جانب من المعارضة السورية يدعو للعودة إلى “اتفاق جنيف”
أصدر مؤتمر جنيف لبعض قوى المعارضة من الداخل والخارج الذي اجتمع تحت شعار"المؤتمر الدولي السوري من أجل سورية ديموقراطية ودولة مدنية" بيانا يدعو فيه إلى العودة لاتفاق جنيف كقاعدة للتسوية، ولكنه لم يجرؤ على توضيح موقف واضح من بقاء او عدم بقاء بشار الأسد على رأس النظام.
هذا المؤتمر الذي انعقد يومي 28 و 29 يناير 2013، سهر على تنظيمه المعهد الإسكندنافي لحقوق الإنسان بالاشتراك مع منتدى حوران للمواطنة واللجنة العربية لحقوق الإنسان. وكان بمثابة منبر لإسماع صوت يريد به الساهرون على التنظيم، أن يكون صوتا ثالثا في الصراع السوري، مغايرا لصوت أنصار نظام بشار الأسد المتمسك بالسلطة مهما كلف ذلك من ثمن، ولصوت القوى الواقفة وراء “أسلمة وتسليح” الثورة السورية.
دعوة للعودة لوثيقة جنيف
بعد يومين من النقاشات، عكست نتائج هذا الإجتماع الذي حضرته حوالي 100 شخصية معارضة قدم بعضها من الداخل، وكثيرون من الخارج بسبب عراقيل التأشيرة (انظر الفقرة الجانبية)، هشاشة المحاولات الرامية لتوحيد رؤى المعارضة السورية الداخلية منها والخارجية، سواء تلك التي لها موقف رافض للحوار أو التفاوض مع نظام يترأسه بشار الأسد، أو تلك التي تتخذ موقفا غامضا من المسألة، وتُتهم بكونها “معارضة من صنع النظام”.
هذا الأمر تجلى بوضوح في الورقة التي تم اقتراحها كبيان ختامي لاجتماع جنيف قبل أن تتعرض لانتقادات شتى من الحاضرين، ويُعاد فتحها لنقاش لم تتكشف بعد نتائجه. إذ يمكن تلخيص النقاط الأساسية في الورقة التي تم اقتراحها كإعلان جنيف كالتالي: اعتبار اتفاق جنيف الدولي أساسا صالحا للتنفيذ، والدعوة الى عقد مؤتمر جنيف الدولي الثاني كي يأخذ بعين الإعتبار المستجدات الميدانية ومتطلباتها من جهة أولى، مع وجود آليات ملزمة بقرار من مجلس الأمن الدولي وفقا للفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، من جهة ثانية.
هذه النقطة إذا كانت لتعيد لاتفاق جنيف شرعية بانضمام مكونات سورية للمطالبة باستئناف الحوار على أساس ما اتفقت عليه القوى الدولية والإقليمية والمبعوث الأممي العربي المشترك كوفي عنان آنذاك، وفي ظل غياب سوري، فإن المشاركين في اجتماع المعارضة الديمقراطية في جنيف لم يجرؤوا على تجاوز ما كان سببا في اخفاق اتفاق جنيف وهو الغموض المتعمد بخصوص مصير الرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الإنتقالية.
هذه النقطة تعرضت لانتقادات شتى من الحاضرين حيث رغب البعض في أن تكون المواقف واضحة وبدون لبس. بينما ذهب البعض الآخر، وبالأخص من أعضاء الهيئة العامة للتنسيق، إلى أن المطالبة بحكومة انتقالية لها كافة الصلاحيات هو موقف واضح من بقاء الأسد أو عدمه.
النقطة الهامة الثانية في إعلان جنيف تتمثل في “الدعوة لمؤتمر وطني موسع يضم كل القوى الفاعلة على الأرض المؤمنة ببناء النظام الديمقراطي التعددي البديل للنظام القائم. ويتولى المؤتمر إصدار إعلان دستوري، تتشكل على أساسه حكومة كاملة الصلاحيات لإدارة المرحلة الإنتقالية بدءا بالإيقاف الفوري المتزامن للعنف، واستخدام السلاح، وإطلاق سراح كافة المعتقلين من السياسيين والمختطفين من مدنيين وعسكريين، وضبط الأمن، وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة بإشراف دولي”.
ومع أن هذه النقطة كانت أقرب ما تكون إلى برنامج سياسي متكامل، لكنها أثارت بعض الإنتقادات من طرف المشاركين أثناء النقاش بخصوص عبارة “كل القوى الفاعلة على الأرض”، رغم تأكيد الساهرين على تحرير البيان على أن “النص أوضحُ مما يُؤوّله البعض”، من خلال إشارته البيّنة إلى القوى “المؤمنة ببناء النظام الديمقراطي التعددي البديل للنظام القائم”.
كان من المفترض أن يستضيف “المؤتمر الدولي السوري” الذي دعت إليه منظمات سورية وحقوقية من أجل إسماع “صوت ثالث” في الصراع القائم في سوريا عددا من ممثلي الداخل، إلا أن عدم حصول 67 منهم على تأشيرة دخول إلى سويسرا دفع المنظمين الى الإستعانة بشبكة الانترنت وبنظام السكايب تحديدا لإسماع اصوات بعضهم.
عن هذه المسألة، قال هيثم مناع، رئيس اللجنة العربية لحقوق الإنسان، ورئيس المعهد الاسكندنافي لحقوق الإنسان، المنظم لمؤتمر “من أجل سورية ديمقراطية ودولة مدنية ” أمام الحاضرين: “إن هناك أشخاصا رغبوا في نقل آلامهم ونضالاتهم اليومية داخل سوريا، لم تستوعبهم الديمقراطية السويسرية بضغوط أوروبية وغير سويسرية”، على حد زعمه، وأشار في نفس الوقت إلى حرمان السلطات السورية قناة الميادين الفضائية (مقرها بيروت) من نقل وقائع المؤتمر مباشرة لكي يتابعها النشطاء والرأي العام في الداخل.
وفي معرض إجابته عن استيضحات swissinfo.ch، قال هيثم مناع: “لقد كانت لي علاقات ممتازة مع السلطات السويسرية التي أشكرها على استضافتي مرات عديدة للحديث عن الربيع العربي ولإقامة مؤتمرات ودورات تدريب عديدة في جنيف وبدون أية عراقيل. لكن اليوم تفاجأت وأشعر بأن هناك طعنة في الظهر، خصوصا وأن كل المعنيين هم أطباء، وأساتذة جامعيين مناهضين للعنف، ليس لهم علاقة بالإرهاب، وعلى العكس هناك فتاوى تكفير في حق جزء منهم. إذن المشكلة أن هناك ضغوطا، كما علمتُ، مورست من الطرف الفرنسي من أجل إفشال هذا المؤتمر”.
وعما إذا كانت هناك اتصالات مباشرة بين المنظمين والسلطات السويسرية لحل مشكلة التأشيرات أوضح هيثم مناع “اتصلنا بهم مرات ووعدونا بمحاولة رفع الحظر، ولكن مسؤولا هاما بالخارجية اتصل بنا يوم الخميس (24 يناير 2013)وقال أعتذر لم تنجح كل محاولاتي في رفع الحظر”.
من جهتها، ردت الخارجية السويسرية على تساؤلات صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف) ليوم 29 يناير 2013 حول الموضوع برفض التعليق على المسألة، واكتفت بالإشارة إلى أن “التعليلات شخصية، وقد قُدمت للمعنيين بالأمر”.
معضلة تفكك المعارضة السورية
في الوقت الذي كانت تجتمع فيه بعض من قوى المعارضة السورية الرافضة للعنف والتسليح، والتدخل الخارجي في مدينة جنيف غرب سويسرا، كانت العاصمة الفرنسية باريس تستضيف اجتماعا لقسم آخر من المعارضة السورية دعا إلى مزيد من التسليح والدعم الخارجي.
ولعل ما يتفق عليه المشاركون في التظاهرتين، يقتصر على وصف فظاعة المرحلة الحالية التي تمر بها الثورة السورية من تدمير، وقتل، وتعذيب، وعنف طائفي، وتدمير للبنى التحتية، وتفكيك للمصانع، ونزوح ولجوء لثلث الشعب السوري تقريبا. وهو ما لخصه المفكر والشاعر أدونيس في الجلسة الإفتتاحية لمؤتمر جنيف عندما قال: “عندما ننظر إلى ما يحدث الآن في سوريا، مربوطا برمزيتها التاريخية، على المستويين الحضاري والكوني، ندرك مباشرة كيف أن الصراع فيها تحول إلى صراع إقليمي ودولي في آن واحد، وكأن مقصد الجميع يتخطى تهديم النظام الى تهديم سوريا”.
بالرغم من هذا الوعي بخطورة المرحلة، تبقى التجاذبات المذهبية والايديولوجية سيدة الموقف مثلما تجلى في اجتماع جنيف حتى بعد قراءة البيان النهائي، حيث عارض البعض ما ورد فيه، مما اضطر المنظمين لإعادة فتح النقاش مع من رغب في الإستمرار في ذلك، ولكن بدون حضور مترجمين.
وإلى حين الإنتهاء من إعداد هذا التقرير، لم يتضح بعدُ ما إذا كان منظمو مؤتمر جنيف قد توصلوا إلى صيغة مقبولة أو أدخلوا تغييرات جوهرية على نص “إعلان جنيف”. ويبدو أن الرئيس التونسي منصف المرزوقي قد تكهن بهذه الصعوبات في الخطاب الذي وجّهه للمؤتمرين وتلاه أحد مستشاريه نيابة عنه حين قال: “يحتاج السوريون على اختلاف انتماءاتهم وافكارهم الى خارطة طريق وطنية يكون هدفها الأساسي هو حفظ كيان سوريا، ووحدة شعبها في إطار سياسي تمثله دولة المواطنة والديمقراطية التي تكفل الحريات للجميع. .. وهذه الخارطة يمكن أن تكون نقطة التقاء بين جميع السوريين تحمي ثورتهم من التدخلات الخارجية، وتدفع بهم جميعا نحو إعطاء ثورتهم من جديد الإتجاه الوطني والديمقراطي الذي قامت عليه منذ البداية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.