تصريحات أوباما الرنّـانة.. هل تتحوّل إلى “ضغط” على إسرائيل؟
انتهز الرئيس أوباما فرصة لقائه بالشباب والطلاب في تركيا، ليواصل التّـأكيد على التِـزامه الشخصي وقناعتِـه الذاتية، بأن الحل الوحيد للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو تسوية مبنية على قيام دولة فلسطينية مستقلّـة تعيش في سلام جنْـبا إلى جنب مع إسرائيل.
وقال أوباما: “أعتقد أن السلام مُـمكن من خلال حلّ الدّولتين”، وأرى أن “تحقيق ذلك الهدف يتطلّـب تنازلات من الطرفين. فاستمرار الوضع الراهن لن يكون في مصلحة إسرائيل، لأنه لو استمر التزايد في مشاعر العداء لها مع تزايد عدد سكان الدول المحيطة بها، سيتقلّـص أمن إسرائيل بمرور الزمن، كما أن الوضع الرّاهن للفلسطينيين غير قابل للاستمرار أيضا، لأن اقتصاد بلادهم غير قادر على توفير فُـرص العمل وموارد الدخل اللازمة لتوفير مستويات أساسية لحياة المواطنين الفلسطينيين”.
ودعا الرئيس أوباما الإسرائيليين إلى النظر إلى الأوضاع من وجهة نظر الفلسطينيين ووضع أنفسهم في ظل الظروف التي يعيش فيها الشعب الفلسطيني، لكي يتسنّـى للجانبين الخروج من الطريق المسدود الذي يسيران فيه.
وقال أوباما إن إدارته تُـدرك ما هي التنازلات الضرورية من كلّ طرف، وكلّ ما نحتاجه الآن هو الإرادة السياسية والشجاعة من قيادات الطّـرفين ودور الولايات المتحدة، ليس هو إبلاغ الطرفين بما يتعيّـن عمله، وإنما القِـيام بدور الصديق للجانبين الذي يتولّـى مهمّـة الحث والتشجيع على المُـضي قُـدما بالحوار. ودعا أوباما الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، إلى التحلّـي بروح التطلّـع إلى المستقبل، بدلا من العيش في ذِكريات الماضي.
وأقرّ الرئيس أوباما بأن الطريق إلى تسوية للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي سيكون شاقا، خاصة وأنه مفروش بالكثير من عدَم الثِّـقة التي تراكَمت، والكثير من الغضب والكراهية، وسيتطلب الخلاص من تلك المشاعر قَـدْرا هائلا من الصّـبر، ولكنه قال إنه من واقِـع خِـبرة المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط السناتور جورج ميتشل، عندما كان مبعوثا خاصا لإيرلندا الشمالية حيث قاتل البروتستانت الكاثوليك لعدّة قرون وتعمّـقت بين الجانبين نيران الكراهية والعداء، ولكن من خلال المُـثابرة والجُـهود الشجاعة التي بذلها زعماء الجانبين، تمكّـن الوسيط الأمريكي من تسوية الصِّـراع الطويل الأمد، وهو مثال يُـعطينا الأمل في أن كل شيء ممكن، إذا كُـنا راغبين في العمل بجِـد من أجل تحقيقه.
ولم يكتف الرئيس أوباما بالتأكيد على التزامه بحلّ الدولتين، وإنما قرّر القيام بزيارة إلى الضفّـة الغربية وإسرائيل في مطلع شهر يونيو القادم لإظهار التزامه الفعلي بتحريك عملية السلام في اتِّـجاه حلٍّ ينطوي على إقامة دولة فلسطينية مستقلّـة قابلة للبقاء، تعيش في سلام مع إسرائيل.
ولكن يبدو أن بوادِر الخلاف مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بدأت تتصاعد. فبعد أن ردّ الرئيس أوباما على تنكّـر وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد ليبرمان لفكرة حلّ الدولتين، بأن أكد أوباما أن ذلك الحلّ أصبح السياسة الرسمية للولايات المتحدة بالنسبة لحلّ الصراع، سارع وزير حماية البيئة الإسرائيلي جلعاد أردان إلى التأكيد على أن إسرائيل “لا تتلقّـى أوامر من أحد، حتى لو كان أوباما، لأن إسرائيل لن تتحوّل إلى الولاية الحادية والخمسين”، على حد قوله.
وجهة نظر واقعية لمدير سابق لمنظمة أيباك
توجّـهت سويس إنفو إلى السيد توماس داين، المدير التنفيذي السابق للّـوبي الإسرائيلي، المعروف باسم “إيباك”، لمعرفة تقييمه لمدى رغبة الرئيس أوباما في تحويل كلماته الطيِّـبة عن اعتزامه العمل بجِـد ونشاط، للتوصّـل إلى تسوية للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي فقال: “أفضَـل ما فعله الرئيس أوباما فيما يتعلق بالصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، هو التحديد المبكّـر والواضح لهدفِـه، المتمثل في حلٍّ يستند إلى إقامة دولة فلسطينية تعيش في سلام جنْـبا إلى جنب بجوار دولة إسرائيل وإعادة التأكيد على هذا الهدف كلّـما سنحت له الفرصة، مثلما فعل في أثناء زيارته لتركيا”.
لكن توماس داين أقر بأنه رغم وضوح ذلك الهدف، فإن أوباما يُـدرك أن هناك الكثير من المشاكِـل التي تُـحيط بعملية التفاوض حول حلّ الدولتين. فالإسرائيليون يُـعانون من تزايُـدٍ في عدم الثِّـقة بأن المفاوضات ستجلُـب لهم الأمن بالنّـظر إلى استمرار أعمال العنف، وعلى الجانب الآخر، يتعمّـق الشعور بين الفلسطينيين بعدَم الثقة في إمكانيات السلام مع إسرائيل، في ضوء استمرار الاحتلال وتملّـص إسرائيل من الالتزام بإقامة السلام مع الفلسطينيين.
وأضاف المدير التنفيذي السابق للّـوبي الإسرائيلي في تصريحاته لسويس إنفو، أن رؤية الرئيس أوباما لكيفية تسوية الصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي تواجه صعوبة أخرى يعكِـسها الانقسام السياسي الذي عكسته نتائج الانتخابات الإسرائيلية من جهة، والشرخ الذي أصاب الوِحدة الفلسطينية بين فتح من ناحية وحماس والجماعات الفلسطينية الأخرى الرافضة لفكرة التسوية السلمية مع إسرائيل.
ويرى السيد توماس داين أنه رغم التصريحات النارية الرافضة لفِـكرة حلّ الدولتين، التي يطلقها الوزراء الإسرائيليون في الحكومة الإسرائيلية الجديدة، فإن بنيامين نتانياهو يُـدرك تماما أنه من مصلحة إسرائيل مواصلة التّـعامل مع الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها بما لا يَـدعُ مجالاً للشكّ، أنه عاقِـدٌ العزمَ على تحقيق حلّ الدولتين، الذي سينطوي على تقديم الجانبيْـن إلى تنازلات والقبول بحلول وسط.
وأكّـد السيد داين أن الرئيس أوباما يُـدرك تماما أيضا أنه لكي يُـمكن التوصّـل إلى تسوية، فلابد من مشاركة حماس في التوصّـل إلى حلّ، بدلا من أن تُـصبح جزءا من المشكلة التي تحُـول دون التوصّـل إلى تسوية.
ولدى سؤال المدير التنفيذي السابق للّـوبي الإسرائيلي عمّـا يقصده الرئيس أوباما بحلّ الدولتين فيما تتآكل الأرض الفلسطينية تحت وطأة الاستيطان، قال: “سيؤكِّـد الرئيس أوباما بشكل حاسـِم لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتانياهو، أن عهد التوسّـع الاستيطاني قد انتهى، وسيذكِّـره بقناعة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط السناتور جورج ميتشل الخاصة بأنه يتعيّـن على إسرائيل أن تختار بين كفّـتين: المستوطنات في جهة، وتحقيق الأمن لإسرائيل في الكفة الأخرى، وبالتالي، سيتعيّـن على إسرائيل وقْـف بناء المستوطنات أو توسيعها، وفي المقابل، سيتعيّـن على الفلسطينيين وقْـف أعمال العُـنف”
هل يجرُؤ أوباما على ممارسة الضغط؟
يُـجيب السيد توماس داين بقوله، إن التعريف العِـلمي للضغط، بحسب دراسات العلوم السياسية، هو أن يقوم الطّـرف الضاغط بحثّ طرف آخر على عمل أشياء لم يكُـن راغبا في القيام بها، ولذلك، سيمكن للرئيس أوباما أن يُـمارس ذلك التعريف، دون أن يكون ذلك علنِـيا أو استفزازيا، وسيُـدرك الإسرائيليون في نهاية المطاف، أن من مصلحتهم في المدى القصير والمدى البعيد، وتحقيقا لهدف العيْـش في أمن وسلام مع جيرانهم، أن يدخلوا في تسوية تُـنهي الصراع وتسمح بقيام دولة فلسطينية مستقلّـة، قابلة للبقاء والعيش في سلام مع إسرائيل.
أما السيد فين ويبر، العضو السابق في مجلس النواب الأمريكي والرئيس الحالي للمؤسسة القومية الأمريكية من أجل الديمقراطية، فقال لسويس إنفو: “ليس مهمّـا أن إسرائيل انتخبت حكومة ليست ملتزمة بحلّ الدولتين، لأنه أصبح السياسة الرسمية للولايات المتحدة، بل وأصبح التزاما شخصيا للرئيس أوباما، إذ لن يستطيع أحد أن يحُـول دون إدارة الرئيس أوباما وتحقيق التسوية المستندة إلى حلّ الدولتين كحل وحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ولكن ذلك لا يقتضي بالضرورة ممارسة ضغوط أمريكية قد تُـسفر عن آثار عكسية لما يُـراد تحقيقه، ولذلك، لا أنصح بممارسة ضغط علَـني، وإنما استخدام الطُّـرق الدبلوماسية في حثّ الطرفين من وراء الكواليس على المُـضي قُـدُما في التفاوض وتقديم تنازلات متبادلة والقبول بحلول وسط”.
غير أن السيد جيرامي بن عامي، رئيس منظمة “جيه ستريت”، التي تضم اليهود الأمريكيين وغيرهم من أنصار السلام، يؤكد أن غالبية اليهود الأمريكيين لا يُـمانعون في أن يستخدِم الرئيس أوباما الضّـغط من أجل التوصّـل إلى تسوية سِـلمية للصِّـراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتبار أن تلك التسوية تخدِم المصالح القومية الأمريكية وتوفِّـر الأمن لإسرائيل.
محمد ماضي – واشنطن
واشنطن (رويترز) – طمأن الرئيس الامريكي باراك اوباما العرب بدعمه الذي لا لبس فيه لاقامة دولة فلسطينية هذا الاسبوع، واستحث الحكومة الاسرائيلية على التحرك في هذا الاتجاه، وهي الحكومة التي حرصت على تجنب الزام نفسها بتحقيق هذا الهدف.
واثناء زيارته لتركيا، قال اوباما مرتين في يومين، انه يدعم حلا قائما على اقامة دولتين لانهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، على الرغم من أن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تجنب هذه العبارة.
وذهب وزير خارجية نتنياهو افيغدور ليبرمان، الذي ينتمي الى اليمين المتطرف، الى أبعد من هذا قائلا، ان عملية السلام وصلت الى “طريق مسدود” وان اسرائيل غير ملزمة باعلان انابوليس 2007، الذي دعمته الولايات المتحدة والذي اتفق فيه الجانبان على السعي الى تحقيق “هدف اقامة دولتين”.
وقال غيث العمري، مسؤول قسم الدفاع بمنظمة قوة المهام الامريكية لفلسطين “بقوله ما قال في تركيا، أعتقد أنه بعث باشارة واضحة بشأن الحل القائم على الدولتين. انه غير قابل للتفاوض. لقد أصبح الان ركيزة للسياسة الامريكية”. وأضاف العمري، المستشار السابق للرئيس الفلسطيني محمود عباس “نتانياهو تجنب الحديث بصراحة عن القضية فيما يبدو، بسبب سياسات داخلية، لكن سيكون عليه اتخاذ موقف قبل أن يأتي الى هنا ويجتمع مع اوباما”، مضيفا أنه من المتوقع قيام رئيس الوزراء بزيارة لواشنطن في مايو القادم.
وبعد تعهده بأن يجعل من السلام بين العرب واسرائيل اولوية واختياره جورج ميتشل عضو مجلس الشيوخ الامريكي السابق ليكون مبعوثه الخاص بعد يومين من توليه منصبه، يأمل اوباما الان في أن يقنع نتانياهو المتشكك بخوض محادثات مع الفلسطينيين.
واتسم موقف نتانياهو بالغموض بشأن تجديد المحادثات حول قضايا الارض الشائكة، قائلا ان الاولوية بالنسبة له، هي التركيز على انشاء مناطق للتنمية وسبل لتخفيف حواجز الطرق ونقاط التفتيش التي تعوق السفر والتجارة في الضفة الغربية.
وربما تكون الاستراتيجية الامريكية محاولة للمناورة مع نتانياهو، حتى يعبر عن دعمه بشكل مباشر او غير مباشر للسعي الى حل قائم على دولتين.
وقال دبلوماسي مطلع على أسلوب تفكير ادارة اوباما “بدون هذا سيكون من الصعوبة الشديدة بمكان دفع هذا قدما”.
ويقول دانييل ليفي، المسؤول الاسرائيلي السابق، الذي يعمل حاليا بمؤسسة نيو امريكا فاونديشن، وهي مؤسسة بحثية بواشنطن، ان اشارة اوباما الى مؤتمر انابوليس الذي استضافته الولايات المتحدة، نوع من “الضغط من اجل التراجع” ضد الحكومة الاسرائيلية الجديدة.
غير أن محللين قالوا انه من السابق لاوانه للغاية قياس مدى الشدة التي قد يرغب اوباما الضغط بها على نتانياهو لتقديم الحلول الوسط اللازمة لتأمين اي اتفاق للسلام.
وفي الوقت الحالي، ما زالت الحكومتان، الامريكية والاسرائيلية الجديدتان، تعملان على فهم بعضهما بعضا.
ويرى محللون أن زيارة ميتشل للشرق الاوسط الاسبوع القادم، وهي الاولى منذ تولي نتانياهو منصبه، ستكون فرصة لادارة اوباما لقياس مدى اهتمامه بتحقيق السلام ورغبته في استئناف المفاوضات.
وفشل مفاوضو السلام الاسرائيليون والفلسطينيون في محاولتهم التوصل الى اتفاق للسلام بحلول نهاية عام 2008 وتعثرت المحادثات بينهم منذ الغزو البري والجوي الذي قامت به اسرائيل على غزة في ديسمبر 2008 ويناير 2009، لصد الهجمات الصاروخية على الدولة اليهودية.
ويقول عدة محللين، ان المقياس الاساسي الذي يجب مراقبته، سيكون موقف الولايات المتحدة من المستوطنات اليهودية.
وبموجب خطة “خارطة الطريق” للسلام، التي وضعت عام 2003 بدعم من الولايات المتحدة، ألزمت اسرائيل بوقف جميع الانشطة الاستيطانية، لكنها توسعت في المستوطنات باطراد.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 أبريل 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.