“دعمُ سويسرا لا يعني استعدادها الوشيك للإعتراف بالدولة الفلسطينية”
صرح بول سيغير، السفير السويسري لدى الأمم المتحدة أمام الجمعية العامة: "نعتقد أن منح فلسطين وضع المراقب (غير العضو) في الأمم المتحدة سيعمل على إحياء تصوّر حل الدولتين".
وأشار في المقابل إلى أن تصويت الكنفدرالية لصالح المطلب الفلسطيني “لا يعني أن برن هي الآن مستعدة للإعتراف بفلسطين كدولة على المستوى الثنائي”، موضحا أن ذلك سيعتمد على نتائج محادثات السلام المقبلة.
وكانت سويسرا من بين الدول الـ 138 التي صوتت يوم الخميس 29 نوفمبر 2012 لصالح رفع التمثيل الفلسطيني في المنتظم الأممي مقابل 9 دول عارضته، أبرزها الولايات المتحدة واسرائيل وكندا، بينما امتنعت 41 دولة عن التصويت.
وقد تباينت ردود الفعل الدولية على التصويت الداعم للفلسطينيين، إذ رأت واشنطن فيه خطوة “غير مُجدية” بينما دعت لندن وباريس الإسرائيليين والفلسطينيين إلى العودة إلى طاولة المفاوضات.
“هزيمة ساحقة”
في مقال بعنوان “هزيمة ساحقة لإسرائيل في الأمم المتحدة”، كتب مراسل صحيفة “لاليبرتي” السويسرية في القدس (تصدر في الفرنسية في كانتون فريبورغ): “ما يزعج رئيس الوزراء الإسرائيلي أكثر هو إدراكه أن مجموعة كبيرة من الأمم الأوروبية اختارت منح صوتها لفلسطيني لكي تحصل على وضع الدولة المراقبة في الأمم المتحدة”، مذكرا بأن اختيار تاريخ 29 نوفمبر لم يكن من قبيل الصدفة لأنه يصادف الذكرى السنوية 65 لتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1947 القرار رقم 181 بشأن تقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية.
ونقل كاتب المقال سيرج رونون عن النائب العربي الإسرائيلي أحمد الطيبي (الذي كان مستشارا خاصا للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات) والذي تحول خصيصا إلى نيويورك بمناسبة التصويت، قوله: “إنه يوم تاريخي في مسيرة الشعب الفلسطيني نحو إنشاء دولة مستقلة، ما يمثل هزيمة كبرى لإسرائيل”.
من جهتها، ذكرت صحيفة “فانت كاتر أور” (تصدر بالفرنسية في لوزان) أن منح صفة “دولة غير عضو” لفلسطين “يزيد بشكل كبير من شرعيتها الدولة وخاصة من إمكانيات ضغطها على إسرائيل”، لاسيما أن الترفيع من مستوى تمثيلها الأممي يعني أيضا الحصول على الحق في تقديم شكاوى أمام هيئات دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.
وكما هو معلوم، فإن الدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة، مثل الفاتيكان، بإمكانهم التوقيع على معاهدات دولية وطلب الإنضمام إلى وكالات أممية متخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية، وفي صورة نجاح فلسطين في الإنضمام إلى الأطراف الموقعة على اتفاق روما، فسوف تتمكن من رفع شكوى أمام المحكمة الجنائية الدولية وملاحقة الإسرائيليين بتهم ارتكاب جرائم حرب.
من جانبها، أجرت صحيفة “لوتون” (تصدر بالفرنسية في جنيف) مقابلة مطولة مع إلياس صنبر، الكاتب والمؤرخ والسفير الفلسطيني لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”، الذي أعرب عن قناعته بأن مفاوضات السلام ستسأنف ولكن على أسس سليمة، مشيرا إلى أن “الانضمام للأمم المتحدة بصفة دولة مراقبة غير عضو تمنحنا صلاحيات حقيقية”، مضيفا في هذا السياق: “لقد طلبت منا قوى عظمى طمأنة إسرائيل، من خلال القبول ببند خاص يمنعنا من اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، فلتطمئن إسرائيل من خلال إحلال السلام، وليس عن طريق المطالبة بالإفلات من العقاب”.
“هذا القرار لا يجعل من فلسطين دولة”
الولايات المتحدة سارعت إلى التنديد بقرار الجمعية العامة، مؤكدة أنه “مؤسف وغير مُجد” و”يضع عراقيل أمام السلام”. وخلال منتدى في واشنطن، انتهزت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون الفرصة للتعليق فورا على القرار التاريخي للجمعية العامة، وقالت إنه “يضع مزيدا من العراقيل أمام طريق السلام”، معتبرة أن الطريق الوحيد لقيام دولة فلسطينية هو “استئناف مفاوضات السلام” بين الفلسطينيين وإسرائيل.
بدورها قالت سوزان رايس، السفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة، في مداخلتها أمام الجمعية العامة إن “القرار المؤسف وغير المجدي الذي صدر اليوم يضع مزيدا من العراقيل في طريق السلام. لهذا السبب صوتت الولايات المتحدة ضده”، كما حاولت التقليل من أهميته بالإشارة إلى أن “الإعلانات الكبرى التي صدرت اليوم ستتلاشى قريبا والشعب الفلسطيني لن يجد عندما يصحو غدا الا القليل من التغيير، ما عدا الابتعاد اكثر عن امكانية التوصل الى سلام دائم”.
وأضافت “هذا القرار لا يجعل من فلسطين دولة”، مكررة بذلك ما سبقها اليه نظيرها الإسرائيلي من على المنبر نفسه، مشددة على ان “هذا التصويت الذي حصل اليوم لا يعطي باي حال من الاحوال حقا لكي تصبح (فلسطين) عضوا في الامم المتحدة”.
بدوره ندد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو بالخطاب الذي أدلى به الرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الجمعية العامة للامم المتحدة خلال جلسة التصويت على رفع مستوى التمثيل الفلسطيني، مؤكدا انه خطاب “مليء بالدعاية الكاذبة”.
وقال نتانياهو في بيان مقتضب أصدره مكتبه ان “الامم المتحدة استمعت الى هذا الخطاب المليء بالدعاية الكاذبة ضد الجيش الاسرائيلي والمواطنين الاسرائيليين. ليس بهذه الطريقة يتكلم رجل يريد السلام”. وأضاف رئيس الوزراء الاسرائيلي أن “قرار الامم المتحدة لن يغير شيئا على ارض الواقع. لن تكون هناك دولة فلسطينية من دون ترتيبات تضمن أمن مواطني اسرائيل”.
اما كندا التي صوتت أيضا ضد القرار فكان رد فعلها ايضا سلبيا. وقال وزير خارجيتها جون بيرد ان هذا القرار “سيقوض ركائز عملية – حتى وان لم تكن قد اكتملت – فهي تبقى الفرصة الواقعية الوحيدة للتوصل الى رؤية دولتين مزدهرتين تعيشان جنبا الى جنب بسلام”.
“خيار متجانس مع هدف الدولتين”
من جهتها دعت بريطانيا، التي امتنعت عن التصويت على القرار، الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني الى العودة الى طاولة المفاوضات. وقال وزير خارجيتها وليام هيغ: “نحن نحترم خطوة الرئيس عباس ونتيجة التصويت”، مضيفا “سوف نضاعف جهودنا لاعادة إطلاق عملية السلام وسوف نواصل دعم الرئيس عباس والسلطة الفلسطينية وحل الدولتين”. ودعا هيغ أيضا اسرائيل الى عدم الرد على قرار الجمعية العامة بخطوات من شأنها تقويض فرص استئناف المفاوضات.
بالمقابل، رأت فرنسا التي صوتت لصالح القرار أنه “خيار متجانس مع حل الدولتين”. وقال رئيسها فرنسوا هولاند في بيان إن “فرنسا ايدت الخيار المتجانس مع هدف الدولتين اللتين تعيشان في سلام وأمن الذي تم التنصيص عليه منذ 1947”.
وأكد هولاند انه “للتوصل الى هذا الهدف، يجب أن تستأنف المفاوضات بلا شروط وباسرع ما يمكن”، مضيفا ان “الحوار المباشر هو بالفعل السبيل الوحيد للتوصل الى حل نهائي لهذا النزاع. وفرنسا على استعداد للاسهام في ذلك بوصفها صديقا لاسرائيل ولفلسطين”، مذكرا بان القرار الفرنسي بهذا الشأن منسجم مع “الالتزام بدعم الاعتراف الدولي بدولة فلسطين”.
من ناحيته “رحب” الفاتيكان بنتيجة التصويت، مؤكدا في الوقت نفسه أنه “ليس حلا كافيا لمشاكل المنطقة”.
“اليوم وضعت فلسطين على خارطة الجغرافيا”
بعيدا عن هذه المواقف الدولية التي تراوحت بين التنديد والتحذير والترحيب والدعوة لاستئناف المفاوضات، احتفل الفلسطينيون بـ “انتصارهم” في الامم المتحدة. واعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اول تعليق له على نتيجة التصويت ان هذا القرار هو “انتصار للسلام والحرية والشرعية الدولية”.
وقال عباس لوكالة فرانس برس: “هذا انتصار للسلام والحرية والشرعية الدولية والقانون الدولي”، مضيفا “أشكر الشعب الفلسطيني واقدم له التهنئة بهذا الانجاز، كما اشكر شعوب الامة العربية والاسلامية واحرار العالم الذين صوتوا لصالح فلسطين”. ووعد عباس “شعبنا الفلسطيني باستمرار الكفاح الوطني حتى رفع علم فلسطين على مساجد وكنائس القدس الشريف”.
من جهته، قال المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة لوكالة الصحافة الفرنسية: “اليوم هزم الاحتلال الإسرائيلي وانتصرت دولة فلسطين وشعب فلسطين”، مضيفا: “نطلب من دول العالم وخاصة الولايات المتحدة ان تجبر اسرائيل على انهاء الاحتلال”.
بدوره قال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات لفرانس برس، تعليقا على القرار التاريخي: “بعد التصويت قواعد اللعبة تغيرت، وفلسطين اصبحت معترفا بها من الأمم المتحدة. الآن قواعد العملية السياسية اختلفت وتغيرت، وقواعد اللعبة لم تعد كما كانت عليه قبل التصويت”. واضاف عريقات: “اليوم وضعت فلسطين على خارطة الجغرافيا وبين الدول والشعوب”.
بدورها رحبت حركة حماس بـ “المكسب الجديد على طريق التحرير”. وقال القيادي في الحركة احمد يوسف لفرانس برس إن قرار رفع تمثيل فلسطين الى دولة مراقب هو “كسب جديد على طريق التحرير والعودة ونهنئ انفسنا به”.
من ناحيته، قال اسماعيل هنية، رئيس الحكومة المقالة التي تديرها حماس، في بيان مقتضب قبيل التصويت في الامم المتحدة: “نحن نؤيد أي انجاز سياسي لشعبنا على طريق انتزاع الدولة على قاعدة عدم الاعتراف بالمحتل او التفريط بثوابتنا الاستراتيجية وحقوقنا الثابتة وفي مقدمتها حق العودة”.
أما عزت الرشق، عضو المكتب السياسي لحماس، فقال: “اننا نرحب بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة بمنح فلسطين صفة دولة مراقب ونعتبر ان هذا مكسب لشعبنا رغم ان فلسطين تستحق اكثر من ذلك”.
وعلى الارض هلّلت جموع الفلسطينيين في الاراضي الفلسطينية مساء الخميس 29 نوفمبر فرحا فور اعلان نتيجة التصويت في الجمعية العامة للامم المتحدة لصالح رفع مستوى تمثيل فلسطين الى صفة دولة مراقب. وفي رام الله حيث مقر السلطة الفلسطينية اطلقت جموع غفيرة الاعيرة النارية في الهواء ابتهاجا في حين سارت في طرقات المدينة مواكب سيارة ارخت العنان لابواقها، بينما اضيئت السماء بالالعاب النارية ابتهاجا بالتصويت التاريخي. وفي شوارع القدس الشرقية سارت مواكب سيارة احتفالا بالقرار التاريخي. وفي قطاع غزة، خرج مئات الفلسطينيين، غالبيتهم نشطاء في حركة فتح، إلى الطرقات للاحتفال بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة.
منذ اعتراف الأمم المتحدة بمنظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الماضي يتمتع الفلسطينيون بوضع شبيه بالمنظمات الدولية.
في عام 1998 حصل الفلسطينيون على صلاحيات إضافية مثل حق التدخل في المناقشات العامة، ولكن دون حصولهم على مكانة شبيهة بالدول ذات السيادة.
يرى الخبراء أن قرار الرفع من مستوى التمثيل الفلسطيني إلى دولة مراقبة سيسفر عن العديد من الإجراءات، من بينها إمكانية إرغام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي على التحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في الأراضي الفلسطينية.
حتى اليوم، رفضت المحكمة الجنائية الدولية القيام بذلك باعتبار أن فلسطين ليست دولة معترفا بها. وقد وعدت المحكمة بإعادة النظر في موقفها في حال قبول الجمعية العامة بتعديل وضعية التمثيل الفلسطيني في الأمم المتحدة وهو ما حدث يوم 29 نوفمبر 2012.
“يجوز للدول غير الأعضاء في الأمم المتحدة، التي هي أعضاء في وكالة أو أكثر من الوكالات المتخصصة، أن تقدم طلبًا للحصول على مركز مراقب دائم لدى المنظمة.
ويقوم مركز المراقب الدائم على محض الممارسة، ولا توجد أحكام بشأنه في ميثاق الأمم المتحدة. وتعود هذه الممارسة إلى عام 1946، عندما وافق الأمين العام على تعيين الحكومة السويسرية مراقبًا دائمًا لدى الأمم المتحدة.
وقدَّمت دول معينة فيما بعد مراقبين أصبحوا في وقت لاحق أعضاء في الأمم المتحدة، بما في ذلك النمسا، وفنلندا، وإيطاليا، واليابان. وأصبحت سويسرا عضوًا في الأمم المتحدة بتاريخ 10 سبتمبر 2002.
يتمتع المراقبون الدائمون بإمكانية حضور معظم الإجتماعات والحصول على الوثائق ذات الصلة. ويُذكر من المراقبين الدائمين الذين يشاركون أيضًا في عمل الجمعية العامة ودوراﺗﻬا السنوية عدد كبير من المنظمات الإقليمية والدولية”.
(المصدر: عن الموقع الرسمي للأمم المتحدة بتصرف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.