تعاون سويسري جزائري لمكافحة العنف ضد المرأة
تنتهز المنظمات النسائية في جميع أنحاء العالم فرصة تنظيم الحملة الدولية لمكافحة العنف ضد المرأة لمقارنة أساليب نضالها ضد هذه الظاهرة المنتشرة للأسف في مختلف أرجاء المعمورة. وتشارك سويسرا هذا العام لأول مرة في هذه الحملة التي تتواصل من 25 نوفمبر إلى 10 ديسمبر 2008.
وفي هذا السياق، عقدت “الحركة المسيحية من أجل السلام” (منظمة غير حكومية سويسرية تعرف اختصارا بـ cfd)،) مؤتمرا بعنوان “النساء والرجال أثناء الصراعات”. ومن المتدخلات في هذا المؤتمر، الذي انعقد في العاصمة السويسرية برن يوم الجمعة 28 نوفمبر الماضي، الدكتورة شريفة بوعتة، أستاذة علم النفس في جامعة الجزائر العاصمة، ورئيسة الجمعية الجزائرية للبحث في علم النفس “سارب” (SARP)، والسيدة هالتماير من مكتب التحركات النسائية من أجل السلام التابعة لمنظمة (cfd)، التي تدعم عدة جمعيات نسائية تنشط بشكل خاص في البوسنة والهرسك وكوسوفو وفلسطين والمغرب العربي.
“مُـثلـث الموت”
وبدا واضحا خلال المؤتمر أن دلالة الوشاح الأبيض الذي يرمز لحملة “16 يوما لمكافحة العنف ضد النساء” لا تتغير سواء تعلق الأمر بالجزائر أو ببرن أو باقي مدن العالم التي تُنظم فيها هذه الحملة الدولية.
وقد ارتدت كل من د.شريفة بوعتة وكاترين هالتماير ذلك الوشاح بنفس الإصرار والعزم. ويربط هاتين السيدتين اتصال مُنتظم لأن مكتب التحركات النسائية من أجل السلام يدعم منذ عام 1995 نشاطات جمعية “سارب” في الجزائر حيث تدير هذه الجمعية مركزا يقدم النصائح والعلاج لفائدة ضحايا العنف في بلدة سيدي موسى.
هذه المنطقة الواقعة على بعد حوالي ثلاثين كيلومترا من الجزائر العاصمة تقترن في ذاكرة المواطنين بأحداث بشعة ومشؤومة، حيث مازال الجزائريون يسمونها اليوم بـ “مُثلث الموت” لأنها تضررت بشدة من أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعات الأصولية المسلحة والعسكر في التسعينات، والتي خلفت قرابة 150000 قتيل و20000 مفقود.
ويهدف عمل جمعية “سارب” في سيدي موسى في المقام الأول إلى توفير الدعم النفسي والقانوني لضحايا هذا العنف. ولكن الهدف الأعم يتمثل أيضا في تعزيز دمقرطة البلاد وحقوق المرأة. فإذا كان هذان العنصران قد حقـّقا تقدما على الورق، فإن الأمور على أرض الواقع مختلفة.
وبنبرة مُستاءة، قالت د.شريفة بوعتة: “إن المساواة بين الرجال والنساء موجودة في الدستور الجزائري، والجمعيات النسائية تعتبرها مرجعية لهن، لكن قانون الأسرة، ورغم التقدم الذي أُحرز مؤخرا، مازال يعتبر النساء ساكنة (أو مواطنات) من الدرجة الثانية”.
نسائيات وأصوليون
وفي إطار الحملة الدولية لمكافحة العنف، اختـارت جمعيات نسائية جزائرية هذا العام التركيز على التحرش الجنسي في مكان العمل، وهي إشكالية تكشف مدى تغلغل الرؤية الأبوية في القانون الجزائري.
وحكت د. شريفة بوعتة في هذا السياق: “تجرأت سيدتان في الآونة الأخيرة على تقديم شكوى من التحرش. وردّ الشخص المتهم بتقديم شكوى بدوره بدعوى التشهير فكسب القضية وأدينت السيدتان”. وندّدت أستاذة علم النفس بهذه الحالة من التناقض حيث يمكن بالتأكيد للنساء أن تتكلم بسهولة أكبر في الأماكن العمومية دون أن تكون حقوقهن مُساوية لحقوق الرجال.
ولدى حديثها عن الجزائر السياسية التي مازالت اليوم في “حالة حصار”، تبدو د.شريفة بوعتة منتقدة جدا إزاء الأصوليين، بحيث تعتبر الهجمات المستمرة ضد الجمعيات النسائية تهديدا لا ينبغي تجاهله. وأضافت في هذا الصدد: “بالنسبة لهم، عندما نطالب بالمساواة، فنحن نتصرف كأجنبيات. كما لو كنا غير جزائريات ولا مُسلمات. وهم يسعون بالتالي إلى تهميشنا داخل مجتمعنا، ووصمنا (بالعار)”.
ضحايا قانون الأسرة
وهناك ظاهرة أخرى تعيشها يوميا النساء اللاتي تزُرن مركز سيدي موسى، فالعديدات منهن يجهلن حقوقهن أو حتى إن كانت لديهن حقوق أصلا، وهذا مثلا حال ضحايا قانون الأسرة، بحيث تعجز سيدات عن التصرف من أجل حماية حقوقهن، وذلك خشية من طردهن من البيت العائلي إذا ما لم تقبلن بالزوجة الثانية لرب الأسرة.
وتـُذَكر د.شريفة بوعتة: “يُقال لهن “إما أن تقبلي أو ترحلي”. لكن من الناحية القانونية، لا يحق للزوج اتخاذ زوجة ثانية دون موافقة الأولى”، مشددة على ضرورة تعلم النساء لإبداء رأيهن وإثبات وجودهن.
رجال غائبون
أما الأمثلة الأكثر إيلاما فتخص الضحايا التي عانت، بشكل مباشر أو غير مباشر، من سنوات الرعب والإرهاب. وفي مثل هذه الحالات، يحاول موظفو مركز سيدي موسى إيجاد حلول للمشاكل النفسية والمادية أيضا.
وتوضح أستاذة علم النفس: “تأتي معظم النساء التي نستقبل في حالة من الشدة واليأس العميقين جدا. فالإرهاب يتسبب في تفكيك الحياة النفسية والأسرية والاجتماعية. وعندما تجد المرأة نفسها بدون موارد (مالية) وبسبعة أطفال، فهي تكون بالضرورة في حاجة إلى المساعدة لإنهاء الإجراءات والحصول على التعويضات التي تستحقها”.
أما بالنسبة للرجال، فتأسف د.شريفة بوعتة لغيابهم عن المشاورات التي تجري في المركز، مضيفة: “يجب الاستماع إلى ما ترويه النساء، ومن خلال شهادتهن، ندرك بأن الرجال أيضا تأثروا بعمق (من الإرهاب). والمشكلة هي أننا لا يمكننا إجبارهم على القدوم إلينا”.
سويس انفو – كارول فـيلـتي
تخلد الأمم المتحدة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة في 25 نوفمبر من كل عام
منذ عام 1991، تنطلق أيضا يوم 25 نوفمبر الحملة الدولية “16 يوما من التحرك لمناهضة العنف ضد النساء”.
ويحيي هذا التاريخ ذكرى الاغتيال الشنيع الذي استهدف، في عام 1960، الأخوات الثلاث ميرابيل اللائي كنّ من الناشطات السياسات في الجمهورية الدومينيكية، وذلك بأمر من الدكتاتور الدومينيكي رافائيل تروخيلو (1930-1961).
وقتلت الأخوات ميرابيل بوحشية بعد اغتصابهن وهن في طريقهن لزيارة أزواجهن في السجن بعد مشاركتهم في حركة المقاومة ضد الدكتاتور تروخيليو.
تشارك سويسرا لأول مرة هذا العام في الحملة الدولية لمكافحة العنف ضد النساء.
وتتواصل الحملة من 25 نوفمبر، الذي يصادف اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد النساء، إلى 10 ديسمبر، الذي يُخلد اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
وتنظم هذه الحملة في أكثر من 130 بلدا.
وفي سويسرا، يتولى تنسيق الحملة “مكتب التحركات النسائية من أجل السلام” التابع للحركة المسيحية من أجل السلم (cdf)، وهي منظمة غير حكومية سويسرية تتخذ من برن مقرا لها.
حاليا، تجري أبرز نشاطات الحملة في المناطق السويسرية المتحدثة بالألمانية، لكن المنظمة تأمل توسيع نشاطاتها لاحقا على المستوى الوطني.
في المجموع، تشارك في الحملة أكثر من 40 جمعية نسائية ونقابات وكنائس ومكاتب المساواة وجمعيات نشطة في مجال تشجيع السلام.
وتتطرق الحملة إلى جملة من المواضيع تشمل العنف العائلي وعدم المساواة في الأجور والاتجار بالنساء والإعلانات المتضمنة للتمييز الجنسي.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.