دراسة رسمية مصرية: منظومة القِـيم بحاجة لإنقاذ عاجل!
كشفَـت أوّلُ دراسةٍ مصريةٍ شاملةٍ لمنظومةِ القِـيم في المجتمع المصري خلال الخمسين عامًا المنصرمة عن نتائِـج مثيرة، في مقدمتها: شعور المواطِـن المصري بالظُّـلم واليَـأس والإحْـباط وغِـياب العدالة وانعدام الثِّـقة بين الشعب والحكومة وانحياز الدولة لرجال الأعمال وأصحاب النُّـفوذ على حساب البسطاء.
واعتبرت الدراسة أن “زيادة أعداد الفقراء ومَـن يعيشون تحت خطِّ الفقر، دليلٌ على الخلَـل الموجود في منظومة العدالة الاجتماعية”، وأن “التغيّـرات التي شهِـدها المجتمع المصري تركت آثارا كبيرة علي سلوكِـيات المواطنين ومنظومة القِـيم وشكل الأطر الثقافية والاجتماعية”.
ورأت الدراسة، التي كلف بها الدكتور أحمد درويش، وزير التنمية الإدارية، الدكتور أحمد زايد، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة القاهرة، أن “منظمات المجتمع المدني، هي الأكثر قُـدرة على قيادة الإصلاح ومواجهة السلبيات، شريطة تقديم نماذج جيِّـدة تسعي للعمل التطوعي، لا لتحقيق مكاسِـب شخصية، وأن تقدِّم نماذِج حقيقية لإنكار الذّات والتَّـفاني في خِـدمة الوطن”.
وكان الدكتور أحمد درويش قد وصف الدِّراسة بأنها “أول دراسة عِـلمية ضخمة جدّاً، شملت كل محافظات مصر وممثَّـل بها جميع الفِـئات والتخصّـصات في المجتمع المصري، بشرائحه المختلفة”، وفيها سنحصل على إجابة شافية للتّـساؤل الدّائم عمّـا حدث في منظومة القِـيم في المجتمع المصري، متعجِّـبًا من أنه، على الرغم من أننا “شعب بالغ التديُّـن، إلا أننا نفصِـل بين المعاملات والعِـبادات، لدرجة انتشر معها الفساد الصغير، ليشكِّـل ظاهرة وأصبح سلوكاً يومياً.. حتى أن الدراسات الخاصة أثبتت أن نِـسبة الرّشوة بين موظّـفي الدولة وصلت إلى 55%”!
تغيُّـر القِـيم.. الأسباب والحلول!
وعلّـق الدكتور أحمد زايد، المشرف على الدراسة، على أهمّ التغيّـرات التي حدثت في منظومة القِـيم التي تحكُـم المجتمع المصري قائلا: “المنظومة القيمية في المجتمع المصري شهدت تغيُّـرات كثيرة، فأصبحت قِـيَـما مادِية، وقلّـت معايير الثِّـقة بين الناس، كما شهدت خلَـلا في منظومة العدالة الاجتماعية وزادت حالات الفساد والرّغبة في الكسْـب المادّي السريع، سواء من خلال تقديم الخدمات المجانية في الهيئات الحكومية بمقابل مادّي، وهو ما يُـعرف بالرّشوة أو الإكرامية”.
وحول الفجوة التي كشفت عنها الدراسة بين المُـعاملات والعِـبادات، قال الدكتور أحمد زايد في تصريحات صحفية: “لا يوجد اتِّـساق بين القول والفِـعل. فرغم أن التديُّـن ينتشِـر بشكل عام، إلا انه تديُّـن شكلي ولا يمَـس جوهر الدِّين الحقيقي والمُـعاملات بين الناس. البعض يتصوّر أن التديُّـن يعني ارتِـداء ما يُـسمي بالزيِّ الإسلامي أو المبالغة في أداء العِـبادات، بينما أن التديُّـن الحقيقي لابد أن يمتدّ إلى السلوكيات من رفض الرّشوة والفساد”، مشيرًا إلى أننا “كأفراد ومنظمات وهيئات مسؤولون عن ذلك”.
واعتبر د. زايد أن “السبيل إلى الإصلاح لابد أن يكون كلِّـيا، وليس جزئيا. فيجب أن تكون هناك مُـراقبة لتنفيذ هذه المبادئ في كل قطاعات المجتمع والاهتمام بإصلاح النُّـظم التعليمية. فدور المدرسة لا يجب أن يقتصِـر على تلقين المواد الدراسية، بل يجب عليها أن تُـمارس دوراً أكبر في تعليم التلاميذ السلوك الحَـسن والصِّـدق والثقة في الحياة والمجتمع والدولة”، موضحًا “أننا نعيش في مجتمع يجِـب أن نتفانى في خِـدمته وننكِـر الذّات في سبيله. فليس منطِـقيا أن يردِّد المُـدرِّس شِـعارات الصِّـدق والأمانة والإخلاص في العمل أمام طلاّبه، ثم يطالِـبهم بأن يحصلوا لديه على درس خصوصي”!!
وحول دور منظمات المجتمع المدني في علاج منظومة الخلَـل الاجتماعي، كشف د. زايد عن أن “هناك نماذِج عديدة لمنظمات المجتمع المدني. فهناك جمعيات تنمية المجتمع، وهي غالبا ما تكون ذات صِـبغة حكومية، وهناك جمعيات ذات طبيعة خاصة، مثل الجمعيات الفِـكرية والثقافية التي يقوم بتكوينها مجموعة من الأفراد، تجمعهم ثقافات ومُـيولات واحدة، وهناك الجمعيات الشرعية أو الدِّينية، سواء الإسلامية أو القبطية، وهذه هي الأهَـم لكونها الأقرب إلى المواطن، والمسؤولية المُـلقاة على عاتقها كبيرة، بشرط أن تسعى إلى تقديم نماذِج صالِـحة للتطوّع وأن تعِـي جيِّـدا أن نشاطها قائم على خِـدمة المجتمع وبثّ القِـيم الاجتماعية وتقديم نماذِج جيِّـدة للمواطن”.
وفي تحديده لأهَـم العوامل التي ساهمت في إحداث التغيير، أوضح زايد أن هناك “عوامِـل عديدة، أهمها انتقال المجتمع من النظام الاشتراكي إلى النظام الرأسمالي بصورة سريعة للغاية خلال الـ 20 عاما الماضية ومن قبل هذيْـن النظاميْـن، ومنذ 50 عاما، كان هناك نظام ليبرالي رأسمالي يقوم على الإقطاع وملكية مساحات كبيرة من الأراضي، ثم ظهَـر النظام الاشتراكي الذي تمتلك فيه الدولة جميع أدوات ووسائل الإنتاج مثل: البنوك والمصانع وجميع الأنشطة المختلفة”، معتبرًا أن “الدولة كانت تلعَـب الدّور الأساسي في كل شيء، ثم بدأت تنسحِـب وتتحوّل إلى نظام شِـبه رأسمالي”، وأن “هذه التغيّـرات تركت آثارًا على سلوكيات المواطنين ومنظومة القِـيم وشكل الأطر الثقافية والاجتماعية”.
متغيِّـرات القِـيم في التسعينيات!
وقد أشارت الدراسة إلى أن المواطن المصري قد دخل في حِـقبة التسعينيات في ظل عدّة متغيِّـرات في القِـيم والسلوك، في مقدمتها:
1- انتفاء قيمة العدالة: حيث عَـلا شأن لاعبي الكرة والفنانين، في حين تراجَـعت حظوظ المفكِّـرين والعلماء وغابت العدالة الوظيفية بسبب المحسوبية، والعدالة السياسية جرّاء تزوير الانتخابات، والعدالة الاقتصادية بسبب الرشوة والفساد، والعدالة الاجتماعية بسبب تصعيد المُـنافقين والمؤيِّـدين وكتّـاب السلطة. ومن ثم، باتت قِـيم النِّـفاق والوصولية والنفعية والتواكل والصعود على أكتاف الآخرين، هي الصِّـفات الغالبة. وغدا التّـفاني في العمل أو العِـلم والابتكار وتعليم الأجيال، من الأمور غير المرحَّـب بها.
2- انتفاء قيمة الخَـير والحُـب، إذ أصبح الخير والسّـعي إليه والعمل على تحقيقه، سواء للذات أو للآخرين، من الأمور النادرة، وكأنه أصبح معقودا على الذات فقط. فكل شخص يتمنّـى الخيْـر لنفسه ولذَويه فقط. فإذا كان بمقدوره أن يُـساعد الآخرين فيه ويوفِّـره لهم، ظَـنّ به وبخل على تقديمه، حتى لا ينعم الآخرون به.
3- تراجع قيمة القُـدوة، إذ أصبح الناس يفتقِـدون النموذج الذي يقتَـدون به، خصوصا في ظِـل انتشار أخبار فساد أصحاب المناصِـب العليا والزّعماء السياسيين والروحيين، ولأن المصري مرتبِـط منذ عصور الفراعنة بفِـكرة الشخصية «الكاريزمية» المُـوحية والمؤثرة، فإن شُـيوع تلك النماذج كان له تأثيره السّـلبي المباشِـر على قِـيم الأجيال الجديدة.
4- تراجع قيمة الإحساس بالأمان والطمأنينة، ففي عهد عبد الناصر، كان ميْـل المصري للطُّـمأنينة قويا، لاعتماده على شخصِـه وعلى الدولة التي وفّـرت له كل شيء. وفي عهد السادات، بدأ القلق والاكتئاب يتسرّبان إليه، واستمر ذلك خلال الثمانينيات والتسعينيات وحتى اليوم، إلى أن لوحظ أن المصري أصبح مسكُـونا بالانفِـعالات المختفية تحت بعض الصّـمت والسكينة، الأمر الذي يعبّـر عنه بالمجاملة حينا وبالنفاق حينا آخر، وانتهى الأمر به أن هرب إلى الغيبيات، حيث الطُّـمأنينة المزيّـفة، وامتزجت عنده رُوح الفُـكاهة بالاكتئاب، حتى أصبحت الفُـكاهة تعبيرا عن المرارة والسخرية، وليس عن المرح.\
5- تراجُـع قيمة الأسرة، التي أصبحت تواجِـه خطر التفكّـك في ظل غياب التّـراحم وزيادة مؤشِّـرات الفردية والأنانية والاستغراق في المظهرية والتطلّـعات الشخصية.
6- تراجع قيمة الانتِـماء للوطن، إذ أصبح المواطن المصري جزيرة منعزِلة مستقلّـة عن الوطن، يشعُـر بوِحدة غريبة وانكفاء على الذات، وذلك نتيجة لإقصائه عن أي مشاركة، إضافة إلى أنه لم يعُـد يشعر بأن الدولة تحتضِـنه وترْعاه، ولذلك لم يعُـد غريبا أن تتزايد معدّلات الهِـجرة إلى الخارج وأن يغامر الشباب بالتسلّـل عبر الحدود والتعرّض لمخاطر ركوب البحر واحتمالات الغرق، لكي يصِـلوا إلى الشواطئ الأوروبية، التي يحلمون بأن يحقِّـقوا بعض أحلامهم على ضِـفافها.
7- تراجع قيم العِـلم والعمل وازداد احتقار اللغة، كما تراجع التفكير العلمي ومعهما تراجعت قيمة العمل الذي أصبح مقصورا، إما على أصحاب الواسِـطة أو خرِّيجي الجامعات الأجنبية. وإزاء انتشار الفساد، تراجعت قيمة الأمانة وشاع التسيّـب واللامبالاة.
من الخمسينيات إلى الثمانينيات!
وفي رصدها لتطوّر قِـيم المجتمع المصري منذ منتصف القرن الماضي، أوضحت الدِّراسة أنه في الخمسينيات سادت قِـيم العدالة الاجتماعية والمُـساواة وأن التوسُّـع في التعليم ساعد على إزالة الحواجِـز الفاصلة بين الطّـبقات الاجتماعية، خصوصا في ظِـل مجانية التعليم الجامعي، مؤكِّـدة أن الحال قد تغيّـر في السبعينيات والثمانينيات وأن ذلك كان في صالِـح الإسراع بمعدّل الحِـراك الاجتماعي، إذ اختلفت سياسة الدولة من التقييد إلى الانفتاح ومن التدخُّـل في شؤون الاقتصاد إلى الانفراج والحرية، مما ساعد على بُـروز قِـيم الفردية والأنانية.
وفي تلك الفترة، برزت قنوات أخرى ساعدت على حدّة الصعود والهبوط للطبقات الاجتماعية، فظهرت الشركات الانفتاحية والبنوك الخاصة ومكاتب التصدير والاستيراد والمكاتب الاستشارية الأجنبية، وأصبح العمل في خِـدمة كل ما هو أجنبي، طموحا ومتميّـزا، ليس فقط على المستوى الرسمي، بل أيضا على مستوى الثقافة الشعبية، وهو ما أدّى إلى ظهور مؤشِّـرات للتميّـز الاجتماعي، صحبها اتِّـجاه لاستخدام لغة الأجنبي وعاداته، كما زادت طموحات الأفراد واتجهت الأنظار نحو البحث عن جميع الوسائل المشروعة وغير المشروعة للعمل في القِـطاع الخاص والأجنبي، الذي يدر دخلا أعلى ومكانة أرفع، مما ساعد على ظهور قِـيم التملّـق والنِّـفاق وإحلال الولاء، محلّ الكفاءة في العمل.
وقد شهدت تلك المرحلة هجرات واسعة من جانب العمّـال والحِـرفيين المصريين إلى دول النفط (الخليج)، ممّـا أدى إلى تراجُـع قِـيم الاستقرار وهَـيبة الغُـربة، وأسهمت الهِـجرات في زيادة دخول فئات كثيرة سعَـت إلى تغيير مراكِـزها في السُلَّـم الاجتماعي وزيادة حدّة الطموح الاستهلاكي، وحرص هؤلاء على إثبات التميُّـز الاجتماعي، مما ساعد على ظهور المُـباهاة الاجتماعية والنَّهم في اقتناء الغالي والثمين، كما ساعد على بروز التعالي والأنانية، حين زادت السيولة النقدية بمعدّل أكبر من الزيادة في السِّـلع والخدمات، وهو ما عمَّـق التضخُّـم الانفتاحي الذي أدّى إلى ظهور شرائِـح جديدة مثل: ملاّك العقارات الجُـدد وأصحاب المِـلكيات الزراعية وأرباب الصناعة وتجّـار الجُـملة وأصحاب مكاتب التّـصدير والاستيراد.
وهؤلاء تقاطعوا مع شرائِـح أخرى كانت تنتمي إلى الطبقات الدُّنيا، مثل الحِـرفيين وعمال البناء والعمال الزراعيين، الذين استفادوا من نُـدرة العمل النّـاجمة عن الهجرة. هذا المناخ أسهم في ظهور الفساد بأشكاله المختلفة وعلَـت قيمة الشطارة وانتِـهاز الفرص وتنمية العلاقات الشخصية بأصحاب النفوذ، وهانت فضائل وقِـيم كثيرة مثل: احترام الكلِـمة والتمسُّـك بالكرامة الشخصية، وظهرت أنواع جديدة من الجرائم، كانهيار العِـمارات حديثة البناء وشيوع الرّشوة وقتل الوالدين.
هذا المعدّل غير المسبوق في الحِـراك الاجتماعي، أحدث تقلُّـبات عنيفة في المركز النِّـسبي للطبقات، كما أحدث خلَـلا في القِـيم السائدة، تجلّـى فيما يلي: انتشار الرّموز التي تدُل على الصعود الطبقي “المظهرية” والاندفاع في الاستهلاك وانتشار الاستثمار غير المُـنتج، الأسرع في العائد والأقل في المخاطرة والتهرّب من الضرائب لعدم الثِّـقة في أداء السلطة وضُـعف التمسُّـك بالأخلاق وتقدّم قِـيم الشطارة والفهلوة واهتبال الفرص، وتفكِّـك روابط الأسرة بسبب الحِـرص على الكسْـب السريع وتنامي التطلُّـعات الطبقية وذيوع التغريب والتعلّـق بما هو أجنبي في المظهر والسلوك وتغير المناخ الثقافي وتدهْـوَرت لُـغة الخطاب التي دخلت عليها العامية المُـبتذلة والمفردات الإنجليزية.
وكشفت الدراسة التحوّلات التي طرأت على الشخصية المصرية خلال العقود الأخيرة، بسبب التحوّلات الجذرية التي طرأت على بِـنية المجتمع، حتى أنها أصبحت أكثر سَـلبية وعُـدوانية، وصارت أقلّ ثِـقة بالنفس وأكثر اعتمادا على الآخرين ولجأت إلى تضخيم الذّات والمبالغة في التّـعبير عن المشاعر، ناهيك عن التَّـمركُـز حول الذّات وعَـدم المُـثابرة، مع الاستسلام للحماس المؤقّـت والانفعال وردود الأفعال.
الدراسة.. جرأة وملاحظات وتعليقات!
وفي مقال له بعنوان “محاكمة مُـثيرة لقِـيَـم المصريين”، علّـق الكاتب الصحفي المصري فهمي هويدي على الدراسة قائلا: “قليلة في مصر والعالم العربي دراسات القِـيم السائدة في المجتمع، ليس فقط لأننا نؤثِّـر تضخيم الذات وليس نقدها، ولكن أيضا لأننا – خصوصا حين نتحدّث عن التغيير – نتّـجه بأبصارنا إلى السلطة بأكثر مما نرصد واقع المجتمع”، مشيرًا إلى أن في هذه الدراسة “ما يستحِـقّ القراءة والرّصد، لأنها شهادة خلَـت من المُـجاملة لمؤشِّـرات السَّـير والسُّـلوك في المجتمع المصري وأنها – للغرابة – صدرت عن مركز تابِـع لمجلس الوزراء في مصر”.
واستغرب هويدي أن “يتبنّـى مركز المعلومات ودعم القرار بمجلس الوزراء، البحث الذي أعدّه مركز الدراسات المُـستقبلية حول الموضوع”، كما استغرب أكثر حول “مدى الجُـرأة التي اتَّـسم بها البحث، الذي حاول أن يُـجيب عن عدّة أسئلة مثل: ماذا حدث للإنسان المصري؟ وما الخلل مواطن في سلوكه ومنظومة قِـيَـمه؟ وما السبيل إلى علاجها؟”، معتبرًا أن “دراسة تطوّر السلوكيات والقِـيم السائدة في مصر، عمرها خمسون عاما تقريبا، وأن أول مَـن أجرى بحثا في هذا الموضوع، كان الدكتور محمد إبراهيم كاظم رحمه الله، الذي كان أستاذا بكلية التربية آنذاك، إذ أجرى بحثه وقتذاك على قِـيم شباب الجامعات. وبعد عشر سنوات، تابع دراسته على عيِّـنة أخرى من شباب الجامعات، لرصْـد اتجاهات التّـغيير في سلوكياتهم وتطلُّـعاتهم”.
وأضاف هويدي: “لابد أن تقدّر شجاعة الباحثين الذين أعدّوا الدراسة ولم يتردّدوا في نقد الذات وتسليط الأضواء على عُـيوب المجتمع، بغير مجاملة أو تسويف”، موضحًا أن مؤشِّـرات الدراسة “تُـعطي انطِـباعا قويا بأن منظومة القيمة في المجتمع المصري تتدهْـور حينا بعد حين”، وتثبت أن “تندر بعض المثقفين بالقول بأن (تغيير الشعوب في العالم العربي أصعب من تغيير الأنظمة والحكومات) لم يعد مزحة، وإنما صار حقيقة ماثلة”.
وتحت عنوان “ماذا حدث لقِـيم المصريين؟”، كتب المحلِّـل السياسي المصري محمد جمال عرفة يقول: “دون الدخول في تفاصيل مكرّرة، يمكن القول أن عوامِـل التأثير في الإنسان المصري تنقسم إلى نوعيْـن من العوامل، داخلية وخارجية، وكلٌّ منهما ينقسِـم بدوره لعدّة مؤثرات، منها: العوامل الذاتية والتي يُـمكن حصرها في منظومة القِـيم المتوارثة والقدوة التي يقدِّمها القادة السياسيون أو الاجتماعيون والظروف الاقتصادية والسياسية السائدة، مثل غِـياب الحريات الحقيقية وارتباط الفساد الاقتصادي بالفساد السياسي والبُـعد عن صحيح الدِّين”.
وفي مقال بعنوان “انهيار منظومة القيم في المجتمع المصري.. عوامل وأسباب”، عرض الكاتِـب المصري عماد سيد لأبرز هذه الأسباب والتي حصرها في غياب المشروع القومي وفساد العملية التعليمية وغياب الديمقراطية وعزل المواطن وغياب الرقابة وغياب الشفافية، وهو عامل يدخل فيه أمريْـن في غاية الأهمية وهما: نظْـرة القيادة للشعب والخوف من المُـحاسبة، إضافة إلى العوامل الاقتصادية”.
همام سرحان – القاهرة – swissinfo.ch
تقع الدراسة التي أعدّها “مركز الدراسات المستقبلية” بكلية الآداب جامعة القاهرة، في 160 صفحة، وصدرت ضمن “سلسلة قضايا مستقبلية”، عن مركز المعلومات ودعم القرار التابع لمجلس الوزراء المصري.
سلسلة قضايا مستقبلية، هي سلسلة ربع سنوية، تصدر عن مركز الدراسات المستقبلية – التابع لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء منذ أغسطس 2006 – بهدف استشراف مستقبل بعض القضايا المُثارة من خلال تحليل الوضع الحالي لها، ثم طرح سيناريوهات مستقبلية لتطوّرها، مع اقتراح سياسات وحلول مناسبة للتعامل معها.
أجريت الدراسة في إطار الرؤية المستقبلية لمصر عام 2030، وتعتبر أول دراسة عِـلمية ضخمة جداً شملت كل محافظات مصر وممثل بها جميع الفئات والتخصصات في المجتمع المصري بشرائحه المختلفة.
حاولت الدراسة الإجابة عن عدة أسئلة أساسية مثل: ماذا حدث للإنسان المصري؟ وما هو خلل المواطن في سلوكه ومنظومة قيمه؟ وما السبيل إلى علاجها؟
يعتبر الدكتور أحمد زايد، المشرف على الدراسة والعميد السابق لكلية الآداب بجامعة القاهرة والحاصل علي جائزة الدولة التقديرية، أحد أهم علماء عِـلم الاجتماع في مصر والعالم العربي، وله دراسات عديدة حول الصفوة والقوة والدولة والنظرية الاجتماعية، ومن دراساته المهمة: كتاب بعنوان (خطاب الحياة اليومية في المجتمع المصري) وكتاب بعنوان (المصري المعاصر).
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.