ديديي بوركالتر: من الحكمة عدم إغضاب الصين
أنهى الوزير السويسري ديديي بوركالتر أوّل زيارة له إلى الصين، كان الغرض منها تكثيف وتعزيز التعاون العلمي بين البلديْن. وخلال اللقاءات السياسية، كان لا مناصة من التطرّق إلى مصير الفنان والرسام المبدع أي فافاي، الذي اعتقلته السلطات الصينية بداية شهر مارس.
“ماذا أي؟ فافاي؟ عمن تتكلمون؟ لم نسمع بهذا الإسم من قبل!”. كثيرون هم الطلبة المسجلون في جامعة الدراسات الأجنبية ببكين الذين لم يسمعوا قط بالرسام الناقد، الذي يحظى بشهرة واسعة في البلدان الغربية.
بالكاد نصف الذين إستجوبوا من هؤلاء الموجودين في الحي الجامعي كانت لديهم فكرة تقريبا عمّن نتحدث. والبعض من هؤلاء الطلبة قد سمعوا عن عواقب مغامراته. وقد ردت إحدى الطالبات التي تتابع دراستها في مجال العلاقات الدولية: “أنتم، وسائل الإعلام الأجنبية، تطلقون الأحكام من دون ان تعيروا أي اهتمام للأفعال المنسوبة إليه”.
لكن زوجيْن آخريْن، الشاب يدرس اللغة العربية، في حين تدرس صديقته اللغة الإنجليزية، فيريان العكس تماما: “نحن معجبان جدا بشجاعة أي فافاي، وما يتعرّض له مريع جدا. إنه يكافح من أجل العدالة، ونحن نحلم مثله بحرية التعبير والإعلام. من حسن الحظ أن الغرب يعبّر عن رفضه لما يلاقيه فافاي. ونحن مطمئنون لذلك، رغم الضغوط الحالية: المستقبل لنا نحن الشباب، ولن يكون هذا المستقل إلا مشرقا”.
قلق عالمي وتكتم سويسري
اختفى أي فافاي يوم 3 مارس الماضي، بعد أن ألقت الشرطة القبض عليه في مطار بكين، عندما كان يستعد للصعود إلى الطائرة المتوجهة إلى هونغ –كونغ، حيث كان على موعد مع مجمّع التحف السويسري أولي سيغ. ومنذ ذلك التاريخ، لا أحد يعلم شيئا عن مكان وظروف احتجاز مبدع “عش العصافير” الذي يشاركه فيه السويسريان هيرتزوغ، ودي ميرون.
وقد وجهت سلطات بكين إلى فافاي تهما بارتكاب جرائم اقتصادية. وقد أعرب الرأي العام العالمي عن قلقه. وتصف الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي عملية الإعتقال تلك بأنها عملية اعتباطية وغير قانونية، في حين تميّز الموقف السويسري بالتكتم. فلا توجد أي إشارة إلى هذه القضية على موقع وزارة الخارجية السويسرية.
هذه هي الأجواء التي واكبت زيارة ديديي بوركالتر الأولى التي قام بها إلى الصين “لتعزيز الروابط العلمية” بين البلديْن. وهذا الأمر مهم جدا، لأن مستقبل العالم يمر حتما بالصين. وقد أعرب بوركالتر عن ذلك بقوله: “ما نحن مقتنعون به في الحكومة، هو أن الصين شريك رئيسي بالنسبة للقطاعات التي نرى أنها مهمة جدا. وفي مقدمة ذلك العلوم والتكنولوجيا، ولكن أيضا الميدان الإقتصادي”.
الحريات العامة مهمة أيضا
ماذا عن حقوق الإنسان؟ وهل يجب أن تغضّ سويسرا الطرف على قضية أي فافاي، حتى لا تغضب بكين؟ عن هذا السؤال يجيب المسؤول الأوّل بوزارة الشؤون الداخلية في برن: “بإمكان سويسرا أن تساعد في التوعية بأهمية الحريات العامة”. وسويسرا، تعتبر أحد البلدان الرائدة في مجال العلوم. وليس بينها وبين الصين فارقا جوهريا في هذا الميدان، ويسمح لهما هذا الوضع بالحوار حول كل الموضوعات”. وبإمكان سويسرا أن تعبّر عن ذلك خاصة من خلال مشروعات التبادل الثقافي.
أما الثقافة، فقد احتلت أهمية كبيرة في كل محطات زيارة الوزير السويسري، مثلا خلال تدشينه لمكتبة العلوم بجامعة تسينغوا ببكين، والتي وضع تصميمها المهندس المعماري ماريو بوتا الذي ينحدر من كانتون التيتشينو. فهذا المصمم المعماري السويسري الذي كان حاضرا في بكين قد قام “بعمل تضامني تجاه الفنان الكبير أي فافاي”، والذي حيّا فيه شجاعته وإقدامه.
وأضاف مشبّها إصرار الفنان الصيني المسجون بإصرار فريديريخ دورنمات، وماكس فريخ اللذان “عظما من شأن سويسرا”. ويعتقد ماريو بوتا، أنه في عصر العولمة “سوف تكون الغلبة في النهاية لهذه الحريات العامة التي نعتبرها نحن مهمة جدا”.
ظل أي فافاي
يعترف الوزير السويسري في اليوم نفسه بأنه: “لا توجد في الصين حرية كافية بالضرورة”، وقد صرّح بذلك خلال زيارة لمعرض في بكين لا تفصله عن ورشات عمل أي فافاي سوى بضعة أمتار.
ودشّن الوزير الفدرالي معرض ReGeneration 2 الذي أنتجه متحف الإليزيه للتصوير، (يوجد مقره بلوزان)، والذي يذكّر مديره الفني سام ستورزي بأن “ظل أي فافاي سوف يظل يخيّم على مجمل هذه الناحية التي رسمها بنفسه”. ولكنه يشير في نفس الوقت إلى شعور غامر بهذه “الحرية بمناسبة عرض 80 صورة جاءت من جميع أصقاع العالم”.
لقد أطلق الوزير في كلمته التي ألقاها في افتتاح هذا المعرض صيغة “حرية التعبير”، وأضاف عند حديثه بشأن حي الفنانين: “لم أتصوّر وجود هذا الحد من الإنفتاح، ومن حرية التعبير، ولكني أعلم أيضا أن مصاعب جمة موجودة في هذا البلد ولا تزال هناك العديد من الخطوات التي يجب قطعها”.
وأخيرا جاء الوقت، وأتيحت الفرصة لكي يعبّر الوزير عن “انشغال سويسرا، ومواطنيها بأوضاع حقوق الإنسان” بعد إعتقال أي فافاي.
وأوضح بوركالتر بجلاء وبشكل رسمي خلال لقائه مع ليو ياندونغ، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الحاكم بأن “الرسام المعتقل منتظر في سويسرا لتنظيم معرضيْن، وأن لهذا الفنان روابط قوية بسويسرا، وأن هذه الأخيرة قلقة لاعتقاله”. وعن رد فعل المسؤولة الصينية، أوضح الوزير السويسري: “لقد ردت بتحفظ، وفي إطار الحوار بين سلطتيْ البلديْن”. وقد اكتفى الجميع بذلك.
النجاحات: لقد وصف ديديي بوركالتر زيارته إلى الصين ب”الزيارة الناجحة”، وأنها قد ساعدت على “تعزيز التعاون العلمي والتكنولوجي بما يخدم مصالح سويسرا”.
إعلانات نوايا:
أجرى الوزير السويسري محادثات مع كل من وزراء الصين في مجال الصحة، والعلوم والتكنولوجيا، ومع نائب وزير التعليم. وتم خلال الزيارة اعتماد إعلانيْ نوايا من أجل تكثيف التعاون العلمي، وإطلاق شراكة في المجال الطبي بين الكانتونات السويسرية والمدن الصينية.
الجامعات: في مجال التعليم، توصلت كل من الصين وسويسرا إلى ضرورة بداية نقاش جدي “لإبرام اتفاق مستقبلي في مجال التكوين”، لتشجيع التبادل بين الجامعات.
مسابقة:
تعتبر بناية مكتبة العلوم بجامعة تسينغوا ببكين، أوّل عمل إبداعي تصميمي في الصين للمهندس المعماري المنحدر من التيتشينو، ولكنه ليس الأخير، ماريو بوتا فاز بمسابقة لبناء متحف في تسينغوا، لكنه لم يستطع إنجازه في الأخير، وبدلا عن ذلك، كلّف ببناء المكتبة.
متحف: ماريو بوتا لا يخفي سعادته بالحصول على تكليف آخر في الصين، وأعلن أن “نائب عميد الجامعة أعلمني هذا الصباح بأن فكرة إنشاء متحف بتسينغوا لا تزال قائمة، وقد تعهد إليه في النهاية”.
(نقله من الفرنسية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.