تجاذبات سياسية ودينية تخيّم على الحوار الوطني
اليمن، الذي اختط لنفسه طريق الحوار الوطني وِفقاً للمبادرة الخليجية، لا يبدو أن انشغالاته السياسية الرّاهنة، بعيدة عمّا يدور في مصر، خاصة مع دخول الحوار مِنطقة التَّـماس بين الدّين والدولة.
فبعد أيام قلائل على تأكيد رئاسة مؤتمر الحوار الوطني الشامل، على تحقيق نجاحات مهمّة بتوافُق المتحاورين على أغلب القضايا المُدرَجة في قائمة الحوار، بدأت تظهر بوادر خِلافات وانقسامات حول قضايا مُثيرة للحساسية السياسية، كالقضية الجنوبية، وقضية صعدة، وبناء الدولة ودستورها المنتظر.
تقدّم متعثّـر
بالنسبة للقضية الجنوبية وقضية صعدة، فأي تقدّم فيهما بات موقوفا على تنفيذ الـ 31 نقطة المتعلِّقة بمعالجة العديد من الملفات، وكلها موقوفة على توافُق المُتحاوِرين، وعلى اتخاذ قرارات سياسية جريئة، وعلى المباشرة الفعلية لتنفيذها من قِبل الحكومة.
ومن المرجّح أن تعترض بعض المطالب الواردة في تلك النقاط، صعوبات، لاسيما ما يتعلّق منها بالاعتذار وإرجاع المُمتلكات المنهوبة والعقارات العمومية، من قِبل المستفيدين بها، ومحاسبة الفاسدين ومنتهكي الحقوق والحريات، ومنهم من الأطراف السياسية ذات الثِّقل القبلي والحِزبي والمحسوبين عليها، المُمثَّـلة أصلاً في الحوار، كالرئيس السابق وأنصاره وحزب المؤتمر الشعبي، الذي يُشارك، إلى جانب قوى قبلية مؤيِّده له، بقوّة في الحِوار، وهناك أيضا علي محسن الأحمر، وأنجال الشيخ عبدالله الأحمر، الذين يشاركون بنفوذهم الحِزبي والقبلي عبْر بعض شيوخ القبائل المحسوبين عليهم.
المزيد
اليمن عندما يـتـمـخـّـض
انقسامات
وفي قضية بناء الدولة، مع أن هذا الفريق حسم نِقاشه الثلاثاء الماضي 9 يوليو بتوافُق مجموع أعضائه على أغلبِية النِّقاط والمَحاوِر، التي يتعيّن أن تتأسّس عليها الدولة المنشودة والتي صوّت عليها أعضاء الفريق، إلا أنه أخفَـق في التصويت على إقرار بعض نقاط المواضيع المُثيرة للجدل، وتقرّر إحالتها إلى لجنة التوفيق والنظام، بحسب اللائحة الداخلية لمؤتمر الحوار الوطني، لأنهما لم يحصلا على نسبة 90%.
من تلك النقاط “الشريعة الإسلامية – المصدر الرئيسي للتشريع” و”الشريعة الإسلامية – مصدر جميع التشريعات”، والدولة الدينية والقانونية. ففيما يتعلّق بـ “الشريعة الإسلامية، المصدر الرئيسي للتشريعات”، صوّت سبعة وثلاثون عُضوا وبنسبة 84% من الحضور، في حين صوّت سبعة أعضاء لصالح الشريعة الإسلامية، مصدر جميع التشريعات أي بنسبة 16% من الحضور، البالغ عددهم 44 عضوا من إجمالي عدد أعضاء الفريق الخمسة والخمسون.
أما بخصوص موضوع دِين الدولة، صوّت الفريق على مقترحيْن: الأول، “الإسلام دين الدولة”. والثاني، “اليمن دولة مستقلّة ذات سيادة، والإسلام دِينها والعربية لُغَتها والجمهورية نِظامها”، إضافة إلى مادة ثانية “اليمن دولة مدنية تقوم على المُواطنة وإدارة الشعب وسِيادة القانون”، وتمّ التصويت على المادّتين كحِزمة واحدة، ولم يحصل أيا من هذين المقترحيْن على 90% من نِسبة الحضور، فتقرّر إحالتهما إلى لجنة التوفيق.
وأظهر التصويت على هذه النِّقاط انقساماً ملحوظاً بين دُعاة الدولة المدنية ودُعاة الدولة الدّينية. فمن جهة، القوى السياسية الدِّينية مُمثَّـلة بحزب التجمّع اليمني للإصلاح، المُصنَّـف ضِمن الإخوان، وحزب الرشاد السّلفي وتيارات سلفية أخرى، أيَّـدوا الإسلام دِين الدولة، والمصدر الوحيد للتّشريع فيما بقِيت القوى السياسية مع دولة المُواطنة وسيادة القانون، وأن يكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع وليس الوحيد.
تظاهر الآلاف من أنصار الحراك الجنوبي مساء الأحد 7 يوليو في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت (جنوب شرق)، استجابة لدعوة الزعيم الجنوبي حسن باعوم، في ذكرى دخول القوات الشمالية إلى الجنوب عام 1994.
وتجمّع المتظاهرون الذين توافدوا من عدّة محافظات، في ساحة كورنيش المكلا، رافعين أعلاما انفصالية مُناوئة للوِحدة، وصورا لرئيس المجلس الأعلى للحراك الجنوبي حسن باعوم.
رفع المشاركون لافتات كُتِب عليها “مطلبنا الأساسي التحرير والاستقلال” و”مليونية رفض الاحتلال”، مردّدين هُـتافات “لا وحدة لا فدرالية” و”ثورة ثورة يا جنوب”.
من جهته، قال نائب رئيس اللجنة التحضيرية والناشط السياسي في الحراك الجنوبي ناصر باقزقوز إن “مئات الآلاف تجمّعوا هنا في المكلا، لأن ذكرى 7 يوليو، هو يوم الانقلاب على الوِحدة السِّلمية في الحرب ضد الجنوب، ونحن في هذه المناسبة نُحْـييها منذ سنوات وسنستمر نُـذكِّر المجتمع الدولي وأبناء الشمال أنه في هذا اليوم تمّ تحويل الجنوبيين من شركاء في الوحدة إلى مَقصيِّـين”.
أكد بيان صادر عن التظاهرة رفض “ما يُسمى مشاريع دولة الاحتلال والمُتمثلة بمُخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي يقام في صنعاء”، مجدّدا التأكيد على أن “لا حوار وإنما تفاوض ندي بين الدولتين على أن يتم برعاية عربية أو دولية وأن يتمحور حول سبُل إنهاء الاحتلال وتمكين الجنوب من حريته واستقلاله”، بحسب البيان.
وشهدت معظم مدن الجنوب، لاسيما عدن التي كانت عاصمة للدولة الجنوبية سابقا، عِصْيانا مدنيا، استجابة لدعوة فصيل علي سالم البيض للتنديد بذكرى انتصار قوات الشمال على الجنوب في 7 يوليو 1994.
وذكر شهود عيان أن مدينة عدن شهدت شللا شِبه تام للحركة، استجابة لدعوة العصيان، حيث أغلقت معظم المحلاّت التجارية وأقفلت المرافق الحكومية أبوابها.
وأضاف الشهود أن أنصار الحراك الجنوبي قاموا بقطع الطُّـرقات ووضع الحِجارة في الشوارع الرئيسية في معظم أحياء عدن، للحد من الحركة، وأكدوا أن العصيان استمر لمدة 6 ساعات، ابتداء من الساعة السادسة صباحا وحتى 12 ظهرا.
وذكر ناشطون في الحراك الجنوبي أن انصار الحركة أقدموا على قطع الطرقات التي تفصل بين الشمال والجنوب ومنع الحركة في الحدود السابقة تنفيذا للعصيان .
وانقسم الجنوبيون هذه المرة في إحياء ذكرى انتصار قوات الشمال وهزيمتهم، التي تصادف يوم 7 يوليو من كل عام، حيث شارك البعض منهم في هذا التجمّع، بينما دعا فصيل نائب الرئيس اليمني السابق علي سالم البيض إلى تنفيذ عِصيان مدني في كل مُدن الجنوب.
(المصدر: الوكالة الفرنسية للأنباء أ.ف.ب. بتاريخ 7 يوليو 2013).
موقف التيار السلفي
بيد أن هذا الموقِف عد شِركاً بالله وخروجاً عن الإسلام، كما جاء في نداء عاجِل لأحد شيوخ التيار السّلفي المشاركين في الحوار، الشيخ كمال بامخرمة ،وجاء في نص نداءه: “لقد اتخذ غالبية أعضاء فريق بناء الدولة أسوأ قرار تاريخي، ستُحاسِبهم عليه الأجيال، بالإضافة إلى الحساب العسير بين يديْ الله، حيث انحازوا إلى تنحِية أن تكون الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريعات جميعاً، وجعلها المصدر الرئيسي، وبالتالي، إشراك مصادر فَـرعية أخرى إلى جانبها، لتكون أيضاً مصادر للتشريع، وهذا ما تدلّ عليه لفظة “رئيسي”، بإمكان وجود مصادر فرعية أخرى”.
مضيفاً: “.. إني أوجِّه ندائي أولاً إلى العلماء والدّعاة والخطباء أن يقوموا بواجبهم في إنكار هذا المُنكر العظيم، الذي يُـراد فرضه على أهل اليمن. وأن يقوموا بواجبهم في توعِية الشعب إلى خطورة ما يُراد بهم من هدْمٍ لدينهم وشريعة ربّهم، التي بالالتزام بها صاروا مسلمين، وأن يقوموا بدورهم في الدّفاع عنها بكافة الوسائل والأساليب المشروعة”.
وخلص بامخرمة في نداءه قائلاً: “الثورة لم تقم من أجل الإطاحة بالشريعة الإسلامية، وإنما من أجل الإطاحة بالظلم والفساد، والذي من أحد أسبابه عدم تطبيق الشريعة الإسلامية والتَّمترس وراء المصالح الذاتية والحِزبية… وأوجّه ندائي لكل مسلم أن يقوم بواجبه في إنكار هذا المُنكر العظيم، الذي يُساوي الشِّرك بالله، بل هو شِرك بالله، علِم مَن علِم وجهل مَن جهل بما يستطيع ويقدر”.
تبايُـن المواقف
المثير للانتباه، أن انصار الله التابعة لجماعة الحوثي، التيار الشيعي في اليمن، جاء موقفه حيال هذه المسائل، مُخالِفا لمواقف تلك الجماعات. عبد الكريم الخيواني، ممثل أنصار الله، التابعة للحوثيين في الحوار الوطني، في شرحه لموقف جماعته قال لـ swissinfo.ch: مع الأسف، قدم انصار الله تأصيلاً جديداً لبعض المسائل الشائكة، منها أن الدين الإسلامي دين الشعب وليس دين الدولة، على اعتبار أن الدولة هي شعب وإقليم، إلا أنها رُفِضت، أما فيما يتعلق بموقفهم من موقع الإسلام بالنسبة للتشريع، فقد كانوا مع: الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع، على اعتبار أن هناك مجالات من حياة الناس متروك تنظيمها للقوانين الوضعية”.
واعتبر الخيواني أن الدّاعين إلى جعل الإسلام مصدر جميع التشريعات، ليعد سِوى من قبيل توظيف الدّين في السياسة، مذكِّـراً في هذا السياق بأن العبارة ذاتها وردت في المادة الثالثة من الدستور النافذ، لكن ذلك لم يُغيِّر في الأمر شيئاً، لأن كثيرا من المعاملات، على حدّ تعبيره: ظلّت منظمة وِفقاً للمُقتضيات الوضعية، وليس المقتضيات الإسلامية، مع أن مَن أصرّوا على تضمين تلك المادة في الدستور الحالي، كانوا ممّن حكَموا في ظلّ تلك المُقتضيات الوضعية النافذة.
بعض المراقبين يروْن أن تبايُن المواقف حيال هذه المسائل، غيْر بعيد عمّا يجري في مصر، وأنها ستنعكِس على التحالُفات السياسية، لأن حلفاء حزب الإصلاح في اللّقاء المُشترك الذي يعود تكوينه إلى عام 2003، انحازوا إلى جانب أنصار الرئيس السابق والحوثيين والحِراك الجنوبي، في وقت بدأ هذا الحِلف الذي ظلّ محافظاً، على تماسكه كجبهة معارضة لعلي عبد الله صالح وحزبه، يشهد بوادر خلافات بين مكوِّناته، متأثِّـراً بالتطوّرات الجارية في مصر. ففي حين عبّر حزب الإصلاح عن مساندته لشرعية الرئيس المصري محمد مرسي، أعلن التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري تأييده لثورة 30 نوفمبر.
تجاذب ديني وسياسي
وفي السياق ذاته، تعرّض الرئيس اليمني عبد ربه منصور إلى انتقادات شديدة اللّهجة من قبل حزب الإصلاح، لاعترافه بمن يُسميهم هذا الحزب بالانقلابيين على الشرعية في مصر، ومع أن الأحزاب الأخرى المتحالفة مع الإصلاح لم تُبْدِ موقِفاً رسمياً تًجاه التطورات الجارية في مصر، خاصة الحزب الاشتراكي اليمني، إلا أن هناك معارِك ساخنة تدور بين أنصار هذا الحزب وأطُـره وبين أنصار حزب الإصلاح ومؤيِّديه، تدور مُعظمها حول التطوّرات الجارية في مصر.
وحول ما إذا كانت تلك التبايُنات بين الجماعات الدينية والقِوى المدنية ستؤثِّـر على التحالف المُشترك، المُكوَّن من حزب الإصلاح والأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، قال الخيواني: صحيح أن الكثير من التفاعلات السياسية التي تشهدها اليمن، مُتأثِّـرة إلى حدٍّ بعيد بما يجري قي مصر، خاصة لجهة التشديد على البُعد الإسلامي من قِبل بعض القوى السياسية، لكن من السابق لأوانه أن تؤدّي إلى تصدّع اللقاء المُشترك في الوقت الحالي، لأن النقاط الخلافية رحلت إلى لجنة التوفيق، ومن المرجّح أن يكون لقرار اللجنة تأثيراً على التحالف المشترك، خاصة كلما اقترب المُتحاوِرون من حسْم بعض القضايا الشائكة، التي تتبايَن فيها مواقِف الأطراف السياسية تبايُناً أيديولوجياً واضحاً.
يبدو أن اليمن، على غِرار مصر، في طريقها إلى تجاذب ديني سياسي، قد ينسحب على الحوار وعلى مخرجاته، ما قد يفضي إلى تحالفات سياسية غيْر بعيدة عن هذه الثنائية المُهيْمنة على المنطقة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.