تونس: ماذا بعد مغادرة المحامين بيْـت الطاعة؟
جاءت نتائج انتخابات عمادة المحامين، على غير ما كانت تأمله السلطة في تونس. ونظرا لحجم المفاجآت التي أفرزتها عملية الاقتراع، حيث لم يحصل مرشحو ما يُـسمّـى بخلية المحامين التجمعيين، التابعة للحزب الحاكم، على الحدّ الأدنى من الأصوات منذ الدورة الأولى، وهو ما أفضى إلى صعود المحامي عبد الرزاق الكيلاني المعروف باستقلاليته ومواقفه الناقدة وعلاقاته الجيدة بأوساط المجتمع المدني، كما تعزّز ذلك بفشل أنصار الحزب الحاكم في الحصول على أغلبية أعضاء هيئة فرع تونس للمحامين، الذي يتمتّـع بوزن استثنائي.
وبناء عليه، رأى المراقبون في ذلك رسالة مضمونة الوصول إلى النظام، في وقت صعَّـد فيه هذا الأخير من حملته ضدّ من يتَّـهمهم “بالتعامل مع قوى أجنبية من أجل تهديد الأمن الاقتصادي للبلاد”. فهل يمكن أن تدفع هذه الخسارة المؤلِـمة السّـلطة إلى إجراء تعديلات فِـعلية على المشهد السياسي؟
لا يختلف اثنان في تونس حوْل الأهمية السياسية التي تُـميّـز مختلف أصناف انتخابات المحامين، وبالأخص انتخاب العميد، ولا يتعلّـق ذلك فقط بحجم حاملي الرِّداء الأسود الذين يقدر عددهم حاليا بالآلاف (لا يحق إلا لـ 6200 منهم المشاركة في انتخاب العميد) أو بالمكانة الاجتماعية التي لا يزالون يتمتّـعون بها رغم الصعوبات الاقتصادية التي تُـواجه الكثير منهم، وإنما أيضا للتقاليد الديمقراطية التي ترسَّـخت في أوساطهم، إذ تكاد انتخاباتهم تجعل منهم “جزيرة ديمقراطية مستقلة”، حيث يشتدّ التنافس بين مختلف تياراتهم ومرشَّـحيهم، ويتلجئ الجميع إلى كل وسائل التعبير والتعبِـئة الديمقراطية من اجتماعات وخُـطب وصياغة البيانات وتوزيعها بكميات ضخمة، والتصريحات الصحفية وعقد الولائم في البيوت والمطاعم والحانات أحيانا. كما يستعملون كل ما تعلَّـموه من فن المُـناورة ونسْـج التحالفات وتحقيق التوافقات، السياسية والأيديولوجية والمهنية.
هذا الوعْـي والخِـبرة والإحساس بالانتماء للمِـهنة، هو الذي جعل انتخابات المحامين تتميّـز بكونها فوق شُـبهات التزوير، نظرا لشفافيتها وحِـرص الأغلبية الواسعة جدا من أصحاب المِـهنة على المشاركة والمتابعة.
ونظرا لهذه المكانة الرّمزية، التي تتمتع بها المحاماة، كانت السلطة حريصة دائما على اختِـراق هذا القطاع الإستراتيجي ومحاولة احتوائه عبْـر الظَّـفر بعميد من بين أعضاء الحزب الحاكم أو على الأقل يكون مُقربا وغير مُعاد لدوائر الحكم. وبشكل مُـوازٍ، تعمل أوساط المحامين، القريبة من المعارضة، على انتخاب عميد مستقِـل يدافع عن المِـهنة ويتصدّى لكل محاولات الإستِـنقاص من الدفاع، ويكون له حضور فاعِـل في المحاكمات السياسية بوجه خاص.
اليساريون والإسلاميون
ويشكِّـل اليساريون والإسلاميون كُـتلتيْـن رئيسيتيْـن، تلعبان دورا محوريا في تغيير موازين القِـوى داخل هياكل المحامين، خاصة بعد تراجُـع تأثير القوميين طيلة السنوات الأخيرة منذ تولِّـي البشير الصِّـيد منصب العمادة للمرة الثانية على التوالي، وهو المعروف بمُـيوله إلى الناصرية، لكن المعروف لدى الجميع، أن كتلة اليسار ليست مُـتجانسة، كما أنها ليست على قلب رجل واحد.
فعلى سبيل المثال، يختلف أعضاؤها اختلافا حادّا حول الموقِـف من الإسلاميين، وذلك بين من لا يرى مانعا من التنسيق وحتى التحالف معهم، في حين يرفض شقّ منهم التقاطع مع هؤلاء، وقد يذهب بعضهم إلى درجة تفضيل دعم مرشح قريب من السلطة على حساب منافس له إسلامي أو مدعوم من الإسلاميين. ولا شك في أن هذه الإنقِـسامات أضعفت من قوة اليساريين داخل أوساط المحامين وخارجها.
في المقابل، تكفي الإشارة في هذا السياق إلى أن البعض يقدِّر حجم كُـتلة الإسلاميين الإنتخابية، بكونها تتراوح بين 400 و500 محام، وهو ما مكَّـنهم من التأثير في معادلات العمادة، إلى جانب تركيبة معظم هيئات الفروع، وبالأخص هيئة فرع تونس (يشمل العاصمة والمحافظات الشمالية) الذي جاءت نتائجه مفاجِـئة لكل التوقّـعات بعد فوز محمد نجيب بن يوسف، المدعوم من قِـبل الإسلاميين بمنصب الرئاسة، ولا يعني هذا أن هؤلاء المحامين جميعا ينتمون إلى حركة النهضة (المحظورة).
وتعتبر الناشطة الحقوقية سعيدة العكرمي مثالا على ذلك. فتَـديُّـنها لم يحُـل دون حصولها على أعلى نِـسبة أصوات في انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين، لأنها عُـرفَـت بكونها صديقة الجميع وبكونها متمسِّـكة باستقلاليتها تُـجاه جميع التنظيمات والتيارات، ودافعت على مختلف ضحايا القمْـع، بقطع النظر عن انتماءاتهم السياسية، وتعرّضت من أجل ذلك لمختلف أشكال المُـلاحقة الأمنية، بل إن العديد ممّـن صوتوا لصالح مرشّـحين إسلاميين، لم نُـعرف عنهم التِـزامات دينية، سواء في السلوك أو الخطاب، لكن المؤكد، أن النَّـواة الصلبة التي تمحوَرت حولها هذه الكُـتلة الانتخابية الهامة، تميزت بانضباطها وحسن قراءتها للخارطة الانتخابية، وحِـرصها على تجنّـب الصراعات الهامشية مع التيارات الأيديولوجية المنافسة، إلى جانب علاقاتها الجيِّـدة بعدد واسع من المحامين والعمل على خِـدمتهم ومساعدتهم، وهو ما جعل هذه النّـواة تتمتّـع بالمصداقية والتأثير، رغم المناخ السياسي العام الذي لا يزال مُـعاديا للإسلاميين أو متوجِّـسا منهم.
صراع واستقطاب
أجواء التنافس الحاد التي ميّـزت هذه الانتخابات، من شأنها أن تُـحيل المراقبين آليا إلى المشهد السياسي العام. فما جرى في أوساط المحامين، ليس سوى عيِّـنة ممّـا يميِّـز هذا المشهد من صِـراع واستقطاب ثلاثي، يتحوّل أحيانا إلى استقطاب ثنائي.
ما حصل كان بمثابة رسالة قوية تلقَّـاها الحزب الحاكم بانْـزِعاج، لكنها بكل المقاييس، لا تؤشر على “نهاية عهْـد” كما توقّـع البعض. فهذه ليست المرة الأولى التي تخسِـر فيها السلطة موطِـن قدَم لها داخِـل هذه المنظمة أو تلك، قبل أن تجدّد المحاولة لاسترداد ما خسرته، لكن ذلك لا يقلِّـل من أهمية الرجّـة التي حصلت والتي أثارت جديّـا قلق الجهات الرسمية.
وبما أن هذه الانتخابات قد كشفت مُـجدَّدا عن أهمية الكتلتيْـن، اليسارية والإسلامية، فإن السؤال الذي يُـطرح في مثل هذا السياق يتعلّـق بالكيفية التي تنوي السلطة اعتمادها لاحتواء هاتيْـن الحساسيتيْـن أو الإستمرار في تجاهلهما.
مخطط خماسي للتنمية
المتابع للشأن التونسي، يُـدرك بأن الاستعدادات للإنتخابات الرئاسية القادمة، التي ستجري في خريف عام 2014، قد بدأت فِـعلا. وتكفي الإشارة في هذا السياق، إلى مصادقة مجلس النواب على المخطَّـط الخُـماسي للتنمية، الذي ينتهي مع الإستحقاق الرئاسي القادِم لكي يتلاءَم مع الأهداف العِـشرين التي احتواها البرنامج الانتخابي للرئيس بن علي، وذلك بعد أن تمّ التوقُّـف (للمرة الأولى في تاريخ المخططات التنموية التونسية) عن الإستمرار في تنفيذ المخطّـط الحالي، الذي كان يُـفترض أن يمتدّ إلى سنة 2011.
في هذا السياق، عاد من جديد الحديث عن احتِـمال الإعتراف بالمجموعة السياسية، المحسوبة على أقصى اليسار والمعروفة باسم “حزب اليسار الاشتراكي”، والتي يقودها محمد الكيلاني، الذي أصبح له عَـمود أسبوعي بصحيفة الصباح اليومية.
والمعلوم، أن هذه المجموعة قد تشكَّـلت على إثر خِـلافات حادّة، سياسية وأيديولوجية، في صلب حزب العمال الشيوعي التونسي، الذي تأسس عام 1976. كما تُـروِّج نفس المصادر أن فِـكرة إنشاء حزب سياسي، مستنِـد على خلفية دينية ويكون مُـقرَّبا من السلطة، لم تختفِ نهائيا، وإن كانت ملامِـح الأشخاص الذين قد يُـشاركون في تنفيذها لم تتَّـضح بعدُ.
استكمال اللوحة الحزبية
فقرار استِـبعاد حركة النهضة، لا يزال نافذا ويُـستبعَـد أن تشهد علاقة هذه الأخيرة بالسلطة أي انفِـراج سياسي حقيقي، رغم استمرار تسهيل عودة بعض كوادِرها الرئيسية إلى تونس، سواء بموافقة اضطرارية من القيادة أو حتى بدون علمها واستشارتها. وإن كانت هذه التسهيلات لا تزال انتقائية، حيث أن البعض لا يزال يلقى صمتا غير مبرّر لرسائله المتعلِّـقة بطلب الحصول على جواز سفر، رغم عدم صِـلته بحركة النهضة وقراءته النقدِية لتجارب عديد الحركات الإسلامية في المنطقة، مثل الصحفي علي بوراوي المقيم في باريس.
إذا ما قرّرت السلطة أن تأخُـذ بمثل هذا السيناريو في المدى المنظور، فإنها ستكون بذلك تستكمِـل اللَّـوحة الحزبية، التي تقتصِـر حاليا على سبْـع أحزاب، إلى جانب التجمُّـع الدستوري الديمقراطي الحاكم، والتي بإضافة حزبيْـن آخريْـن من لونيْـن مختلفيْـن، ستعتَـبِـر نفسها قد مكَّـنت مختلف الحساسيات من أن يكون لها تمثيل قانوني، وهو احتمال من بين احتمالات أخرى يصعب حاليا التأكُّـد من صحَّـتها، لكن تردّدها في بعض الأوساط يعكِـس في حدِّ ذاته هذا التشوّق المتزايد، نحو معرفة التطوّرات الحيوية التي سيشهدها النظام السياسي في تونس خلال المرحلة القادمة.
صلاح الدين الجورشي – تونس – swissinfo.ch
استمرت عملية فرز الأصوات في انتخابات الهيئة الوطنية للمحامين إلى ساعة متأخرة من مساء يوم الأحد 4 يوليو 2010.
وكانت المنافسة على أشدها بين الأستاذ البشير الصيد،عميد الفترة النيابية المتخلية، والأستاذ عبد الرزاق الكيلاني، رئيس فرع تونس اللذان صعدا للدور الثاني بتحصل الأستاذ الكيلاني على 910 أصوات مقابل 793 للأستاذ الصيد في الدور الأول.
وجاءت النتائج النهائية في ساعة متأخرة بتقدم الأستاذ عبد الرزاق الكيلاني على العميد المتخلي البشير الصيد بـ 1634 صوتا مقابل 1286 للأستاذ البشير الصيد.
وشارك في انتخابات الدور الأول 3250 محام من جملة 6200 محامي ومحامية يحقّ لهم التصويت حسب اللوائح.
تونس (رويترز) – نفت تونس ان يكون صدور حكم بسجن صحفي لمدة اربعة اعوام نافذة له علاقة له بحرية التعبير في البلاد.
وقالت يوم الاربعاء 8 يوليو، ان الصحفي ادين بالانضمام الى عصابة اجرامية متهمة بالضلوع في اعمال شغب واثارة احتجاجات اجتماعية وسط انتقادات حقوقية للحكومة بتكميم حرية التعبير والسعي لاسكات منتقديها.
وقضت محكمة استئناف بقفصة التونسية بسجن الصحفي الفاهم بوكدوس مراسل تلفزيون الحوار التونسي لمدة اربعة اعوام في محاكمة غاب عنها المتهم الذي يرقد في احد المستشفيات للعلاج من التهاب رئوي.
وانتقدت جماعة (مراسلون بلا حدود) التي تعنى بحرية التعبير الحكم بينما قال الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض انه يهدف الى تكميم حرية التعبير ويدعم استمرار مناخ الانغلاق السياسي في البلاد.
وقال مصدر قضائي في بيان ارسل لرويترز “ان الحكم قد صدر بالاستناد الى جرائم حق عام ولا علاقة له بأي نشاط صحفي”.
وكانت منطقة الرديف في جنوب البلاد قد شهدت عام 2008 احتجاجات اجتماعية نادرة الحدوث في تونس للمطالبة بتوفير فرص شغل لشبان المنطقة الغنية بالفوسفات والتصدي للمحسوبية.
وخلفت تلك الاحتجاجات مقتل شخص على الاقل وجرح العشرات وسجن حوالي عشرات اخرين قبل الافراج عنهم بموجب عفو رئاسي العام الماضي.
وانتقد محامون اصدار حكم مشدد بالسجن على بوكدوس رغم انه يرقد في المستسفى ويحتاج لعلاج مستمر.
لكن السلطات قالت ان “التعطيل المستمر للمحاكمة ليس له ما يبرره وان القانون المنظم للسجون يكفل في كل الاحوال الرعاية الصحية اللازمة لكافة السجناء”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 8 يوليو 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.