حلقة جديدة في أزمة الثقة بين المغرب والأمم المتحدة
عادت تسوية نزاع الصحراء الغربية الى قائمة الانتظار الى أن يوجد حل لازمة الثقة بين الرباط والمبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة من جهة وتجاوز المقاربة الجديدة التي أتى بها قائد قوات الامم المتحدة بالمنطقة للعلاقة بين قواته والسلطات المغربية وهي المقاربة التي قد تدفع بالعلاقات بينهما نحو المزيد من التأزم.
وتحدثت مصادر مغربية مطلعة لswissinfo.ch أن وولف غانغ وايسبرود الممثل الخاص للأمين العام للامم المتحدة ورئيس بعثتها بالصحراء (المينورسيو) يذهب نحو تغيير أرقام سيارات وآليات المينورسو ووضع أرقام دولية عليها بعد أن كانت تحمل ترقيم الهيئات الدبلوماسية المعتمدة في المغرب وذلك من باب ممارسة المغرب لسيادته على أرضه.
خطوات استفزازية
وأضافت المصادر أن وايسبرود يعتزم ازالة عشرات الاعلام المغربية التي ترفرف في المحيط الذي تتواجد فيه مكاتب ومراكز قوات الامم المتحدة بالصحراء وايضا تسريح عدد كبيرا من المغاربة العاملين بعقود محلية مع البعثة المنتشرة بالصحراء منذ 1992 والمكلفة بمراقبة وقف اطلاق النار والاعداد لاستفتاء الصحراويين لتقرير مصيرهم في دولة مستقلة او الاندماج بالمغرب.
وتضم البعثة عشرات من الجنود والاداريين التابعين للامم المتحدة بالاضافة الى موظفين محليين مغاربة يشتغل غالبيتهم في سياقة سيارات البعثة أو النظافة أو البستنة بالإضافة إلى شركة الأمن.
وهي اجراءات تحد من السيادة المغربية على المنطقة المتنازع عليها مع جبهة البوليزاريو بعد تقارير للامم المتحدة عن عرقلة المغرب لمهمة هذه البعثة والتجسس عليها.
وتولى الألماني وولف غانغ وايسبرود مهمته كمبعوث خاص للامين العام للامم المتحدة ورئيس بعثتها بالصحراء خلفا للمصري اللواء هاني عبد العزيز الذي انتهت مهمته أبريل الماضي، وأبدت مصادر مغربية امتعاضها للاجواء التي رافقت زياراته قبل اسبوعين الى مخيمات تندوف بالجزائر حيث التجمع الرئيسي لجبهة البوليزاريو والتصريحات التي اطلقت خلال تلك الزيارة وتردد انها محطته الاولى بعد تعيينه الا ان وزير الخارجية المغربي قال أن فيسبرود بدأ جولته من الرباط حيث التقاه والشرقي الضريس، الوزير المغربي في وزارة الداخلية، وذهب إلى العيون وأمضى فيها عدة أيام التقى خلالها ممثلي السلطات المحلية وعددا من شيوخ القبائل الصحراوية وجمعيات مدنية، وبعدها ذهب إلى تندوف.
واكدت المصادر ان الاجراءات المزمع ان يتخذها رئيس بعثة الامم المتحدة بالصحراء يتم الحديث عنها بكثافة بمدينة العيون الا ان أي اجراء ملموس لم يتخذ حتى الان إن كان بشأن العمال المحليين المغاربة او تغيير ارقام السيارات او نزع الاعلام المغربية بالمناطق المحيطة بالبعثة وان كان ايسبرود اعتذر عن الإقامة في فيلا كانت تخصصها الدولة المغربية لممثلي الأمين العام السابقين لرغبته في الاقامة بفندق “بارادور” الذي تدفع الأمم المتحدة تكلفته للشك في زرع الاجهزة الامنية المغربية اجهزة تنصت بالفيلا.
وقال الدكتور سعد الدين العثماني وزير الخارجية المغربي “لحد الساعة لم يطلب منا أحد أي شيء” وان ما يعتزم وايسبرود اتخاذه من اجراءات والتي توصف مغربيا ب”الاستفزازية وغير المسبوقة” جاءت في التقرير الأخير للأمين العام للأمم المتحدة عن الصحراء.
“تقرير منحاز”
والتقرير الذي اشار اليه رئيس الدبلوماسية المغربية هو تقرير قدمه الدبلوماسي الامريكي كريستوفر روس في أبريل الماضي بصفته المبعوث الشخصي للامين العام للامم المتحدة كمسودة للتقرير السنوي الذي يقدمه بان كي مون لمجلس الامن الدولي ويشكل أرضية لقرار مجلس الامن السنوي حول النزاع وجاء فيه اضافة الى هذه الاجراءات اتهامات للمغرب بعرقلة عمل ومهمة البعثة وافرادها والتجسس عليهم وطالب بتوسيع صلاحيات البعثة لتشمل مراقبة حقوق الانسان بالمنطقة والتقرير بها.
ما جاء في التقرير اعتبره المغرب غير محايد ومنحازا لجبهة البوليزاريو فحرك آلته الدبلوماسية واصدقاءه لادخال تغييرات على التقرير واساسا حذف الفقرات التي اعتبرها مسا بسيادته ونجح وصدر قرار مجلس الامن 2044 بنوع من التوازن لا يرضي المغرب لكن لا يتضمن اتهامات ولا يوصي بما يمس بسيادته على الاقليم.
واعتبر المغرب ان معركته قد انتهت وان تسوية نزاع الصحراء ستعود الى “سياقها الطبيعي” أي المفاوضات بعد فشل المفاوضات وان أخذت اشكالا اخرى من المسميات لكنه فوجئ بتحرك لروس لترتيب زيارة لاعضاء مجلس الامن الدولي للصحراء دون تنسيق مع السلطات المغربية وكأن الاقليم يخضع لوصاية الامم المتحدة عند ذاك قرر سحب ثقته بروس كمبعوث شخصي للامين العام وابلغ قراره لبان كي مون وهو ما لقي رفضا من هذا الاخير واعلن تمسكه به مبعوثا شخصيا وامتعاضا من الادارة الامريكية التي اكدت دعمها لروس وانزعاجا من لندن وعدم ارتياح من باريس حليفته في معركته الدبلوماسية.
توتّر دبلوماسي مغربي- امريكي
قال الدكتور سعد الدين العثماني إن الولايات المتحدة الأميركية عاتبت الرباط لعدم إجراء مشاورات معها قبل اتخاذ قرار سحب الثقة من كريستوفر روس وإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، به، الا انه أضاف ان القرار الذي اتخذه المغرب بهذا الشأن كان قرارا سياديا.
وأوضح العثماني أن “بعض القرارات تتطلب التكتم وعدم إثارة ضجة قبل اتخاذها” لان “القرارات الدبلوماسية مثل الحرب، تتطلب استراتيجية وإعدادا وتفكيرا وتحسب ردود فعل الأطراف المهمة، وهذا ما قمنا به”.
وقال العثماني إن التطورات الأخيرة في ملف الصحراء لم تؤثر على موقف المغرب القوي في هذا النزاع؛ “لأنه موجود على أرضه، ناهيك بالتطورات السياسية التي تعرفها البلاد، والوضع المتقدم مع الاتحاد الأوروبي الذي يحظى به”.
القرار المغربي بسحب الثقة من كريستوفر روس والمباحثات التي يجريها وولف غانغ وايسبرود حول اجراءاته اللوجيستيكية وان كانت تخفي طابعا سياسيا تذهب بتسوية النزاع الصحراوي نحو الثلاجة وان كانت ستحفظ باجواء ساخنة وتسعى جبهة البوليزاريو لرفع درجة سخونتها لانها السبيل امامها لابقاء الملف الصحراوي مشرعا وشاغلا لدول الاقليم، خاصة الجزائر والمغرب، التي تسعى لانفراجات في علاقاتها الثنائية وهي مقبلة على قمة مغاربية قبل نهاية العام الجاري وشاغلة ايضا للعواصم المعنية بالنزاع والاقليم معا تخوفا من تسلل الارهاب من نافذته.
وطالب محمد عبد العزيز زعيم جبهة البوليزاريو اثناء استقباله للمبعوث وايسبرود في مخيمات تندوف من مجلس الأمن الدولي بأن يتحمل المسؤولية في جعل بعثة الأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية (المينورسو) تقوم بمهمتها بشكل كامل وان تتواصل بحرية مع الصحراويين وتمارس دورا في حماية حقوق الإنسان ومراقبتها والتقرير عنها، وتتحرك باستقلالية منسجمة مع طبيعتها كبعثة دولية فوق منطقة دولية، تتمثل مهمتها الرئيسية في تنظيم استفتاء تقرير المصير للصحراويين.
واستنكر عبد العزيز ما وصفه ب”سياسات الصمت المريب والتغاضي المخجل بل والدعم المفضوح الذي يتلقاه المغرب من طرف قوى دولية فاعلة، لا تتوانَ عن توفير الحماية للأطروحته وقال “من غير المقبول والمفهوم أن نجد مثل هذه القوى تتحرك بحماسة واندفاع غير مسبوقين لحماية المدنيين وحقوق الإنسان في بقاع شتى من العالم، وتتحرك بنفس السرعة والاندفاع للتغطية على ممارسات المغرب بالصحراء”.
وتخشى جبهة البوليزاريو ان تؤدي الانفراجات في الاقليم إلى دفع ثمن التقارب الجزائري المغربي وان يكون سيادة هاجس مكافحة الارهاب غشاء على أعين الدول الكبرى يشيح باهتمامها عن النزاع قلم تجد من سبيل الا التهديد بعودة شن الهجمات المسلحة على القوات المغربية.
“كان الأولى الإنتظار”
كل الاطراف المعنية بالنزاع الصحراوي ينتظرون ما ستؤول اليه هذه الازمة بين الرباط ونيويورك، والموعد هو نهاية العام الجاري حيث تنتهي رسميا مهمة كريستوفر روس كمبعوث شخصي للامين العام للامم المتحدة للصحراء الغربية، وهو الموعد الذي لم يكن بعيدا ولم يكن الزمن يستلزم اتخاذ قرار سحب الثقة وخلق ازمة وتوتر مع الامم المتحدة.
وتقول اوساط مغربية ل swissinfo.ch انه كان يكفي الدبلوماسية المغربية الحؤول دون اتمام مخطط روس بزيارة مجلس الامن للصحراء وتجميد أي اتصال معه وتأخير مواعيد جولات المفاوضات فاقدة المفعول على غرار ما فعلت جبهة البوليزاريو 2008 حين سحبت الثقة من بيتر فان فالسيوم الذي خلفه روس في مهمة المبعوث الشخصي حين رأت جبهة البوليزاريو في جملة وردت في تقريره حول عدم واقعية اقامة دولة مستقلة بالصحراء الغربية، انحيازا للمغرب.
وتقول الاوساط نفسها انه كان على الدبلوماسية المغربية ان تلحظ ان روس هو الدبلوماسي الامريكي الثاني الذي تتحفظ عليه بعد تحفظها على وزير الخارجية الامريكي الاسبق جيمس بيكر الذي انهيت مهمته في بداية 2004.
ازمة روس – وايسبرود هي حلقة من حلقات نزاع الصحراء التي لا تنتهي، وكلما سويت حلقة وفكت كلما ظهرت حلقة جديدة، لان فك الحلقات بات اللعبة الاساسية بالنزاع كون افاق تسويته لم تظهر بالافق حتى الان.
شدد وزراء خارجية المغرب العربي قبل اسبوعيْن من الآن على ضرورة العمل على سياسية امنية مشتركة، وذلك اثر اجتماع مخصص لمسألة الامن في المنطقة.
وقال الوزير الجزائري المنتدب للشؤون الافريقية والمغاربية عبد القادر مساهل لفرانس برس ان “المهم هو انه للمرة الاولى، يجتمع وزراء خارجية لتصور استراتيجية مشتركة في مسألة الامن”.
واضاف “نحن معنيون بالأحداث التي تجري في دول المغرب. لقد حصلت تقلبات كان لها بضعة مفاعيل على الصعيد الامني”، داعيا الى تحسين التنسيق بين دول المغرب لمواجهة التحديات الامنية.
وعند افتتاح الاجتماع، ذكر وزير الخارجية الجزائري مراد مدلسي ب”التحديات الحالية” التي تتطلب “المزيد من الجهود لصالح تعزيز التعاون الثنائي والاقليمي”.
وقال مدلسي في افتتاح الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية المغرب وتونس وليبيا وموريتانيا “سنعمل على تشخيص المخاطر التي تهدد الأمن بمنطقة المغرب العربي والخروج بمفهوم موحد للتهديدات التي تشكل مصدر الخطر والعمل على بلورة رؤية متكاملة ومتجانسة لتعاون مغاربي يقوم على أسس جدية وفعالة”.
وأضاف ان “النشاط الارهابي في منطقة المغرب العربي يمثل تهديدا كبيرا على الامن والاستقرار” الاقليميين.
وتحتل مسألة الامن موقعا اساسيا من ضمن هذه التحديات.
ويبدو ان المسألة الامنية في منطقة المغرب والوضع في منطقة الساحل، خصوصا في مالي، اعادت اطلاق اتحاد المغرب العربي، حيث من المزمع عقد عدد من الاجتماعات الوزارية خلال العام الجاري.
ومن المقرر ان يلتقي وزراء داخلية هذه المنطقة في المغرب، ورزاء العدل في ليبيا ووزراء الشباب والرياضة في تونس، كما سيعقد اجتماع لوزراء الشؤون الاسلامية في موريتانيا لابراز قيم الاسلام السني بحسب البيان الختامي.
وتسبق هذه الاجتماعات الوزارية المغاربية قمة لرؤساء المغرب العربي في تونس قبل نهاية العام.
وتأسس اتحاد المغرب العربي في 1989 وهو يضم الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، لكنه ظل معطلا بسبب الخلافات الجزائرية المغربية حول النزاع في الصحراء الغربية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.