تركيا والثورات العربية: هل هي ميكيافلية جديدة؟
بدت تركيا في الآونة الأخيرة لاعِـبا إقليميا ودوليا، لا يقل انخراطه في القضايا التي تبدو داخلية عن انخراط القوى ذات المدى العالمي في القوة والهيمنة. وبرز دور أنقرة بتلونات مختلفة في حالة الثورات والإنتفاضات العربية المتنقلة من بلد عربي إلى آخر، بل قد تبدو مفاجِـئة تلك المواقف "الجريئة" بوضوحها التي اتخذها مسؤولون أتراك من وضع بعض الحكام العرب خارج أية تقاليد من الحذر ومراعاة الحساسيات المتعارف عليها في العلاقات الدبلوماسية.
وقبل التوقف عند “النماذج التطبيقية” للسياسة التركية، لا مفر من الإشارة إلى أمريْـن حَكَما ولا يزالان يحكُـمان السلوك التركي تُـجاه المنطقة العربية وكل الجغرافيا المحيطة بتركيا.
الأول، أن تركيا انتهجت منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 سياسة تعدّد الأبعاد، مشيرة بذلك إلى أن تركيا تنتمي إلى عوالم متعدِّدة، بلقانية وأوروبية وغربية وأطلسية وسلافية وتركية وشرق أوسطية وإسلامية وآسيوية وإسرائيلية. وهذه العوالم المُـتناقضة، التي تحاول تركيا التوفيق فيما بينها، تقتضي سياسات “ميكيافلية”، لجهة أنك لا يمكن أن تكون في الوقت نفسه إسرائيليا وفلسطينيا وأطلسيا ونصيرا لإيران أو مؤيدا للتغير في بلدٍ ومعارضا له في بلدٍ آخر. هذا يمكن أن يَنسب للسياسة صفات وخصائص خالية من أية قواعد مبدئية، تتصل بالحق أو العدالة، حتى لو كانت الشعارات عالية.
الأمر الثاني، هو أن السياسة التركية الجديدة لا تنطلق من المعايير نفسها في التعامل مع كل القضايا، إذ يرى منظرو السياسة الخارجية التركية أن لكل قضية ظروفها التي توجب التعامل معها بطريقة قد تختلف عن أخرى. ذلك أن ابداء الدعم مثلا لحركة حماس في فلسطين، حالة قائمة بذاتها. وتوثيق التعاون مع إسرائيل في المجال الإقتصادي وتقديم “مساعدات إنسانية” لها لإطفاء حرائق جبل الكرمل، حالة أخرى مستقلة. لكن علم السياسة، إذ يعترف بهذه الواقعية في التعامل مع قضايا متنوّعة ومختلفة، فإنه قد لا يعطي علامة إيجابية عندما يضع كل هذه السياسات على مشرحة موحدة المعايير.
هذه السياسات، يُـعتقَـد أن رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان قد اختصرها بكل صراحة، عندما سئِـل عن سبب عدم مطالبته الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي بالرحيل، كما كان طالب سابقا الرئيس المصري حسني مبارك بالتنحي، فأجاب قائلا: “إن سياسة تركيا لا تمليها التعليمات، بل المصالح الوطنية”.
قال أردوغان ذلك بعد أيام قليلة على اندلاع الثورة الليبية ضد معمر القذافي، ولم تكن بدأت أية بوادر للتدخلات الخارجية، سواء من الأمم المتحدة أو حلف شمال الأطلسي.
سياسة مركبة
اتبعت تركيا تجاه الثورات العربية سياسة مركبة. كل بلد حالة مستقلة عن الآخر، لكن الثابت أن تركيا ترى في نفسها لاعبا من حقِّـه أن يتدخّـل في الشؤون الداخلية للدول العربية، من مُـنطلق أن استقرارها يهم تركيا وأنها تسدي النصح لا الإملاء.
تجد تركيا في نفسها القوة والقدرة على التعبير عما تتطلع إليه في أول تجربة علنية لها في التعامل مع الدول العربية. وإذا كان هذا دأب الدول الكبرى، فإن سلطة حزب العدالة والتنمية باتت تنظر إلى الآخرين، ولاسيما القريبين منها، على أنها أيضا لاعب كبير. لكن تركيا لم تمارس في الحِـراكات الشعبية العربية دورا متوازنا.
مارست تركيا في الحالة المصرية كل فائض “الباشوية” تجاه “الخديوية”، عندما دعا اردوغان مبارك إلى التنحي قبل أن يواجه ربّه في متريْـن مربَّـعين، على حد تعبيره. وأيَّـدت أنقرة الإطاحة بزين العابدين بن علي في تونس ودعت إلى تلبية “المطالب المُـحقة” للشعوب في اليمن والبحرين. وعندما جاء الدور إلى ليبيا، كان الوضع مختلفا.
ليبيا: المصالح الاقتصادية أولا
وقفت العلاقات الاقتصادية كما العلاقات الشخصية بين اردوغان والقذافي حاجزا أمام موقف تركي مشابه لما كان عليه تُـجاه مصر وتونس.
الإستثمارات التركية في ليبيا لا تقل عن 15 مليار دولار وأكثر من مائتي شركة تركية تعمل في ليبيا، فضلا عن وجود ما لا يقِـل عن 25 ألف تركي بين موظف وعامل في تلك الشركات. كما تصدّر تركيا منتجات بقيمة ملياريْ دولار إلى ليبيا. ورفض أردوغان أن يعيد “جائزة القذافي العالمية”، التي نالها منه سابقا.
ولم يدع اردوغان القذافي إلى التنحي، بل طالبه لاحقا بإجراء انتخابات نيابية ورئاسية يمكن أن يشارك فيها القذافي وأبناءه، مثلهم مثل غيرهم من الليبيين.
سوريا وذروة الميكيافلية
في المقابل، يمكن القول أن “الميكيافلية” التركية بلغت ذروتها في الحالة السورية. فقد أعطت سوريا تركيا كل شيء في السنوات الأخيرة. منحتها الإستقرار الأمني في المسألة الكردية وفتحت لها الحدود، رغم عدم التكافُـؤ في القُـدرات الإقتصادية بين البلديْـن. كما أدخلت تركيا، بالمسلسلات المدبلجة، إلى كل بيت عربي ومنحتها دورا عالميا، وهو أن تكون الوسيط بين سوريا وإسرائيل، تماما كما كانت إيران قد منحت هذا الشرف إلى تركيا في مفاوضات البرنامج النووي مع الغرب.
لكن حين بدأت الإضطرابات في سوريا، لم تتردد تركيا في التعاطي مع سوريا بطريقة “وصائية” مفاجئة وفتح “مدرسة” في تلقين الدروس للقيادة السورية فيما يجب أن تفعله وبأية طريقة. ولم يكتف الأتراك بذلك، بل “استضافوا” محمد رياض الشفقة، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في سوريا في مؤتمر صحفي عقده في إسطنبول وشنّ فيه هجوما على الأسد فيما بدا أنه يحظى بتغطية من حكومة حزب العدالة والتنمية. ومع أن وزارة الخارجية التركية أصدرت بيانا تنصّـلت فيه من مواقف للشفقة، فإن “السهم كان قد خرج من القوس” مثلما يُقال ودخلت العلاقات الثنائية مرحلة جديدة، لا يمكِـن التكهُّـن بما ستؤول إليه وما ستتركه من أضرار، أولا على الثقة التي طبعت العلاقات بين دمشق وأنقرة، وثانيا على القضايا ذات الإهتمام المشترك، وفي مقدمها التحديات الأمنية.
أدخل سلوك المسؤولين الأتراك تركيا في متاهات الشوارع العربية وأفضى فائضُ الثقة بالنفس لدى أنقرة إلى التصرف بطريقة تُـثير الإلتباس والشكوك وقد يؤدِّي إلى إعادة ترتيب الحسابات والأوراق بل إلى إعادة النظر في قواعد اللعبة في العلاقات بين تركيا والدول العربية أو مع بعضها على الأقل.
في سياق متصل، أصبح وزير الخارجية المصري السابق أحمد ابو الغيط من التاريخ ويرى كثيرون أنه قاد بلاده إلى موقع متدنٍّ جدا، غير أن احتجاجه على التدخّـل التركي في الشأن المصري في بداية ثورة 25 يناير، كان منسجِـما مع الأصول الدبلوماسية ويحظى، كمبدأ، بدعم كل المصريين. لذلك بدا للمراقبين أن الثورات العربية المتنقلة هـزّت وضوح الرؤية عند تركيا، فغابت لديها المعايير وصالت وجالت في ساحة ضعيفة.
إن سياسة العمق التاريخي الذي اشتغل عليه قادة تركيا ووزير خارجيتها تحديدا، تفترض الأخوة والجوار والنصح والتعاون والتوفيق وعدم ازدواجية المعايير، ولا يمكن أن تنسجم مع أي نوع من الميكيافليات. فالدور الوسيط والنزيه شيء، والميكيافلية شيء آخر. وفي هذا السياق، يرى متابعون للتطورات الإقليمية المتسارعة أن تركيا الجديدة، مُطالبة بتصحيح الصورة من أجل استعادة الثقة التي اهتزّت، وأول شروطها، احترام الآخر(العربي) وخياراته والنظر إليه كشريك ونـدّ لا كساحة تنتظر من يملؤها.
بيروت (رويترز) – أكد وزير خارجية تركيا أحمد داود اوغلو يوم الأربعاء 6 أبريل دعم بلاده للاصلاحات التي عرضها الرئيس السوري بشار الأسد والذي يواجه اخطر تحد لحكمه جراء احتجاجات اندلعت الشهر الماضي للمطالبة بمزيد من الحريات.
وقالت تركيا الجارة الشمالية لسوريا والتي انضمت الى النداءات الغربية المطالبة بتنفيذ اصلاحات في سوريا انها مستعدة “لتقديم كل مساعدة ممكنة من خبرات وامكانيات لتسريع هذه الاصلاحات بما يساهم في ازدهار الشعب السوري وتعزيز امنه واستقراره” حسبما نقلت وكالة الانباء السورية (سانا) عن اوغلو خلال اجتماعه مع الاسد في دمشق.
وقتل اكثر من 60 شخصا في الاحتجاجات التي بدأت في مدينة درعا بجنوب سوريا وانتشرت في مناطق عدة من البلاد.
وانشأ الاسد الذي يتولى السلطة منذ وفاة والده الرئيس الراحل حافظ الاسد قبل 11 عاما لجنة لصياغة قانون مكافحة الارهاب بدلا من قانون الطوارىء المعمول به منذ تولي حزب البعث الحكم في البلاد عام 1963 .
ورفض المنتقدون هذه الخطوة مرجحين ان تمنح التشريعات الجديدة الدولة الكثير من الصلاحيات كما يمنحها قانون الطوارىء الذي استخدم لخنق المعارضة وتبرير الاعتقالات التعسفية.
وامر الاسد باجراء تحقيق في وفاة المدنيين وافراد قوات الامن خلال الاشتباكات في درعا ومدينة اللاذقية الساحلية كما دعا الى تحقيق اخر في احصاء الحسكة في 1962 والذي ادى الى حرمان نحو 150 الف كردي من المواطنة السورية.
وقالت وكالة سانا ان الاسد اجتمع مع الفعاليات الاجتماعية في محافظة الحسكة في المنطقة الشرقية حيث يقطن الاكراد للاستماع الى مطالبهم.
والاكراد الذي يشكون من التمييز ويشكلون ما بين 10 و15 بالمئة من تعداد الشعب السوري البالغ 20 مليون نسمة كانوا قد خرجوا في مظاهرات ضد الدولة في العام 2004 وادى ذلك الى سقوط عشرات القتلى.
وقالت الوكالة ان الاسد عبر “عن تقديره لحرص تركيا على أمن واستقرار سوريا وشدد على انفتاح سوريا للاستفادة من تجارب الدول الاخرى وخصوصا تركيا وذلك لاغناء مشاريع القوانين التي وضعتها الجهات المختصة في مجال الاصلاح”.
وتحسنت العلاقات السورية التركية بشكل ملحوظ منذ تولي رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان السلطة. وقامت تركيا بجهود وساطة بين سوريا واسرائيل في اربع جولات من محادثات السلام في العام 2008 لكن لم يتم التوصل الى اتفاق.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 أبريل 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.