خبراء عرب: حظر المآذن يهدِّد الحياد والمبادئ والإندماج!
حذّر خبراء عرب متخصصون في السياسة والدبلوماسية والقانون الدولي والإعلام والترجمة، من الآثار السلبية التي يُـمكن أن تَـطال سويسرا، دولة الحياد والنزاهة والديمقراطية وحقوق الإنسان، إذا ما تمّ تمرير قانون حظر بناء المآذن بالموافقة على المبادرة، التي أطلقها ساسة من اليمين الشعبوي.
واعتبر هؤلاء الخبراء أن المبادرة “تفتح الباب مجدّدا لتصاعُـد حدّة الكراهية ضدّ الإسلام والمسلمين، وهو ما من شأنه أن يذهب بمُـكتسبات الإندماج والتعايُـش الإيجابي، التي حقّـقها المسلمون وتتباهى بها أوروبا على امتداد العقود الماضية”.
وكان سياسيون سويسريون ينتمون إلى حزب الشعب السويسري (يمين متشدّد) وإلى حزب مسيحي صغير مُـحافظ، أطلقوا في غرّة مايو 2007 مبادرة تدعو إلى حظر بناء المآذن في سويسرا، بدعوى أنها “تهدِّد الأمن والسِّـلم الاجتماعي ولا تتناسب مع القِـيم الديمقراطية والليبرالية التي تتمتّـع بها سويسرا”.
ويسمح الدستور السويسري بالاستفتاء الشعبي لتعديل بعض موادِّه، لكنه يرهن ذلك بجمع 100 ألف توقيع، وهو ما استطاع أصحاب المبادرة إنجازه بجمعهم 113 ألف توقيع. وفي 29 نوفمبر الجاري 2009، سيجري في سويسرا استفتاء شعبي على المبادرة (لتضمين/ رفض إضافة) مادّة في الدستور تحظُـر بناء المآذن.
ولاقت المبادرة معارضة شديدة من أوساط عديدة (رسمية وشعبية) في سويسرا، حيث أعلنت الحكومة تمسّـكها بحق المسلمين في بناء المآذن، كما توافقت على رفض المبادرة آراء كل من: مجلس الشيوخ وكبار الأحزاب والجمعيات والهيئات السويسرية وأساقفة سويسرا، وهو ما قوبل بترحيب شديد من مسلمي سويسرا، كما انتقدت منظمة العفو الدولية سعْـي اليمين لحظر المآذن، وأثبتت استطلاعات الرأي أن غالبية السويسريين يرفضون المبادرة، انطلاقا من حِـرصهم على أن تظلّ سويسرا بلد المبادِئ والأصول.
غير أن هذا الرّفض الرسمي والشعبي لا ينفي وجود بعض التخوّفات لدى البعض من أن تكون هذه المآذن بِـداية للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية(!)، فيما يرى البعض الآخر أن الأقلية المسيحية في البلدان الإسلامية لا يتم التعامل معها بالمِـثل وبنفس الأريحية! وفي محاولة منا لرصد وِجهات نظر بعض المراقبين والمتابعين للقضية من بعض البلدان العربية والإسلامية، أجرت swissinfo.ch استطلاع الرأي التالي.
مسلمو سويسرا والاندماج الإيجابي
في البداية، أعلن الدكتور عبد الله الأشعل، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصرية لشؤون القانون الدولي والمعاهدات والتّـخطيط السياسي، رفْـضه للمبادرة لكونها “دعوة للتحرّش بمسلمي سويسرا وعدوانا على حقوقهم التي كفلها القانون الدولي في إقامة شعائرهم الدينية”، مرحِّـبا بانضمامه “للحملة الدولية للدفاع عن حقوق المسلمين في سويسرا”، ومثمنا “الموقف الرسمي السويسري الرافض للمبادرة والمؤيِّـد لحقوق المسلمين”.
وقال الأشعل، الخبير في القانون الدولي في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “أخطر ما في المبادرة أنها (إن نجحت)، قد تكون بداية لحملة موسعة من اليمين المتطرّف في أوروبا كلها للانتقاص والاعتداء على حقوق الأقليات المسلمة، كما أنها تردُّنا إلى سنين مضَـت، كان يشعر فيها مسلمو أوربا بأنهم مضطَـهدون وغُـرباء في الديار التي قضوا فيها عقودا طويلة”، مشدِّدا على أن “فشلها سيعزِّز المبادئ والقِـيم التي تتباهى بها سويسرا منذ دهْـر طويل، كما أنه سيقضي على الفِـتنة في مهدِها”.
وحول تقييمه لاهتمام الوسط الدبلوماسي العربي والإسلامي بالقضية، قال الأشعل: “للأسف، لا يوجد أدنى اهتمام بهذه القضية، وكأن الأمر لا يعنيهم، رغم أهميته وتأثيره المباشِـر على المسلمين، ليس في سويسرا وحدها، وإنما في سائر البلاد الأوروبية”، معتبِـرا أن “العالم العربي والإسلامي، بمنظومتيْـه، الإعلامية والدبلوماسية، باتا يعتبران حملات الاضطهاد والتضييق والتحرّش التي تتعرض لها الأقليات المسلمة، أمرا عاديًا يحدث كل يوم ولا يستحق كل هذه الضجة!”، منتقدًا توجّـه “بعض دول أوروبا نحو تمكين اليمين المتشدِّد، الذي يميل لمُـعاداة المسلمين ومضايقتهم وسلبهم حقوقهم، التي اعترفت بها القوانين والأعراف الدولية المعمول بها في المنظمات والمؤسسات الدولية”.
وطالب الأشعل “الأقليات المسلمة في أوروبا ببذل أقصى الجهد لتصحيح الصورة السيِّـئة التي ضخّـمتها وسائل الإعلام بالغرب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وأن تحرص على تقديم صورة صحيحة وبيضاء للإسلام، وأن يكونوا مِـثالا يحتذى في الاندماج الإيجابي مع البلدان التي تعيش فيها”، مؤكّـدا على أهمية “اللّـجوء للقانون والدستور للحصول على حقِّـها وعدم السعي لمعاداة البلاد التي تعيش فيها، وأن تعتبر نفسها جزءً لا يتجزّأ من المجتمع الغربي”.
المبادرة تضُـر بالحياد السويسري!
مُـتفقا مع الأشعل، يرى الكاتب والمحلل السياسي المصري سعد عبد المجيد أنه “إذا كان من حق الدول والمجتمعات أن تسُـوغ القوانين المتناسبة مع أحوالها، فإن المجتمع السويسري متعدِّد اللغات والثقافات، وبما أنه اختار لنفسه سياسة الحياد واحترام حقوق الجميع، فإن قانون حظر المآذن لن يكون مُـتناسباً مع أوضاع الحياد ومواصفات المجتمع المتعدِّد الألوان والثقافات”.
وقال عبد المجيد، المقيم في تركيا منذ قُـرابة ربع قرن في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “الوسط الإعلامي في تركيا يُـولي اهتمامًا واضحًا بكل القضايا المتعلِّـقة بالمسلمين في أوروبا، لأن الجالية التركية أكبر الجاليات الإسلامية في المجتمعات الأوروبية، وهي تقريباً عصب الحياة التجارية في سويسرا، على ما رأيت قبل 35 عاماً”، موضِّـحا أن “الإعلام التركي عامة يُـولي الاهتمام بالقضايا التي تصنّـف على أنها مواقف عنصرية ضدّ الإنسان كإنسان، بغض النظر عن دينه وعِـرقه ولونه”.
وأشار عبد المجيد إلى أن هذا الموضوع “لم يأخذ الاهتمام اللاّزم من المواطنين بتركيا، بسبب الثقة في أن مثل هذه المبادرات لن تلقى قبولا على مستوى التطبيق في الواقع العملي، كما أن الحكومة التركية تحرِص على عدم إشعال الملفّـات في مرحلة التفاوض الرّسمي مع الإتحاد الأوروبي، على الرغم من أن سويسرا ليست عضوا في الإتحاد”! معتبرًا أن “شبكات الأخبار التلفزيونية، وهي كثيرة، تمثِّـل مصدرا مهمّـا في الوقوف على المعلومات الخاصة بالموضوعات المحلية والعالمية، فضلا عن الصحف المتخصِّـصة في القضايا الإسلامية بتركيا مثل: وقت وتركيا وزمان ويني آسيا ويني شفق وميللي غازته، إضافة إلى بعض المواقع الإلكترونية، وفي مقدِّمتها swissinfo، الذي أولى الملف اهتمامًا كبيرًا وعالَـجه بطريقة مهنِـية ومتوازنة”.
وحول تحفّـظات ومخاوف بعض السويسريين من “المطالبة مستقبَـلا بتطبيق الشريعة” أو دعوى بعضهم “عدم المعاملة بالمثل للأقلية المسيحية في البلدان الإسلامية”، بيّـن عبد المجيد أن “مطالبة مسلمي سويسرا بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليهم، حق من الحقوق الدِّينية، وهم في ذلك لا يختلِـفون عن تطبيق أحكام الدِّين المسيحي على الأقلية المسيحية في دول الشرق، وكذا يهود الشرق”، مشيرًا إلى أن “تطبيق الشريعة في جوانب الأحوال الشخصية والاجتماعية والدِّينية، حق مكفول للإنسان أيًا كان دينه، ولا يجب الاعتداء عليه، طالما كان عدد المسلمين في الدولة في وضع الأقلية، لأن القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ينُـصّـان على احترام هذه الحقوق”، واستدرك قائلا: “غير أن المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في الحُـكم والسياسة والاقتصاد في مثل تلك المجتمعات غير الإسلامية، ضرْب من الهراء والخروج عن العقل والمنطِـق”.
وبخصوص مسألة أريحية الأقليات المسيحية في الشرق، قال سعد: “طِـبقاً لِـما رأيت بعيْـني ومن خلال تجربتي الشخصية عبْـر تِـجوالي في الكثير من البلاد في الشرق والغرب، فضلا عن كوني من مصر التي يعيش بها أكبر تجمّـع مسيحي في الشرق الإسلامي، لا أعتقد بوجود شخصية مسلمة بدرجة وزير أو نائبه أو لِـواء ومدير بالشرطة وبالجيش وبالوزارات السيادية في أوروبا (16 مليون مسلم) وأمريكا (7 ملايين مسلم)، بل إن الشيء الذي لا يلتفِـت إليه الكثيرون، هو أن العالم المسيحي كله لديه بابا واحد (كاثوليك وبروتستانت)، بينما يوجد في مصر “بابا” ثانٍ للأرثوذكسية، وهي ظاهرة تنفرِد بها مصر الإسلامية وحدها. فهل هناك تسامُـح واحترام لشريحة من المجتمع تمثل 10-12%، كما هو الحال بمصر؟!”.
“الإسلاموفوبيا” والجهْـل بالإسلام!
ومن ناحيته، أوضح محمد جمال عرفة، الكاتب والمحلِّـل السياسي المصري أن “مبادرة حظر المآذن في سويسرا، تأتي في سياق حملة كراهية للإسلام عمومًا في أوروبا، وهي لا تختلف من بلد إلى آخر، وإن كانت تتصاعد في دولة وتقِـل في أخرى، لكن المفاجأة أن تجري المطالبة بها في سويسرا، الدولة المعروفة بأنها بلد الحياد!”، مستدركًا بأنه “في ظِـل العولمة وأوروبا الموحدة، من الطبيعي أن تنتقِـل الأفكار اليمينية المتطرِّفة من أوروبا إلى سويسرا، خاصة وأنها ملاصِـقة لألمانيا، معقل النازيين الجُـدد واليمين المتطرف”.
وقال عرفة، المهتم بملف الأقليات المسلمة بأوروبا في تصريحات خاصة لـ swissinfo: “المشكلة، أن استفتاء كهذا يُـمكن أن ينجح في حِـصار ارتفاع المآذن، لو حشد له اليمينيون المتشدِّدون الأصوات، بينما هناك سويسريون آخرون محايِـدون لا يهتمّـون بهذا الاستفتاء ويغيبون عنه”، مشيرًا إلى أنه “لو تمّـت الموافقة على مثل هذا الاستفتاء، فستكون لها آثار سلبية على تعايُـش المسلمين في سويسرا، رغم أنهم يشكِّـلون ثاني ديانة في البلاد بعد المسيحية، كما أن نجاح المبادرة سيؤثِّـر على صورة البلاد، التي عُـرفت بالحياد والاستقلالية، ويُـضرَب بها المثل في الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان”.
وأضاف عرفة: “للأسف، لم أجد اهتمامًا بالأمر في مَـن حولي، باستثناء قلّـة تتابع ما تنشره بعض المواقع الإسلامية نقلا عن وكالات أنباء غربية، كما أن أخبار سويسرا بعيدة نِـسبيًا عن العالم العربي، رغم أن تِـعداد المسلمين بها يتجاوز 300 ألف”، موضحًا أن “مَـن يسمع بالمبادرة لا يستغرِب، لكون سويسرا في النهاية ضِـمن أوروبا، التي تشهد موجة من الإسلاموفوبيا وكراهية المسلمين”، مشيرًا إلى أن “بداية التعرّف على القضية، جاء عبْـر وكالات أنباء عالمية نَـشرت خبرا قصيرا، ومنذ ذلك الحين، بدأت متابعة الملف عبْـر موقع swissinfo.ch وبعض المواقع الإسلامية التي لها مراسلون في أوروبا”.
وكشف أن “ما يقوله بعض السويسريين من أن بناء المآذن مقدِّمة للمطالبة بالشريعة الإسلامية، هو نتيجة الجهْـل بالإسلام ووليد مخاوف لا أصْـل لها، نجمت عن ترويج متطرّفين مسيحيين لمقُـولات كاذِبة عن الإسلام ونشْـر تصوّرات خاطئة بأن الإسلام والشريعة ما هو إلا: قطع أيادي وارتداء نقاب والزواج من أربعة ورفض عمل المرأة وغيرها من الأباطيل”، معتبرًا أن “المهمّ، هو توضيح الأمر وبيان حقيقة الإسلام وجمال الشريعة، والقيام بحملة دِعائية سِـلمية في سويسرا للتعريف بالإسلام بمُـنتهى البساطة”.
واختتم عرفة بقوله: “أما ما يُـقال عن أن الأقليات المسيحية لا تعامَـل بالمثل في البلدان الإسلامية، مع التركيز على السعودية كمِـثال، فهو يستهدف بدوره إثارة المُـشكلات أمام بناء المآذن في سويسرا، وقد جاءت المُـطالبة به بعد قِـيادة التيار المتطرّف في الفاتيكان، خصوصًا البابا الحالي بنديكيت ونائبه (توران) لهذه الفكرة، لحدّ مطالبة توران السعودية ببناء كنائس في مكة، مقابل بناء مساجد في أوروبا وتحريضه الدول الأوروبية على رفض بناء المساجد، إلا مقابل بناء الكنائس في مكة، وهو يعلم خصوصية مكة كما يعلم صعوبة بناء مساجد في مقرّ الفاتيكان!”.
النافذة الأولى والأهم
متّـفقًا مع ما ذهب إليه عرفة، يرى حسام تمام، الباحث المتخصِّص في شؤون الحركات الإسلامية، أن “القسم العربي في موقع swissinfo.ch الإخباري الرسمي، كان هو النافذة الأولى والأهم التي تناولت قضية مبادرة حظر المآذن وأن منهجية الموقع وأسلوبه في تغطية القضية كانت مسؤولة كثيراً عن الهدوء الذي قُـوبِـلت به المسألة، وخاصة أن الغالبية العُـظمى من المنابِـر الإعلامية العربية اعتمدت اعتماداً شِـبه تام على ما نقلته «سويس إنفو».
وقال تمام في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “كان الموقِـع دقيقاً في التغطية التي قدّمها للحدث. فالمبادرة ليست رسمية، بل تأتي من بعض المنتمين للتيار اليميني المتشدّد، والمتابعة الخبرية تؤكِّـد باستمرار أن الموقف الرّسمي، بل الشعبي العام، ضدّ المبادرة”؛ مذكرا بأن “الموقع لم يتردّد إبّـان أزمة الرسوم الدنمركية في نشر تقرير يحسِـم موقف الحكومة الفدرالية الرّافض للرسوم بعنوان لا لُـبس فيه: «إثارة مشاعِـر المسلمين.. أمر غير مقبول».
اليوم المئذنة وغدا المسجد!
فيما أكّـدت أماني ماجد، رئيسة القسم الدِّيني المناوب بجريدة الأهرام أن “معركة المآذن في سويسرا، ما هي إلا حلقة جديدة في مسلسل كراهية الغرب للإسلام، والذي لن تُـكتَـب له نهاية، طالما ظلّـت أوضاع المسلمين، داخليا أو خارجيا، على هذا النحو، بحيث أصبح الإرهاب لصِـيقا للإسلام”، مشيرة إلى أن “المؤسسة الدِّينية في مصر، وعلى رأسها الأزهر الشريف، لم تحرِّك ساكِـنا إزاء هذه القضية، على الرغم من كونه يمثِّـل المرجعية الدِّينية السُـنية الأكبر في العالم!”.
وقالت أماني ماجد، مسؤولة الملف الإسلامي بجريدة “الشروق” المستقلة في تصريحات خاصة لـ swissinfo: “اليمين المتطرِّف في سويسرا الذي يقود المبادرة المسمومة، يستند في دعواه إلى دعاوى شيوخ التطرّف، التي يبرزها الإعلام الغربي والتي تدعو إلى تغطية وجه المرأة بالكامل وعزلها في البيت، فضلا عن صور بن لادن والظواهري واختزال الإسلام في اللّـحى والجلباب وتصوير الإسلام على أنه دِين إرهاب”.
وأضافت السيدة ماجد: “الغريب أن وسائل الإعلام العربية، المقروءة أو المسموعة أو المرئية، لم تتفاعَـل مع المبادرة بالشكل المطلوب، بينما أثارتها بعض المواقع الإلكترونية على شبكة الإنترنت على استحياء شديد، ولم يهتم بالموضوع بالشكل الواجب، سوى موقع swissinfo، الذي قدّم تغطية إعلامية شامِـلة ومتميِّـزة، جعلت المواقع الأخرى تعتمِـد عليه اعتمادًا أساسيًا”، معتبرة أن وسائل الإعلام انشغلت بقضاياها الداخلية عن الاهتمام بحَـملة الشروع في اغتيال المآذن ومنع إقامتها في بقية الدول الغربية، فاليوم المئذنة وغدًا المسجد!”.
واستطردت قائلة: “من خلال متابعتي للقضية كإحدى المتخصِّـصات في المجال الدِّيني، لاحظت عدم الاكتِـراث بالأمر برمّـته من بعض رجال الدِّين، حيث يرى بعضهم أن “المآذن” قضية داخلية في سويسرا يجب عدم التدخل فيها، بينما يرى البعض الآخر أن الأزهر يجِـب أن يتبنّـى تلك الهموم، مقارنا بين تجاوُب بعض المؤسسات الدِّينية في بعض الدول العربية مع القضية، بينما تراجع الحديث عنها في مصر”.
واعتبرت السيدة ماجد أن “تخوّف بعض السويسريين من المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، أمر بعيد تمامًا عن أهداف الجالية المسلمة في سويسرا، التي توصَـف بأنها مسالِـمة وهادئة. أما قضية الأقلية المسيحية، فهي ورقة الضّـغط التي يستخدِمها اليمين المتشدِّد في الغرب عند اللّـزوم، نتيجة انسِـداد قنوات التفاهم بين المسلمين والمسيحيين في مُـعظم البلدان، فضلا عن الأيادي الخفِـية لأقباط المهجر، التي تحرِّك الأقلية الداخلية”، مؤكِّـدة أن “الأقلية المسيحية تعامَـل بأريحية شديدة داخل الدول الإسلامية، لكن الصورة الإعلامية يتِـم تشويهها لحاجة في نفس يعقوب!”.
مطلوب: هدوء فاعل لا انفِـعال!
ومن جهتها، علقت أمل عيتاني، الباحثة والمترجمة بمركز الزيتونة للدراسات والبحوث بلبنان على المبادرة بقولها: “اليمين هو اليمين في كل القضايا، يسعى إلى التمايز من خلال التطرّف في كل شيء، وهم (اليمينيون) يحاولون اللّـعب على حالة الإسلاموفوبيا التي تسود أوروبا حالياً، من أجل تمرير هذا المشروع. وللأسف، الكثير من المشاكل التي يواجِـهها المسلمون في العالم الغربي، سببها عدم وجود فهْـم صحيح للإسلام، إذ دائما ما يرتبط في أذهانهم بالتطرّف والإرهاب والعُـنف وظلم المرأة وغيرها من الكليشيهات والتّـهم المعلّـبة”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أوضحت السيدة عيتاني، المتخصصة في متابعة ما يُـكتب عن الإسلام باللغة الإنجليزية في الصحف والمواقع وأحدث الدراسات والأبحاث الأكاديمية، أن “اليمين المتطرف – حتى في غياب الإسلام – كان سيجِـد قضيةً ما يؤرق بها المجتمع، وأعتقد أن العِـلاج يكون بسعي مسلمي أوروبا – بدعم من مسلمي العالم – إلى إعطاء صورة مشرقة للإسلام، دون الوقوع في الخطإ السابق المتمثل في التظاهرات وحرق الأعلام والدعوات للمقاطعة…، نحن بحاجة إلى الهدوء الفاعل لا للانفعال”.
وقالت السيدة عيتاني: “في الوسط الذي أعمل فيه، مر الخبر كغيره من الأخبار، وتمّ تصنيفه في إطار المُـضايقات المستمرّة، التي يتعرض لها المسلمون في أوروبا، وكان ردّ الفعل هو الاستِـنكار، لكن الكثيرين أصبحوا يشعُـرون بالحاجة إلى الفعل لا الانفِـعال ولا موضوع الشجب، كما حصل في الدنمرك حول الرسوم، جاء بمفعول سَـلبي، فلم يستطع المسلمون تحسين صورة الإسلام، وكانت معظمها ردّات فعل آنية لم تُـؤت ثمارها ولم تساعد مسلمي الغرب على تقديم وجه مُـشرق يدحض ما يروّج تُـجاههم”، مضيفة أن “من أكثر المصادر متابعة للموضوع بعد موقع swissinfo على الإنترنت، كان موقع (إسلام أون لاين) وموقع “محيط الإخباري”.
واختتمت عيتاني بقولها أن: “رفض السويسريين لمبادرة حظر بناء المآذن، سيُـثبت صورة سويسرا في أذهان العالم العربي والإسلامي كبلد للحريات والمبادئ والأصول، كما أنها فرصة ذهبية للمسلمين ليحسِّـنوا صورتهم ويقدِّموا نموذجا مُـشرقا عن الإسلام في سويسرا ويعزِّزوا اندِماجهم في المجتمع ويقدِّموا أنفسهم بكل الوسائل السِّـلمية والفِـكرية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية المتاحة، على أنهم شريحة فاعلة وجزء لا يتجزّأ من المجتمع السويسري، وليس كطفرة خارجة عن هذا المجتمع”.
لم تحظر دولة مسلمة مثل مصر أبراج الكنائس!
ومن ناحيته، استهلّ الكاتب والباحث المصري الدكتور مجدي سعيد حديثه قائلا: “أودّ أن أنَـوِّه في البداية إلى أن المآذن من وجهة النظر الدِّينية، هي ثقافة إسلامية درج الناس عليها، لكن إذا نظرنا إلى الموضوع في عُـمقه، فإن المآذن هنا ليست إلا رمزا للوجود الإسلامي في سويسرا، والحساسية هنا ليست من المئذنة بقدر ما هي من الوجود”، مُـعتبرا أنه “إذا كان اليَـمينيون قد بدؤوا اليوم بالمِـئذنة، فلن يكفيهم الأمر وسيعملون خُـطوة خطوة على تضييق الخِـناق وتعسير سُـبل العيْـش على مسلمي سويسرا، خاصة ذوي الأصول المهاجِـرة، حتى يضطرّوهم للمغادرة خوفا على أرواحهم وأعراضهم، وليست مروة الشربيني منهم ببعيد!”.
وأضاف سعيد في تصريحات خاصة لـ swissinfo: “أعمل في وسط إعلامي ذو خلفية إسلامية، وهو موقِـع إسلام أون لاين، وبالطبع هناك اهتمام بهذا الموضوع، ونحن بصدد اهتمام أكبَـر به، حيث يجري التنسيق لنشر ترجمة كتاب حول الموضوع لعدد من الباحثين السويسريين، حرّره الباحث باتريك آني، الذي استضافه الموقع لوضع تصوّر مُـشترك لتناوُل موضوعي للقضية”، مشيرًا إلى أن “ردّا فعليا لم يكُـن عصبِـيا، لكنه لا يخفي القلق. فقد اعتدنا على تصاعُـد مظاهر العنصرية في أوروبا في السنوات الأخيرة والقلق من تصاعُـد تلك المظاهر أكثر من مجرّد حظر مآذن، وهناك رغبة في تناوُل الأمور بشكل عَـقلاني. فبقدر ما نشجِّـع الاندِماج الإيجابي للمسلمين في بلدانهم، بقدْر ما ندعَـم حِـفاظهم على هُـويّـتهم وحقوقهم وحريتهم”.
واختتم سعيد بالتقليل من أهمية “الحُـجج التي يُـسوِّقها اليمينيون للتّـخويف والترويع من وُجود المسلمين بالأساس في المجتمع السويسري. فالأمر كما قلت، جزء من صِـناعة الإسلاموفوبيا، ويعلم هؤلاء أن هذا الكلام مجاف للحقيقة. أما فيما يخص الأقباط، فالأمر مجاف للحقيقة، فالأقباط مثلا في مصر على اختلاف طوائفهم (أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت)، لديهم كنائسهم وأديرتهم مُـنذ آلاف السنين وتزداد يوما بعد يوم، ولم يقل أحد يوما بحظْـر أبراج تلك الكنائس أو منعها من دقّ أجراسها”.
أجرى الاستطلاع من القاهرة – همام سرحان – swissinfo.ch
1 مايو 2007: أطلقت المبادرة الشعبية “ضد بناء المآذن” من قبل مجموعة من ممثلي التيار اليميني المحافظ والمتشدد. وتدعو هذه المبادرة إلى تضمين الدستور الفدرالي نصا يحظر بناء المآذن على التراب السويسري.
8 يوليو 2008: أُودعت المبادرة لدى المستشارية الفدرالية في برن بعد أن تمكن أصحابها من تجميع 113.540 توقيعا من مواطنين سويسريين.
27 أغسطس 2008: وجهت الحكومة السويسرية رسالة إلى غرفتيْ البرلمان (النواب والشيوخ) عبّرت فيها عن رفضها القاطع واستهجانها لفكرة حظر بناء المآذن في سويسرا، لكنها أوضحت أن المبادرة لا تنتهك القواعد الأساسية للقانون الدولي، وبالتالي، فهي سليمة من الناحية القانونية.
4 مارس 2009: ناقش مجلس النواب نص المبادرة وأوصى المجلس (129 صوتا مقابل 50 صوتا) برفض المبادرة من دون أن يقترح بديلا عنها.
5 يونيو 2009: أوصى مجلس الشيوخ السويسري (بأغلبية 36 صوتا مقابل 3 أصوات) برفض مبادرة حظر المآذن في البلاد، بسبب تعارضها مع مبدأيْ التسامح وحرية الاعتقاد الأساسيين.
3 أكتوبر 2009: حزب الشعب السويسري (يمين متشدد) يُـقرِّر توصية الناخبين بالتصويت لفائدة المبادرة، لكنه يرفُـض تمويل الحملة الانتخابية. واندلاع جدل حول الملصَـق الإشهاري المثير للجدل، الذي أعدّته لجنة المبادرة.
29 نوفمبر 2009: موعد التصويت الشعبي على المبادرة الداعية إلى حظر بناء مآذن جديدة في سويسرا.
يتوقع على نطاق واسع، أن عدد المسلمين اليوم في سويسرا يتراوح بين 350.000 نسمة و400.000 نسمة (ما يمثّـل 4.5%إلى 5.2% من مجموع السكان في سويسرا.
مقارنة بسنة 1970، ازداد عدد أفراد الأقلية المسلمة، وبحسب المكتب الفدرالي للإحصاء، كان عدد المسلمين يناهز 16.353 نسمة (ما مثّل آنذاك 0.3% من مجموع السكان).
وفي سنة 1980، كان عدد المسلمين في سويسرا يناهز 56.625 نسمة (0.9% من مجموع السكان).
في سنة 2000، أكد المكتب الفدرالي للإحصاء بأن عدد المسلمين في سويسرا قد بلغ 310.807 نسمة (4.3% من مجموع السكان).
تتميز الأقلية المسلمة في سويسرا بالتنوّع والتعدّد العِـرقي. وإذا كانت غالبية المسلمين في السبعينات تتشكّـل من الأتراك، فإنه قد طغى عليها المنحدِرون من دول البلقان بداية من سنوات الألفية الجديدة. وعموما، يتوزّع أفراد الجالية المسلمة في سويسرا على ما يقارب 100 جنسية.
أما فيما يتعلق بدُور العِـبادة، فيوجد في سويسرا أربعة مساجد ملحقة بها مآذن، (جنيف وزيورخ وفنغن، وفينترتور)، كما حصل المسلمون في لانغنتهال بكانتون برن على حق بناء المئذنة الخامسة.
هناك أربع مآذن في سويسرا، وهي مُشيّـدة حاليا في جنيف وزيورخ وفينترتور (Winterthur) وفنغن (Wangen) بالقرب من مدينة أولتن.
المئذنة الرابعة توجد في فنغن Wangen، بالقرب من مدينة أولتن (Olten)، وهي تتكوّن من هيْـكل من الحديد الصّـلب بارتفاع ستة أمتار، وقد تَمّـت المُوافَقة عليها من طرف السلطات المعنِـية بعد فَترة طويلة من النِّـزاعات القضائية وتمّ تثبيتها على سطح مبنى المركز الإسلامي في فنغن في حفل أقيم في بداية شهر يناير 2009.
هناك مئذنة أخرى يُخطَّـطَ لإنشائِها في مدينة لانغنتهال (Langenthal) في كانتون برن، لكنّ المعارضين لها يحاولون إسقاط المشروع. وفي بداية يوليو 2009، منحت سلطات المدينة ترخيص البناء، لكن لجنة تحمِـل اسم Stop Minarett تقدّمت باعتراض، متعلّـلة بأن المبنى غير مُـطابِـق لتخطيط المنطقة وأن عدد الأماكن المقرّر تخصيصها لوقوف السيارات، غير كافٍ.
إضافة إلى ذلك، تعتبِـر اللجنة أن المئذنة تُـمثِّـل “تدخّـلا فِـكريا”، مُحيلة إلى قرار صادر عن المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا)، التي رفضت منح ترخيص بناء لصليب مسيحي بارتفاع 7 أمتار في مدينة Gerlafingen في كانتون سولوتورن، مذكِّـرة بأن قمّـة المئذنة المُـزمع بناؤها، سيصل ارتفاعها إلى 9 أمتار.
من جهة أخرى، أعلِـن عن خُـطط لبناء مئذنتين، واحدة في إيمينبروك (Emmenbrücke) في كانتون لوتسرن والثانية في منطقة فيل (Wil) في كانتون سانت غالن، إلا أنه تَمّ التَخلّي عن كِـلا المشروعَين.
وِفقاً لِدراسة أعَـدّها المكتب الفدرالي للأجانب، يوجد نحو 130 مركزاً ثقافياً وأماكن للعِـبادة للمسلمين في سويسرا، وتقع الأغلبية الساحقة لهذه المراكز المتواضعة في مبانٍ عادية أو مخازن ومصانع ومحلاّت مهجورة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.