تصاعد نشاط القاعدة في اليمن يُعزز خيارات المواجهة العسكرية
مثلت العملية الأخيرة التي نفذتها "جماعة أنصار الشريعة" في محافظة أبين في اليمن وأسفرت عن سقوط أزيد من 300 من أفراد الجيش بين قتيل وجريح، وتمددها في أكثر من منطقة يمنية تصعيداً جديداً من طرف تنظيم القاعدة في اليمن..
وتأتي هذه التطورات في ظرفية حرجة تسعى فيها الدولة اليمنية المنهكة إلى لملمة قواها المبعثرة واستعادة عافيتها المشلولة منذ أن اجتاحتها عدوى الربيع العربي، وما ترتب عليه من انقسام في السلطة والمجتمع.
فالهجوم الذي استهدف معسكراً للجيش في أبين جنوب البلاد من قبل أنصار الشريعة رغم أنه استمرار لتكثيف سلسلة من الهجمات التي نفذتها هذه الجماعة ضد الحكومة اليمنية منذ مارس 2011، إلا أن توقيته المتزامن مع مرحلة جديدة لما بعد رحيل صالح عن السلطة، ومع بدء خلفه عبدربه هادي خطوات التغيير في مؤسسة الجيش جعلها موضع اختبار وتقييم لآفاق التغيير المنتظر في المرحلة الإنتقالية.
ويلتقي المراقبون على أن الهدف من ذلك الهجوم إرباك المرحلة الإنتقالية التي تتطلب جملة من التحولات المفضية إلى استعادة اليمن لاستقراره وأمنه ولذلك جاءت كمحاولة للتشويش على الخطوات والجهود الهادفة إلى استكمال عملية نقل السلطة، وتحديداً إعادة هيكلة الجيش، ويرصد المتابعون أيضا ترابطاً بين تغيير القائد العسكري للمنطقة الجنوبية مهدي مقولة الموالي لصالح وبين تنفيذ تلك العملية التي يتهم فيها القائد المقال بـ “تسهيل مهام أنصار الشريعة والتواطؤ أو التقصير في مهامه”.
نفس الأوساط تذهب إلى وجود علاقة بين الأوضاع التي يعيشها الجيش اليمني وبين العودة القوية لنشاط القاعدة في اليمن ومنها التوتر الحاصل بين وحدات الجيش الناتج عن انقسامه بين موالين لصالح ومؤيدين للثورة الشعبية، كما يشيرون إلى أن الإنقسام أغرى هذه الجماعة بتعزيز وجودها وانتشارها حتى تؤكد أنها قوة “لا يستهان بها” وبما يعمل على رفع معنويات أنصارها التي تراجعت كثيراً بعد تلقيها لضربات موجعة خلال العام المنقضي ومطلع العام الحالي.
فقد خسر التنظيم العديد من قادته الميدانيين مثل قائد إمارة مأرب سعيد سرحان، وقائد إمارة صعدة عمار الوائلي، وقائدها في شبوة الحارث الصغير، والقائد العسكري جميل العنبري في أبين، كما سقط القيادي أنور العولقي بضربة أمريكية، وفي رداع سقط القيادي طارق الذهب فضلاً عن تكبده لمئات القتلى في المواجهات الدائرة محافظة “أبين” عقب إعلانها قيام إمارة “زنجبار” وإمارة “وقار” منذ شهر مارس 2011 وأسر العشرات من أعضاء الجماعة التي تقاتلها.
إعاقة “الحوار الوطني”..
على صعيد آخر، تأتي هذه التطورات متزامنة مع التحضيرات الجارية لتنظيم “الحوار الوطني” الذي ستدعى للمشاركة فيه أطراف في الداخل والخارج بما يهيئ للخروج من الأزمة والتفرغ لمواجهة المشكلات المزمنة التي تعاني منها البلاد ومنها مشكلة الإرهاب. ولهذا السبب، تسعى هذه الأطراف إلى إعاقة الإنتقال إلى “الحوار الوطني” بتفخيخ أجوائه بما يحول دون مشاركة جميع الفعاليات في أجواء مضطربة من جهة، وخلق ظروف مواتية لانتشار وتوسع هذه الجماعات التي تتكاثر وتنتعش في مناخ الفوضى والفراغ الأمني وتوتر الأوضاع السياسية، من جهة أخرى.
وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن هذه الجماعات كثفت عملياتها بوتيرة متسارعة عندما بدأ العد التنازلي لانتقال السلطة من الرئيس صالح إلى خلفه عبدربه هادي، حيث أعلنت المناطق التي سيطرت عليها “إمارات إسلامية” في كل من أبين، ورداع، وشبوة، كما تشهد مناطق أخرى في البيضاء، وحضرموت في الوقت الحاضر تحركات مكثفة تأهباً لإعلانهما إمارات جديدة.
وأمام تصاعد أعمال العنف والإرهاب للقاعدة في اليمن وبالصورة التي ظهرت مؤخراً، تشتد الحاجة إلى التصدي لعنف هذه الجماعة ويشهد اليمن تطارحا في العديد من الدوائر المعنية والمنابر السياسية والفكرية لكيفية الخروج برؤية شاملة تعيد رسم الخيارات الممكنة لمواجهة تحدي القاعدة الذي عاد هذه المرة أشد عنفاً، وتميل أغلب الآراء إلى ترجيح الخيار العسكري لاسيما مع تراجع وفشل الخيارات والبدائل الأخرى كالتوعية وتحسين الأوضاع المعيشية والاقتصادية للمتشددين المنخرطين في التنظيم والتعاون الإقليمي والدولي.
فقد اتضح أن جميع هذه المحاولات تعثرت بسبب الظروف التي خلفتها الإحتجاجات الشعبية والإنشغال بالتسوية السياسية ونقل السلطة. ففي ظل تلك الأوضاع، توقفت عمليات التوعية للشباب وجُمدت جلسات ما يُسمّى بتصحيح الأفكار المغلوطة في فهم الدين لدى الشباب عبر الحوار الفكري بعد أن تعرضت لانتقادات شديدة بسبب ما قيل أنها لم تحقق نتائج مجدية، كما أن مشروع “الإدماج وإعادة التأهيل” للعناصر المتطرفة الذي كان من المقرر أن ينفذ في اليمن على غرار برنامج المناصحة الذي طبقته السعودية لم تتهيأ له الظروف المناسبة.
أما خيار التعاون الدولي في محاربة الإرهاب، فقد تجمدت أنشطته وعلقت المساعدات الأمنية المقدمة لليمن في مجال مكافحة الإرهاب بسبب اضطراب الأوضاع في البلاد، علاوة على انشغال أهم الشركاء فيه (كالولايات المتحدة ودول الخليج) منذ انطلاق الثورة الشبابية في تقريب وجهات النظر بين أطراف العمل السياسي للقبول بالتسوية التي تمت بموجب المبادرة الخليجية.
يُضاف إلى ذلك أن تطبيع الأوضاع السياسية والأمنية في البلاد يحتاج إلى وقت طويل كي يتحقق نظراً لتعدد وتشعّب الملفات والقضايا التي يتعيّن على الرئيس الانتقالي عبدربه هادي أن يتصدى لها ويعالجها في الوقت الذي يزداد فيه نشاط القاعدة استفحالا إلى درجة باتت تهدد الإنتقال الفعلي للسلطة وتنذر بنسف الإستقرار المطلوب لتطبيع الأوضاع المضطربة في البلاد، وهو ما يمكن أن يدفع السلطات إلى انتهاج طريق الخيار العسكري والأمني في وقت لا زالت المؤسسة العسكرية تعاني فيه من حالة انقسام وتشتت.
توحيد الجيش.. وخيار عسكري في الأفق؟
حول التدابير الناجعة للقضاء على القاعدة في اليمن ومحاصرة منابعها في الأمد العاجل، يرى عايش عواس، الخبير في شؤون الإرهاب في تصريحات لـ “swissinfo.ch” أن “أي عملية عسكرية ضد القاعدة المنتشرة في أماكن متعددة والتي تنهج تكتيك حرب العصابات لن يكتب لها النجاح طالما بقي الجيش منقسماً”، كما أن نجاح أي عمل عسكري مرهون كما يراه بـ “البدء في هيكلة الجيش وإعادة انتشاره وإخضاعه لقيادة واحدة تكون المسؤولة عن تحريك وتوجيه قواته”.
الأمر الثاني، يتعلق بمواجهة القاعدة على المدى المتوسط والبعيد وهو ما يقتضي – على حد قول عويس – صياغة رؤية وطنية تشارك بوضعها جميع الأطراف من كفاءات متعددة ،ومشارب وتخصصات ومجالات متنوعة على أن تنطلق المواجهة لهذه الإشكالية من منظور وطني تشارك يدرك ويعي حجم المخاطر التي تشكلها هذه الجماعات على كل هيئات ومكونات المجتمع والدولة.
أما الأمر الثالث، حسب رأي عواس، فهو ضرورة انطلاق محاربة الإرهاب من اعتباره مشكلة وطنية داخلية، وليس مجرد استجابة لضغوط دولية خارجية، لأن التصدي له من هذا المنطلق “يثير الحساسية الشعبية الدينية والثقافية إلى الحد الذي يبرر عنف هذه الجماعات ويكسبه مشروعية التصدي للخارج”، علاوة على أنه يقدم المبررات لانتشار أفكار التشدد في الأوساط اليمنية الرافضة للتدخل الخارجي في شؤون بلدهم.
خلاصة القول، إن تصعيد تنظيم القاعدة لعملياته وتوسّعها في مقاطعات أبين وشبوة والبيضاء في ظرفية تتجه فيها جهود المجتمع الدولي إلى تدارك انهيار الدولة اليمنية وترتيب نقل السلطة بسلاسة وفي ظروف أحاطها الغموض وتعالت فيها الإتهامات بالتواطؤ مع منفذي تلك الأعمال الإرهابية قد يطرح على جميع الأطراف اليمنية المعنية ضرورة التفكير في إطلاق “مرحلة جديدة من الحرب على الإرهاب يُـرجّـح فيها الخيار العسكري”.
صنعاء/عدن (رويترز) – قالت مصادر يوم السبت 10 مارس 2012 إن هجمات شنتها طائرات أمريكية بدون طيار قتلت ما لا يقل عن 25 مقاتلا على صلة بتنظيم القاعدة بينهم أحد قادتهم بينما قتلت غارة للقوات الجوية اليمنية 20 مقاتلا اخرين في الجنوب في أكبر غارات جوية منذ تولى الرئيس اليمني الجديد منصبه.
ووسع المتشددون عملياتهم في جنوب اليمن خلال أشهر الاضطرابات التي أصابت البلاد بالشلل والتي أطاحت لاحقا بالرئيس علي عبد الله صالح الذي حل محله نائبه عبد ربه منصور هادي في انتخابات جرت في فبراير الماضي.
وقال مقيمون في جعار وهي بلدة جنوبية سيطر عليها المتشددون في مارس 2011 إن القوات الجوية اليمنية قتلت 20 مقاتلا مرتبطين بتنظيم القاعدة في قاعدة عسكرية ودمرت أيضا أسلحة وعتادا عسكريا.
وكان المقاتلون سيطروا الأسبوع الماضي على القاعدة العسكرية من قوات الحكومة واستولوا على اسلحة وعتاد عسكري.
لكن متحدثا باسم جماعة أنصار الشريعة نفى في اتصال هاتفي مع رويترز مقتل أي من مقاتلي الجماعة في الغارة الجوية.
وفي حادث اخر قال مصدر بالحكومة اليمنية ان عدد المتشددين الذين قتلوا في غارة جوية في وقت متأخر يوم الجمعة 9 مارس في محافظة البيضاء الواقعة على بعد نحو 267 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة صنعاء ارتفع الى 25 قتيلا. واضاف أن من بين الاسلاميين الذين قتلوا في الهجوم هدار الحميقاني وهو قيادي محلي بالقاعدة.
وقالت مصادر قبلية إن طائرات حربية أمريكية بدون طيار هي التي نفذت هجمات البيضاء لكن لم يتسن تأكيد هذا النبأ من مصادر مستقلة. واستخدمت الولايات المتحدة التي تتعاون مع السلطات اليمنية مرارا طائرات بلا طيار لمهاجمة متشددين.
وقال أحد هذه المصادر لرويترز صباح يوم السبت 10 مارس “جرى انتشال الجثث صباح اليوم السبت بعد توقف الهجمات التي شنتها طائرات حربية أمريكية بدون طيار ولا يزال البحث جاريا عن باقي الضحايا”.
وقال مقيمون في وقت سابق من يوم السبت 10 مارس إن مقاتلات أغارت على المشارف الغربية للبيضاء حيث يتمركز متشددو جماعة انصار الشريعة الذين يقاتلون قوات الجيش منذ منتصف عام 2011. وقال مقيم لرويترز عبر الهاتف: “يمكن مشاهدة ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من المنطقة”.
وتستلهم أنصار الشريعة نهج تنظيم القاعدة لكن الطبيعة المحددة لعلاقتها بالتنظيم العالمي غير واضحة غير ان الحكومة اليمنية تقول انهما شيء واحد.
واستخدمت الولايات المتحدة مرارا طائرات بلا طيار لمهاجمة متشددي تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي وصفه ديفيد بتريوس مدير وكالة المخابرات الامريكية العام الماضي بأنه “أخطر منبت اقليمي في الجهاد العالمي.”
وفي اواخر يناير 2012 قتل 12 من متشددي القاعدة على الاقل من بينهم أربعة قياديين محليين في غارة شنتها طائرة بلا طيار في جنوب اليمن وقال زعيم قبلي انها كانت هجوما أمريكيا.
وعبرت الولايات المتحدة والسعودية عن قلقهما العميق ازاء توسيع نطاق القاعدة في اليمن حيث تسيطر الجماعة على مساحات كبيرة من الاراضي قرب ممرات شحن النفط عبر البحر الاحمر.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 10 مارس 2012)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.