خبراء مصريون يقترحون حلولا “عمَـليّة” لوأد الفتنة الطائفية!
رغم نفْـي البعض، يُـقـرّ أغلب المصريين اليوم بوجود مشكل طائفي بمصر، تعود جذوره لعقود مَـضَـت، ونظُـم حكم راحت في غياهِـب التاريخ.
ولا يُنكر العديد من الخبراء والمراقبين أيضا، أن الفتنة الطائفية بمصر تعود أسبابها إلى “أخطاء وسلوكيات وسوء فهْـم لصحيح الدِّين” مِـن كِـلا الطرفيْـن، المسلمين والمسيحيين على حدٍّ سواء، بل وربما إلى “تعمد ونية مبيتة” من الطرف الثالث والنظم الحاكمة، لكن الحقيقة التي لا يُماري فيها، إلا “جاهلٌ أو جاحدٌ أو حاقد” حسب تعبير البعض، أن هناك مأزق طائفي تمُـر به مصر في هذا المنعطف التاريخي من حياتها.
وفي هذا الموضوع الشائك والدقيق، اختارت swissinfo.ch عدم التوقف عند مناقشة الأسباب والعوامل والآثار والنتائج، رغم أهميَّـتها، بل أن تدلِـف مباشرة إلى البحث عن “حلول” للمشكلات القائمة وطرح “وصفات” للعِـلل الطائفية، من خلال مقابلات أجرتها مع عدد من الخبراء والسياسيين والمحللين والمراقبين والمهتمِّـين بهذا الملف الساخن، الذي ما ينطفئ هنا إلا ويشتعل هناك.
توفيق أوضاع مباني الكنيسة
في البداية، قال الكاتب والمفكِّـر المصري الدكتور رفيق حبيب: “أعتقد أن العلاج للمشكل الطائفي في مصر، يتلخَّـص في محوريْـن، هما: إجراءات سريعة وعاجلة وإجراءات طويلة المدى. وبخصوص الإجراءات العاجلة، فيمكن اختصارها في أمريْـن اثنين لا ثالث لهما. الأول، تشريع قانون عادل لبناء الكنائس، يقوم على إجراءات واضحة وصريحة ومحدّدة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع. والآخر، حصْـر جميع المباني التابعة للكنيسة الآن في مصر وتوفيق أوضاع كل المباني التي يوجد التِـباس حول موقفها القانوني”.
وأضاف حبيب، الخبير بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية والباحث بالهيئة الإنجيلية القبطية ونائب رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “أما الإجراء طويل المدى، فيتلخص في إجراء تحقيقات نزيهة وشفافة في كل الأحداث التي وقعت في مصر منذ الثورة (25 يناير 2011) وحتى اليوم. فنحن أمام تحدٍّ مُـزدوج: فتنة طائفية تأكل نسيج الوطن وتكاد تذهب بمكاسب الثورة، وحكومة تسيير أعمال، ليس بوسعها أخذ قرارات طويلة الأجل”.
إطلاع الشعب على الحقائق
متَّـفقا مع حبيب، يرى اللِّـواء أركان حرب متقاعد، محمد علي بلال، نائب رئيس أركان القوات المسلَّـحة المصرية أن “الخطوة الأولى في العلاج، هي إسراع الحاكم (المجلس العسكري) أو الحكومة، بالخروج على الناس ومصارحتهم بحقيقة ما يحدُث، وإطلاعهم على مجريات الأمور وآخر تطوراتها، بمنتهى الوضوح والشفافية، وذلك لإعلام المواطنين باضطلاع الدولة بدورها، وأنها تتابع الأمر بدقّـة، بهدف القضاء على الشائعات التي يطلِـقها مَـن لهُـم مصلحة في اشتعال الأوضاع في مصر، والتي يُـخشى أن تحرق البلد”.
وقال بلال، قائد القوات المصرية في حرب الخليج والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “أما الخطوة الثانية، تتلخَّـص في الإسراع بإخراج أو إصدار القانون الذي ينظم بناء دُور العبادة في مصر، مع توضيح المعايير والمحدّدات بكل صراحة وتطبيق القانون بكل صرامة، وعلى الجميع”، مشيرا إلى أن “مشكلة الأزهر والكنيسة، أنهما مؤسستان دينيتان، بينما المشاكل التي تسبِّـب الفتنة الطائفية، سياسية واقتصادية واجتماعية!”.
وردّا على سؤال حول دوْر الأحزاب والحركات والائتلافات والقِـوى السياسية في مثل هذه الفِـتن، أجاب بلال: “للأسف، كلهم يضغطون في سبيل الوصول إلى كرسي في البرلمان أو حقيبة في الحكومة، دون الاهتمام بدورهم الوطني الواجب لإطفاء الحريق المشتعل، بل إن بعضهم للأسف، يقوم بالنفخ في النار، ولهذا تجِـد أول تصريحاتهم مهاجَـمة العسكري واتِّـهام الحكومة بالتقصير، دون انشغاله بإطفاء الحريق والقضاء على الفِـتنة الطائفية، قبل أن تأكل الأخضر واليابس”.
المواطنة هي الحل!!
وبمُـنتهى الصراحة، يقول الدكتور طه عبد العليم، الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام: “مصر في خطر.. والسبب الرئيسي وراء صِـدام ماسبيرو، هو تفاقُـم انفلات الإحباطات من كل نوع، نتيجة إخفاقات إدارة فترة الانتقال، ومنها: التباطُـؤ في إصدار قانون دُور العبادة الموحَّـد وقانون مناهضة التمييز والتحريض الدِّيني، إضافة إلى عدم التقدّم بتوافق وطني نحو هدف بناء دولة المواطنة”، معتبرا أنه “لَـو طبِّـق القانون بحزْم، لن تجِـد صدىً لدعوات الاستقواء بالخارج، وباختصار، فإن المواطنة هي الحل في حالة مصر”.
ويضيف عبد العليم، الرئيس الأسبق لمجلس إدارة الهيئة العامة للاستعلامات في تصريح خاص لـ” swissinfo.ch: “لابُـد من تطبيق القانون ضدّ مَـن يرتكب خطاب التحريض والتمييز الدِّيني والطائفي على الجانبيْـن. لكن الأهم، هو نشْـر ثقافة المواطنة واحترام الآخر، وليس فقط التسامح معه أو قَـبوله، ولن تكون مصر أولا، في عقول وقلوب المصريين، مسلمين ومسيحيين، دون توجُّـه واضح وملمُـوس نحو بناء دولة جميع مواطنيها. الدولة التي تستمد شرعِـيتها من حماية جميع حقوق المواطنة لجميع المواطنين، وعلى النُّـخبة المصرية أن تتحلّـى بالوعْـي والمسؤولية”.
علاج فجوة التصورات
من جهته، يرى الباحث والمحلِّـل السياسي حمدي عبد العزيز، أن “بداية طريق معالجة هذا الملف الذي يؤثِّـر على مسيرة الثورة ومستقبل مصر بأكمله، هو علاج فجْـوة التصوّرات بين الأغلبية والأقلية، حيث تسُـود الأغلبية تصورات خاصة، بأن الأقباط يريدون حماية دولية ويريدون بناء كنائس على كل شِـبر في مصر، فيما يتخوّف الأقباط من الصعود السياسي للحركات الإسلامية، وهذا الأمر يمكن البدء فيه بحوار مدني بين الأحزاب وفي أوساط الشباب”.
وقال عبد العزيز، المهتم بدراسة الفتنة الطائفية بمصر في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “إن المقاربة القانونية وحدها لا تكفي، خصوصاً إذا جاء القانون في ظل ضغوط خارجية أو قبطية مقابل رفض الإسلاميين، ولابد من مبادرات خاصة بالتعايش، وفقه جديد قائم على المواطنة والحريات الدينية للأقباط.. هنا تظهر المسؤولية الأخلاقية لإسلاميّي مصر”.
متفقا مع عبد العزيز، يعتبر الدكتور إبراهيم إلياس، مقرّر لجنة الشؤون السياسية بالنقابة العامة للمحامين ورئيس مجلس إدارة جمعية المساعي الحميدة في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: أن “علاج المشكلة الطائفية في مصر، يتلخص في محوريْـن اثنين: أولهما، عودة الإنتماء لمصر من الطرفيْـن (المسلم والمسيحي). وثانيهما، القضاء على الدعوة للمطالبات الفئوية، التي انتشرت منذ نجاح الثورة في الإطاحة بالنظام السابق، بشكل يكاد يذهب بمكاسب الثورة العظيمة”.
انعدام الثقة المتبادَلة!
ومن ناحيته، يقول المحلل السياسي علي جمال: “لا أتوقع انتهاء الموقف قريبا – يمثل علامة على دخول مصر في دوّامة من العنف لن تنجلي بسهولة، لابد من النظر إلى الحدث من زاوية أسبابه المباشرة. فهناك مرحلة من الفراغ السُّـلطوي في مصر، يقابلها مصطلح الدولة الرّخوة، التي تظهر عليها ملامح التسلّـط، ولكنها في الحقيقة لا تتمكّـن من فرض إرادتها على الجميع”.
ويضيف جمال، المحرّر السياسي بمجلة الإذاعة والتليفزيون في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “لا ألْـقي باللائمة على أجهزة الدولة وحدها. فالنظرة المتشكّـكة التي يُـروِّجها كثير من السياسيين إزاء المجلس العسكري الحاكم، ساهمت في خلق هذه البيئة من انعِـدام الثقة المتبادَلة، كما أن التباطُـؤ القاتل من مسؤولي البلاد في نقل السلطة، ساهم في خلق هذه الأجواء، أضـف إلى هذا الغياب المُـريب لحكومة شرف”.
“تطبيق القانون على الجميع!”
المحلل السياسي أحمد فوده، يرى من ناحيته أن “أحداث ماسبيرو الأخيرة، والتي راح ضحيتها 25 مصريا (مدنيا/ عسكريا/ مسلما/ مسيحيا) وأكثر من 293 مصابا، ليست إلا حلقة في إطار مسلسل يسعى إلى وقف طريق التطوّرات الديمقراطية التي تشهدها مصر، وهذا المسلسل، تشارك فيه قوى داخلية وخارجية. أما القوى الداخلية، فهي التي نطلق عليها فلول النظام، والتي تضم تلك القِـوى التي كانت تستفيد من وجود النظام السابق”.
وقال فوده، مدير مركز النخبة للدراسات بالقاهرة، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “أعتقد أن الحلّ يتمثل في أمر واحد لا بديل عنه، وهو تطبيق القانون على الجميع، مسلمين ومسيحيين، مع مراقبة أنشطة الكنيسة الدِّينية والمالية الضخمة، التي تساعدها في فرض سيْـطرتها السياسية على المسيحيين وتوجيههم ضد الدولة، كما حدث في ماسبيرو، وكما حدث من قبل وسيحدث مستقبلا، لو لم يتِـم إخضاع الكنيسة للقانون المصري”.
وأضاف فوده، “مع سرعة وضع قانون موحّـد للعِـبادة، يعتمد على معايير الأمم المتحدة التي تستخدم مِـعيار الكثافة السكانية، وليست المعايير التي وضعها قانون عصام شرف، الذي يعتمد على معيار المسافة، وهو معيار غريب ولا يوجد في أي قانون في العالم”.
القاهرة (رويترز) – قالت مصر يوم الخميس 13 أكتوبر، إنها ستبدأ في بحث جميع الحوادث التي وقعت خلال الشهور الماضية بسبب الخلافات حول بناء الكنائس، في محاولة لتفادي العنف الطائفي بعد أيام من مقتل 25 شخصا في مظاهرة لمسيحيين بسبب أحد هذه الخلافات.
وأعمال العنف التي وقعت يوم الأحد 9 أكتوبر، هي الأسوأ منذ الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير الماضي، وزادت المخاوف من اتِّـساع نطاق الاضطرابات الطائفية.
ويقول نشطاء مسيحيون إن القتلى سقطوا على أيدي قوات الأمن، التي قالوا إنها ردّت باستخدام قوّة غير متناسبة وبالاندفاع بعربات وسط الحشد، بعد أن هاجم “بلطجية” المحتجين.
وقال أسامة هيكل، وزير الاعلام في بيان أذاعه التلفزيون المصري، إنه جرى تكليف وزارة العدل “بتشكيل لجنة لبحث جميع الحوادث التي نشبت خلال الشهور الماضية بسبب الخلافات حول الكنائس… وتحديد المسؤولين عنها وإعلان التصرّف النهائي فيها.”
وكان وزير الإعلام يشير إلى حالات تعرّضت فيها كنائس لهجوم أو لحِـقت بها أضرار، من بينها حادث وقع في حلوان قرب القاهرة في مارس الماضي وآخر في منطقة إمبابة في العاصمة.
وقال هيكل إن الحكومة ستعمل على “توفيق أوضاع دُور العبادة المسيحية غيْـر المرخصة في جميع أنحاء الجمهورية”. ولم يقدّم تفاصيل، لكن التصريح يلمِّـح إلى أن الهدف هو تقنين وضع الكنائس محلّ الخلافات، وهو ما طالب به المسيحيون.
ويشكو المسيحيون منذ فترة طويلة من تمييز، يقولون إنهم يتعرضون له في مصر ويشيرون إلى لوائح تجعل بناء الكنائس أصعب من بناء المساجد. ويقولون إنهم يخشون من تفاقُـم العنف الطائفي بسبب ظهور الجماعات الإسلامية التي تعرّضت للقمع في عهد مبارك.
وخرجت مظاهرات يوم الأحد، على خلفية أحداث وقعت في قرية بمحافظة أسوان في جنوب البلاد في نهاية سبتمبر، حيث اتّـهم مسيحيون بعض المسلمين بتدمير جزء من مبنى، يقولون إنه كنيسة. ويقول المسلمون في القرية، إن المبنى ليس مرخّـصا، لكنهم ينكرون مهاجمته.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 13 أكتوبر 2011).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.