خبرة سويسرية لدعم مراقبة دستورية القوانين في تونس
في انتظار تأسيس المحكمة الدستورية، التي تعتبر من أهَم المكاسب التي تضمَّنها الدستور التونسي الجديد، أقْدَم المجلس الوطني التأسيسي على تكوين هيئة مؤقّتة لمراقبة دستورية القوانين، أثارت جدلا واسعا حول تركيبتها وصلاحياتها، لكن قانونها الأساسي حظي في نهاية المطاف بموافقة 131 نائبا وتحفّظ ثلاثة نواب (من مُجمل 217 نائبا) عند التصويت عليه يوم 15 أبريل 2014.
لدعم هذه الخطوة، تحرّكت أطراف من المجتمع المدني من أجل تحديد أكثر دقّة لهذه الخطوة النوعية، وكانت الخِبرة السويسرية حاضرة أيضا لتوفير الخِبرة من خلال المقارنة بين البلدين، رغم اختلاف النظامين والسياق التاريخ والسياسي للبلدين.
ورد الحديث عن هذه الهيئة في الفصل 148 من باب الأحكام الانتقالية للدستور التونسي، الذي نص على أنه “يحدث المجلس التأسيسي بقانون أساسي، خلال الأشهر الثلاثة التي تلي ختْم الدستور، هيئة وقتية تختص بمراقبة دستورية مشاريع القوانين (…) وتعتبر سائر المحاكم غيْر مخوّلة لمراقبة دستورية القوانين (و) تنتهي مهام الهيئة بإرساء محكمة دستورية”.
كان هذا الموضوع مِحوَر مائدة مستديرة بادرت بعقدها “المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية”، من أجل تعميق النظر في مجال اختصاصها وتنظيمها والصعوبات التي تعترِضها، وذلك من خلال تحليل مقارن في المسائل المتعلِّقة بالمحاكم الدستورية ومراقبة دستورية القوانين عموما.
السيد رضا فراوة سويسري من أصل تونسي متحصل على الدكتوراه في القانون، وهو خبير أيضا في التشريع الخاص بالتراث الثقافي.
يُشرف الدكتور فراوة حاليا على وحدة التشريع الأولى في المكتب الفدرالي للعدل، التابع لوزارة العدل والشرطة السويسرية. وتتمثل مهمة هذا القسم في مراقبة مدى ملاءمة كافة المشاريع التشريعية والإجراءات القانونية المعروضة على الحكومة والبرلمان لمقتضيات الدستور الفدرالي والقوانين المعمول بها في الكنفدرالية.
أعد السيد فراوة أطروحة دكتوراه حول الإتجار غير المشروع في الممتلكات الفنية وكيفية إعادتها. وبالتوازي مع دراساته القانونية، تابع دروسا في مجال التنقيب عن الآثار والتاريخ القديم كما شارك في بعثات للتنقيب عن الآثار في إيطاليا.
منذ عام 1986، عمل السيد فراوة مستشارا لدى منظمة اليونسكو وحرّر تعليقا مُوجزا على معاهدة اليونسكو لعام 1970، كما شارك في العديد من الملتقيات والمؤتمرات الدولية التي انتظمت تحت إشراف اليونسكو أو المركز الدولي للدراسات المتعلقة بصيانة وترميم الممتلكات الثقافية أو مجلس أوروبا أو الإتحاد الأوروبي، التي تطرقت إلى حماية الممتلكات الثقافية عموما والإتجار غير المشروع فيها بشكل خاص.
دعم منظمات المجتمع المدني
منذ نهاية شهر فبراير 2011، أي بعد شهر ونصف من مغادرة بن علي الذي أخضع دستور البلاد لمصلحته للسلطة، تقوم هذه المنظمة الدولية بتطبيق برنامج في تونس يهدِف إلى دعم قدرات عدد واسع من منظمات المجتمع المدني حتى “تصبح مؤسسات قوية ومستقلة بإمكانها أن تشكل جهات مراقبة لمسار الإنتقال الديمقراطي”.
كما يرمي هذا البرنامج أيضاً إلى “تعزيز فهم المجتمع المدني للديمقراطية الفهْم التام وتشجيعه على المطالبة بها، خاصة في مجال الحوْكمة الديمقراطية، كالمسائل الإنتخابية والدستورية”. ويتمتّع هذا البرنامج الممول بمنحة متعدّدة المصادر، وذلك من وزارة الخارجية الألمانية والاتحاد الأوروبي ووزارة الخارجية السويسرية.
الورشة التي انتظمت مؤخرا في العاصمة التونسية كانت مُوجّهة بالأساس إلى ممثلين عن المجلس الوطني التأسيسي، الذين تابعوا باهتمام مداخلتيْن رئيسيتيْن. كانت الأولى حول إجراءات إحداث هيئة مراقبة دستورية القوانين، التي ألقاها الأستاذ كزافيي فيليب، الخبير في القانون الدستوري لدى المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية ومدير معهد لوي فافرو التابع لجامعة “إيكس – مرسيليا” (فرنسا)، واستعرض خلالها أربعة عناصر أساسية، اعتبر أنه من الضروري توفرها في الهيئة الجديدة، وهي: هيكلة الهيئة من حيث تركيبتها وأعضائها، وإجراءات ضمان استقلاليتها المالية والإدارية واستقلالية أعضائها والهياكل الوظيفية والإدارية لها وآليات مراقبة دستورية القوانين.
أما المداخلة الثانية، فكانت للدكتور رضا فراوه، الخبير في مادة مراقبة دستورية القوانين لدى وزارة العدل والشرطة السويسرية، الذي دعم الخطوة التي أقدَمت عليها تونس بإنشاء هذه الهيئة المؤقّتة. وفي ورقته، استعرض النموذج السويسري في مراقبة دستورية القوانين معتبرا أنه “لا ينبغي الإستخفاف بأهمية مراقبة دستورية القوانين”، مؤكِّدا بالخصوص على أهمية هذه الرقابة كأداة لا غِنى عنها لحماية سيادة القانون وترسيخ ثقافة احترام الدستور على أرض الواقع.
الدكتور فراوه أشار أيضا إلى أن مراقبة دستورية القوانين “تتطلب موارد بشرية ومادية وبنية تحتية ملائمة”، كما تتطلب “معارف قانونية واسعة وتكوينا مستمِرا ومُلائما للكوادر” المكلّفة بالرقابة، إضافة إلى “أرشفة مُحَـيَّنة” للمعطيات القانونية.
في تونس، صادق المجلس الوطني التأسيسي، خلال جلسة عامة، عقدها مساء يوم 22 أبريل 2014، على القانون الأساسي المحدث للهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، بموافقة 131 نائبا وتحفظ ثلاثة نواب فقط.
وتمت المصادقة على كل مادة بمشروع القانون بالأغلبية المطلقة (109 نائب من أصل 217)، قبل أن يتم التصويت على المشروع برمته.
ستكون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين بمثابة محكمة دستورية مصغّرة مؤقّتة تتكوّن من ستة أعضاء، وهم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب والرئيس الأول للمحكمة الإدارية والرئيس الأول لدائرة المحاسبات (المحكمة المالية) وثلاثة أعضاء من أصحاب الإختصاص القانوني يعيّنهم الرؤساء الثلاثة.
بعد المصادقة على القانون، تم استكمال تشكيل الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، بعد أن عيّن كل من رئيس المجلس الوطني التأسيسي ورئيس الجمهورية ورئيس الحكومة بالتتابع الأعضاء الثلاثة المتبقين من ذوي الإختصاص القانوني.
ستكون الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين منوطة بمهام دور المحكمة الدستوريّة، إلى حين إنشاء هذه الأخيرة، حيث تتمثّل مهمّتها في النظر في احترام مشاريع القوانين التي صادق عليها المجلس التأسيسي (أو مجلس نواب الشعب القادم) لمقتضيات أحكام الدستور وعدم تعارضها معه وذلك قبل إقرارها من قبل رئيس الجمهوريّة.
(المصدر: وكالات)
المراقبة الحمائية لدستورية القوانين
وفي سياق حديثه عن النموذج السويسري في مراقبة دستورية القوانين، لفت الدكتور فراوه الذي يُشرف حاليا على وحدة التشريع الأولى في المكتب الفدرالي للعدل، التابع لوزارة العدل والشرطة السويسرية إلى “ندرة حالات صدور قوانين فدرالية متعارِضة مع الدستور، حيث أن كل مشروع قانون تتم صياغته، يكون مصحوبا بورقة حول دستوريته ومدى تطابُقه مع القانون الدولي”. وأكّد كذلك على أهمية التشاركية في المراقبة الحمائية لدستورية القوانين بين الإدارة والحكومة والبرلمان، مشيرا إلى أن المحكمة الفدرالية (أعلى سلطة قضائية في سويسرا)، هي التي تقوم بالفصل في الدعاوى المتعلقة فقط بانتهاك الحقوق الدستورية للمواطنين، دون أن تنظر في القوانين التي يشرّعها البرلمان الفدرالي.
في سياق متصل، اعتبر الخبير فراوه أن أحكام الهيئة المؤقتة لمراقبة دستورية القوانين في تونس، ورغم أنها مُقيّدة بفترة زمنية محدّدة، يجب أن تكون “مُلزمة لجميع الأطراف”، من أجهزة تنفيذية أو تشريعية أو قضائية. كما أشار إلى وجوب تمتّع أعضاء الهيئة بقانون يضبط حقوقهم وواجباتهم، وأن لا يُوضعوا في حالات أو وضعيّات تجعلهم خاضعين للتجاذُبات وتضارب المصالح.
من جهة أخرى، دعا الدكتور رضا فراوة إلى تمتيع أعضاء الهيئة بضمانات قانونية تحميهم من أيّ مساس بحقوقهم أو بصلاحياتهم، وأن لا يتم إعفاؤهم من مهامهم، إلا في حالات “خطيرة جدا”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.