“تونس أنجحُ تجارب التحول الديمقراطي.. رغم الصّعاب”
بعد عامين ونيف من النقاشات والمفاوضات والإختلافات ثم التوافقات، ينطلق المجلس الوطني التأسيسي صباح الجمعة 3 يناير 2014 في التصويت فصلا فصلا على بنود الدستور الجديد للجمهورية التونسية، ما يؤكد توقعات خبراء أمريكيين وغربيين اعتبروا أن تجربة التحوّل نحو الديمقراطية في تونس، تظل "أنجح التجارب في دول الربيع العربي" حتى الآن.
بعد شهور من الإستقطاب السياسي بين الإسلاميين والعلمانيين في تونس، والذي كاد يعصف بالتحوّل الديمقراطي ويقترِب بالبلاد من الإنقسام الحاد، الذي تشهده مصر، ومع زيادة الضغط الشعبي لتشكيل حكومة تسيير أعمال من التكنوقراط، في ضوء ما رأته المعارضة عجزا من الحكومة التي شكّلها حزب النهضة الإسلامي بعد فوزه في انتخابات أكتوبر عام 2011 واستعان فيها بحزبين علمانيين معتدلين، في تحقيق أهداف الثورة وآمال المواطنين، تمكّنت القوى السياسية والإجتماعية في تونس من تحقيق توافُق حول اختيار السيد مهدي جمعة لتشكيل حكومة من الخبراء غير الحِزبيين، لإنجاز خطوات محدّدة على طريق التحوّل الديمقراطي، مثل إقرار الدستور وإجراء انتخابات برلمانية جديدة وسَنّ قانون لفنتخابات، بل ونجح المجلس الوطني التأسيسي قبل ثلاثة أشهر في إقرار قانون للعدالة الإنتقالية، يتم من خلاله تشكيل لجان الحقيقة ومحاسبة المسؤولين السابقين عن جرائم الماضي، ومن ثَـم تحقيق المصالحة الوطنية.
في العاصمة الأمريكية، توجهت swissinfo.ch إلى مارينا أوتاوي، خبيرة شؤون التحوّل الديمقراطي وكبيرة الباحثين في مركز ويلسون في واشنطن، لتقييم التجربة التونسية فقالت: “رغم كل الصِّعاب التي لا زالت قائمة، فإن تجربة التحوّل نحو الديمقراطية في تونس، تظل أنجح التجارُب في دول الربيع العربي، لأنها التجربة الوحيدة التي تحمِل الأمل في الوصول في نهاية المطاف إلى حكومة ديمقراطية مُنتخَبة”
وترى أوتاوي أن تونس تمكّنت من تجنّب انقسام كاد ينقلها إلى المستقبل المجهول، الذي بات ينتظِر التّجربة المصرية: “ما حدث في مصر هو انقلاب عسكري بكل ما تعنيه الكلمة وأتى العسكريون بحكومة لا تتسامح مع أي رأي مخالف، ليس من الإسلاميين فحسب، بل ومن الوسط واليسار، بل ومن شباب الثورة الذين باتوا نزلاء السّجون لمجرّد مُطالَبتهم بحق التعبير!”.
أما السيد ديفيد بولوك، مدير منتدى فكرة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأوسط، فيرى أن الحوار الوطني التونسي الذي شاركت فيه الأحزاب السياسية المُنقسمة في تونس إلى جانب الاتحاد العام للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة ومنظمة حقوق الإنسان ونقابة المحامين، أظهر قُدرة النُّخبة السياسية والمُجتمع المدني، ولو بعد حين، على الوصول إلى توافُق وقبول حلول وسط، بل وتقديم سابِقة تاريخية للمجتمعات الإسلامية: “هذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يتنازل فيها حزب إسلامي عن السلطة السياسية، دون حرب أهلية أو عنف جماهيري أو تدخّل عسكري، رغم فوز ذلك الحزب، وهو حزب النهضة، بما يقرب من أربعين في المائة من أصوات الناخبين”.
المزيد
الحوار الوطني في تونس: دروس الصِّراع والتوافق
تحديات على الطريق نحو الديمقراطية
السيد بولوك أعرب أيضا عن اتفاقه مع الخبيرة أوتاوي في أن نجاح التونسيين فيما أخفق فيه المصريون، لا يعني أن الطريق نحو التحول الديمقراطي بات مفروشا بالورود، بل إن ملء الحقائِب الوزارية في حكومة التكنوقراط، ستُـشكِّل تحديا لرئيس الوزراء الجديد، في ضوء استمرار التنافُس بين القِوى السياسية التونسية على وجود نفوذ لها في الحكومة الجديدة، وإن كانت ستتشكَّل من المستقلّين، ويقول: “إن الشعب التونسي ضاق ذِرعا بالمُظاهرات الاحتجاجية ويتطلّع إلى تحسّن حقيقي في أوضاعِه المعيشية، وليس مجرد تحرّك في الاتجاه السّليم نحو التحوّل الديمقراطي”.
في الأثناء، ترى السيدة أوتاوي أن الأولوية الأولي لأي حكومة تونسية، هي تحسين الوضع الإقتصادي ومواجهة مشكلة البطالة، وتقول: “المشكلة الاقتصادية في تونس ضخمة ولن تتناقَص حِدّتها بمجرّد تغيير الحكومة. فالإستقطاب السياسي وعدم الاستقرار والفراغ الأمني، أدّت جميعا إلى تأخير ظهور بوادِر تحسّن الوضع الإقتصادي، ولكن هناك مؤشِّرات على تحسّن السياحة والتي ستزيد في الربيع والصيف مع تحسّن الوضع السياسي والأمني”.
وفيما ترى الخبيرة أوتاوي أن الأزمة المالية والإقتصادية في دول الاتحاد الأوروبي، الشريك الرئيسي لتونس في التجارة، ستحُـول دون تلقّيها أي مَعُونات تُساعِدها في الخروج من أزمتها الاقتصادية، يطرح السيد بولوك تصورا أكثر تفاؤلا: “تتمتّع تونس بميزة خاصة فيما يتعلق بالمجتمع الدولي، وهي تطلعه لرؤية نموج ناجح للتحوّل الديمقراطي في تونس، يمكن أن يكون مثلا تحتذيه دوَل الربيع العربي الأخرى، التي تعثّرت، ولذلك، أتوقّع أن يتزامَن تحقيق الاستقرار والمُضي بخُطىً راسِخة في تنفيذ خطوات التحوّل الديمقراطي، التي تم التوافق عليها مع تقديم حِزمة من المساعدات الاقتصادية من المجتمع الدولي”.
مع ذلك، يُبدي السيد بولوك تخوّفه من سلوك بعض الجماعات السلفية في تونس، التي لم تُبدِ اهتماما على الإطلاق بالمشاركة في العملية السياسية بطريقة سِلمية، وإنما لجأت إلى ممارسة العنف والاغتيال السياسي وترهيب العِلمانيين والأقليات والفنّانين والكتّاب التونسيين، ويشاركه في ذلك التخوّف الدكتور مروان المعشر، نائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن الذي يقول: “بالرغم من نجاح الإسلاميين والعِلمانيين التونسيين في التوصّل إلى توافُق سياسي، سمح لعملية التحوّل الديمقراطي في تونس بالمُضي قدُما، فإن أكبر خطر يتهدّدها هو الإرهاب الذي يُمارسه غُلاة المتشدِّدين من السلفيين في البلاد”.
swissinfo.ch توجّهت أيضا إلى السيد أسامة رمضاني، المدير السابق لوكالة الإعلام الخارجي في تونس، لتقييم التحدِيات على طريق التحوّل الديمقراطي في تونس، فقال إنه يتّفق مع الخبراء الأمريكيين في أن الشعب التونسي بدأ يشعُر بالإرتياح إزاء فُـرص النجاح: “وِفقا لأحدَث استطلاعات الرأي العام، فإن نسبة 63% من التونسيين يشعرون بأن التوافُق لاختيار رئيس وزراء لحكومة من الفنّيين المستقلّين، يشكِّل نورا في نهاية النفق”.
غيْر أن السيد رمضاني يرى أن المشكلة الإقتصادية ونقْص الفُرص في سوق الشغل، وهي القضايا التي أطلقت شرارة الثورة، لا تزال تُـخيِّم بظِلالها على المجتمع التونسي، ويقول: “مشكلة البِطالة تواجِه شبابا تخرّجوا من الجامعات ولم يجِدوا فُرصا للعمل، وتصل نسبة البطالة في بعض المناطق إلى 22%، بالنظر إلى عدم العدالة في تنمية بعض المناطق في البلاد”.
من جهة أخرى، يؤكد السيد رمضاني، أن اقتصادا تونسيا ضعيفا “لن يتمكّن من خلْق وظائف جديدة، فيما تحُول مشكلة التطرّف السلفي، المُقترنة بتدفّق كافة أنواع الأسلحة عبْر الحدود من ليبيا المضطربة، دون تشجيع الإستثمارات أو زيادة النشاط السياحي، الذي يُعدّ مصدرا رئيسيا من مصادِر الدخل القومي وتوفير فُرص العمل”.
مارينا أوتاوي، خبيرة شؤون التحوّل الديمقراطي وكبيرة الباحثين في مركز ويلسون في واشنطن
الجيش في تونس ليس معنِيا بالتدخّل في العملية السياسية وليست له مصالِح اقتصادية يحاوِل الحفاظ عليها
التجربة التونسية كنموذج للتحول الديمقراطي
على صعيد آخر، يتّفق الخبراء الأمريكيون على أن الآمال المعقودة على نجاح تجربة التحوّل نحو الديمقراطية في تونس، قد لا يُمكن تِكرارها في دول الربيع العربي الأخرى، خاصة في مصر، باعتبار أن تونس تنفرِد بطبيعة أكثر توجّها للعِلمانية من شقيقاتها العربيات في مصر وليبيا مثلا، كما توضّح الخبيرة مارينا أوتاوي، أن هناك فارقا جوهريا بين البلدين حيث أن “الجيش في تونس ليس معنِيا بالتدخّل في العملية السياسية وليست له مصالِح اقتصادية يحاوِل الحفاظ عليها، على عكْس الحالة المصرية التي اعتاد فيها جنرالات القوات المسلحة المصرية لعب دوْر رئيسي في السياسة ومُمارسة نشاطات اقتصادية والتمتّع بميزات ومصالِح اقتصادية، يواصِل الجيش استِخدام نفوذِه للحِفاظ عليها، لذلك وبكلّ أسف، لن تستفيد مصر من التّجربة التونسية”.
السيد ديفيد بولوك يُشاطر مع هذا التحليل، بل ويرى أن جنرالات الجيش المصري هُم الذين سمحوا بنجاح الإنتِفاضة الشعبية التي أطاحت بنظام مبارك، وهم الذين تدخّلوا لنجاح الإنتفاضة الشعبية ضدّ حُكم الإخوان المسلمين وضمنوا مصالِحهم الإقتصادية في الدّستور المعدّل، الذي سيُصوِّت عليه المصريون، ولكنه يرى تماثُلا بين التجربتيْن، يتمثل في حقيقة أن الإنتخابات في البلديْن أسفرت عن فوز الإسلاميين وتشكيلهم للحكومة، ثم إخفاقهم في ممارسة ديمقراطية لا إقصاء فيها أو في تحقيق تحسّن في الأحوال الإقتصادية، ولكن الإختلاف جاء في تنازُل حزب النهضة طواعِية تحت الضّغط الشعبي، وعِناد الإخوان المسلمين الذي سمح للجيش بالتدخّل والعودة للعمل السياسي، ومع ذلك خلّص السيد بولوك إلى القول: “لو نجح التحوّل الديمقراطي في تونس في المستقبل القريب وشهِدت البلاد انتخابات نزيهة جرت في أجواء سِلمية وسمح فيها للناخبين، إما بإعادة انتخاب الإسلاميين أو عدم انتخابهم، فقد يمكن للمجتمعات العربية الأخرى التي شهِدت ثورات الربيع العربي، البدء في التحرّك نحو مُستقبل أكثر إشراقا، إذا تعلّمت دروس التوافق وعدم الإقصاء من النّموْذج التونسي الجديد”.
بدأ المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان) يوم الجمعة 3 يناير 2014 المصادقة على دستور تونس الجديد الذي صاغه المجلس المنبثق عن انتخابات 23 أكتوبر 2011.
ويفترض الانتهاء من المصادقة على الدستور قبل 14 يناير الحالي، تاريخ إحياء الذكرى الثالثة للاطاحة بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين ين علي.
وفي أول عملية اقتراع، صوت 175 نائبا بنعم على تسمية الدستور الذي أطلق عليه اسم “دستور الجمهورية التونسية”.
وبحسب قوانين المجلس التأسيسي، يتعين أن تصوت الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس على كل فصل من الدستور بشكل منفصل.
وبعد ذلك، يتعين أن يصوت ثلثا الأعضاء على الدستور كاملا في اقتراع منفصل.
وفي حال تعذر ذلك يتم عرضه مرة ثانية على التصويت للحصول على الثلثين، وإذا لم يحصل ذلك، يتم عرضه على استفتاء شعبي.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ. ف. ب بتاريخ 3 يناير 2014)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.