جدل في جنيف حول تحقيقات منظمة الصحة العالمية في أحداث غزة
أثارت الجلسة التي خصصتها الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية يوم الأربعاء 20 مايو للأوضاع الصحية في الأراضي الفلسطينية المحتلة والجولان المحتل جدلا بين الدول الأعضاء، لكنه لم يحُل دون مساندة الدول الأوروبية لقرار تقدمت به الدول العربية وعارضته إسرائيل.
في الوقت نفسه، كشف النقاش الذي شهدته الجلسة، النقاب عن محاولات مديرة منظمة الصحة العالمية حجب تقرير أعدته لجنة تحقيق طبية في أحداث غزة، فيما قدم السفير الفلسطيني دلائل توصلت إليها لجان تحقيق تابعة لمؤسسات أممية أخرى عن أوضاع حرجة يعيشها آلاف الفلسطينيين المحرومين من الرعاية الصحية بسبب جدار الفصل الإسرائيلي.
شهدت الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية في جلستها الخاصة المنعقدة يوم الأربعاء 20 مايو، الجدل المعهود الذي يتكرر كل سنة لدى التطرق إلى الأوضاع الصحية في الأراضي الفلسطينية ومرتفعات الجولان المحتلة. لكن هذا الجدل لم يحُل دون تبني قرار عن الأوضاع الصحية في الأراضي المحتلة بأغلبية 92 صوتا، بما في ذلك غالبية الأصوات الأوروبية، مقابل ستة أصوات معارضة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية وكندا ونيوزيلندا واستراليا، وامتناع 5 بلدان وتغيب بقية الدول عن جلسة التصويت.
القرار الذي تقدمت به العديد من الدول العربية وبعض الدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز تضمن “التعبير عن القلق لتدهور الأوضاع الصحية وكذلك الأزمة الإنسانية الناجمة عن استمرار الاحتلال والقيود الشديدة التي تفرضها إسرائيل”.
كما نص القرار على “شجب حالات عدم احترام الجيش الإسرائيلي لسيارات الإسعاف الفلسطينية والعاملين الطبيين الفلسطينيين وعدم ضمان الحماية لهم مما أدى الى وقوع ضحايا بين العاملين الطبيين والقيود التي تفرضها إسرائيل، الدولة المحتلة، على حركتهم مما يعد انتهاكا للقانون الإنساني الدولي”.
وقد طالب القرار إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية، كما دعا المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية إلى الإستمرار في تقديم الدعم الصحي للشعب الفلسطيني ومساعدته على مواجهة الأوبئة بما في ذلك انفلونزا الخنازير.
تبني القرار رغم تحذير إسرائيلي
وفي تكرار لما تعود المراقبون على معاينته في الجلسات التي يعقدها مجلس الحقوق الإنسان للنظر في قضايا الشرق الأوسط، حاول المندوب الإسرائيلي استخدام نفس الأسلوب في الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية ولكن دون الاعتماد على مساندة غالبية الدول الغربية هذه المرة.
المندوب الإسرائيلي بدأ بالإشارة إلى الأوضاع في سريلانكا ثم في باكستان والكونغو الديمقراطية لجلب الانتباه إلى عدم الاستفراد بالتطرق لوضع واحد (أي الأراضي المحتلة من طرف إسرائيل) دون هذه الأوضاع. وعلى الرغم من احتجاج بعض الدول على الخروج عن فحوى جدول الأعمال، وتدخل رئيس الجلسة، واصل المندوب الإسرائيلي سرد موقفه لتكرار تنديده بما أسماه “استفرادا بإسرائيل لوحدها” ومن “تسييس لمحفل من المفروض أن يظل تقنيا”، على حد تعبيره.
وفي خاتمة مداخلته، حذر المندوب الإسرائيلي الدول الاعضاء في الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية من الإنزلاق نحو “التسييس” قبل أن يطالبهم بالتصويت ضد مشروع القرار المعروض عليهم.
ممثل السلطة الوطنية الفلسطينية لدى الأمم المتحدة في جنيف اعتبر أن “الجديد تمثل في تصويت الدول الأوروبية لصالح القرار رغم مواصلة تحفظ بعض الدول مثل أمريكا وأستراليا وكندا”، وأضاف يقول “سنواصل العمل في اتجاههم لتغيير الموقف ونأمل في أن لا يكون في العام القادم مشروع قرار حول فلسطين بحيث نأمل أن يكون هناك حل سياسي لهذا الموضوع”.
المطالبة بنشر تحقيق منظمة الصحة عن غزة
في سياق متصل، تطرقت الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية للأوضاع الصحية السائدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومرتفعات الجولان المحتلة عبر تقريرين أعدتهما سكرتارية المنظمة وتقرير ثالث كان المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة قد أمر بالقيام به للتحقيق في الانتهاكات التي تمت أثناء الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة في موفى عام 2008 وبداية العام الجاري وبالخصوص ما تعرضت له المنشآت الصحية وطواقم الإسعاف الفلسطينية أثناء ذلك القصف.
لكن المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية قدمت ملخصا عنه بدل نشر النص الكامل للتقرير، وهو ما دفع بعض الدول الى المطالبة بنشره كاملا. عن ذلك يقول السيد إبراهيم خرايشي، سفير فلسطين لدى المقر الأوروبي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف “نحن ننتظر التقرير المفصل المكون من 48 صفحة والذي يشير بشكل واضح للدمار الذي لحق بكافة المؤسسات والخسائر البشرية التي لحقت بالأطقم الطبية من أطباء ومن مسعفين”.
وكانت المديرة العامة قد أشارت في ملخصها بخصوص الانتهاكات التي استهدفت القطاع الصحي أثناء قصف غزة إلى أنه “تمت إصابة 15 مستشفى من بين 27، كما تعرض 43 مركزا صحيا لأضرار وتم إغلاق 24 منها إغلاقا نهائيا… ولقي 16 موظفا من الموظفين العاملين في مجال الخدمات الصحية مصرعهم وجرح 25 أثناء أداء واجبهم، وتضررت أو دمرت 29 سيارة إسعاف”.
ويرى السفير الفلسطيني أن “أهمية هذا التقرير الذي ستصادق عليه الجمعية العامة لمنظمة الصحة العالمية، تكمن في أنه قد نعتمد عليه فيما بعد في ملاحقات قانونية لوضع إسرائيل أمام مسؤولياتها القانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية أو في محكمة العدل الدولية”.
ويضيف السفير إبراهيم خرايشي “لا اعلم لحد هذه الساعة ما هو السبب في تقديم ملخص من أربع صفحات عن هذا التقرير. وهذا ما طالبنا فيه في مشروع القرار أي بتقديم التقرير المفصل الذي أعدته اللجنة الطبية الخاصة التي ذهبت إلى فلسطين”.
فلسطينيون خارج الرعاية الصحية للجميع
على صعيد آخر، بدأت بعض التقارير تتحدث عن وضع صحي شاذ لحوالي 300 ألف فلسطيني يعيشون ما بين الجدار العازل الذي أقامته إسرائيل وبين الخط الأخضر الذي يشكل حدود إسرائيل المعترف بها. وهذا الوضع يجعل هؤلاء السكان محرومين من الرعاية الصحية في المستشفيات الإسرائيلية نظرا لعدم امتلاكهم لتراخيص وهويات إسرائيلية، وحرمانهم في نفس الوقت من الرعاية الصحية في المستشفيات الفلسطينية بسبب الجدار العازل.
عن هذا الوضع الشاذ يقول السفير الفلسطيني الدكتور إبراهيم خرايشي “هذا جزء من المشاكل التي تضمنها تقرير المقرر الخاص لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ريتشارد فالك. وهناك بعثة تقصي الحقائق التي ستذهب قريبا الى فلسطين بناء على قرار الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان والتي يرأسها القاضي ريتشارد غولدستون، والتي ستتقصى كل هذه الحقائق وستعود بوثائق رسمية وتسجل حالات الفلسطينيين الذين يعيشون على جانبي الجدار، وحتى في بعض الأحيان في فصل بين أفراد العائلة الواحدة”.
وعما إذا كانت منظمة الصحة العالمية قد أعلمت بذلك، يقول السفير الفلسطيني في تصريحات لسويس إنفو “عندما حضر وزير الصحة الفلسطيني في شهر فبراير للحديث مع مديرة منظمة الصحة العالمية عن المساعدات للشعب الفلسطيني، تم إطلاعها بهذا الموضوع. وهناك لجنة تقوم برصد الخسائر الناجمة عن هذا الجدار، وستعد تقريرا في شهر سبتمبر يتم توزيعه على كافة المؤسسات ومن ضمنها منظمة الصحة العالمية. وتقرير هذه اللجنة سيكون رسميا لأنه (اتخذ) بقرار من الجمعية العامة ولهذه اللجنة الآن مكتب في فيينا للسهر على تسجيل كل هذه الإنتهاكات والخسائر الناجمة عن بناء الجدار”.
تجدر الإشارة إلى أن موضوع الإنتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل في القطاع الصحي أثناء الحرب الأخيرة على غزة سيكون من ضمن المهمة التي ستقوم بها لجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن مجلس حقوق الإنسان والتي يرأسها القاضي الجنوب افريقي ريتشارد غولدستون.
وعن المهمة الطبية لهذه اللجنة، يشير السفير الفلسطيني إلى أنها “ستحتوي على فريق طبي سيتوجه الى مستشفى فلسطين في القاهرة الذي يوجد فيه أكثر من 220 حالة من الجرحى لدراسة هذه الإصابات، والمبتورة أيديهم وأرجلهم والحروق التي لا نعلم حتى هذه اللحظة ما هي أسبابها أي ما طبيعة الأسلحة التي تسببت فيها. وهناك لجنة ستذهب من فيينا بقرار من المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي للتدقيق في أنواع الأسلحة المحرمة دوليا والتي تم استخدامها” من طرف إسرائيل في الحرب.
وعلى الرغم من أن السلطات الإسرائيلية رفضت حتى اليوم السماح لبعض الفرق والمحققين بالدخول إلى القطاع، فإن السفير الفلسطيني يقول: “إن لدينا بعض الوثائق وبعض الدلائل ومنها ما حصلنا عليه من خلال تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي حصل على بعض العينات من المياه والتربة التي تم تحليلها لمدة شهرين في بعض المخابر بسويسرا. صدر بعده تقرير يشير بصورة واضحة إلى وجود الفوسفور الأبيض والخرسين وبعض المواد الأخرى السامة والمشعة والممنوعة والمحرمة دوليا”.
محمد شريف – جنيف -swissinfo.ch
أعلنت لجنة التحقيق المنبثقة عن الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان حول أحداث الحرب التي خاضتها إسرائيل ضد قطاع غزة في نهاية شهر ديسمبر 2008 وبداية يناير 2009، على لسان رئيسها القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون وعلى إثر لقاء بين أعضائها بالأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون، والمفوضة السامية لحقوق الإنسان صباح الأربعاء 20 مايو 2009 في جنيف أنها “ستشرع في الإستماع للشهود في جلسات علنية”. وقد تكون هذه المرة الأولى التي تقوم فيها لجنة تحقيق أممية بالإستماع لشهود في جلسة علنية.
وجدير بالذكر أن لجنة تقصي الحقائق هذه لم تحصل بعدُ على ترخيص من قبل إسرائيل وهو ما دفع رئيسها، ريتشارد غولدستون والمدعي العام السابق في محاكم يوغوسلافيا ورواندا، إلى التصريح بالقول: “لم نحصل في الواقع على أي رد من السلطات الإسرائيلية”.
ولا يستبعد السيد غولدستون إجراء جلسات استماع لشهود في غزة وفي مصر بل حتى في جنيف. ومن المفروض أن تتوجه اللجنة لقطاع غزة في بداية شهر يونيو لكي تُنهي التحقيق في نهاية الشهر ولتقديم تقريرها في 4 أغسطس القادم إلى مجلس حقوق الإنسان.
وإذا كانت مهمة اللجنة مقتصرة في بداية الأمر على الإنتهاكات المرتكبة من طرف إسرائيل اثناء الحرب على غزة، فإن مجلس حقوق الإنسان وسع مجال المهمة لكي لا تقتصر فقط على ذلك. وهو ما يعني النظر في احتمال ارتكاب مقاتلي حركة حماس أيضا لانتهاكات في هذه الحرب.
ومن المتوقع أن تنظم جلسات الإستماع في جنيف كي يتمكن أعضاء اللجنة من الإستماع إلى عناصر إسرائيلية يتعذر الإجتماع إليها في قطاع غزة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.