خبراء: “الإجراءات الجديدة لمكافحة الهجرة غير الشرعية فاشلة مُـسـبـقـا”
أعادت الإجراءات التي اتّـخذتها مؤخرا حكومات أوروبية عدّة في حقّ المهاجرين غير الشرعيين، طرح ملف الموقف الأوروبي من الهجرة، ووضعت على بِـساط النقاش التعاطي الأوروبي المخاتل والمتذبْـذب مع الأجانب، وخاصة الجاليات المسلمة.
وشكّـل الصعود المطّـرد للجماعات والأحزاب اليمينية، عُـنصر ضغط على الحكومات التي باتت تُـسايِـر طروحاتها وتنفِّـذ سياساتها، لإنقاذ شعبيتها المتدحْـرجة في مراصد سبْـر الآراء.
من هولندا شمالا، حيث تُـبدي الجاليات الإسلامية (التركية والمغاربية) قلقها من صعود «حزب الحرية» المتطرّف، بعد مضاعفة عدد مقاعده في البرلمان من تسعة مقاعد إلى 24 مقعداً وإصرار زعيمه غيرت فيلدرز على أن يكون جُـزءً من الحكومة المقبلة، إلى إسبانيا جنوبا، حيث فجّـرت الإعتداءات العنصرية للشرطة والحرس المدني على المغاربة العائدين لوطنهم عند المعابر الحدودية، أزمةً بين البلدين الجاريْـن، يسعى حاليا وزير الداخلية ألفريدو بيريز لاحتوائها خلال زيارته المفاجئة للرباط، إلى فرنسا، حيث أعلن وزير الهجرة إيريك بيسون أن قانون الهجرة الجديد (الذي سيعرض على البرلمان في شهر سبتمبر المقبل) يتضمّـن ”إجراءات قوية لفائدة المهاجرين الشرعيين، بينما يشدّد العقوبات على المهاجرين السريِّـين”.
وأوضح بيسون في حِـوار مع صحيفة ”لوفيغارو” أن القانون الجديد ينصّ على “منع عودة المهاجرين غير الشرعيين ودخولهم إلى كافة دول الاتحاد الأوروبي”، وهو ما يعني أن المنع لا يخصّ دولة واحدة، مثلما كان معمولا به في السابق، بل سيعمَّـم على كل دول فضاء ”شنغن”، ممّـا يضيِّـق الخناق بصفة كلية على الرّاغبين في الانتقال إلى الضفة الشمالية من المتوسط، سواء من الأفارقة أو من دول المغرب العربي.
شرخ بين الجاليات والمجتمعات الأصلية
والظاهر، أن تداعيات الأزمة الاقتصادية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا، هي التي حملت الحكومات على اتِّـخاذ هذه الإجراءات الجديدة، على أمل السيْـطرة على ملف الهجرة الحسّـاس. غير أن الإجراءات تبدو غير مُـجدية، بل يعتقد خبراء مطّـلعون على هذا الملف، أنها ستزيد من الاحتقان وتُعمق الشّـرخ بين الجاليات والمجتمعات الأصلية.
وأكد خورخي بوستامانتي Jorge Bustamanti، المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان والمهاجرين لـ swissinfo.ch أن الإجراءات التّـضييقية والتمييزية ضد عشرات الملايين من المهاجرين في أوروبا وأمريكا، استفحلت وأصبحت عدائية، وخاصة بعد رفع أسوار التمييز العنصري بالمعنيين، المجازي والحقيقي، ومنها السور الذي تريد أن تفصل الولايات المتحدة من خلاله أراضيها عن المكسيك.
واعتبر بوستامانتي، الأكاديمي الذي ينحدِر من أصل مكسيكي، أن تلك الإجراءات تتناقَـض مع الدعوات للحوار بين الحضارات. وأكّـد تمسُّـكه بالدعوة التي ضمّـنها تقريره الأخير عن حقوق المهاجرين لمعاقبة المُـورطين في انتهاك حقوق هؤلاء البشر المعذبون. ووجّـه بوستامانتي، الذي كان يتحدّث على هامش مشاركته في ورشة في تونس عن الهجرة، انتقادات شديدة لغالبية الحكومات الغربية، واصفا سياسات الهجرة التي تتَّـبعها، بكونها مختلّـة التوازن، لأنها تكيل بمِـكياليْـن. وقدّر عدد المهاجرين في العالم حاليا بـ 220 مليون مهاجر، مشيرا إلى أن قسما مهمّـا منهم لم يُحدّده، بات يحمل جنسية مزدوجة، بينما الباقون لا أمل لهم في الظَّـفر بالجنسية ولا حتى ببطاقة إقامة قانونية.
وشدّد على أن كل الدول التي تضيق الآن بالمهاجرين، تعلم أنها لا يمكن أن تستغنِـي عنهم، لأنهم أقلّ كلفة من العمالة المحلية أولا، ولأنهم يقومون بالأعمال المُـضنية التي لا يَـرضى أبناء البلد الأصليين بإنجازها. واستدلّ بولاية كاليفورنيا الأمريكية، التي تُـعتبر سادس قوّة اقتصادية في العالم، حيث يشكل المكسيكيون 90% من العاملين في القطاع الزراعي، مُبيِّـنا أن ثُـلثيْـهم في وضع غير قانوني. ورأى في هذا السلوك تضارُبا بين الخطاب والواقع في السياسة الأمريكية، لكنه أشار إلى أن المهاجرين في جميع الدول الغربية تقريبا يُعانون من التّـمييز، بسبب اللون والجنس والدِّين والأصول القومية.
وبحسب بوستامانتي، المُلم بتطوّرات ظاهرة الهجرة في العالم، بحُـكم تخصُّـصه الأكاديمي وخِـبرته في الأمم المتحدة، يتمثّـل الخطر الأكبر حاليا في إقامة أسوار التّـمييز العنصري التي تفصل بين الشعوب، على غِـرار الجدار الذي تسعى الولايات المتحدة لإقامته على حدودها مع المكسيك، ما يتناقَـض مع مبادِئ التنوّع الثقافي واللُّـغوي والعِـرقي، التي نهض عليها المجتمع الأمريكي والذي تميَّـز طيلة القرون الثلاثة الماضية بانفِـتاحه. واعتبر أن الحواجِـز القانونية التي تفرضها الدول الأوروبية على المهاجرين “لا تختلف عن السور الذي تقيمه الولايات المتحدة، للحيلولة دون دخول المهاجرين القادمين من أمريكا اللاتينية إلى أراضيها”.
تنديد بالسياسة الفرنسية
وأيَّـدت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، مواقِـف بوستامانتي عندما ندّدت يوم 12 أغسطس الجاري بالسياسة الفرنسية حِـيال الأقليات في إطار الدراسة الدورية التي تُجريها للدول المُصدّقة على المعاهدة الدولية للقضاء على كل أشكال الميز العنصري.
واعتبر الخبراء الأعضاء في اللجنة الأممية، أنه لا توجد لدى باريس “إرادة سياسية لمواجهة ما تشهده فرنسا من تصاعُـد للأعمال العنصرية”. وكان النقاش في هذه اللجنة يكتسي بُـعدا فنيا بَـحْـتا في الماضي، غير أنه اتّـخذ منحى سياسيا هذا العام في أعقاب التصريحات المتشدِّدة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي ساركوزي، مطالبا بسحب الجنسية الفرنسية من المُـدانين بقتل شرطي أو الدّاعين إلى تعدّد الزوجات.
وعلى رغم أن الوفد الفرنسي دافع في اجتماعات اللجنة عن إطلاق خطّـة وطنية لمكافحة العنصرية في فرنسا، لم يُفلِـح دفاعه في إقناع أعضاء اللجنة بالتخفيف من انتقادهم لسياسات باريس.
ويبدو أن فرنسا ليست وحدها المُصرّة على السيْـر في هذا النهج. فالحكومات الأوروبية الأخرى تبدو أيضا راضية عن أدائها وماضية أكثر فأكثر في سياسة القبضة الحديدية مع المهاجرين غير الشرعيين. وقال وزير الداخلية الإيطالي روبرتو ماروني أمس، إن الهجرة غير الشرعية تراجعت في العام الأخير بنسبة 90% (بين يوليو 2009 ويوليو 2010)، بفضل الإجراءات المتشدِّدة التي اتّـخذتها، بالتعاون مع البلدان المتوسطية المعنية. وأوضح أنه لم تُسجّـل خلال تلك الفترة، بحسب قوله، محاولات نزول على سواحل جزيرة لامبيدوزا، التي كانت المقصَـد المفضّـل للمهاجرين غير الشرعيين، الآتين من السواحل التونسية والليبية، طيلة الأعوام الماضية.
هجرة بلا حدود؟
غير أن خبراء شكّـكوا في جدوى تلك الإجراءات، ومنهم ماريو لانا Mario Lana، المسؤول في الإتحاد الدولي لروابط حقوق الإنسان، الذي قدّر عدد المهاجرين غير الشرعيين في العالم حاليا بـ 4 ملايين مهاجر، على رغم جميع الإجراءات الأمنية والنّـفقات العسكرية الكبيرة التي يخصِّـصها كل من الإتحاد الأوروبي والحِـلف الأطلسي، للسيْـطرة على الهِـجرة غير الشرعية.
وأشار إلى الدّور الكبير الذي تقوم به المنظمات الحقوقية من أجل وضع حدٍّ لتجارة البشر عبْـر المتوسط وضمان حقّ أبناء الضفة الجنوبية في السفر إلى أوروبا والإقامة فيها، من دون تعقيدات. ونبّـه إلى ضرورة عمل المنظمات الإنسانية على تحسين أوضاع المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا بصفة غير قانونية ومعالجة ملفّـاتهم، مستدِلا بتجربة المنظمات الإيطالية في هذا المجال.
أما مسؤول الهجرة في اليونسكو بول دوقشتينير Paul De Guechteneire، الذي شارك في ورشة تونس، فأكّـد من جانبه أن الإجراءات المتَّـخذة للحدِّ من الهجرة السرية، غير فعّـالة، واقترح فكرة “الهجرة بلا حدود” كحلّ لتجاوز الاحتقانات الحالية وإدماج ملف الهجرة في الحوار السياسي والثقافي بين دول الجنوب والشمال. وشدّد على أن جميع التضييقات والقُـيود، التي تقرّرت في شأن المهاجرين في جميع البلدان، “مناقضة تماما للإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.
وأكد لـ swissinfo.ch أن الإجراءات الأمنية والقُـنصلية، التي تتَّـخذها الدول الأوروبية في حق المهاجرين القادمين من شرق أوروبا وجنوب المتوسط، لم تستطِـع تحقيق الحدّ من تدفُّـق المهاجرين غير الشرعيين، إذ أن أعدادهم في ارتِـفاع. وحثّ على تكوين حركات وجمعيات حقوقية وسياسية وثقافية في جميع الدول، تعمل على إلغاء العراقِـيل والقُـيود التي تحُـدّ من حقّ السفر.
واقترح تأسيس حركة يُطلَـق عليها اسم “هجرة بلا حدود”، أسْـوة بـ “أطباء بلا حدود” و”محامون بلا حدود” و”صحفيون بلا حدود”، وحذّر من أن البلدان الصناعية المستقبلة للمهاجرين، ستحتاج في العقود المقبلة إلى المزيد منهم، بحُـكم استفحال العَـجز السكاني في بلدان الإتحاد الأوروبي وسائر الدول الصناعية الأخرى.
ويُؤيِّـد الدكتور مهدي مبروك، أستاذ عِـلم الاجتماع في الجامعة التونسية والخبير الدولي في شؤون الهجرة، رُؤية دوقشتينير، إذ استعرض لـ swissinfo.ch الفوائد التي جنَـتها بعض البلدان الأوروبية من قرارات تسوِية أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، مثل إسبانيا (280 ألف في 2006) في مقابل دول أخرى رافضة لهذا الخيار، مثل فرنسا، التي قال إنها لم تقُـم بحركة تسوية مماثلة منذ 15 سنة وإيطاليا منذ 2002.
وشدّد على أن مفهوم المُـهاجر غير الشرعي، لم يكن موجودا في أوروبا إلى حدود السبعينات وأنه اختراع خاص بأوروبا الغربية، لكنه أكّـد أيضا على مسؤولية الجنوب، وخاصة المغرب العربي، في الامتناع عن تصدير مشاكِـله التنموية إلى الخارج، فعلى السلطات، كما قال، أن تضع سياسات تنموية تؤمِّـن فُـرص عمل للشباب، وخاصة الخرِّيجين العاطلين، بالنظر إلى أن 2% من المهاجرين غير الشرعيين، هم ممَّـن أكملوا دراستهم الجامعية وحصلوا على شهاداتهم. وقال الدكتور مبروك “علينا أن نُـعطي الأمل لهؤلاء الشبان، كي يُـؤمِـنوا بمشاريع الحياة لا بخِـيار الموت (في الطريق إلى الجنّـة الموعودة)”.
رشيد خشانة – تونس – swissinfo.ch
أطلقت تونس وفرنسا في يونيو 2009 خطة مشتركة لانتداب 9000 عامل سنويا، في إطار إستراتيجية مكافحة الهجرة غير الشرعية. وتقضي الخطّـة بتلقِّـي المرشّـحين للهجرة (وهم من حمَـلَـة الشهادات العليا)، تكوينا لُـغويا ومِـهنيا في تونس، يستجيب لحاجات بلد الاستقبال، غير أن نتائج التجربة كانت محدودة، إذ لم يتقدّم من المرشحين سوى 2500 شخص فقط، ويُعزى ذلك إلى تعقيدات الحصول على التأشيرة بالنِّـسبة للباقين، مثلما أظهرت دراسة عُرِضت في ورشة مشتركة بين منظمة الهجرة الدولية ووزارة التكوين المهني التونسية.
كما توصّـلت تونس إلى اتِّـفاق مُـماثل مع إيطاليا لإرسال 4000 عامل مُدرّب، لكن الواقع كان دون ذلك بكثير، مثلما أكّـد متحدثون في الورشة من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وضع الإتحاد الأوروبي خطّـة لمعالجة ظاهرة الهجرة خلال الفترة ما بين 2008 و2011، رصد بموجبها 5 ملايين يورو يُفترض أن تستفيد منها بلدان الضفَّـتين، الجنوبية والشرقية للمتوسط، وهي الجزائر ومصر ولبنان وتونس والمغرب والأردن وسوريا والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. وترمي الخطة للسيطرة على الهجرة غير الشرعية وتشجيع الهجرة عبْـر القنوات الشرعية. ويشتمِـل البرنامج على تنظيم ورشات وتشكيل فِـرق عمل وزيارات عمل، غير أن هذه الأنشطة لم تُثمِـر الأهداف المرجُـوة، لأنها اقتصرت على دائرة البيروقراطيين ولم تصِـل إلى الفئات المرشّـحة للهجرة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.