حزب الشعب لن يدعو إلى إستفتاء حول الإتفاقات الثنائية
بعد جدل محتدم ونقاشات حادة، قرر ممثلو حزب الشعب (يمين متشدد) خلال انعقاد جمعيتهم العامة يوم السبت 5 يوليو في بريغ جنوب سويسرا عدم الدعوة لتنظيم استفتاء بقصد تعطيل تمديد العمل بحرية تنقل الأشخاص بين سويسرا والإتحاد الأوروبي.
ولئن اختار ثلثا المندوبين بذلك إتباع توصية زعيمهم التاريخي كريستوف بلوخر، فإن القرار قد لن يحول دون حصول ذلك الاستفتاء في نهاية المطاف.
وضع القرار الذي اتخذه البرلمان السويسري قبل بضعة أشهر (والقاضي بطرح مسألة التمديد لاتفاقية التنقل الحر، وتوسعة مجالها لتشمل بلغاريا ورومانيا في حزمة واحدة في حالة عرضهما على استفتاء شعبي عام) أطراف اليمين المتشدد في حرج سياسي بالغ، وزرع بين صفوفه أسباب الشقاق والإختلاف.
وخلال اجتماع مندوبي الحزب، وصف كريستوف بلوخر ذلك القرار “بالبذاءة” و”القذارة”، قبل أن يسترسل قائلا: “إنني لا أجد كلمة مناسبة لوصف هذه الإساءة التي وجهها إلينا البرلمان، والمطلوب منا الآن هو الاتصاف بالحنكة والذكاء، فلا نستدرج إلى المغامرات غير المحسوبة أو الوقوف على أرضية متحركة”.
جدل قوي يعكس انقساما حادا
لئن استطاع بلوخر ببساطة كسب تأييد قيادة الحزب لرأيه المعارض لإجراء استفتاء بشأن تمديد العمل بحرية تنقل الأشخاص بين سويسرا وأوروبا، الذي أعلن عنه قبل أسبوعيّن، مدعوما في ذلك بقوى ضغط الدوائر الإقتصادية داخل الحزب، فإن تمرير القرار على مستوى المندوبين لم يكن أمرا هيّنا.
فقد تداول على أخذ الكلمة خلال اجتماع السبت الماضي أربعون شخصا، كان أغلبهم من المؤيدين لإجراء الاستفتاء، ومن الداعين إلى تمسك الحزب بخياراته، وألا يتراجع أمام ضغط المناهضين له.
وقال بيتر فوهن، أحد الداعين للتمسك بإجراء الاستفتاء، وعدم التمديد لاتفاقات التنقل الحر: “التراجع عن الدعوة للاستفتاء يمنح نصرا لوسائل الإعلام، ولبقية الأحزاب”، قبل أن يذكّر بأن “الحزب قد وعد من قبل بالدعوة لتنظيم استفتاء إذا ما أقدم البرلمان على جعل التمديد لاتفاقات التنقل الحر، وتوسعة تلك الاتفاقات لكي تشمل بلغاريا ورومانيا، في حزمة واحدة”.
وعبّر عدد من المتدخلين عن حيرتهم وعدم فهمهم لموقف قيادة الحزب، وتساءل بيتر فوهن: “إذا تراجعنا اليوم عن الدعوة إلى الإستفتاء، ماذا سنفعل، عندما تنضم تركيا وأوكرانيا ودول منطقة البلقان إلى عضوية الإتحاد الأوروبي؟”.
وبرر الرافضون لهذه الإتفاقات موقفهم “بالرغبة في عدم فتح الحدود أمام بلغاريا ورومانيا، وفي إعطاء درس “لطبقة سياسية فاسدة”، خاضعة لما تمليه عليها بروكسل”.
لكن جزء من غضب المندوبين توجّه إلى الزعيم التاريخي بلوخر، وإلى قيادة الحزب، وقال لوزي ستام، مندوب أرغاو منتقدا الأوّل: “عندما كان في الحكومة كان بلوخر يشتكي من إكراهات الحكم، ورغم أنه خرج من السلطة، إلا أنه لم يستطع نزع تلك الكمامة”، في الوقت الذي وصف فيه أولريخ شلوير، المندوب عن زيورخ، موقف قيادة الحزب المنحاز إلى رأي بلوخر بكونه “يخالف مبادئ الحزب، وإرتداد إلى الوراء”.
تراجع شعبية حزب الشعب
التصويت بلا للإستفتاء (326 صوتا)، وبنعم للإستفتاء (166 صوتا)، انقساما حادا لم يعهده حزب الشعب من قبل. فالإحباط وخيبة الأمل وضعف المبادرة لدى القيادة الجديدة بزعامة تونّي برونّر، قد تكون وراء التراجع الذي أشار إليه إستطلاع جديد للرأي نشرت نتيجته صحيفة سونتاغس تسايتونغ الأسبوعية يوم الأحد 6 يوليو وأشار إلى أن شعبية حزب الشعب قد تراجعت بست نقاط مقارنة مع النسبة التي حصل عليها في آخر إقتراع عام أجرى في أكتوبر 2007.
ويعزو المراقبون هذا التراجع في شعبية أكبر حزب سياسي بسويسرا للصراعات الداخلية التي بدأت تعصف بهذا الحزب اليميني المتشدد منذ فشل كريستوف بلوخر، زعيمه التاريخي بالإحتفاظ بحقيبة وزارة العدل والشرطة بالحكومة الفدرالية، وظهور بعض الإنشقاقات والإستقالات في بعض فروعه.
وفي هذا الإستطلاع الذي أجرى بين 18 يونيو الماضي و4 يوليو الجاري، وشمل 1027 شخصا، لم يحصل حزب الشعب إلا على تأييد 23.3 % من الأصوات، مقابل 30 % تقريبا في آخر إقتراع عام.
وطبقا لنفس الدراسة، استفادت بقية الأحزاب بأقدار متقاربة من هذا التراجع: الإشتراكيون (+1.7)، الحزب الراديكالي (+1)، والديمقراطيين المسيحيين (+ 1.2)، وحزب الخضر (+0.2). أما الحزب البرجوازي الديمقراطي، والذي تأسس حديثا من طرف أعضاء سابقين انشقوا عن حزب الشعب، فقد حصل على 3.8% من الأصوات.
الاستفتاء مقبل لا محالة
أمام هذا الانقسام الحاد في مواقف أكبر الأحزاب اليمينية في البلاد، لا يبدو أن المعركة سوف تضع أوزارها قريبا، فالأحزاب الصغيرة المنتمية إلى اليمين المتشدد مثل رابطة التيتشينو، باشرت فعلا في جمع التوقيعات اللازمة لفرض إجراء الإستفتاء.
وتتمتع المنظمة بدعم الجمعية الشبابية “Young4Fun”، والجناح الشبابي التابع لحزب الشعب، في حين لا يستبعد انضمام منظمة “العمل من اجل سويسرا مستقلة ومحايدة” إلى صفوف الداعين للاستفتاء. ومن المعلوم أن هذه المنظمة قريبة من قواعد حزب الشعب، ويرأسها هانس فيهر، أحد النواب عن حزب الشعب في البرلمان.
وفي ظل حالة التمرد والإنقسام في صفوف الحزب، والتي انتهت بإقصاء فرع كانتون غراوبوندن، وتشكل حزب يميني جديد من أنصار سابقين للحزب، يشكك المراقبون في التزام قواعد حزب الشعب بقرار قيادته، ولا يستبعدون تصويتهم ضد اتفاقيات التنقل الحر للأشخاص، ورفض فتح الحدود بوجه مواطني رومانيا وبلغاريا، إذا ما نجحت الأحزاب اليمينية الصغيرة في جمع التوقيعات اللازمة لإجبار الحكومة على تنظيم إستفتاء لهذا الغرض.
سويس انفو مع الوكالات
يمثل اتفاق التنقل الحر جزءً من المجموعة الأولى من الاتفاقيات الثنائية. وهو يتعلق في الأصل بالدول الخمسة عشر الأولى التي كانت تشكل الإتحاد الأوروبي. ودخل هذا الاتفاق حيز النفاذ في فاتح يونيو 2002.
وفي سبتمبر 2005، قبل السويسريون بتوسعة إطار هذا الاتفاق ليشمل الدول العشر الأعضاء الجدد الذين انضموا إلى الإتحاد الأوروبي في مايو 2004.
وينتهي العمل باتفاقية التنقل الحر بين سويسرا والإتحاد الأوروبي مع موفي 2008. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، يمكن تمديد العمل بهذا الاتفاق آليا، لكن الأمر يتطلب من الجانب السويسري إجراء استفتاء اختياري. ويصبح الاستفتاء إجباريا إذا طالب به 50.000 مواطن سويسري. عندئذ يجب تنظيم الاستفتاء في ربيع 2009. ولكن، حتى الآن، لم يطالب بذلك لا حزب الشعب ولا النقابات، وإن باشرت بعض الأحزاب الصغيرة جمع التوقيعات اللازمة لعرض الإتفاقات على إستفتاء شعبي عام.
كما تنظم العلاقة بين سويسرا والإتحاد الأوروبي بشكل ثنائي. وتتعلق الاتفاقيات الثنائية الأولى (1999) أساسا بفتح متبادل للأسواق. وتشمل سبعة ميادين: التنقل الحر للأشخاص، رفع العوائق التقنية أمام التبادل التجاري، فتح الأسواق العمومية، الزراعة، والنقل الجوي والبري، ومشاركة سويسرا في برامج الأبحاث الأوروبية.
أما الاتفاقيات الثنائية الثانية، فتغطي مجالات اقتصادية إضافية، وتوسع التعاون السويسري الأوروبي إلى ميادين سياسية تشمل قضايا الأمن الداخلي، واللجوء، والبيئة والثقافة. وتتعلق أيضا بالملفات التالية: اتفاقيات شيغن ودبلن، و الضريبة على الادخار، والمنتجات الزراعية الموجهة للتصنيع، والتعاون في المجال الإعلامي، والبيئة والإحصاء ومكافحة الغش، ونظام التقاعد، والتعليم والتكوين المهني.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.