حكومة الوفاق اليمنية بين عـوائق الواقع وضغوط الشارع
بعد مخاضٍ عسير، أدّى أعضاء حكومة الوِفاق اليمنية اليمين الدستورية أمام نائب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، المفوض بصلاحيات رئيس الدولة..
.. وِفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، التي قضت بتقاسُـم الحقائب الوزارية بين المعارضة، ممثّـلة باللقاء المشترك وشركائه، وحزب المؤتمر الشعبي العام وحلفائه.
لكن ولادة حكومة باسندوة، التي خرجت من رحِـم الإحتجاجات الشعبية، التي عمَّـت البلاد قبل عشرة أشهر، لا يبدو أنها تؤذن بمرحلة جديدة، نتيجة لضخامة المهام وتعدّد التطلُّـعات من ناحية، وتعقد البيئة التي ستشتغِـل فيها، من ناحية أخرى.
وهناك مَـن يحصر مهمّـة الحكومة في تهيِـئة الظروف المناسبة لإجراء الانتخابات الرئاسية في شهر فبراير وإنجازها الإصلاحات الدستورية والقانونية والانتخابية خلال السنتين المواليتين لتلك الإنتخابات، إلا أن هناك مَـن يرى أن الانتخابات الرئاسية ليست سوى تحصيل حاصِـل، لأن مرشح الرئاسة متَّـفَـق عليه مُـسبقاً، والإصلاحات المُـنتظرة قد قبِـل فيها وأنجز منها الكثير على مدار سنوات الحوار بين الحزب الحاكم والمعارضة، وأن على حكومة الوفاق الوطني أن توجِّـه جهودها إلى إنجاز أشياء يلمسها اليمَـنيون بعد أن تردَّت أحوالهم الاقتصادية والمعيشية والخدمية، وأن نجاحها في ذلك هو ما ينتظره اليمنيون .
الانتخابات الرئاسية.. تحصيل حاصل
في هذا السياق، قال علي سيف حسن، رئيس المنتدى السياسي لـ swissinfo.ch “مطالبة شعبية في الظرفية الراهنة بإنجازات عاجلة ترتبط بحياة ومعيشة الناس، مثل إعادة خدمات الكهرباء والمياه ومعالجة تضخّـم الأسعار، التي ارتفعت منذ اندلاع الاحتجاجات إلى مستويات قياسية”. لكن سيف يرى أن القرار ليس بيدها، مشيراً إلى أن هذه نقطة ضعفها، ولذلك تغِـيب عنها قيادات الأحزاب السياسية للِّـقاء المشترك وأسندت إلى قيادات من الصف الثاني، حتى لا تقع تلك القيادات في مواجهة مع موجبات الفشل، لأن القرار، على حد تعبير، بيد الجيش وأي خطوة ستقوم بها الحكومة من أجل إنجاز المهام العاجلة، مرتبِـطة بما ستنجزه اللجنة العسكرية المكلَّـفة بإنهاء انقسام الجيش ورفع مظاهِـر التواتر والحواجز الأمنية .
وتشاطر رئيس المنتدى السياسي كثير من التحليلات والتوقّـعات التي تلتقي على أن الإحتجاجات الشعبية بيَّـنت بوضوح أن شلل الحالة الاقتصادية وانهيار الخدمات العامة، لم يكن للمصالح والوزارات المعنية أي قُـدرة على تأمينها، بسبب الدّور الذي لعبه قادة الجيش والشرطة والأمن من أقرِباء علي عبدالله صالح والمتهمّـون بتوجيه المصالح والوزارات بتعطيل الخدمات العامة.
لذا، يرى مراقبون أنه، إذا لم يتم التعجيل بعملية دمْـج الجيش والأمن في قيادة واحِـدة، وفقاً لآلية المبادرة، فإن أداء الحكومة سيكون محدود الأثر ويتطلّـب الإسراع في إنهاء انقِـسام قوات الجيش والشرطة وتحيدهما وإعادة هيكلتهما على أسُـس وطنية، لاسيما خلال المرحلة الانتقالية، كما نصَّـت على ذلك اتفاقية نقْـل السلطة، وهي مهمّـة بالِـغة التعقيد، نظراً لأن الرئيس المتنازل، ما زال يُـسيْـطر على القِـسم الأكبر من القوات المسلَّـحة والجيش، فضلاً أن حقيبة الدِّفاع ظلت من نصيب حِـزبه، المؤتمر الشعبي العام، الذي ما فتِـئت قياداته تؤكِّـد أن صالح سيعود للحياة السياسية كقائد لهذا الحزب، الذي ما زال رئيساً له حتى اللَّـحظة .
معوِّقات وصراعات
في سياق متصل، يتوقع المراقبون أن تُـواجِـه عملية إدماج الجيش وتوحيده، مصاعب ومعوِّقات عدّة، خاصة أن هناك أطرافاً ما زالت تتمسّـك بورقة الجيش كقِـشَّـة أخيرة للنَّـجاة من الغرَق، فيما كل طرف في هذه المؤسسة، سواء الذي انضمّ إلى الثورة أو مَـن بقي مؤيداً للنظام، يُـراهن على أن بمقدوره المناورة بهذه الورقة لتأمين بعض المواقع له داخل النظام الجديد أو لاسترداد المواقع التي خسِـرها أو سيخسِـرها.
وتبرز إلى جانب عائق الجيش، معوِّقات أخرى، خاصة في ظلّ تقاسُـم السلطات بين أطرافٍ ما زالت تستحضِـر فشل تجارب ائتلافاتها السابقة مع حزب المؤتمر الشعبي العام وستعمل في واقعٍ تكاد تنعدِم فيه شروط النجاح وتقِـل فيه فُـرص التعايُـش السياسي. فكما هو واضح الانقسام الثنائي داخل الوزارات والإدارات العمومية، السمة الغالبة في البلاد، حتى في إطار الحزب الواحد، إذ يغلب الصِّـراع على العلاقة بين الرجل الأول والثاني أو بين مجموعة محسوبة على طرف داخل الحزب وأخرى محسوبة على طرف آخر داخل الحزب نفسه، وهذا الصِّـراع أدّى إلى شلل الإدارة في كثير من المرافِـق العمومية، فضلاً على أنه عمِـل على “شخصنتها”، في حالة ما إذا كان منشأ الخلاف شخصي، وفي حالات أخرى، عمل على قرْوَنَـتها وقبيلتها (نسبة إلى القرية أو القبيلة).
كما أن تجارب الائتلافات الحكومية التي عرفها اليمن منذ إطلاق التعدّدية الحزبية في بداية التسعينات حافلة برصيد سيِّء من الصِّـراعات التي عطَّـلت عمل الإدارة وأصابتها بالشلل، وقد تطوّر بعضها إلى حرب، وما زالت صورتها حاضِـرة في ذاكرة اليمنيين، ومنها الإئتلاف بين الحزب الإشتراكي والحزب الحاكم من جهة، وبين هذا الأخير والتجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي اليمَـني بُـعيْـد انتخابات 1993 الذي انتهى بحرب 1994، ثم ائتلاف المؤتمر والإصلاح بعد تلك الحرب، والذي استمر حتى عام 2007، وكلها خلَّـفت رصيداً سيِّـئاً في إمكانية التعايُـش السياسي بين الفرقاء اليمنيين.
ضغط شعبي.. وحضور شبابي محتشم
إضافة إلى ما سبق، تميزت تجارب الماضي بإقصاء الطرف المُـنتصِـر للطرف المهزوم وتعرّضت قياداته وأطُـره إلى الإستئصال الإداري لصالح أطُـر وقيادات الحزب الحاكم، الذي أقصى وهمَّـش في الإدارة مَـن ينتَـمون سياسياً إلى المعارضة أو المستقلِّـين المصنَّـفين كمُـعارضين، وكانت البلاد الخاسِـر الأول، لأن تلك السياسات أدّت إلى القضاء على رصيد التَّـراكُـم في الإدارة اليمنية وأفْـرغتها من الخِـبرة، ويُـخشى أن تقع الحكومة الحالية بتركيبتها التقاسُـمية في الأخطاء ذاتها وتسلك طريق الترضيات السياسية من أجْـل مكافأة الأنصار وتصفية حسابات سياسية مع الخصوم السياسيين .
إضافة إلى هذه التحديات والمعوِّقات، ستواجه الحكومة ضغطاً شعبياً يتربَّـص بصيد أخطائها وترصـد خُـطاها من قِـبل شباب الثورة، الرّافضين للمبادرة، ومن قِـبل مَـن لم يُـمثَّـلوا في تلك الحكومة على النّـحو المطلوب، كالنساء والشباب المستقلِّـين.
ومع أن التشكيلة الحكومية ضمَّـت لأول مرّة بعض الوجوه الشبابية في الأحزاب السياسية، لاسيما في المعارضة، حيث عيّـن رؤساء قطاع الشبيبة في كل من حزبَـيْ التجمع اليمني للإصلاح والحزب الاشتراكي في الحكومة وحزب القوى الشعبية، شارك بواحد من أطُـره الشبابية، ما يُعدّ استجابة للمطالب الدّاعية إلى إشراك شريحة الشباب في صناعة القرار، والتي ارتفعت مع انتفاضة الربيع العربي.
مع ذلك، يبدو أن هذه الخطوة لن يكون لها تأثير في تهدِئة خواطِـر الشباب، لأنها حسب المتابعين، وُجِّـهت لمعالجة المشكل داخل الأحزاب السياسية وليس للعازفين مِـنهم عن الانخراط في تلك الأحزاب، نتيجة لضعف أدائها منذ إطلاق التعدّدية الحزبية في اليمن، ممّـن لهم تصورات مختلفة للمشاركة السياسية التي يطمحون إليها، أقلها أن تكون متحلّـلة من الوصاية الأبَـوية للقيادات الحزبية التي باتوا ينظرون إليها على أنها قيادات طاعِـنة وهرمة ومتمسِّـكة بمراكز القيادة الحزبية، إلى الحدّ الذي يتمسَّـك فيه الحكَّـام بكراسي الحُـكم.
رسالة غير مطمئنة
التركيبة الحكومية لم تُـرضِ النساء أيضا. فعلى الرّغم من أنها ضمّـت وزيرتين ووزيرتيْ دولة، إلا أن حصَّـتهُـن كانت أقلّ ممّـا نصّـت عليه آلية المبادرة، التي حدّدت نِـسبة مشاركة المرأة 20%، وهي تُـعادِل سبع نساء من إجمالي عدد أعضاء الحكومة، وتجاهُـل تلك النسبة، وجَّـه رسالة غيْـر مُـطمئِـنة لليمنيات وللمطالبين بتمكين النساء سياسياً، وألقي بمزيد من الشكوك حول جدية تعاطي الأحزاب السياسية، لاسيما منها ذات التوجه الدِّيني مع الحركات والدّعوات المطالِـبة بإعطاء المرأة دوراً فاعلاً في الحياة السياسية والإجتماعية والإقتصادية.
إجمالاً، ستبقى حكومة الوفاق الوطني مهدّدة في توافق أطرافها على تحقيق الإنتقال السِّـلمي للسلطة من جهة، ومُـعرّضة لمزيد من الضغط الشعبي من قِـبل رجل الشارع العادي وشباب الثورة، ومن طرف جميع مَـن يتطلَّـع إلى تغْـيير فِعلي في معاشه وحياته وإدارة شؤونه بطُـرق مختلفة عن التي اعتاد عليها.
ولا يبدو أن هذا التطلُـع سيتحقَـق دون أن يكون للمجتمع الإقليمي والدولي الدّور الفاعل لضمان التنفيذ الفعلي للمبادرة الخليجية وبالكيْـفية التي تحُـول دون فشَـل عملية نقل السلطة.
عدن (رويترز) – قال مسؤولون يمنيون إن 16 سجينا على الاقل، منهم أعضاء في تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، فروا من سجن في مدينة عدن بجنوب البلاد يوم الاثنين 12 ديسمبر
وقال مسؤول أمني في الجنوب، حيث سيطر مقاتلون إسلاميون على أجزاء بأكملها من محافظة أبين، إن سجناء فرّوا من خلال حفر نفق يؤدّي إلى خارج أسوار السجن. وقال مسؤول محلي آخر ان 16 سجينا هربوا.
وهذه ثاني عملية هروب كبيرة لأعضاء من القاعدة منذ شهر يونيو، عندما فرّ عشرات من مقاتلي القاعدة من سجن في مدينة المكلا.
وزاد نفوذ الإسلاميين في الجنوب خلال نحو عام من الاحتجاجات التي تطالب بالإطاحة بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح، والتي اتسمت بموجات من القتال بين قواته وأفراد قبائل ووحدات عسكرية معارضة له.
وأذكى تدهْـور الوضع الأمني في المنطقة، مخاوف المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة من أن يسيطر تنظيم القاعدة في جزيرة العرب المتمركز هناك على ممرات الشحن الرئيسية للنفط. وطالما دعمت السعودية والولايات المتحدة صالح في حملته ضد القاعدة.
وفرّ أعضاء القاعدة، ومنهم واحد أدِين في الهجوم على ناقلة النفط (ليمبورج)، التي كانت ترفع علم فرنسا عام 2002 قبالة اليمن، من سجن في العاصمة صنعاء عام 2006، مما ساعد على إحياء التنظيم بعد أن كانت قوات الأمن السعودية تمكنت من إضعافه هناك.
وخصوم الرئيس اليمني يتَّـهمونه بتعمّـد السماح بزيادة نفوذ الإسلاميين في الجنوب، لتعزيز حجّـته بأن حكمه وحده القادر على منع انزلاق البلاد إلى الفوضى بشكل يعزِّز من قوة القاعدة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 ديسمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.