رئيس سويسرا الجديد مُستعد لمواجهة تحديات 2009
على الحكومة السويسرية أن تـُعبر عن مواقفها بـ "حزم"، لكن بأسلوب "مُتحضر": هذه من بين قناعات وزير المالية هانس-رودولف ميرتس الذي سيتولى رئاسة الكنفدرالية في عام 2009. وفي حديث مع سويس انفو، أثار الوزير جملة من الملفات الحساسة، وعلى رأسها الخلاف الضريبي مع الاتحاد الأوروبي. كما أكد أنه استعاد عافيته بعد العملية الجراحية الخطيرة في القلب التي خضع لها في سبتمبر الماضي.
سويس انفو: تميز عام 2008 في سويسرا بتبني لهجة حادة بين الخصوم السياسيـين. هل يمكن توقُّع أي تحسن في عام 2009.
هانس-رودولف ميرتس: لقد شهدنا بالفعل مرحلة لم تكن فيها العلاقات بين السياسيين متجانسة بالضرورة، وهو أمر مؤسف. في المقابل، ينبغي أيضا إبداء قدر من التفهم لهذا التصلـُّب، لأن السياسة، ليست “مدرسة يوم الأحد” (وهو تعبير يرمز إلى الإصغاء الخاشع دون إبداء الرأي أو الإعتراض – التحرير).
بل السياسة تعني المواجهة بين الأفكار التي قد تكون مُتناقضة. وفي عملية ديمقراطية، تُعتبر هذه المواجهات أساسية. لكن ينبغي أن تظل اللّهجة لائقة. وبالنسبة لسنتي الرئاسية، أتمنى أن نتحلى بالحزم إزاء (شركائنا) في الخارج، لكن بأسلوب متحضر ومُثقف.
سويس انفو: شهد العام المنقضي أيضا اندلاع الأزمة المالية، ومصاعب يو بي إس (اتحاد المصارف السويسرية)، أكبر مصرف سويسري…أين وقعت الأخطاء؟
هانس-رودولف ميرتس: إن المصارف السويسرية الكبرى لم تكن الوحيدة التي تضررت بأزمة الرهن العقاري، بل حتى يمكننا القول أنها كانت بـ”رفقة جيدة”… وهذا يعني أن سلطات المراقبة في بلدان أخرى لم تُدرك حجم الظاهرة ولم تستوعبتها إلا في وقت متأخر جدا.
وقد أدت العولمة، ولا سيما شبكة الإنترنت، إلى تنفيذ معاملات مالية كبيرة الأهمية من سوق رأس مال إلى أخرى، ومن عملة إلى أخرى، في غضون بضعة ثوان، دون أن تتمكن هيئات الرقابة من مُتابعة تلك الصفقات.
أما بالنسبة لنقل البضائع، فإمكانيات الرصد مُـتعددة، إذ نتوقر على الإقرارات الجمركية وشهادات الإنتاج، وأوامر الشراء والحسابات. وفي هذا المجال، لم تسمح العولمة بعدُ بتدفق سلع مجهولة الهوية. وينبغي إذن أن يتم تدويل المراقبة.
سويس انفو: تدخلت الدولية مثل رجل إطفاء بضخ 66 مليار دولار في الاقتصاد الخاص. ألا يزعجكم ذلك بصفتكم وزيرا للمالية؟
هانس-رودولف ميرتس: إنني امتلك قطعا روحا ليبرالية وأؤيد أيضا اقتصاد السوق الاجتماعي. وأعتقد أنه ينبغي على الاقتصاد أن “يساعد نفسه بنفسه” وأن يحترم أيضا مبادئ المنافسة. ومن وجهة النظر هذه، نعم، ما حدث يزعجني بشدة.
ولكن يجب دائما وضع المصالح المـُهددة في الميزان، وأعتقد أن مصلحة البلاد تحظى بالأولوية. فقد أصبح مصرف يو بي إس (مؤسسة مالية) ضخمة، وكان يمكن أن تنجم عن انهيارها انعكاسات – لا يمكن التنبؤ بها والسيطرة عليها – على اقتصادنا بمجمله، وليس فقط على الساحة المالية. لذلك، كـُنا مضطرين للتحرك.
سويس انفو: أقدمت سويسرا على خطوة باتجاه بروكسل في ملف الخلاف الضريبي. لكن الاتحاد الأوروبي يطالب بالمزيد. هل تتوقعون هجمات أوروبية جديدة ضد السرية المصرفية السويسرية في عام 2009؟
هانس-رودولف ميرتس: تقع السرية المصرفية السرية منذ فترة طويلة تحت الضغط وتتعرض لهجمات مُنتظمة، ويجب علينا تقبـُّل هذا الواقع. لكنني على اقتناع بأنه كثيرا ما يُساء فهم السرية المصرفية، بحيث يميل (المنتقدون) إلى نسيان أنها غير مُطلقة بما أنها لا تشمل الاحتيال الضريبي.
السرية المصرفية تحمي الخصوصية، وتمنع الدولة من حشر أنفها في الحسابات البنكية للشخص الذي يدفع ضرائبه بأمانة. وأنا أتمسك بهذه الحماية لخصوصية الفرد؛ إنه مطلب مشروع.
ونحن لا نذهب خاليين الوفاض إلى بروكسل، بل إن الأداة الأكثر أهمية التي نقترحها هي الاتفاق حول الضرائب على المدخرات، الذي نتعهد بموجبه باقتطاع رسوم (مسبقة) من المصدر على مداخيل المدخرات المودعة في سويسرا من قِبل أفراد من دول الاتحاد الأوروبي. ثم يـُعاد تحويل نسبة 35% من هذه الرسوم إلى السلطات الضريبية في البلد الأصلي لصاحب الإدخار.
وهذا بمثابة ردّ على المطلب الرئيسي للدول الأجنبية، فهي لا تستهدف حماية الخصوصية، بل تريد تفادي اختلاس الأموال من إدارات الضرائب الوطنية، وهو إصرار أستطيع تـَفهمه.
ومن جهته أيضا، يُقر الاتحاد الأوروبي بأن الاتفاق حول الضرائب على المدخرات أثبت جدارته. وهذا هو النهج الذي نعتزم مواصلته مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وسنقوم بتبليغ إجراءاتنا في هذا الصدد.
سويس انفو: هل تعتقدون أنه بمقدرتكم وقف هجمات الاتحاد الأوروبي على السيادة الضريبية للكانتونات السويسرية؟
هانس-رودولف ميرتس: أنا أتواجد فعلا بين جبهتين. فبروكسل تعترف بأننا نسير على الطريق الصحيح، ولكننا لم نصل بعدُ إلى الهدف النهائي. وفي سويسرا، تقول الكانتونات والأحزاب نفس الشيء. وهما (أي الاتحاد الأوروبي والكانتونات السويسرية) كقوتين نابذتين، كل واحدة منهما تسلك اتجاها مخالفا! و(وجودي في الوسط بينهما) يعني بالنسبة لي أنني على الطريق السليم.
سويس انفو: بإمكانكم التقاعد بما أن سنّكم يسمح لكم بذلك، وبإستطاعتكم القيام بجميع الأسفار التي ترغبون فيها حول العالم بدل محاولة مقاربة هاتين الجبهتين. ما الذي يُحفزكم لمواصلة هذا العمل؟
هانس-رودولف ميرتس: ليس لدي مشاريع سفر كبيرة، لأنني تجولت كثيرا طوال حياتي. ومهمتي الحالية ترتبط بمشاريع عديدة، وبعضها يحظى بأولوية خاصة لدي، وحدّدت لـِنفسي آجالا نهائية لتنفيذها.
لقد عانيت من مشكلة صحية خطيرة جدا تمثلت في سكتة قلبية. ويسعى العلاج الطبي دائما إلى نفس الهدف، أي استعادة المرضى لقدرتهم على العمل. وعندما ننجح في ذلك، كما في حالتي، أعتقد أنه من الصواب العودة إلى العمل، وذلك هو ما فعلته.
أنا في صحة جيدة، وكنت كذلك قبل إصابتي بالسكتة القلبية، وربما أنا بصحة أفضل اليوم، بما أن قلبي يعمل مُجددا كما ينبغي. ومواصلة (العمل) بالنسبة لي شيء طبيعي تماما.
وعلى أي حال، أنا قُلت دائما إنني سوف أستقيل في عام 2011 كأقصى حد. وفي رأيي، يُعتبر تولي فترة تشريعية ثانية (2008-2011) أمرا له ما يُبرره، لأن فترة واحدة لا تكفي لاستكمال بعض الملفات. وأنا لم أحقق بعد جميع الأهداف التي حددتها لنفسي.
سويس انفو: هل ستشهد سنتكم الرئاسية تحقيق مشروع التصويت الإلكتروني للجالية السويسرية في الخارج؟
هانس-رودولف ميرتس: نحن نحاول تحقيق ذلك. وآمل أن نمضي قدما، لكن ذلك لا يتوقف عليّ، فلا تزال هنالك صعوبات، مرتبطة بالخصوص بكيفية ممارسة الحقوق الشعبية، وبمشاكل تقنية. لكنني أعتقد أنه يجب المحافظة على هذا الزخم.
سويس انفو – أندرياس كايزر
ولِـد يوم 10 نوفمبر 1942 في هيريساو (كانتون أبنزيل أوسيرهودن)، وهو دكتور في العلوم السياسية (1979)، وعمِـل لفترة طويلة مستشارا مستقِـلاّ للشركات، وهو متزوّج وأب لثلاثة أبناء.
ينتمي إلى الحزب الراديكالي (يمين)، وقد عوّض كاسبار فيليغر في الحكومة الفدرالية في بداية 2004، حيث تولى إدارة وزارة المالية.
في الفترة الفاصلة ما بين 1997 وتاريخ دخوله إلى الحكومة الفدرالية، كان نائبا عن كانتون أبينزيل أوسيرهودن في مجلس الشيوخ.
من 1977 و2003، عمل السيد ميرتس كمستشار مستقل للشركات. وبهذه الصفة، اشتغل في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا الجنوبية وأمريكا اللاتينية وأوروبا.
يتولى السيد ميرتس رئاسة الكنفدرالية السويسرية خلال عام 2009.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.