أحوال الديمقراطية تتحسّن بشكل عام لكنها تتباطأ في سويسرا
في عام 2018، ساعد الإرتفاع المسجّل على مستوى المشاركة السياسية في العالم في الحد من وتيرة تراجع الديمقراطية، وفقًا لأحدث مؤشر للديمقراطية صادر عن قسم التحقيقات في مجلة إيكونيميست البريطانية. أما سويسرا فقد تراجع ترتيبها في التصنيف العالمي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الإنخفاض المسجّل في نسبة الإقبال على التصويت.
طبقا لأحدث مؤشر صادر عن قسم التحقيقات في مجلة إيكونيميست يوم 9 يناير الجاري، يبدو أن تراجع الديمقراطية في العالم الذي كثر الحديث عنه، قد توقف إن لم يكن قد “تم إيقافه مؤقتا” على أقل تقدير في السنة الفائتة.
وفي ما بدا مناقضا لتقارير شتى صدرت في الفترة الأخيرة أعلنت عن نهاية الديمقراطية الليبرالية والحقوق المدنية، كتبت المجلة اللندنية أنه في الوقت الذي تراجعت فيه الديمقراطية في اثنين وأربعين بلدا، فقد نمت في خمسين دولة أخرى، ما يعني أن الحصيلة الإجمالية ظلت مستقرة في نهاية المطاف.
في هذا الصدد، تمثل العامل الرئيسي الذي ساعد على وضع حد لثلاث سنوات من التراجع في التحسن الملحوظ المسجّل في فئة “المشاركة السياسية”، حيث اتضح أن مستويات المشاركة والإنخراط في الأحزاب والتفاعل مع وسائل الإعلام ومحو الأمية في صفوف الكبار كانت كلها في ارتفاع.
باستثناء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ازدادت المشاركة السياسية في جميع مناطق العالم، بسبب درجة عالية من عدم الثقة في الحكومات القائمة في معظم الأحيان. في هذا الإطار، مثلت المشاركة الهائلة للمواطنين في انتخابات منتصف الولاية الرئاسية في الولايات المتحدة في شهر نوفمبر الماضي مؤشرا واضحا، كما يُلاحظ قسم التحقيقات في مجلة إيكونيميست. في الوقت نفسه، تشير المستويات التاريخية لمشاركة النساء إلى أن الديمقراطية ليست في حال موت بطيء على الإطلاق.
تراجع طفيف لسويسرا
مع ذلك – وقد تكون هذه مفاجأة – فإن سويسرا تُسجّل، باقتراعاتها المتكررة ومبادراتها الشعبية، أسوأ أداء لها في هذه الفئة (أي “المشاركة”) تحديدا، وهي إحدى التصنيفات الخمسة التي يتشكل منها المؤشر، بالإضافة إلى العمليات الإنتخابية، وكيفية عمل الحكومات والثقافة السياسية والحريات المدنية.
بفضل رصيدها (7.78 نقطة) على مستوى المشاركة، تقدمت سويسرا بفارق طفيف على الولايات المتحدة، لكنها ظلت بعيدة عن النرويج، التي تعتبر البطل بلا منازع ببلوغها درجة الكمال (10 نقاط). أما على مستوى الترتيب العام، فتحتل النرويج أيضا الصدارة، متبوعة بأيسلندا والسويد. أما سويسرا فقد خسرت درجة واحدة لتجد نفسها في المرتبة العاشرة، فيما احتلت الولايات المتحدة المرتبة الخامسة والعشرين.
المزيد
بعكس الإنطباع السائد.. الديمقراطية تواصل تقدمها في العالم
هذا التراجع الذي سجلته سويسرا في السنوات الأخيرة يُعزى أساسا إلى انخفاض معدلات المشاركة في المواعيد الإنتخابية، كما تقول دانييل هارالامبوس، كبيرة المحللين في قسم التحقيقات في مجلة إيكونيميست للمملكة المتحدة وأوروبا.
وعلى الرغم من أن البلد تحصل على نتائج جيّدة فيما يتعلق بعدة أوجه تتعلق بالمشاركة السياسية، وتواجد النساء في البرلمان وبإدماج الأقليات، فإن “تعب الناخبين” الناجم عن العدد الكبير من الإستشارات (وبشأن مسائل معقدة في العديد من الأحيان)، أدى إلى تراجعه (في الترتيب) خلف البلدان الأخرى التي استمرت في التحسن على هذه الجبهة، كما تشير الخبيرة.
باختصار، يُمكن القول أنه في الوقت الذي تُسهم فيه أدوات الديمقراطية المباشرة المُستخدمة في الكنفدرالية في رفع ترتيب سويسرا، فإن النقص المُسجّل على مستوى المشاركة خلال الإقتراعات يسحبه نحو الأسفل.
على المقاس
في السياق، يرى برونو كوفمان، مراسل swissinfo.ch لقضايا الديمقراطية العالمية، أن منهجية قسم التحقيقات في مجلة إيكونيميست مُضلّلة. وحسب رأيه، فإنه من الخطإ إجراء مقارنة منتظمة بين بلدان مثل سويسرا – حيث يُصوّت الناس عادة أربع مرات في السنة، وغالباً ما يكون ذلك على عدة مواضيع – والسويد، حيث لا يتم استدعاء المواطنين إلى صناديق الإقتراع إلا مرة واحدة خلال بضع سنوات.
لذلك، يذهب كوفمان إلى أن الجدول الناتج عنها “قائم على أساس متوسط بين حبّات من التفاح وأخرى من الكمثرى (أي بين معطيات وظواهر لا تنتمي إلى نفس الفئة أو الصنف)، وهو عبارة عن صورة كميّة سطحية مُوجّهة للمختصّين في العلوم السياسية”.
وبالفعل، فإنه على الرغم من أن متوسط مشاركة الناخبين في سويسرا منخفض نسبياً (أقل من 50٪ خلال الإقتراعات الوطنية)، يتفق معظم الخبراء على أن هذا يعكس تواتر وتعقيد المسائل المعروضة على التصويت، لكن هذه المشاركة المنخفضة لا تؤثر سلبا على الجودة الديمقراطية للنتائج.
برونو كوفمان لاحظ أيضا أنه إذا كانت النرويج تحتل المرتبة الأولى في المشاركة بفضل الإنخراط القوي لمواطنيها ضمن المجموعات المهيكلة كالنقابات والمنظمات المدنية، فإن مشاركة المواطنين في عمليات تختص بها سويسرا كجمع التوقيعات لفائدة المبادرات الشعبية والإستفتاءات لا تؤخذ بعين الإعتبار في الملاحظات التي أوردها قسم التحقيقات في مجلة إيكونيميست.
تبعا لذلك، فإن مؤشّرات أخرى تعتمد مقاربة أوسع لقياس مستوى الأداء الديمقراطي، تُسفر عن تصنيفات أخرى. وهو ما ينطبق بشكل خاص على مؤشر معهد V-Dem السويديرابط خارجي، الذي تحل فيه سويسرا رابعة، أو مؤشر مؤسسة بيرتيلسمانرابط خارجي، الذي يمنحها المرتبة السادسة.
(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.