خبير أمريكي: “عضوية فلسطين في الأمم المتحدة ستغيِّـر قواعد اللعبة”
مع اقتراب موعد انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ينتظر أن تحتدِم المعركة الدبلوماسية حول طلب الفلسطينيين منْـح دولة فلسطين على حدود عام 1967 العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
وفيما يتوقع المراقبون أن تستخدم الولايات المتحدة حقّ النقض (الفيتو) ضد أي توصية من مجلس الأمن للجمعية العامة بالموافقة على الطلب الفلسطيني، أرسلت إدارة الرئيس أوباما، المبعوث الأمريكي الجديد للشرق الأوسط ديفيد هيل، لمحاولة إثناء الرئيس محمود عباس عن التوجّـه بالطلب، في مقابل خارطة طريق جديدة تصدرها اللجنة الرباعية لتحديد أسس استئناف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، بحيث تقود إلى إقامة دولة فلسطينية، فيما حذر خبراء قانونيون ومسؤولون فلسطينيون من عواقب طلب عضوية كاملة لدولة فلسطين في المنتظم الأممي.
في هذا السياق، توجهت swissinfo.ch إلى البروفيسور فرانسيس بويل، أستاذ القانون الدولي بجامعة إلينوا والمستشار القانوني السابق لمنظمة التحرير الفلسطينية، لمناقشة ما في الطلب الفلسطيني من إيجابيات وما عليه من سلبيات محتملة.
swissinfo.ch: ألَـن يشكِّـل طلب الرئيس محمود عباس مجابهة لا يُـحمد عُـقباها مع الولايات المتحدة وما الذي سيُـمكن للفلسطينيين عمله إذا استخدمت واشنطن حقّ النقض؟
فرانسيس بويل: يجب أن يتذكّـر الجميع أن الرئيس عباس هو الذي قال إن خيار الفلسطينيين الأول والثاني هو المفاوضات، ولكن يجب أن تكون جدية. ويُـدرك الرئيس عباس أن الولايات المتحدة تُـعارض توجُّـه السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة بذلك الطلب وتريد عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات، ولم يكن الرئيس الفلسطيني راغبا في أي مجابهة مع إدارة أوباما، ولكن المشكلة منذ بدأت مفاوضات السلام في مؤتمر مدريد عام 1991، هي أن إسرائيل لا تتفاوَض بنيِـة حسنة، بل تتَّـبع منهج إسحق شامير في التسويف والمُـماطلة والتهرّب مما تُـوقِّـع عليه. وقبِـل الفلسطينيون العودة للتفاوض على أساس حدود عام 1967.
كما اقترح الرئيس أوباما في مايو الماضي، وكان نتانياهو الذي رفض، ولذلك أشعُـر بأمل في أن الولايات المتحدة قد تمتنع عن التصويت في مجلس الأمن حول الطلب الفلسطيني، ولكن إذا استخدمت حق الفيتو، فستدفع ثمنا دبلوماسيا لذلك، حيث ستزيد مشاعِـر العداء للولايات المتحدة في العالميْـن العربي والإسلامي، باعتبار أن واشنطن وقَـفت كحجر عَـثْـرة أمام تحقيق طُـموحات الفلسطينيين المشروعة.
وسيمكن للفلسطينيين استخدام القرار رقم 377 المعروف باسم “الاتحاد من أجل السلام” والذي يُـتيح للجمعية العامة للأمم المتحدة الالتِـفاف حول الفيتو الذي تستخدِمه إحدى الدول دائمة العضوية، لعرْقلة قرار المجلس يخصّ السلام في العالم ويمكن للجمعية العامة قَـبول دولة فلسطين على أساس حدود 1967 كعضو كامل العضوية بأغلبية ثُـلثَـي الدول المشاركة في التصويت، ولن يكون ذلك أمرا صعبَ المنال على الفلسطينيين.
واشنطن تهدِّد بقطع المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وإسرائيل تهدِّد بإلغاء اتفاقيات أوسلو وعدم تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة. فما الذي سيستفيده الفلسطينيون من عضوية دولة فلسطين بالأمم المتحدة؟
فرانسيس بويل: ستصبح دولة فلسطين العُـضو بالمنظمة العالمية، دولة خاضِـعة لاحتلال دولة مجاورة، وبذلك يمكن المطالبة بتحريرها كما حدث مع الكويت عندما احتلّـت أراضيها قوات عراقية.
كذلك، سيمكن لدولة فلسطين إقامة دعاوى قضائية على أكبر المسؤولين في إسرائيل، مثل نتانياهو وليبرمان وباراك وباقي الجنرالات أمام المحكمة الجنائية الدولية بتُـهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية، بل سيُـمكن للفلسطينيين، ولأول مرة، المطالبة بوقف الاستيطان وإزالة المستوطنات باعتبارها انتهاكا لقوانين جنيف.
كما سيُـمكن للفلسطينيين إقامة دعْـوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتُـهمة ارتكاب جرائم إبادة للشعب الفلسطيني وطلب عقْـد جلسة طارئة لإصدار أمر من المحكمة بوقْـف كلّ الممارسات الإسرائيلية في هذا الصدد. كما أن العضوية ستُـحوِّل كل الفلسطينيين في الخارج أوتوماتيكيا إلى مواطنين ورعايا للدولة الفلسطينية، بما يترتَّـب على ذلك من حقوق لهم في التنقّـل والسفر والتمتّـع بالحماية، وكذلك حق العودة إلى وطنهم.
ولكن ذلك لن يغيِّـر الحقائق على الأرض، طالما أنه لم يتم التوصّـل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، خاصة إذا قرّرت إلغاء اتفاقيات أوسلو؟
فرانسيس بويل: لا يوجد في اتفاقات أوسلو ما يمنع الفلسطينيين من ممارسة الفلسطينيين لحقوقهم الدولية وِفقا لميثاق الأمم المتحدة، كما أن إسرائيل حصلت على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة بشرط أن تقبل قرار الأمم المتحدة رقم 181 بتقسيم أرض فلسطين التاريخية بين اليهود والفلسطينيين في دولتيْـن مستقلَّـتيْـن مع إقامة وصاية دولية على مدينة القدس، وبالتالي، فإذا قرّرت إلغاء اتفاقيات أوسلو، فلن يستطيع أحد منعها، ولكن ستتحمّـل بكافة مسؤوليات الدولة التي تحتلّ أراضي دولة أخرى، حسب اتفاقيات جنيف، وهو ما حاولت إسرائيل تجنُّـبه بإقامة السلطة الفلسطينية إلى حين التوصُّـل إلى اتفاق سلام نهائي.
وكيف سيُـمكن التوصل إلى اتفاق سلام نهائي، عندما يختار الفلسطينيون طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة وتعتبر إسرائيل ذلك إجراءً أُحادِيا لا يترتَّـب عليه قيام دولة على أرض الواقع؟
فرانسيس بويل: في حقيقة الأمر، فإن منح دولة فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، سيُـغيِّـر قواعد لعبة السلام في الشرق الأوسط، فلن يضطر الفلسطينيون بعد ذلك إلى استجْـداء إسرائيل أو الولايات المتحدة للحصول على دولتهم.
فبعد اعتراف المجتمع الدولي بدولة فلسطين على حدود عام 1967 كعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة، سيكون الطريق أسهَـل إلى حلّ الدولتين، الذي سانده الرئيس بوش الابن ويسعى لتحقيقه الرئيس أوباما، حيث ستكون المفاوضات حينئذ بين حكومتَـي دولتيْـن، إحداهما فرضت احتلالها لأراضي الأخرى بالقوة المسلحة، ويمكن عند التفاوض الاتفاق على أسُـس الانسحاب وضمانات الأمن بين دولتيْـن عضوتيْـن في الأمم المتحدة في إطار معاهدة سلام، وِفق قواعد القانون الدولي، وليس الإملاء الإسرائيلي بفعل عدم وجود توازُن في القوة بين الطرفيْـن.
ولكن البعض يخْـشى من اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة، يمكن أن تكون أكثر عُـنفا ودمَـوية، حتى إذا نجح الفلسطينيون في إحراز نصْـر دبلوماسي بمنح دولتهم العضوية في المنظمة العالمية؟
فرانسيس بويل: يبدو أن إسرائيل تخطِّـط من الآن لتحويل نتائج التصويت على عُـضوية دولة فلسطين في الأمم المتحدة إلى جولة جديدة من العنف، لاستخدامه في تبرير تملُّـصها من السلام.
فوفقا لأحدث الخطط الإسرائيلية المُـسمّـاة “عملية بذور الصيف”، يقوم الجيش الإسرائيلي بتدريب وتسليح المستوطِـنين اليهود لممارسة عُـنف منظّـم ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، بمجرد خروجهم للشوارع للاحتفال بقَـبول طلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
ومجرّد ظهور المستوطنين كقوّة شبْـه عسكرية، ستُـثير غضب الفلسطينيين وقد يشتبِـك الجانبان في أعمال عنف مروِّعة، لتخرج القوات الإسرائيلية بآلتها العسكرية الضخمة وتستخدِم القوة المُـفرطة في قمْـع الفلسطينيين، كما حدث في الانتفاضة الثانية، ولكن ما يمكن أن يكون مختلِـفا هذه المرة، هو أن دولة فلسطين العُـضوة في الأمم المتحدة، سيمكنها مطالبة المجتمع الدولي بحماية مواطنيها من بطْـش قوات دولة مجاورة، مثلما حدث للكويت على أيْـدي قوات صدّام حسين.
رام الله (الضفة الغربية) (رويترز) – قالت مسؤولة فلسطينية إن الفلسطينيين لم يقرروا بعدُ كيف سيطرحون مبادرتهم للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة هذا الشهر مما يُظهر أن اليقين بشأن تفاصيل الخطة أقل مما أشير اليه في السابق.
وقالت حنان عشراوي العضو القيادي في منظمة التحرير الفلسطينية غن مبادرة الامم المتحدة خطوة باتجاه “كسر القبضة الاسرائيلية حولنا والإحتكار الامريكي لصنع السلام”.
وحذرت أيضا من ردود اسرائيلية “هستيرية” على الخطوة الدبلوماسية مُضيفة أن تقارير عن تدريب الجيش الاسرائيلي مستوطنين يهودا لمواجهة احتجاجات فلسطينية محتملة هو خطوة “قد تنفجر في وجوهنا جميعا”.
وفي ظل جمود عملية السلام التي تدعمها الولايات المتحدة يتوجه الفلسطينيون الى الجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك بهدف ترقية وضعهم الحالي في المنظمة ككيان مراقب.
ويقول الفلسطينيون إن هذه الخطوة محاولة لتعزيز موقفهم قبل أي استئناف لمحادثات السلام التي يسعون من خلالها للحصول على الإستقلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة.
وتنظر اسرائيل التي احتلت هذه الاراضي عام 1967 إلى المبادرة باعتبارها محاولة لتقويض شرعيتها. وتعارض الولايات المتحدة أوثق حلفائها هذه المبادرة قائلةإان المحادثات الثنائية وحدها هي التي تستطيع حل الصراع المستمر منذ عقود.
وقال مسؤولون فلسطينيون إنهم سيطلبون الحصول على عضوية كاملة في الامم المتحدة لفلسطين وهي خطوة يقول دبلوماسيونإانها ستدفع الولايات المتحدة لاستخدام حق النقض في مجلس الأمن وستؤدي لتوتر العلاقات مع واشنطن أحد المانحين الرئيسيين للسلطة الفلسطينية التي تعتمد على المساعدات.
وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية في شهر أغسطس الماضي إن الرئيس محمود عباس سيقدم الطلب خلال الاجتماع، لكن عشراوي التي تسافر الى نيويورك كأحد أفراد الوفد الفلسطيني قالت: “إنه لم يتم اتخاذ قرار حتى الآن”.
وقالت لرويترز “لدينا خيارات وبدائل عديدة ونبقي كل خياراتنا وبدائلنا مفتوحة. مازلنا نناقش مع كل أصدقائنا … الوسيلة الأفضل والأكثر فاعلية لمخاطبة الأمم المتحدة والحصول على العضوية”. وأضافت “نأمل أن نتخذ القرار قريبا لكننا سنتخذه ونحن في نيويورك لأننا لا نريد استباق أي خطوات حتى لا يكون هناك من يحاول تقويض جهودنا”.
وأوفد عباس عشراوي الى الخارج في اطار جهود في الآونة الاخيرة للحصول على أوسع دعم ممكن لمبادرة الأمم المتحدة. وقالت عشرواي إن الفلسطينيين لديهم الآن اعتراف من نحو 126 دولة وهو رقم قد يرتفع الى 130.
ونظرا لأن الفشل مؤكد في مجلس الامن فان أقصى أمل للفلسطينيين في النجاح هو طرح قرار في الجمعية العامة لرفع وضعهم إلى “دولة غير عضو” على غرار الفاتيكان.
وقالت عشراوي “مجلس الأمن خيار والجمعية العامة خيار .. الدولة الكاملة هي هدفنا. حتى إذا توجهنا عبر الجمعية العامة فإننا سنسعى أيضا لدولة كاملة”.
ويقول منتقدو المبادرة إن تأثيرها سيكون محدودا على الأرض وانها لن تقرب الفلسطينيين من الحصول على دولة مستقلة بانهاء الاحتلال الاسرائيلي في الاجل القريب.
لكن عشراوي قالت عن دوافع الخطوة انها ستسمح للفلسطينيين بمحاسبة اسرائيل بشكل أكبر. ومن المتوقع أن يمكن الاعتراف الفلسطينيين من الانضمام الى عشرات من منظمات الامم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية.
وأضافت “القيمة الاساسية هي أننا نعيد القضية الفلسطينية الى المجتمع الدولي والقانون الدولي… كما أننا نحدد أرضنا كأرض محتلة وبالتالي فان اسرائيل محتل معتد وغير شرعي ولا بد من محاسبته.”
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 5 سبتمبر 2011)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.