حرب غزة: منظمات إنسانية تـُجمع على إدانة الانتهاكات
أصدرت ثلاث منظمات إنسانية دولية تقارير تدين فيها انتهاكات إسرائيل لقواعد الحرب والقانون الإنساني الدولي أثناء الحرب على غزة، وإطلاق الصواريخ من الجانب الفلسطيني على جنوب إسرائيل.
منظمة العفو الدولية ركزت على عملية الإفلات من العقاب، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش” على سوء استخدام طائرات الاستطلاع في قتل المدنيين، بينما تطرقت اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاستمرار معاناة مليون ونصف مليون شخص في قطاع غزة من جراء الحصار.
فقد اتفقت المنظمات الثلاث على توقيت إصدار التقارير التي تحوصل فيها الإنتهاكات التي ارتُكبت أثناء الحرب على قطاع غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، سواء من قبل القوات الإسرائيلية أو المجموعات المسلحة الفلسطينية التي أطلقت صواريخ ضد جنوب إسرائيل.
ولئن توخت هذه المنظمات محاولة التطرق للانتهاكات من كلا الجانبين، فإن الحصة الكبرى من هذه الانتهاكات والتجاوزات تتعلق بما ارتكبته قوات الجيش الإسرائيلي.
“معظم الدمار كان متعمداً”
منظمة العفو الدولية ركزت في تقريرها الصادر يوم 2 يوليو 2009، والذي جاء في 117 صفحة، على قتل المدنيين الفلسطينيين من قبل القوات الإسرائيلية وتدمير آلاف المنازل فيما تراه “انتهاكا لقوانين الحرب”.
وبالاستعانة بخبير في الأسلحة، وثقت منظمة العفو الدولية طبيعة الأسلحة التي استخدمتها إسرائيل ضد سكان قطاع غزة المحاصرين، وتوصلت الى خاتمة مفادها “أن ضحايا الهجمات التي شملها التحقيق لم يقعوا في مرمى النيران بين المسلحين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية، ولم يكونوا دروعاً لإخفاء مسلحين أو أهداف عسكرية أخرى، بل قُتل كثيرون منهم وهم نيام لدى قصف منازلهم، بينما قُتل آخرون وهم يجلسون في باحات بيوتهم أو ينشرون الغسيل على الأسطح. كما قُتل عدد من الأطفال وهم يلعبون في غرفهم أو على أسطح بيوتهم أو بالقرب من البيوت. وتعرضت أطقم المسعفين وسيارات الإسعاف للهجوم مراراً وهم يحاولون إنقاذ الجرحى أو انتشال جثث القتلى”.
كما شددت المنظمة في تقريرها على ضرورة إجراء تحقيق مستقل ومحاسبة مرتكبي التجاوزات إذ أوضحت المسؤولة عن إعداد التقرير، دوناتيلا روفيرا، أن “مقتل هذا العدد الكبير من الأطفال وغيرهم من المدنيين هو أمر لا يمكن إغفاله ببساطة باعتباره من “الأضرار الملازمة” للعمليات كما تدعي إسرائيل. فهناك تساؤلات كثيرة لا تزال في حاجة إلى إجابات بخصوص طبيعة تلك الهجمات وبخصوص استمرار الهجمات دون هوادة بالرغم من ارتفاع عدد القتلى في صفوف المدنيين”.
وشددت المنظمة الإنسانية على أن “معظم الدمار كان متعمداً ومفرطاً ولا يمكن تبريره استناداً إلى “الضرورة العسكرية”، منتقدة رفض إسرائيل التعاون مع المنظمات الأممية والدولية ومن ضمنها منظمة العفو الدولية في إجراء تحقيق مستقل عن حالات محددة.
مليون ونصف من المحاصرين اليائسين
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فقد أصدرت بدورها في 29 يونيو المنصرم تقريرا مفصلا يستعرض حالة سكان القطاع قبل وبعد الحرب التي دامت 22 يوما. وترى المنظمة أنه “حتى بعد انقضاء ستة أشهر، مازال يستحيل على سكان غزة إعادة بناء حياتهم بسبب القيود المفروضة على الواردات. فكميات السلع التي تدخل غزة حالياً هي أدنى بكثير مما هو مطلوب لسد احتياجات السكان. في أيار/مايو 2009 لم تدخل غزة سوى 2,662 شحنة من السلع، مما سجل انخفاضاً بنسبة تناهز 80% مقارنة مع 11,392 شحنة سُمح بدخولها في نيسان/أبريل 2007، قبل اعتلاء حماس السلطة في القطاع”.
ومن التأثيرات النفسية والاجتماعية التي خلفتها هذه الحرب على الأطفال بالخصوص، يشير التقرير إلى “أن الكثير من الأطفال شهدوا أعمال العنف خلال العملية العسكرية. مما عمل على إشاعة حالات التبول غير الإرادي والأرق والسلوك التهيجي. وبات آلاف الأطفال والبالغين بحاجة للاستشارة الطبية لمعالجة الآثار النفسية والضغط الناجم عن الصدمة”.
وعلى الرغم مما تبذله اللجنة الدولية لصليب الأحمر وباقي المنظمات الإنسانية من جهد لتحسين ظروف عيش سكان القطاع، يذكر التقرير بأن “تحطيم البنية التحتية يجعل 69 مليون لتر من النفايات غير المعالجة أو المعالجة جزئيا تصب في البحر المتوسط مباشرة، والمياه الجارية لا تصل إلى كل البيوت وفي كل الأيام”.
وشدد تقرير اللجنة الدولية على منع السلطات الإسرائيلية دخول مواد البناء للقطاع مما يعقد إجراءات إصلاح المنشآت الحيوية.
وفي المجال الصحي، نوهت اللجنة الدولية إلى أنه بالإضافة إلى تدمير بعض المنشآت الصحية أثناء الحرب، هناك عراقيل توضع في وجه تنقل المرضى لتلقي العلاج عبر معبر إيريز. كما أن الحرب التي أضيفت إلى عملية الإغلاق جعلت نسبة البطالة “ترتفع في القطاع إلى حوالي 44%، وإلى توقف حوالي 96% من الإنتاج الصناعي، وفقدان قرابة 70 ألف وظيفة”.
وفي القطاع الزراعي، أدى التوغل الإسرائيلي المتكرر والحرب التي خاضه ضد قطاع غزة إلى إلحاق أضرار كبرى بهذا القطاع الحيوي خصوصا في المنطقة المحظورة التي تحتوي على حوالي 30% من مجموع الأراضي الزراعية.
ولم يسلم قطاع الصيد بدوره بحيث قلصت السلطات الإسرائيلية المنطقة البحرية المسموح فيها للفلسطينيين بالصيد من “ستة إلى ثلاثة أميال بحرية”.
انتهاكات حماس؟
منظمة العفو الدولية، وعلى الرغم من إشارتها إلى أن هجمات مقاتلي حماس والمجموعات الفلسطينية الأخرى “قد أسفرت عن عدد أقل من القتلى”، فإنها ترى أن استخدام حماس لـ “صواريخ غير موجهة لا يمكن تصويبها على أهداف محددة يمثل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي ولا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف”.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي خصصت أكثر من 90% من تقريرها المفصل لهجمات إسرائيل، فقد أشارت في مقدمة التقرير إلى أن حماس والمجموعات المسلحة الفلسطينية الأخرى “أطلقت قذائف من غزة يومياً، مما عرض آلاف السكان في جنوب إسرائيل للخطر، فقدمت الطواقم الطبية الرعاية للسكان المصابين بالصدمة وعالجت الجرحى وقامت بإجلائهم”.
توصيات لمن يرغب في الإصغاء إليها
ومن التوصيات التي تسوقها منظمة العفو الدولية في تقريرها: “ضرورة وقف نقل جميع المعدات والمساعدات العسكرية والذخائر إلى إسرائيل وحركة حماس”، ووجوب “التزام إسرائيل بعدم شن هجمات مباشرة أو عشوائية أو غير متناسبة على المدنيين، وعدم استخدام قذائف المدفعية والهاون وقذائف الفوسفور الأبيض في المناطق المكتظة بالسكان، وكذلك إنهاء الحصار الذي تفرضه على قطاع غزة، والذي يمثل عقاباً جماعياً لسائر سكان القطاع”.
كما تدعو حركة حماس “إلى التخلي عن نهجها المتمثل في شن هجمات صاروخية غير مشروعة على مناطق السكان المدنيين في إسرائيل، وإلى منع الجماعات المسلحة الأخرى من شن مثل هذه الهجمات”.
أما اللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي ذكّرت بمسؤولية إسرائيل كقوة احتلال، شددت على “ضرورة كسر دائرة اليأس والعوز”. ولم تكتف في توصياتها بالدعوة “إلى فك القيود المفروضة على تنقل الأشخاص والسلع كإجراء أول وأكثر إلحاحاً لفك عزلة غزة والسماح لأهاليها بإعادة بناء حياتهم”، بل ذكّرت بأن الأمر يتطلب “حلا دائما وتغيرات أساسية في سياسة إسرائيل”، وهي تغييرات “لا يمكن تحقيقها بالعمل الإنساني بل بخطوات سياسية جديرة بتعزيز الثقة”، على حد تعبير اللجنة الدولية للصليب الأحمر.
محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch
أرقام عن هذه الحرب في تقارير المنظمات الثلاث، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش:
استغرقت 22 يوما
خلفت 1400 قتيل
300 من بين هؤلاء القتلى أطفال
ما بين 100 و150 شخصا فقدوا أطرافا وينتظرون تركيب قطع اصطناعية.
دُمر 3000 منزل ولحقت أضرار بحوالي 20 ألف منزل آخر
أدت الحرب إلى ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 44%
وتوقف الإنتاج الصناعي بحوالي 96%
فقــِد حوالي 70 ألف موطن شغل، وقرابة 30% من الأراضي الزراعية بسبب المنطقة المحظورة.
منظمة هيومن رايتس ووتش خصصت تقريرها لإساءة إسرائيل استخدام طائرات الإستطلاع (الزنانة).
وتقول المنظمة الإنسانية “إن الهجمات الإسرائيلية بالصواريخ الموجهة والمنطلقة من طائرات استطلاع (الزنانة) أسفرت عن مقتل مدنيين … في خرق لقوانين الحرب“.
وأضافت “لقد أدى الهجوم بأحد أدق الأسلحة في الترسانة الإسرائيلية إلى مقتل مدنيين لم يشاركوا في أية أعمال قتال وكانوا بعيدين عن القتال الدائر”.
وأشار التقرير إلى تفاصيل ست وقائع أدت إلى مقتل 29 مدنيا من بينهم ثمانية أطفال.
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى “أن القوات الإسرائيلية أخفقت في اتخاذ جميع الاحتياطات المستطاعة للتمييز بين المقاتلين والمدنيين“. أما خبيرها العسكري، مارك غارلاسكو، الذي شارك في التقرير فذهب إلى حد التوضيح بأنه “يمكن لمشغلي الطائرات الزنانة أن يروا بوضوح أهدافهم على الأرض، وأن يُبعدوا الصواريخ عن مسارها حتى بعد إطلاقها“. لذلك يقول أنه نظرا لذلك يطلب من إسرائيل توضيح أسباب مقتل هؤلاء المدنيين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.