حكومة نتانياهو.. أيّة وصفَـة لأيّ سلام؟
ليس ثمّـة لقاءات أو اتصالات مباشرة بين حكومة اليمين الجديدة في إسرائيل والقيادة الفلسطينية، لكن التّـهنئة بمناسبة عيد الفصح اليهودي، التي طيرها الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عبر الهاتف، أشعلَـت ما يكفِـي من مواجِـع لسلام الطّـرفين المريض.
لم يكُـن ذلك اتصالا يتيما، بل تبِـعه آخر أجراه الرئيس الفلسطيني مع الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريس لنفس السّـبب. وجاء الاتِّـصالان الدبلوماسيان ليزيدا التّـكهنات والتّـأويلات حول مصير المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، حيرة وشكّـا، لاسيـَّما وأن تشكيلة الحكومة الجديدة في إسرائيل حملت عناصِـر تشاؤُم، تفُـوق بكثير أجواء التفاؤُل الناتِـجة عن كسْـر الجليد، الذي ربما سبّـبته التّـهنئة بالعيد.
وقد انبرى سياسيون وكتّـاب للدِّفاع عن أو تفسير، سِـرّ المُـبادرة الفلسطينية، وسارع كبيرُ المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات للردّ على تساؤلات الصحفيين حول معنى الأمر الذي أعقب إعلان القيادة الفلسطينية مُـطالبتها الحكومة الإسرائيلية الجديدة بحلّ الدّولتين ووقف الاستيطان، قبل الحديث معها.
عريقات رفض اعتبار الاتِّـصالين تراجُـعا عن مطلب عباس، ووصف الاتِّـصالين بأنهما “مُـجاملة لمناسبة الأعياد اليهودية، ومطالِـبُـنا هي المطالب ذاتها، التي يدعو إليها المجتمع الدولي كله، وهي وجوب التِـزام الحكومة الإسرائيلية ووقْـف كامل الأنشطة الاستيطانية”.
وكتب عُـمر الغول، وهو مُـستشار رئيس الوزراء سلاّم فيّـاض في صحيفة “الحياة الجديدة” شبه الرسمية يقول إن” مبادرة الرئيس محمود عباس بتقديم التّـهنئة لرئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو بمناسبة تشكيله حكومته وأيضا بمناسبة عيد الفصح اليهودي، لم تتجاوز حُـدود الواجِـب الشّـكلي الذي أملَـته العلاقات بين الطّـرفين، الفلسطيني والإسرائيلي، والحديث الذي دار بين الرّجلين، لم يتجاوز حدُود المجاملة التي يفرضها واقِـع الحال السياسي”.
وشدّد كل من عريقات والغول على أنه لم يتِـم الاتِّـفاق على عقْـد أي لقاء بين الطّـرفين، وأنه لن يتحقّـق ذلك قبل قِـيام حكومة نتانياهو بتلبية شرطَـيْ الالتِـزام بحلّ الدّولتين ووقْـف الاستيطان.
شروط.. ولكن
وما أن بدأت أسماء أعضاء حكومة نتانياهو تلوح في سماء عملية السّـلام المُـتعثِّـرة، خصوصا لأشخاص من عِـيار المتطرِّف أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية الجديد، حتى تعلّـق الجميع بصلوَات خاصّـة، بحثا عن أطواق نجاةٍ من فيَـضانٍ مُـحتمل يقضِـي على ما تبقّـى من محادثات السلام.
وراح الجانِـب الفلسطيني، الخارج بخُـفَـي حُـنيْـن من مفاوضاتِـه مع حكومة إيهود أولمرت السّابقة، يلح في وضع شروط ربّـما تساعده في إطلاق مناورات تكتيكية استباقية، قبل أن تبدأ لُـعبة الشدّ والرّخي المعهودة، لاستئناف المُـفاوضات مجدّدا.
لكن قراءة هذه الشروط المتعلِّـقة بالالتزام بحلّ الدولتين ووقْـف الاستيطان، لا تتحقّـق من زاوية واحدة، إذ ثمّـة من يعتقدون أن حقيقة الأمر تتعدّى مسْـألة فرْض شُـروطٍ من أجل العوْدة إلى المفاوضات فقط.
ويعتقِـد الكاتِـب السياسي خليل شاهين أن المشكلة “كانت ولا تزال في غِـياب إستراتيجية تفاوُض فلسطينية، وليست في موضوع أن تكون هناك مُـفاوضات أو لا تكون مفاوضات، لأن المفاوضات ليست هدَفا بحدّ ذاته، بل وسيلة”.
ويخشى شاهين من أنّ مَـا سيحدُث سيكون العودة إلى المفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة تطلق عملية سياسية غير واضحة، لاسيما وأن كلاّ من الأطراف، عباس ونتانياهو والإدارة الأمريكية، بحاجة إلى هذا الأمر.
ويرى مُـنتقدو المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، أنه يتوجّـب على الفلسطينيين انتِـهاز فُـرصة وجود حكومة يمِـين متطرّف إسرائيلية ترفُـض الالتزام بحلّ الدولتين من أجل وضع إطار جديد للعملية السِّـلمية، يجعَـل المفاوضات آلية لتطبيق قراراتِ الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
لكن أنصار المفاوضات يقولون إن آليات التفاوض الحالية تستنِـد إلى القرارات الدّولية، وأن مؤتمر أنابوليس الأخير، وحتى خطّـة خارطة الطريق، يشيران بشكل أساسي إلى قرارات الشّـرعية الدولية.
أما حكومة إسرائيل الحالية، فإنها أشارت على لسان وزير خارجيتها إلى التِـزامها فقط بخطّـة خارطة الطريق، كما وافقت عليها حكومة آرييل شارون في حينه، والتي وضعت نحو 14 تحفّـظا على الخطة.
موقِـف دولي مُـوارب
وبالرغم من مُـختلف النِّـداءات الدّاعية حكومة إسرائيل إلى إعلان التِـزامها بحلّ الدّولتين، إلا أن رئيس الوزراء الجديد بنيامين نتانياهو اختار الحديث عن “السلام الاقتِـصادي والأمن”، دون أي ذِكر لحقّ الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلّـة.
وفي الوقت الذي تحدّث فيه الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن حلّ الدّولتين مع حقّ إسرائيل في الأمن، اختارت اللّجنة الرّباعية الدولية للسّلام في الشرق الأوسط (التي تشمَـل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة)، وعلى لِـسان ممثلها طوني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، الحديث أيضا عن “السلام الاقتصادي”.
وقال بلير في تصريحات صحفية إن نتانياهو ”أوضح فِـعلا أنه يريد تغيِـيرا اقتصاديا وأمنيا في الضفّـة الغربية، وهذا ما اتَّـفقْـنا على العمل عليه معه، وهناك أمر واحد أو اثنان يُـمكن أن تعنِـيهما عِـبارة “السلام الاقتصادي” (الخاصة بنتانياهو). الأول، هو أن التنمية الاقتصادية بديل للدّولة، ومن الواضح أن هذا ليس مقبولا”.
وصرّح بلير عقِـب اجتماعه مع نتانياهو يوم الإثنين 6 أبريل الجاري: “أنا شخصيا اعتقِـد أنه يقصِـد الثاني، وهو بِـناء الدولة (الفلسطينية) من القاعِـدة إلى الأعلى. وأنا أفهم ذلك ومقتنِـع به. ومن المُـهم أن تخرج الحكومة الإسرائيلية وتُـعلن أنها تريد حلّ الدّولتين، ولكن الظّـروف يجِـب أن تكون ملائِـمة”.
بلير الذي يعتقِـد أن ثمّـة “سلاما اقتصاديا نِـسبيا” قد تحقّـق جزء منه في الضفة الغربية، وأنه يمكن أن يتحقّـق مثله في قطاع غزّة، لا يتحدّث أبدا متى ستكون، على الأقل، الظروف ملائِـمة لإعلان إسرائيل التِـزامها بحلّ الدّولتين.
هشام عبدالله – رام الله
القدس (رويترز) – قال مسؤولون إسرائيليون إن الرئيس الفلسطيني محمود عباس اتصل هاتفيا يوم الاحد 12 أبريل برئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد بنيامين نتانياهو للمرّة الاولى منذ تولي نتنياهو رئاسة الحكومة، وقال إن على كِـليهما السّـعي لاحراز تقدّم في عملية السلام.
وقال بيان من مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي ان عباس قدّم التهنئة بمناسبة عيد الفصح اليهودي، مضيفا أنه “ينبغي على الجانبين العمل من أجل السلام”.
وأضاف البيان أن نتنياهو، الذي تولت حكومته اليمينية السّـلطة يوم 31 مارس، قال إنه “يعتزم استِـئناف” المحادثات والتعاون مع الفلسطينيين من أجل دفع السلام.
وقال مسؤولون اسرائيليون، إنه أول اتصال بين الزّعيمين منذ أن أصبح نتانياهو رئيسا للوزراء للمرّة الثانية. وسبق أن تولى المنصب من عام 1996 الى عام 1999.
وأضاف البيان أن نتانياهو تحدّث عن “التعاون السابق والمحادثات السابقة بين الجانبين، وكيف أنه يعتزم استئناف ذلك في المستقبل من أجل إحراز تقدّم في السلام”.
وقال المفاوض الفلسطيني الكبير صائب عريقات يوم الجمعة 10 أبريل، إن عباس جعل محادثات السلام مع حكومة نتانياهو مشروطة بالتِـزامها بتفاهمات تمّ التوصل اليها بوساطة أمريكية في مؤتمر أنابوليس عام 2007 وتجميد التوسع الاستيطاني اليهودي.
وجاءت تصريحات عريقات الاسبوع الماضي، بعد أن قال وزير الخارجية الاسرائيلي أفيغدور ليبرمان اليميني المتشدّد، إن المحادثات بشأن قيام دولة فلسطينية والتي أطلقت في أنابوليس لم تعُـد صالحة.
وكان نتانياهو نفسه أكثر غموضا، وقال إنه سيعطي الاولوية للتركيز على مسائل اقتصادية وأمنية، بدلا من التفاوض حول قضايا أساسية، مثل حدود الدولة ومصير القدس واللاجئين الفلسطينيين.
ومن الممكن أن يؤدّي موقِـف نتانياهو إلى حدوث تصادُم مع إدارة الرئيس الامريكي باراك أوباما، الذي دعا إلى إقامة دولة فلسطينية إالى جانب إسرائيل، كما ورد في تفاهمات أنابوليس، وقال إن كِـلا الجانبين ينبغي أن يُـقدِّما تنازلات.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 12 أبريل 2009)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.