تحديات كـبرى تنتظر الائتلاف الحكومي الغير المسبوق في تونس
أخيرا، وبعد شهرين من تنظيم انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، تشكلت حكومة ائتلافية هي الأولى من نوعها في تاريخ تونس السياسي، أغلبية وزرائها إسلاميون، ويقودها السيد حمادي الجبالي، الأمين العام لحركة النهضة.
وتزامن ذلك مع مرور سنة عن اندلاع الثورة التي غيرت المشهد السياسي في تونس برمته، وحولت المقموعين والمطاردين إلى حكام، يضعون السياسات ويقودون البلاد.
صوّت 38 نائبا ضد الحكومة، في حين منحها الثقة 154 عضوا، أي أن هناك ما لا يقل عن ثلاثين نائبا من خارج الائتلاف الحاكم قرروا الوقوف إلى جانبه في هذه اللحظة الحرجة التي تمر بها الثورة والبلاد. لكن ذلك لم يخفف كثيرا من حدة الانقسام المتواصل بين الأغلبية والأقلية في مجلس موكول إليه صياغة دستور جديد. فالائتلاف الحاكم قادر على تمرير ما يريده من قرارات وسياسات، ولم يبق للمعارضة سوى الاحتجاج، أو الاحتفاظ بأصوات ممثليها، وإن كانت هذه الأخيرة قد تمكنت من إحداث تغييرات عديدة على مسودة مشروع القانون المنظم للسلط المؤقتة التي قدمتها أحزاب الائتلاف الحاكم.
رغم ذلك، استمرت الفجوة بين الطرفين باستثناء تطور ملحوظ في مواقف عدد من النواب، بعضهم مستقل، والبعض الآخر ينتمي إلى عدد من الأحزاب أو الكتل. ولعل هذا الأمر هو الذي دفع بصحيفة “الشروق” إلى توجيه نقد لاذع لبعض أطياف المعارضة، واعتبرت أن سلوكهـا “ما يزال مُرتجلا ومهزوزا إلى درجة أوقعتها في دائرة المعارضة السلبيّة الّتي تعتمدُ الإثارة ونشر الإشاعة والتعويل على تصيّد العثرات التي قد يقع فيها الخصم الحاكم”.
سابقة عالمية
كان من الطبيعي والمتوقع أن يكون الملفان الاقتصادي والاجتماعي في مقدمة الأولويات التي ستضعها الحكومة في برنامجها، وبالأخص مشكلة البطالة التي تجاوزت كل التوقعات مع بلوغ عدد العاطلين أكثر من 800 ألف شخص، إلى جانب ملف الاهتمام بالعائلات المعوزة والجهات المحرومة.
وبالرغم من صعوبة الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها تونس، إلا أن الجبالي كان متفائلا في بيانه، وذكر بأنه “متأكد من النجاح في ملف التنميـة”، الذي ستتم معالجته من خلال 16 إجراء من بينها “مراجعة المنظومة الجبائية، وتنشيط السوق المالية وإصلاح القطاع المصرفي، وفتح المجال أمام البنوك الإسلامية، ودعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة، ودفع القطاع السياحي، وتوسيع المسالك الفلاحية”، وغيرها من الإجراءات.
لكن ذلك لم يكن كافيا لطمأنة المعارضة والخبراء، الذين لم يجدوا في خطاب رئيس الحكومة تشخيصا دقيقا للوضع العام، أو تحديدا واضحا لمصادر تمويل الإجراءات التي تم الإعلان عنها.
بالمقارنة مع برنامجي الحكومتين السابقتين، يمكن القول بأن الحكومة الحالية استندت على نفس التوجهات تقريبا، مع وجود رغبة في الشروع في إدخال بعض الإصلاحات على قطاعات حيوية مثل القضاء والجباية والداخلية. كما يوجد توجه نحو تأسيس ما يسمى بالمصرفية الإسلامية إلى جانب المصرفية العادية، اعتقادا من حركة النهضة بأن البنوك الإسلامية يمكن أن تساهم في إنعاش الحركة الاقتصادية في البلاد.
على المستوى الرمزي، اختارت الحكومة إعطاء الأولوية لمعالجة ملف عائلات الشهداء والجرحى. وهو ما جعلها تؤسس وزارة لحقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، سيكون على رأسها أحد الكوادر الشابة لحركة النهضة سمير ديلو. لكن لا يعرف إلى حد الآن الآليات التي ستعتمدها هذه الوزارة، إذ لأول مرة تتشكل وزارة في العالم للسهر على تنفيذ العدالة الانتقالية، وذلك في محاولة من الحكومة توجيه رسالة إلى مضطهدي المرحلة السابقة.
كما تم تأسيس وزارة خاصة بالحوكمة، وذلك بحكم الفساد الذي استشرى في المرحلة الماضية، ولا يزال يشكل ظاهرة خطيرة حتى بعد الثورة، حيث كشف التقرير الأخير لمنظمة الشفافية الدولية عن حصول تراجع موقع تونس في سلم مكافحة الفساد من المرتبة 59 في عام 2010 إلى المرتبة 73 في 2011.
تعيينات أثارت بعض الجدل والتخوفات
بالرجوع إلى الطاقم الحكومي، يلاحظ بأن الائتلاف الحاكم قد مال نحو التخلي عن خدمات الفريق السابق الذي عمل مع كل من محمّد الغنوشي والباجي قايد السبسي. الخيط الوحيد الذي بقي يربط الحكومة الحالية بالمرحلة السابقة على مستوى التسيير هو وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي الذي تربطه علاقات جيدة برئيس الأركان الجنرال رشيد عمار. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن حركة النهضة أبدت حرصا شديدا على بناء علاقة قوية بالمؤسسة العسكرية، التي لن يشملها أي تغيير خلال المرحلة القريبة القادمة.
يشترك بقية الوزراء في أن جميعهم تقريبا لا يملكون تجارب سابقة في الحكم، حيث أن أغلبهم كانوا في صفوف المعارضة المهمشة والمطاردة، بل إن معظم وزراء حركة النهضة كانوا في السجون أو المهجر، ومعرفتهم بالوزارات التي كلفوا بها محدودة، غير أن ذلك قد لا يكون عائقا أمام تحمل مسؤوليات حكومية إذا ما توفر الحد الأدنى من شروط الكفاءة والاستعداد للتعلم والاستفادة من خبرات الآخرين.
إلى جانب ذلك، هناك تعيينات أثارت بعض الجدل، مثل تكليف السيد رفيق عبد السلام بحقيبة وزارة الخارجية، وذلك بحكم مصاهرته لرئيس حركة النهضة الشيخ راشد الغنوشي. ويبدو أن الاعتراض على ذلك لم يقف عند الأوساط السياسية والإعلامية، وإنما انتقل الجدل حتى داخل صفوف حركة النهضة. وهو ما دفعه إلى الرد على ذلك بالتأكيد في أكثر من مناسبة على أن “الغنوشي ليس بن علي وهو ليس صخر الماطري”. لكن الملفت للنظر أن المعارضين داخل المجلس التأسيسي أو خارجه توقفوا كثيرا عند مسألة المصاهرة أو غيرها من الجزئيات، دون التطرق إلى الاختيارات الخاصة بالسياسة الخارجية.
كذلك تخوف البعض من تعيين السيد علي العريض على رأس وزارة الداخلية، وهو المعروف بالدور الهام الذي لعبه في تركيز تنظيم الحركة، إلى جانب العزلة القاسية التي تعرض لها داخل السجون لمدة خمسة عشر عاما، بتحريض من البوليس السياسي. غير أن الرجل حاول منذ البداية أن يطمئن الأجهزة الأمنية، وأن يقف إلى جانبها والعمل على حمايتها ضد أي تهديد قد تتعرض له خلال قيامها بعملها. والمعلوم أن الإصلاح الأمني يعتبر من أكثر الملفات صعوبة وحساسية.
هناك أيضا من عبر عن خشيته من تكليف د. منصف بن سالم بوزارة التعليم العالي، بعد الإبعاد الذي تعرض له عن وظيفته بصفته أستاذ رياضيات منذ عام ، 1987 (السيد منصف بن سالم كان أستاذا زائرا لدى العديد من الجامعات الغربية). وهو قرار قد فاجأ أيضا بعض النهضويين. ولا يستبعد البعض أن يجد الوزير الجديد مقاومة من قبل عدد واسع من الجامعيين نظرا لوجود تباين عميق في وجهات النظر بينه وبين الكثير منهم. وقد بدأ ذلك يبرز بوضوح منذ إعلان تعيينه.
في المقابل، يتمتع وزير العدل الجديد السيد نور الدين البحيري بحظوظ أكثر لكي يتفاعل مع الوسط القضائي، وقد تتوفر له فرصة لتحقيق بعض الإصلاحات، لكن المؤكد أن هذه الوزارة تعتبر من بين الوزارات الصعبة نظرا لكثرة التناقضات والتجاذبات التي تشقها، وهي تحتاج للكثير من المرونة والتعاون والرؤية البعيدة. فإصلاح القضاء مطلب شعبي، وشرط أساسي لنجاح الانتقال الديمقراطي.
السيــاق الإقليمي والدولي
المعضلة الرئيسية التي ستواجهها الحكومة لا تقف عند التركة الثقيلة التي خلفها عهد الرئيس السابق، إلى جانب التدهور الذي شهدته معظم المؤشرات في البلاد خلال الأشهر العشرة الأخيرة، وإنما إلى جانب ذلك ستعمل الحكومة في ظرف إقليمي ودولي شديد الصعوبة. فأوروبا الآن تمر بأزمة هيكلية تعتبر الأشد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو ما من شأنه أن يحد من حجم المساعدة التي تحتاجها دول جنوب المتوسط، ومن بينها تونس.
كما أن الاقتصاد العالمي يعيش حالة ركود رغم محاولات إنعاشه منذ الأزمة المالية الكبرى التي عصفت بالولايات المتحدة الأمريكية. لهذا يستغرب البعض ما صرح به رئيس الحكومة لصحيفة الصباح من أن نسبة النمو ستكون في حدود 3% مع نهاية سنة 2012، في حين أن عديد الخبراء يتوقعون بأن النسبة قد لا تتجاوز الصفر أو واحد% في أحسن الاحتمالات..
ووردت إشارة هامة في خطاب حمادي جبالي، وتدل على إدراك الائتلاف الحاكم بدقة المرحلة، وخطورة الظرف، وذلك عندما أكد على أن الحكومة لن تنفرد بالملفات الإستراتيجية، وإنما ستعمل “بالتنسيق التام مع المعارضة ومكونات المجتمع المدني والهيئات الاجتماعية وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية”.
وتعتبر هذه المسألة محورية، لأن المرحلة القادمة ستنعكس بالضرورة سلبا أو إيجابا على مجمل المسار الانتقالي في تونس. كما أن الأكيد أن الحكومة في حاجة إلى مهلة زمنية للتعرف على مدى قدرتها على الوفاء بوعودها، وفي المقابل، عليها أن تتحمل أي نقد سيوجه إليها. فطريق بناء الديمقراطية محفوف بالمزالق وعدم الرضى.
قال رئيس الوزراء التونسي الجديد حمادي الجبالي الاثنين 26 ديسمبر 2011 خلال موكب تسلمه منصبه في قصر الحكومة ان هذا الموكب يعكس “الصورة الجميلة لتونس وثورتها”، ووعد بان تخدم حكومته الشعب وان تكون “مثالا لليد النظيفة والشفافية”.
وأكد الاسلامي حمادي الجبالي خلال موكب تسلم مهامه من سلفه الباجي قايد السبسي ان “تسليم السلطة يعكس الصورة الجميلة لتونسنا ولثورتها” مشيدا بعملية انتقال السلطة في تونس “بشكل سلس وحضاري”.
وكانت حكومة الجبالي المشكلة من 30 وزيرا و11 كاتب دولة، نالت الخميس ثقة المجلس الوطني التأسيسي المنتخب من الشعب باغلبية 154 صوتا مقابل 38 وامتناع 11 نائبا.
وشدد الجبالي على ان الحكومة ستعمل في خدمة الشعب مشيرا الى الحرص على القطع مع ما عرف به عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من فساد ومحسوبية.
وقال في هذا السياق “اعد بان تكون الحكومة في خدمة الشعب ومثالا لليد النظيفة والحوكمة الرشيدة والشفافية” مع الحرص على صرف المال العام في اوجه صرفه السليمة.
وحصلت حركة النهضة الاسلامية التي فازت في اول انتخابات حرة وديموقراطية في البلاد كانت نظمت في 23 تشرين الاول/اكتوبر 2011، على اهم الوزارات خصوصا الداخلية والخارجية والعدل. كما تولت الحركة حقائب الصحة والنقل والتعليم العالي والبيئة والزراعة والتنمية الجهوية والاستثمار والتعاون الدولي ووزارة حقوق الانسان الجديدة.
ويشارك ايضا في الحكومة وزراء من الحزبين الحليفين للنهضة، المؤتمر من أجل الجمهورية (4 وزراء) والتكتل من أجل العمل والحريات (5 وزراء) إضافة الى مستقلين (8 وزراء).
وتواجه الحكومة تحديات عديدة منها خصوصا البطالة وعدم التوازن في تنمية الجهات وتراجع الاستثمارات.
وبين الجبالي أن حكومته ستكون “في خدمة كافة التونسيين وسيجتهد في معالجة الملفات بعيدا عن اي انتماء سياسي” مؤكدا ان تونس “قادمة على مرحلة صعبة لكن العزيمة قوية وستكلل اعمالنا بالنجاح”.
واعتبر أن “رسالة الأمل هذه ليست من فراغ لأن الشعب الذي نجح في القيام بالثورة قادر على رفع تحديات التنمية الاقتصادية”.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية بتاريخ 26 ديسمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.