خطة “تفكيك جماعة الإخوان” في مصر.. هل تنجح؟
قالت ثلاثة مصادر أمنية في القاهرة إن السلطات المصرية ألقت القبض يوم الثلاثاء 17 سبتمبر على المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين جهاد الحداد في تطور كبير في حملة الحكومة التي يُساندها الجيش على الجماعة. وقالت المصادر لوكالة رويترز إن السلطات ألقت القبض على اثنين آخرين من المسؤولين في الجماعة في مسكن بالقاهرة.
في سياق متصل، يلحظ المتابع لتطورات المشهد السياسي المصري، تسارع الجهود الرامية لتنفيذ مخطّط تم إعداده بدقّة لتفكيك جماعة الإخوان المسلمين والقضاء عليها، في أعقاب عملية إنهاء حُكم الجماعة، وعزْل ممثِّلها الدكتور محمد مرسي بعد عام واحد من وصوله إلى سدّة الحكم عبْر انتخابات حرّة نزيهة، بدعوى “فشله في إدارة شؤون البلاد”، و”عدم قدرة جماعته على توحيد الصفّ ولمّ شمْل المعارضة”، ومن أجل “إنقاذ البلاد قبل السقوط في الهاوية”.
وطبقا لمعلومات متداولة، تقوم هذه الخطة على أربعة محاور أساسية، تشمل الأمني، من خلال إطلاق حملة اعتقالات مُوسّعة تُعيد للأذهان حملات 1954 و1965، طالت عددا كبيرا (تعدى 5 آلاف حسب الأرقام المتداولة في أوساط النشطاء) من قيادات ورموز الجماعة والحزب على مستوى الجمهورية، والمحور القانوني، الذي شمل التحرّك لحلّ جمعية الإخوان المسلمين، التي تمّ تأسيسها في 19 مارس 2013 وإجراء محاكمات عسكرية وإحالات للجِنايات لعدد من رموز الجماعة والحزب والإتّجاه لحل حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي للجماعة بحجّة “خروجه عن قواعد تنظيم العمل الحزبي” في مصر.
وهناك أيضا المحور الإعلامي، الذي يشمل حملة منظمة تشارك فيها وسائل الإعلام الحكومي والخاص، لتشويه صورة الجماعة، محليا ودوليا، وتقديمها للرأي العام كجماعة مسلّحة، تقوم باغتيالات وأعمال حرق وتخريب للمنشآت. وآخرها المِحور الإقتصادي، ويشمل تجميد أرصِدة الجماعة والحزب، والتحفّظ على أموال ومُمتلكات عدد من قياداتها ورموزها، ثم الكفالات التي تدفعها الجماعة للإفراج عن عدد من شبابها الذين يتِم اعتقالهم بشكل عشوائي.
المزيد
نبضُ القاهرة على قماشة فنان سويسري
“تخطّي الإخوان للأزمة.. بات صعباً”
في حوار مع swissinfo.ch، أوضح الكاتب الصحفي مُنير أديب، أن “الجهاز الأمني يوجّه ضربات مُتتالية للجماعة، في محاولة لإضعافها من خلال اعتِقال قيادات الصفّ الأول والثاني في التنظيم، واعتقال القيادات الشعبوية داخل التنظيم، ذات التأثير الأكبر، كما أنّ الجهاز الأمني يلعب على فكرة إحراج التنظيم أمام قواعده، من خلال إظهار أنه سبب الكوارث التي حدثت للجماعة، وهذا نوع من الضربات، ربما تظهر نتيجته على المدى البعيد”.
وردا على سؤال: هل تستطيع الكوادر المُتبقية خارج السّجون اليوم، الخروج بالجماعة من عنق الزجاجة؟ وقال أديب – الخبير في شؤون الحركات الإسلامية في تصريح خاص لـ swissinfo.ch: “لا تستطيع القيادات المُتبقية خارج السجون الخروج بالجماعة من عنق الزجاجة، لمجموعة أسباب، منها: أنّ القرار داخِل التنظيم مركزي، ولا يمكن لهذه القيادات أنّ تأخذ قرارا مصيريا في حق التنظيم بهذا الشكل، إلا بالرجوع لمرشد الجماعة محمد بديع ونائبها خيرت الشاطر؛ وكِلاهما رهن الإعتقال”.
وأضاف منير أديب “ولذلك، فإن الجماعة تسير على نفس المِنوال والشكل الذي سارت عليه من قبل (أيام محنة 54 و65 في عهد الرئيس عبد الناصر)، ولذلك، فإنني أتوقّع سقوطاً أكثر، وأغلب قيادات الجماعة تعيش الأزمة السياسية الراهنة على أنها مِحنة، وأنها قادرة على تجاوزها، وأنّ هذه المحنة جزء من أدبياتها، ومن ثم، فهي لا تسعى لحلها، متخيلة أنّ هذه المحنة تشد في عضد التنظيم”.
واختتم أديب بالتأكيد على أن “مشكلة الجماعة أنها دائما تعيش في حالة مظلومية، وتحبّ أنها تظهر على أنها كربلائية، فهذا جزء من خطابها الذي ربّت كوادرها عليه خلال أكثر من ثمانين عاماً، غير مُدركة بتمدّد التنظيم، وغير مُدركة لقوة أعداد التنظيم”، معتبرا أن “كل هذه الأسباب تؤكّد للباحث أنّ إمكانية تخطّي الإخوان للأزمة الحالية، بات صعبا ومستعصياً”.
منير أديب، كاتب صحفي
إمكانية تخطّي الإخوان للأزمة الحالية بات صعبا ومستعصياً
“محاولات التشويه.. لن تنجح”
من وجهة نظر مغايِرة، كشف الخبير الإعلامي الدكتور سعيد الغريب، أنه “فيما يتعلّق بالجانب الإعلامي، تظهر محاولات تفكيك الجماعة في عدّة إجراءات، أبرزها: غلق القنوات الدينية وكل القنوات الداعمة للإخوان أو لكل التيارات الإسلامية، فضلاً عن ملاحقة الكوادر الإعلامية للإخوان بالإعتقال، وإيداعهم السجون لسنوات طويلة من خلال الزج بهم في قضايا جنائية، للحصول على أحكام بالسجن”، بالإضافة إلى “تجفيف المنابع، بمحاصرة وملاحقة مصادر التمويل الاقتصادية للنشاط الإعلامي للجماعة في الداخل والخارج”.
وفي تصريح خاص لـ swissinfo.ch، يرى الغريب، الأستاذ بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن تفكيك الجماعة إعلاميا، يشمل حملة منظمة، تشارك فيها كل وسائل الإعلام، الحكومي والخاص، بهدف تشويه صورتها، محليا ودوليا، وتقديمها للرأي العام كجماعة مسلّحة، تقوم باغتيالات وأعمال حرْق وتخريب للمنشآت، وذلك في محاولة للقضاء على ما حرصت عليه جماعة الإخوان على مدى أكثر من ثمانية عقود، من أنها تنبذ العنف ولا تستخدِم السلاح. مشيرا إلى أن “هذا العمل يأتي بالتوازي مع الإجراءات التي أشرنا إليها سابقا”.
وردا على سؤال حول: هل تستطيع السلطة الحالية بمصر، تفكيك جماعة الإخوان المسلمين والقضاء عليها إلى غير رجعة؟ أجاب الخبير الإعلامي قائلا: “بصفة عامة، أنا لا أعتقد أن جماعة في حجم وتاريخ الإخوان المسلمين يُمكن القضاء عليها بهذه الإجراءات التي تتّخذها السلطة الحالية، وتاريخ هذه الجماعة الطويل والذي يمتد لـ 85 عاما، وما مرّت به من محن وابتلاءات وسجن واعتقالات ومحاكمات وإعدامات، يشهد على ذلك”، مضيفا أن “محاولات تشويه صورة الجماعة، محليا ودوليًا، لم ولن تنجح، لاعتبارات كثيرة”، على حد قوله.
“تنظيم كبير لا يقوم على القيادات”
من ناحيته، يعتبِر الباحث السياسي علي عبد العال، المتخصّص في شؤون الحركات الإسلامية أن “السلطة الجديدة التي تتولّى الأمور منذ انقلاب الجيش، ترغب في التخلّص تماما، ليس من الإخوان وحدهم، ولكن من كامل مكوِّنات الطيْف الإسلامي، بل وليس الإسلاميين فقط، وإنما من كل أشكال المعارضة، لهيْمنة الجيش على الأوضاع في البلاد”، مشيرا إلى “أننا نرى ما يحدث من اعتقال للقيادات السياسية والحزبية، ومطاردة الناشطين، سواء بالإعتقال أو القتل في ساحات التظاهُر، كما رأينا إغلاق القنوات الفضائية”.
وحول ما إذا كان بمستطاع الكوادر المتبقية خارج السجون اليوم، الخروج بالجماعة من عنق الزجاجة؟ أجاب عبد العال، مدير تحرير موقع “الإسلاميون”، في تصريح خاص لـ swissinfo.ch أن “جماعة الإخوان المسلمين، جماعة كبيرة لا تقوم بعدد من القيادات والكوادر، بل يمكن في لحظة من اللحظات أن تجد كل فرد يتحرّك من تلقاء نفسه، ونحن نرى بوادر لهذه التحرّكات الفردية الآن، من قبيل رغبة شباب الجماعة في التظاهر في ميدان التحرير أو ميدان رابعة العدوية، بالرغم من الدبّابات التي تحاصر هذه الميادين”.
وأضاف: “لا أظن أن اعتقالات قادة الجماعة سيُحجّمها. فالجماعة أكبر من ذلك، وسبق أن تعرّضت لضربات أشدّ من ذلك، لكنها ظلّت باقية، أضف إلى ذلك أن حالة القمْع غيْر العادية التي تعرّضت لها، أوجدت حالة من التعاطُف معها”، معتبرا أن “إجرام العسكر، ساهم كثيرا في تحسين صورة الإخوان، على عكس ما كان يظن، ودعك من الإعلام الكذّاب. فالموجود على الأرض، شيء آخر”، حسب رأيه.
علي عبد العال، باحث سياسي
سبق أن تعرّضت الجماعة لضربات أشدّ من ذلك لكنها ظلّت باقية
“جذور الجماعة راسخة في الواقع المصري”
على صعيد آخر، أوضح الكاتب والمحلل السياسي الدكتور حمزة زوبع، أن “العمل الإجتماعي الدّعوي، هو الجذر الراسخ للإخوان. وعليه، فإن تفكيك الإخوان مسألة تبدو مُستحيلة، لأن جذور الجماعة راسخة في الواقع المصري، ويصعب استئصالها، وإن تمّ تقليم بعض أغصانها”، مشيرا إلى أن “العامل الأمني ممكن أن يكون مؤثرا، لكن تاريخيا، كان الإخوان يستعصون على الحلول الأمنية، ولا يمكن للأمن حِصار أو إبادة أفكار ترسّخت على مدار أكثر من ثمانية عقود”.
وفي تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch، أشار زوبع، المتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، إلى أن “المحور الإعلامي يمكن أن يؤثر، لكنه وفي عصر التكنولوجيا والتواصل عبر الشبكات الإجتماعية، بات صعبا أن تحاصر فكرة أو تنظيما، كما بات مستحيلاً أن تمرر حملة الأكاذيب والشائعات، دون أن تجد من يقول لك قِف مكانك، إنك تكذب”.
وأضاف حمزة زوبع أن “المحور الإقتصادي قد تتم مواجهته بإجراءات تعسُّفية، لكنها في النهاية تنال من سمعة الإقتصاد المصري، لأن المُستثمر الأجنبي سيتوقّف ويسأل نفسه: لماذا أستثمر في بلد تطارد مستثمريها من الإخوان، وهم ليسوا بالعدد القليل”، معتبرا أن “المستثمرين الذين جرّبوا الشراكة مع الإخوان، سيشكلون جبهة دفاع قوية ضد الإنقِلاب، إن حاول النيْل من استثماراتهم”.
“أما بالنسبة للمحور القانوني – والكلام ما زال لزوبع – فإن تطبيق القانون في الداخل على الجميع، ومنهم الإخوان، وهو أمر بات مشكوكا فيه، لأن الإعتقالات تغطيها أوامر ضبط واعتقال، وتتلوها قرارات تمديد للحبس الإحتياطي على ذمّة القضايا، دون أن يلتقي وكيل النيابة المتّهمين، كلاً على حده، لأنه يذهب إليهم في السجون ويجدد لهم جماعة، وهو أمر مخالف للقانون، سواء من جهة الذهاب للمتهم أو من جهة التجديد بتلقائية، ولدينا شكوك كبيرة في توجّه القضاء ضد الإخوان المسلمين عموما”.
وقال زوبع: “الإنقلابيون يعرفون قدرات الإخوان وقوّتهم السياسية وتأثيرهم على الشارع، لذا، فهم يخشون من إبعادهم بالكامل، لأن هذا سيصبّ في صالح الإخوان لأن الشارع سيتعاطَف معهم، وهذا يعني أن قوّتهم التصويتية، حتى مع تغييبهم السياسي، ستؤثر، وهذا قد يُلجِئ الانقلابيين إلى التزوير، وهو ما يعني مزيدا من التشكيك في شرعية الانقلاب، وكافة الإجراءات التي تلته، حتى لو جاؤوا برئيس منتخب”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.