توقفت عديد المبادرات لأسباب مختلفة، فإن مبادرة الإصلاح العربي تمكنت من الإستمرار رغم الصعوبات التي واجهتها. كما جاء تميزها من حيث تركيزها على الجوانب البحثية، إلى جانب حشد الأطراف بهدف “بناء تحالفات تسعى للتغيير”.
في تصريحات لـ swissinfo.ch، يقول الساهرون على “المبادرةرابط خارجي” إن من أهم عناصر القوة التي مكنتها من البقاء “اعتمادها على مبدإ أن الإصلاح هو نتاج لديناميكية محلية وذلك لمواجهة الإدعاءات بأن الاصلاح يمكن أن يأتي من الخارج”. وفي هذا السياق، يُضيف سلام الكواكبي، نائب المدير بالمؤسسة أنه من المفيد الإشارة إلى أن انطلاق المبادرة آنذاك “تم كجواب على المشروع الأمريكي – البوشي الذي توّج بغزو العراق وبرؤية خارجية لعملية الإصلاح”. كما أن ما ميزها هو تمكنها من أن “تضم مجموعة من أبرز المراكز البحثية ومخابر التفكير العربية والأوروبية والأميركية الشمالية كما الجنوبية”. وبفضل هذا التشبيك الواسع الذي جمع 22 شريكا يتمتع الكثير منهم بمصداقية عالية، استطاعت المبادرة “خلق ديناميكية تواصل وتعاون بين مجموعة هامة من الباحثين في المنطقة وخارجها وعزّزت الحوار وتبادل المعلومات والخبرات بين مختلف أعضاء هذه المجموعة”.
صعوبات وعوائق
رغم عناصر القوة التي أشار إليها سلام الكواكبي إلا أن ذلك لم يحجب الصعوبات التي واجهتها المؤسسة بكل إصرار. وأولى هذه العوائق “صعوبة الحصول على المعلومات في الدول العربية، مما عقّد مهمة الباحثين”. كما أن الحكومات العربية في أغلبها “تتعامل بحذر مع البحث العلمي في حقل العلوم الاجتماعية، إضافة إلى صعوبة تنقّل الباحثين العرب بين الدول العربية بسبب الظروف المتعلقة بالتأشيرات مما يعقد فرصة تنظيم لقاءات بينية بين الباحثين من المنطقة وفي المنطقة”.
تشكل مسألة البحث عن المعلومة من بين أهم العوائق التي تواجه الباحثين ومراكز البحث ومنظمات المجتمع المدني إلى جانب الأحزاب السياسية ورجال الأعمال. فمن المعلوم أن أنظمة الحكم كانت – ولا يزال العديد منها – تتعامل مع المعلومات وكأنها جزء من أسرار القنبلة النووية. وإذ تراجع ذلك جزئيا في بلد مثل تونس، إلا أن عديد الصعوبات لا تزال قائمة. وقد كانت المبادرة سباقة حتى قبل اندلاع الحركات الاحتجاجية العربية، في وضع هذا الموضوع الحساس على الطاولة، و نجحت نسبيا في تعزيز الحوار بين القوى المجتمعية والأنظمة المنفتحة على عملية الحوار. كما خاضت ” مبادرة الإصلاح العربي ” هذه التجربة على عديد الأصعدة ومن أهمها إطلاق حوار بين المجتمع المدني والأكاديمي من جهة والسلطات الحكومية من جهة أخرى في موضوع شديد الحساسية يتعلق بإصلاح القطاع الأمني ” وذلك بإشراك عديد الأمنيين، إلى جانب تعميق النقاش حول دور القطاع الخاص في تعزيز التغيير السياسي. وكما ذكر سلام فإن البحث العلمي في مجال العلوم الاجتماعية “ما زال حقلاً مقيّداً في غالب دول المنطقة”.
في الأثناء، لا يدّعي أصحاب مبادرة الإصلاح العربي بأنهم كانوا وراء اندلاع الثورات العربية، لكنهم يعتبرون أنفسهم على الأقل، قد ساهموا في تحفيز التفكير ونشر الأبحاث “المتعلقة بعملية التحوّل الديمقراطي والإصلاح على كافة الأصعدة في مرحلة سبقت الثورات”. وفي هذا الصدد، يقول سلام: “نحن نفخر بأن عدداً من أهم الباحثين العاملين أو المتعاونين مع المبادرة، قد لعبوا أدواراً محورية في مجتمعاتهم المختلفة أثناء عملية التحوّل التي تلت الثورات” في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا..
تحديات جديدة.. و”حكم الأكثرية لا يكفي”
اختلفت الأوضاع ما بعد الثورات عما كانت عليه قبل ذلك، وهو ما فرض على مختلف المبادرات ذات العلاقة بالإصلاح الديمقراطي في العالم العربي تحديات مختلفة. وهنا تذكر بسمة قضماني، المديرة التنفيذية للمؤسسة لـ swissinfo.ch أن “المبادرة عملت من ضمن مشاريعها البحثية على تعزيز الحوار النقدي بين القوى المختلفة سياسياً وحول قضايا تتعلق بإدارة التنوع في المجتمعات العربية”. وفي هذا السياق، جمعت إسلاميين وعلمانيين وحثتهم على النقاش حول القضايا الخلافية. كما تم إنجاز دراسات معمّقة عن أهم المسائل المطروحة في مفاوضات إحلال السلام وإيجاد الحلول السياسية. كما أنجزت عدداً من الدراسات المتعلقة بالترتيبات الأمنية وبدور القوات المسلحة، إضافة إلى تقديرات علمية عن حالة المنظومة الصحية وضرورات عملية إصلاح القضاء.
حكم الأكثرية لا يكفي حيث يجب إعطاء دور كافٍ لكل المجموعات المكونة للنسيج الوطني بسمة قضماني، المديرة التنفيذية لـ “مبادرة الإصلاح العربي”
في سياق متصل، عملت المبادرة على تهيئة الأجواء من خلال الإشتغال على منظومة العدالة الانتقالية في سوريا، بما فيها مشاريع العفو المحتملة وتمكين الفاعلين السوريين من التعرف على التحولات الهامة التي عرفتها تجارب أخرى مثل دول البلقان أو جنوب أوروبا وجنوب أمريكا. ويؤكد القائمون على المبادرة على مشاركتها الفاعلة في مشروع “اليوم التالي لسوريا ديمقراطية” الذي أطلقته مجموعة منتخبة من الباحثين السوريين لوضع أسس العملية الإنتقالية. كما قامت بتشجع القيادات الشابة على لعب دور بارز في عملية التفكير والتواصل مع الفاعلين السياسيين الدوليين.
عندما تطرح سؤالا على بسمة قضباني حول درجة التفاؤل الذي تبقى لديها، وهي ترى ما حل بدول المنطقة وخاصة بلادها سوريا وبشعبها من دمار وتشريد وهيمنة لتنظيمات إرهابية على جزء من المدن والقرى السورية، تجيب بكل ثقة أنه “رغم كل العنف والمآسي، خصوصاً في الحالتين السورية والليبية، يبدو من خلال استعراض مختلف التجارب بأن هناك عملية فرز سياسي بصدد التشكل بين المجموعات المتنافسة. ويتم هذا الفرز من خلال امتحان المصداقية والأداء تجاه المجتمعات. فرغم وجود تيارات سياسية تطرح حلولا وهمية مبسطة وبعضها يدعو إلى العودة إلى الإستبداد، استطاعت المجتمعات أن تصر على البحث عن بديل مناسب وفاعل وحقيقي”.
وتضيف السيدة بسمة أن “تفاؤلها ينبع من ان التيار الديمقراطي يظهر بعد كل عمليات الفرز السابقة باعتباره هو المناسب لمجتمعاتنا في تنوعها. فحكم الأكثرية لا يكفي، حيث يجب إعطاء دور كافٍ لكل المجموعات المكونة للنسيج الوطني. إن مسؤوليتنا كبيرة في بناء الثقة في هويتنا التي تغتني بالتنوع”.
ومن خلال “مقياس الديمقراطية العربيرابط خارجي“، وهو تقرير تعاوني يتضمن تقييما سنويا لمستوى وطبيعة السلطوية والديمقراطية كما يراقب عملية التحول في دول عربية بعينها، خلص الساهرون على مبادرة الإصلاح العربي إلى نتيجة هامة مفادها “عدم وجود مسار وحيد أو مباشر لتحقيق الديمقراطية، وأن السياق السياسي والإقتصادي والإجتماعي لكل بلد هو الذي يحدد مسار تحوله إلى الديمقراطية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.