دبلوماسي وحقوقي يدعوان إلى تحكيم القانون في ليبيا بدل الثأر
في ظل التطورات المتسارعة والمتلاحقة التي تشهدها الثورة الليبية، تعالت أصوات، حتى في صفوف الجالية الليبية في سويسرا، للدعوة إلى تحكيم القانون وتجنب الأخذ بالثأر فيما يتعلق بأتباع العقيد القذافي ومعاونيه ممن لطخت أياديهم بدماء الليبيين.
ويتطلع من حاورتهم swissinfo.ch في هذا الصدد إلى رؤية ليبيا الغد كــ “دولة قانون متحررة من حكم الفرد والعائلة”.
تابع أبناء الجالية الليبية في الخارج باهتمام كبير وبقلق شديد التطورات الأخيرة للثورة الليبية، وبالأخص انتفاضة أهالي طرابلس ودخول قوات ثوار 17 فبراير إلى العاصمة. فهم من جهة أرادوا معرفة الكيفية التي سينتهي بها النظام الذي كان السبب في هجرة غالبيتهم، ومن جهة أخرى، كانت غالبتيهم تتوجس من معركة تحرير طرابلس لأنهم يعلمون أن القذافي سيبذل فيها المستحيل، وقد تسفر عن خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات.
ولا يخرج أبناء الجالية الليبية في سويسرا عن هذه القاعدة مثلما اتضح لـ swissinfo.ch من خلال ردود فعل اثنين منهم ممن تابعوا الأحداث عن كثب، السيد عادل شلتوت نائب رئيس بعثة ليبيا لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة في جنيف والشخص الذي ألقى خطاب الاعلان عن الانفصال عن نظام العقيد القذافي في بداية الثورة والانضمام الى صفوف الثوار، والسيد خالد صالح، الأمين العام لمنظمة التضامن لحقوق الإنسان في ليبيا، وهي المنظمة التي حاولت انطلاقا من مقرها في جنيف فضح انتهاكات النظام الليبي لحقوق المواطن الليبي طوال العقود الماضية.
“لحظة تاريخية”
عن الاجتياح السريع لأغلب أحياء طرابلس من قبل الثوار، يقول السيد عادل شلتوت، الرجل الثاني في بعثة ليبيا لدى الأمم المتحدة في جنيف: “إنه أمر كان متوقعا لأن التاريخ علمنا أن الدكتاتوريات تنهار بسرعة. ولئن لم أكن اتصور كيفية حدوثه بالضبط، إلا أنني كنت مقتنعا بأن إرادة الشعوب لا تُقهر”.
وهذا بالضبط ما قاله عادل شلتوت أمام مجلس حقوق الإنسان أثناء الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان حول ليبيا يوم 25 فبراير 2011 عندما أعلن انشقاق أعضاء البعثة عن نظام القذافي وانضمامهم إلى ثورة السابع عشر فبراير بقوله “البقاء للشعوب، أما الحكام فهم زائلون”.
خالد صالح، الأمين العام لمنظمة التضامن لحقوق الإنسان الليبية وصف ما تم بـ “اللحظة التاريخية” على الرغم من استمرار بعض الجيوب في المقاومة، لأنه ممن كانوا يتخفون من حدوث مجازر كبرى. وقال ضمن هذا السياق: “بفضل الله تمت عملية تحرير طرابلس بشكل منساب وميسر لم نكن نتوقعه رغم اتصالنا بمجموعات كانت نشيطة داخل طرابلس منذ فترة طويلة. وفي الواقع، نجاح هذه العملية تم بفضل الله سبحانه وتعالى وبفضل التنسيق المحكم الذي تم مع المجلس الوطني الانتقالي”.
ويتذكر السيد خالد صالح معاناة شعب طرابلس من قصف بالطيران لمتظاهرين عزل، وتركيز لقوات القذافي في المدينة لمنع لجوء أهلها كباقي سكان المناطق المحررة للحصول على الأسلحة، وللإبقاء على ورقة سياسية يمكن للقذافي التفاوض بها مع الغرب. وكان من نتائج هذا الحصار المحكم لمدينة طرابلس حسب السيد صالح “سقوط “ما بين 20 و30 ألف قتيل حسب التقديرات”.
تصرفات غريبة يصعب توقعها
مع انهيار نظام القذافي واستسلام عدد من قادة كتائبه وإلقاء القبض على عدد آخر، تعددت التساؤلات بخصوص المصير الذي سينتهي إليه العقيد القذافي. لكن السيد عادل شلتوت لا يرغب في الدخول في متاهات تصور السيناريو الأقرب لما قد يختاره العقيد القذافي في مواجهته الأخيرة مع ثورة شعبه لأنه كما يقول “العقيد القذافي معروف بتصرفاته الغريبة، وبالتالي لا أستطيع أن اتكهن بالطريقة التي سيخرج بها من هذه الوضعية”.
السيد خالد صالح يصل إلى نفس الخلاصة قائلا: “هذا الرجل غير سوي ولا أحد يمكن أن يتنبأ بردود أفعاله ولا حتى بأفعاله”. ويضيف “لكن ما أرجحه هو أن الرجل لا يزال موجودا في طرابلس لأنه يعيش في الوهم، وجميع خطاباته تقول هكذا، وكأنه لا يزال يعتقد بأن له أنصارا وأنه يمكن أن يحركهم بالملايين”.
انتهاء ما يسمى بحكم الرجل الواحد
إن كان المجتمع الدولي يتوقع زوال نظام القذافي بشكل نهائي في غضون الأيام القليلة القادمة، على الرغم من استمرار بعض بؤر المقاومة في العاصمة، فإن الجميع بدأ يتطلع إلى معالم ليبيا الغد التي قامت من أجلها هذه الثورة.
وهذه المعالم في نظر السيد عادل شلتوت تتمثل في “دولة قائمة على أساس احترام القانون، وحقوق الإنسان، والعدالة الاجتماعية، وتوفير فرص العمل للجميع، وتنمية البلد، بنائه على أساس تداول سلمي للسلطة، وأن يكون فيها الفيصل هو صندوق الاقتراع بعد تشكيل الأحزاب”.
أما السيد خالد صالح فيرى أن معالم ليبيا الغد تتمثل في “نهاية حكم الرجل الواحد أيا كان الرجل وأيا كانت صفاته”. ويشرح وجهة نظرته قائلا: “نريد تكوين دولة قانون يحكمها الدستور، ودولة تُحدد فيها المسؤوليات، خلافا لما كما كانت عليه الأوضاع سابقا، ولم نعد نطيق سماع شخص يمتلك الكثير من المسؤوليات دون أن يُحاسب أمام القانون”.
تخوفات مبالغ فيها
إلى جانب الفرح الذي يبديه أبناء ليبيا من قرب انتهاء نظام القذافي، تتعالى مخاوف بعض الأوساط، وبالأخص من خارج ليبيا، من خطر ظهور النزعة القبلية أو تعاظم نفوذ الجماعات الإسلامية المتطرفة. لكن لضيفيْنا نظرة مغايرة إذ يقول السيد شلتوت: “لقد أصبحت القبلية، حتى لدى الليبيين، مسالة اجتماعية ولا علاقة لها بالسياسة، وفي المدن الكبرى، وأنا من أبناء طرابلس، لا توجد قبلية لأن الناس تحتك ببعضها وتجاور بعضها البعض وتصاهر بعضها دون النظر إلى مسألة القبلية أو من أين أنت أو من أين جئت. ومن هنا، لا أظن بأن هناك تخوفا على ليبيا خصوصا في ظل وعي هذا الشباب الذي عانى طوال العقود الماضية من ظلم وقهر ودكتاتورية، وفي ظل تعطش الشعب الليبي اليوم لإقامة دولة ديمقراطية سلمية مبنية على أسس حقوق الإنسان وسيادة القانون والتداول السلمي للسلطة واحترام الحريات الأساسية”.
وبالنسبة لمن يتخوف من وجود عناصر إسلامية متطرفة في المجتمع الليبي، وضمن صفوف الثوار، يقول السيد شلتوت: “نحن بطبيعة الحال مجتمع مسلم، ليس في هذا شك، لكن الإسلام هو دين التسامح والمحبة والسلام وبالتالي ليس لدي أي تخوف. وحتى وإن وُجدت بعض التصرفات الفردية، فتبقى معدودة على أصابع اليد ولا يمكن تعميمها على الشعب الليبي بأكمله”.
دعوات لتحكيم القانون
ويصر محاورانا على ضرورة تفادي ارتكاب الثوار لنفس الأخطاء التي كان يرتكبها نظام العقيد القذافي للثأر من معارضيه، واللجوء بدل ذلك لتحكيم القانون والعدالة بالدرجة الأولى؛ إذ أوضح السيد عادل شلتوت أن “الإخوة في المجلس الوطني الانتقالي، وعلى رأسهم السيد مصطفى عبد الجليل، أكدوا على أنه لن يكون هناك ما يسمى بأخذ الحق باليد، وإنما كل شيء سيرجع للقانون لأننا سنكون في دولة يسودها القانون والعدل. فبالتالي كل من أجرم في حق الشعب الليبي ويداه مخضبتان بالدماء أو اختلس أموالا سيمثل بالتأكيد أمام محاكمة عادلة”.
خالد صالح، الخبير في شؤون حقوق الإنسان، يرى أن القذافي المطالب من قبل العدالة الدولية من الأفضل أن يُحاكم داخل ليبيا “لأن الليبيين هم من ذاقوا مرارة وتأثيرات حكم هذا الرجل، ودخوله في حروب خاسرة وممارسته الإعتقال وقتل المئات داخل السجون. ويجب أن يخضع لمحاكمة عادلة، وسنكون نحن من سيدافع عنه حتى يتحصل على المحاكمة العادلة. وهذه توصيتنا لجميع الجهات المؤثرة في داخل ليبيا لأننا اليوم بمثابة إرساء قواعد دولة قائمة على هذه المفاهيم”.
أمل في إقامة علاقات طيبة مع سويسرا
سويسرا، التي عرفت علاقات مضطربة مع نظام العقيد القذافي بسبب أزمة اعتقال نجله هانيبال القذافي في جنيف في صيف 2008، تتابع باهتمام كبير هذه التطورات، مثلما عبرت عن ذلك رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية ميشلين كالمي ري.
وبهذا الخصوص، يقول السيد عادل شلتوت الذي كان إبان هذه الأزمة ممثلا لنظام القذافي: “إن سويسرا دولة متقدمة جدا ولها تاريخ حافل في مجال حقوق الإنسان وفي الحيادية، وأنا، للحديث عن نفسي، لم أشعر في يوم من الأيام أنها كانت عدوة لنا. وحتى أثناء هذه المشكلة التي كانت قائمة (قضية هانيبال) كانت مسألة بين دولة سويسرا وعائلة القذافي، ونحن بحكم عملنا وجدنا أنفسنا في موقف حرج، ولكن مع ذلك لم يسئ لنا لا الشعب السويسري ولا الحكومة السويسرية”.
ويصر السيد عادل شلتوت على تقديم الشكر للسلطات السويسرية وللأمم المتحدة “الذين وقفوا إلى جانبنا ولم يتخذوا أية إجراءات ضدنا (بعد الانفصال عن نظام العقيد القذافي) لأنهم كانوا واثقين في أننا أصحاب قضية وأننا ننادي بحق طبيعي تنادي به كافة الشعوب، وأن المجلس الوطني الانتقالي يسعى لإقامة علاقات طيبة وودية مع سويسرا مثلما كانت دائما بين البلدين منذ استقلال ليبيا في عام 1951”.
أما السيد خالد صالح، الأمين العام لمنظمة التضامن لحقوق الإنسان الليبية، فهو يأمل أن “تدعم سويسرا منظمات المجتمع المدني التي بدأت تتشكل في ليبيا ماليا ولوجيستيا وبشكل استشاري، وهذا بالإضافة الى المساعدات الإنسانية الطارئة التي يحتاجها الشعب الليبي في هذه الحرب الجائرة التي أعلنها القذافي ضد شعبه”.
رحبت رئيسة الكنفدرالية ووزيرة الخارجية ميشلين كالمي-ري بالنهاية الوشيكة والمحتملة للنزاع في ليبيا. وقالت انه يجب النظر إلى المستقبل بتفاؤل، إذا كان سيتاح للشعب الليبي ممارسة المزيد من الحرية والديمقراطية.
وكانت وزيرة الخارجية قد أشارت في حديث مقتضب يوم الإثنيْن 22 أغسطس الجاري إلى التطوّرات المتسارعة في ليبيا، وذلك بلوتسرن على هامش المؤتمر السنوي للسفراء السويسريين المعتمدين في الخارج، مضيفة بأن سويسرا سوف ترسل سفيرا لها إلى طرابلس في أقرب الآجال الممكنة.
وأشارت الوزيرة إلى أن سويسرا لم تعترف بالمجلس الوطني الإنتقالي الممثل للثوار الليبيين، لأن سويسرا لا تعترف بالحكومات بل بالبلدان، لكنها ذكّرت أيضا بأن بلادها قد فتحت لها مكتب اتصال في بنغازي، معقل الثوار الليبيين.
من ناحية أخرى، شددت الوزيرة على أن برن تدعم سياسة الأمم المتحدة تجاه ليبيا. ومنذ شهر يوليو، اعتبرت سويسرا المجلس الوطني الإنتقالي، الممثل للثوار، المحاور الشرعي الوحيد في ليبيا. أمـا العلاقات مع نظام القذافي فكانت مضطربة بطبعها منذ اندلاع الأزمة بين البلديْن على إثر اعتقال هنيبال، نجل القذافي لفترة وجيزة على يد شرطة جنيف في يوليو 2008.
تلك الخطوة التي رد عليها النظام الليبي بإعتقال رجلي أعمال سويسرييْن هما رشيد حمدان، وماكس غولدي، وذلك يوم 19 يوليو 2008، وقد أطلق سراحهما تباعا في شهريْ فبراير 2010، ويونيو من نفس السنة.
أصدرت سفارة ليبيا في العاصمة السويسرية بيانا بمناسبة “تحرير العاصمة طرابلس من براثم القهر والظلم والاستبداد الذي مارسه العقيد القذافي وعائلته عليها طوال الـ 42 سنة الأخيرة”.
وتضيف السفارة الليبية “بسقوط طرابلس آخر معقل مهم للعقيد القذافي يمكن القول ان الستار سوف يسدل قريبا على حقبة سوداء من تاريخ ليبيا انفرد خلالها حاكم جائر بمقدرات الأمة وسخرها لغريزته المريضة في إقامة حكم دكتاتوري فريد لم يعرف التاريخ مثيلا له. فقد حول الدكتاتور دولة ليبيا الى مؤسسة شخصية لا هم لها إلا إرضاء وإشباع رغباته الشاذة والرغبات النجسة لأسرته. ووصل به التسلط الى حد جعل أهوائه قوانين للدولة ومن نزواته مشاريع وطنية ومن رذائله الخاصة مشاريع في الشأن العام، لقد خلط ولم يفرق بين المال العام وأصوله المالية الشخصية واعتبر ميزانية الدولة حسابا شخصيا له”.
وانتهى بيان السفارة الليبية في العاصمة السويسرية إلى توجيه تحية لثورة 17 فبراير منتهيا للتعبير عن “الثقة من انها سوف تستمر في قيادة السفينة بكفاءة إلى مرفئها الأخير: دولة الحرية والعدالة والديمقراطية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.