رئاسيات مصر.. اختبار حاسم لديمقراطية هشة
بعد 15 شهرا من الإطاحة بحسني مبارك، تستعد أرض الفراعـنة لإجراء أول انتخابات رئــاسية حرة في تاريخها. وتتأرجح "مصر ما بعد الثورة" بين جيش حاكم يتبنى موقفا دفاعيا بغية الإحتفاظ بالحد الأدنى من المكتسبات، وحركة إسلامية تتشكل من جديد وتواجه صراع الأجيال.
“منذ عام 1952 الذي استولى فيه الضباط الأحرار على السلطة (بقيادة جمال عبد الناصر، التحرير) والإطاحة بالملك فاروق، ستشهد مصر أول انتخابات رئاسية يشارك فيها مرشحون مدنيون”. هذا التذكير جاء على لسان الباحث حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات والأبحاث حول الوطن العربي والمتوسط في جنيف.
وبناء عليه، يُفترض أن يحل الفائز بانتخابات 23 و24 مايو 2012، محل “المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية”، وهو المجلس العسكري الحاكم الذي تولى تسيير شؤون البــلاد في المرحلة الإنتقالية التي تلت إسقاط نظام مبارك.
الرهان إذن حرج وحاسم في منطقة الشرق الأوسط التي تُهدد بالاتقاد في ظل ثلاثــي خطر: الدائرة السورية المغلقة، والملف النووي الإيراني، والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني. وبالنسبة للولايات المتحدة المُكبلة بـانتخاباتها الرئاسية، وأوروبا الغارقة في أزمتها المالية، يتمثل مصدر الإنشغال الأبرز، أكثر من أي وقت مضى، في حفاظ مصر على نوع من الاستقرار النسبي، وخاصة على مستوى السياسة الخارجية.
الإبقاء على مصر في الحظيرة الغربية
ويضيف حسني عبيدي أن “إسرائيل، بطبيعة الحال، تتابع عن كثب انتخاب المرشح الذي سيقود السياسة الخارجية، شأنها شأن الولايات المتحدة”، قبل أن يشير إلى أن واشنطن قد دعت إلى التعاون غير المشروط مع الإسلاميين.
ويتابع قائلا: “إن الولايات المتحدة تُبــدي براغماتية تميل إلى الانتهازية، وهو شيء لا يقوى الأوروبيون بعدُ على فعلــه في ظل انشغالهم باحترام الحقــوق والأقليات والمرأة، وهذا موقف يستحق الثناء”.
مصير الجيش الذي يقــود مصر منذ ستين عاما هو بالتالي بالغ الأهــمية. ويشدد عبيدي على أن ذلك الجيش “يُدرك اليوم بأن الوقت ليس في صالحه، وأنه سيتعين عليه، عاجلا أم آجلا، إيجاد صيغة جديدة وبدء الانسحاب من الــساحة السياسية، والاقتصادية على وجه الخصوص. ولكن العملية ستكون بطيئة جدا. فنظرا للصعوبات الاقتصادية والصعوبات التي تفرضها المرحلة الانتقالية، لايزال الجيش يعتبر نفسه بمثابة ضامن للاستقرار”.
مستقبل المؤسسة العسكرية
من جانبه، ينوه باتريك هيني، الباحث في مرصد الأديان السويسري “Religioscope” الذي يوجد مقره في فريبورغ، إلى أن “الــجيش هو الخاسر الأكبر مما حدث خلال الأشهر الأربعة الأخيرة التي لعب خلالها ورقة تقسيــم الأحزاب للإبقاء على معظم صلاحياته، مثل السرية التي تحيط بميزانيته. وهو اليوم يجد نفسه في موقف دفاعي للحفاظ على الحد الأدنى من المُكتسبات. كل شيء بات بالتالي يتوقف على المفاوضات بين الجيش والأحزاب، ولكن مفاوضات الكواليس هاته لا تمثل في حد ذاتها الرهان الحقيقي لهذه الانتخابات”.
في واقع الأمر، لا يشكك المرشحون الرئيسيون، وجها لوجه، في سلطة الجيش على اقتصاد مصر وعلى سياستها الخارجية، لا سيما اتفاق السلام المبرم مع إسرائيل. ثم إن شخصيات المرشحين حاسمة أكثر من برامجها الانتخابية. ولكن هذا الواقع لا يُلخص جميع تفاصيل الحملة التي تشهد إعادة تركيب مختلف التيارات الإسلامية ومواجهة بعضها البعض. فالإخوان المسلمون لازالوا يتمتعون بوزن كبير، ولكنهم يعايــِنون تفجر انقساماتهم في مرحلة اختبار الديمقراطية في مصر ما بعد مبارك.
زعزعة وسط الإخوان
“نلاحظ لدى الإخوان، نوعا من الانفجار الداخلي بين شباب كان يحمل آمال الانتفاضة وحرس قديم يتملكه الخوف (من التغيير)”. هذه القراءة للمفكر السويسري طارق رمضان، حفيد مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، والذي مازال ممنوعا من زيارة مصر رغم الطلبات المتكررة التي تقدم بها للسلطات.
فبعد إعلانهم في بداية الأمر أنهم لا يريدون تقديم مرشح للانتخابات الرئاسية، تراجع الإخوان المسلمون عن موقفهم هذا على إثر نجاحاتهم الانتخابية الأولى في البرلمان العام الماضي، وجراء التقدم القوي للسلفيين الذين يمثلون تيارا يعتبر أكثر تصلبا من الإخوان.
طارق رمضان، البروفيسور في جامعة أوكسفورد البريطانية يعتقد أن “هذا التردد (في اتخاذ القرارات) شوّش على حضورهم ومصداقيتهم”.
باتريك هيني، المتخصص في الحركات الإسلامية أضاف أن “الإخوان أظهروا قدرة واسعة على البقاء (والديمومة) ويبرهنون على قوة ثباتهم على نهجهم. إنهم لا يدركون أن الإسلاموية تنوعت بعُمق. فهم وجدوا أنفسهم عالقين بين الإسلاميين الليبراليين والسفليين. وهذا يدل على (تشكيلة) الساحة السياسية في المستقبل”.
من جانبه، نوه طارق رمضان إلى أن “السلفيين، من خلال دعمهم للمرشح عبد الفتوح الذي يسعى إلى تحقيق إجماع أوسع بكثير، يلعبون ورقة البراغماتية، بهدف تقويض مصداقية الإخوان في المقام الأول”.
ويــُعتبر الصعود القوي لعبد المنعم عبد الفتوح (60 عاما) بالفعل إحدى مفاجآت الحملة الانتخابية. ويحظى هذا العضو السابق في مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين، والأمين العام لاتحاد الأطباء العرب، بدعم البورجوازية القبطية وشباب ساحة التحرير.
ديمقراطية مبنية على المُشاركة
وهؤلاء النشطاء لم تجرفهم “الموجة الخضراء” (في إشارة إلى الإسلاميين) التي أعقبت الانتفاضة ضد حسني مبارك، رغم تــراجع ظهورهم على مسرح الأحداث.
ويحكي باتريك هيني: “في الصيف الماضي، حدث انقســام بينهم حول المنحى الذي سيمضي عليه التزامهم. وبعد أن حاول بعضهم تأسيس أحزاب هنا وهناك، من دون جدوى، تطور نوع من الالتزام غير الرسمي عبر شبكة الانترنت، شمل متابعات الجلسات البرلمانية وانتقادها، أو حملات لإظهار واقع أعمال العنف والقتل التي كان الجيش ينسبها لهم العام الماضي والذي كان هو مسؤولا عنها في حقيقة الأمر”.
ثم تساءل الباحث: “من خلال اعتقالاتهم، وانتقاداتهم واقتراحاتهم، وبمظاهراتهم، هم بصدد خلق نوع جديد من الديمقراطية القائمة على المشاركة. فهل ستتطور وتنمو في وجه القوى المحافظة؟ هذا أمر يظل في علم المجهول”.
ويجدر التذكير بأن حوالي 40% من المصريين البالغ تعدادهم 77 مليون نسمة هم أميون، وأن 45% منهم يعيشون في المدن. بينما لا يقوى اقتصاد البلاد على الانطلاق مجددا، ولا يزدحم المستثمرون لإنعاشه، في حين أوشكت خزائن الدولة على إنفاق القرش الأخير.
تجري أول انتخابات رئاسية حرة في مصر يومي 23 و24 مايو 2012.
من بين المرشحين الـ 23 الذي تقدموا في المرحلة الأولى، لم يظل سوى 12 متنافسا.
إن لم يحصل أي مرشح على الأغلبية، فسينظم دور ثان يومي 16 و17 يونيو.
المرشحان المفضلان هما: الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، عمرو موسى، والمرشح الإسلامي المستقل عبد المنعم عبد الفتوح.
سمحت مناظرة تلفزيونية للجمهور المصري للتعرف على شخصية ومواقف هذين المرشحين.
من المحتمل أن يخلق مرشحون آخرون المفاجأة، مثل: الوطني الناصري حمدين صباحي، ورجل النظام السابق أحمد شفيق، والمرشح الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين محمد مورسي.
(المصدر: الأسبوعية الفرنسية : لوكوريي أنترناسيونال)
(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.