“ردّ الفعل السويسري كان سريعا.. ولكن!”
بالإعلان عن تجميد حسابات الزعيم الأوكراني فيكتور لانوكوفيتش وعائلته في سويسرا، تكون الحكومة الفدرالية قد أقدمت على إصدار "رد فعل متسرع"، مثلما يرى خبيران مختصان في قضايا غسيل الأموال. أما إذا ما أدى ذلك إلى الكشف عن عمليات غسيل أموال قادمة من أوكرانيا، فإن التأثير السلبي لذلك على صورة سويسرا سيكون " كبيرا" في نظرهما.
قد تصل قيمة الأموال المهربة من خزينة الدولة من قبل الرئيس الأوكراني المطاح به فيكتور لانوكوفيتش والمقربين منه إلى حدود 70 مليار دولار، أما السؤال المطروح اليوم من قبل النظام الجديد في كييف فهو ما إذا كان قسم من هذه الأموال موجودا بالفعل في المصارف السويسرية.
تقول غريتا فينر، مديرة معهد بازل للحوكمة، وهي مؤسسة مستقلة تناضل من أجل تحلي المؤسسات بالمسؤولية ومناهضة الرشوة: “باستثناء البنوك، لا أحد بإمكانه معرفة حجم الأموال الأوكرانية المُودعة فعلا في سويسرا. ولكن بطريقة حدسية، يمكن الإنطلاق من مبدأ بأنه لا توجد أموال كثيرة في سويسرا، بل بالعكس، إن وُجدت، فستوجد في مراكز مالية لا تتعاون بالمرة على المستوى الدولي، وبالأخص المراكز المتواجدة في البلدان العربية”.
وكانت بعض وسائل الإعلام قد زعمت بأنه في الأيام الأخيرة من رئاسة فيكتور لانوكوفيتش، تمت ملاحظة وقوع تحويل مكثف للأموال من أوكرانيا باتجاه المصارف السويسرية، ولكن توماس سوتر، الناطق باسم الجمعية السويسرية لأرباب المصارف، شدد على أنه ليست هناك أية مؤشرات تؤكد ذلك كما ذكّر بأن مؤسسة ” فينما” المشرفة على مراقبة الأسواق المالية “قد حددت قواعد واضحة فيما يتعلق بمسؤولية التأكد من مصدر الأموال من قبل المصارف والوسطاء الماليين”.
ولا يعني إقدام المجلس الفدرالي( الحكومة السويسرية) على عملية التجميد، بان هناك احتمال تواجد أموال لها علاقة بعمليات احتيال او تعاطي رشوة. إذ يقول الناطق باسم جمعية أرباب البنوك” ليست البنوك هي المورطة في عملية الرشوة، بل عن طريقها تمر الأموال القادمة من المؤسسات التي لها نشاطات في أوكرانيا. لذلك نولي أهمية كبرى لاتفاقيات الدولية وللمعايير الواضحة”.
أية إجراءات تحقيق من قبل المصارف؟
من جهتها، لا تُبدي غريتا فينر أية شكوك في تحمل المصارف السويسرية لمسؤوليتها فيما يتعلق بالتأكد من شرعية مصادر الأموال، لأن ذلك في صالحها، وتقول: “استنادا إلى اتصالاتي، أعرف جيدا أن المصارف أولت اهتماما كبيرا بمراقبة الوضع عن كثب، وهذا ليس فقط خلال الأيام الأخيرة، بل منذ بداية تدهور الأوضاع في أوكرانيا”.
في المقابل، يُبدي أوليفيي لونشون، الخبير في مجال الرسوم الضريبية والعلاقات المالية الدولية لدى منظمة “إعلان برن” غير الحكومية بعض التشكيك ويقول: “إذا كان البنك يعرف بأن مصدر الأموال غير شرعي، فليس من حقه قبولها. ولكن لم تتم إدانة أي وسيط مالي في سويسرا لهذا السبب، وهذه هي النقطة العويصة”، على حد قوله.
يشمل قرار تجميد الأموال الصادر عن الحكومة السويسرية في 28 فبراير 2014، أرصدة 20 شخصية أوكرانية.
بالإضافة الى الرئيس المخلوع فيكتور لانوكوفيتش، تضم هذه القائمة شخصيات تولت مناصب سياسية واقتصادية ومالية مهمة في أوكرانيا.
يتعيّن على المؤسسات السويسرية (مصارف ووسطاء ماليين وخواص)، التي تُدير هذه الأرصدة أو تعلم بوجود ممتلكات تابعة لهذه الشخصيات المعرضة بسبب مهامها السياسية والموجودة أسماؤها في هذه القائمة، أن تخبر السلطات السويسرية بذلك على الفور.
إذا لم تقم المؤسسات المعنية بذلك فإنها تكون قد تخلت عن الإيفاء بمسؤولياتها المتعلقة بالتأكد من شرعية تلك الممتلكات، وقد تتعرض للإدانة والمساءلة.
عمليات وقائية ممكنة
في الأثناء، ينتقد خصوم المصارف والساحة المالية عموما، أن سويسرا انتظرت كثيرا ولم تتحرك إلا بعد الإطاحة بالرئيس الأوكراني، في حين أن تصرفات فيكتور لانوكوفيتش كانت معروفة من قبل وبكل التفاصيل.
في هذا الصدد، يقول جورج فاراغو، الناطق باسم وزارة الخارجية: “بإمكان سويسرا قانونيا الأقدام على تجميد أموال ما بشكل وقائي، وهذا حتى ولو لم تتقدم أي حكومة جديدة بطلب في هذا الإتجاه”، ثم أضاف مستدركا “لكن عملية التجميد لا تتم إلا عندما تتم تنحية الأشخاص المعرضين بسبب مهامهم السياسية من السلطة. وإلا فإن فرص تطبيق المساعدة القضائية، وبالتالي عودة الأموال، ستبقى محدودة”.
في السياق، يُذكّـر فاراغو، أن رد فعل برن فيما يتعلق بوضع أوكرانيا كان سريعا، وكانت الحكومة السويسرية أول حكومة تُصدر أمرا بتجميد الأموال الأوكرانية الموجودة في مصارفها ومؤسساتها المالية.
تشديد القانون في خطر
هذا الموقف تُشاطره أيضا غريتا فينر، واوليفي لونشون، حيث اعتبر ممثل منظمة “إعلان برن” أن “تصرف الحكومة الفدرالية كان سريعا نسبيا، وسمح بإعطاء إشارة تفيد بأن سويسرا ليست ملجأ آمنا لمثل هذه الأموال. وهذا أمر إيجابي”، على حد قوله. فالإتحاد الأوروبي لم يُصدر رد فعل إلا بعد مرور ثمانية أيام، كما أنه لم ينشر إلى حد اليوم أي قائمة بأسماء الأشخاص الأوكرانيين المُعرّضين بسبب مهامهم السياسية.
من جهتها، ترى غريتا فينر أنه لو أقدمت الحكومة الفدرالية على تجميد أموال الأشخاص المُعرّضين بسبب مهامهم السياسية في أوكرانيا، قبل أيام من تاريخ قيامها بذلك، لكان في ذلك خطر كبير ليس فقط على المستوى الدولي، بل أيضا على المستوى الداخلي.
وأوضحت فينر أنه “لو تم التجميد قبل أيام، ثم عاد الرئيس لانوكوفيتش من جديد إلى السلطة، لكان ذلك بمثابة قضاء على القانون الجديد المتعلق بمحاربة غسيل الأموال قبل عرضه على البرلمان. هذا القانون معروض حاليا على استشارة الأطراف المعنيّة، وتعقد عليه الحكومة الفدرالية آمالا كبرى في هذا المجال”.
توحيد القوائم
ميدانيا، تعترض الجهود التي تبذل من طرف السلطات والحكومات والمصارف والمنظمات غير الحكومية التي تحارب عمليات غسيل الأموال عقبة كأداء تتمثل في عدم وجود قائمة موحدة على المستوى العالمي تضبط أسماء الشخصيات المعرضة بسبب مهامها السياسية. وعوضا عن ذلك، تُتداول قوائم أعدتها مؤسسات مختلفة كالأمم المتحدة، وبعض الحكومات، وحتى المصارف نفسها.
لهذا السبب، اقترح معهد بازل للحوكمة على مجموعة فولفيسبيرغ (التي تضم في صفوفها إحدى عشرة من كبريات البنوك الخاصة في العالم والتي تحارب عملية غسيل الأموال)، بأن تقوم بإصدار قائمة موحدة، على أن تعتمد في ذلك على مرجعية التعريف الذي قدمه فريق العمل “فاينانشيل آكشين تاسك فورس” المعروف اختصار بـ “FATF”، عن مفهوم الشخصية المعرضة بسبب مهامها السياسية (PPE). وفي هذا الصدد، تؤكد غريتا فينر بأنه “من البديهي أن فيكتور لانوكوفيتش يدخل في هذا الإطار”.
“مساس كبير بصورة سويسرا”
لحد الآن، لا أحد يعرف على وجه الدقة ما إذا كانت أموال الشخصيات الأوكرانية المعرضة بسبب مهامها السياسية، موجودة فعلا في سويسرا أم لا، لكن “في حال التأكد من أن هذه الأموال متواجدة فعلا (في سويسرا)، فإن ذلك سيُظهر جليا بأن إرادة الساحة المالية السويسرية في عدم القبول إلا بالأموال النظيفة والتي تُدفع عليها الرسوم الضريبية، لم تصبح أمرا واقعا. وهذا ما ستترتب عنه أضرار كبيرة بالنسبة لصورة سويسرا”، مثلما يقول أوليفيي لونشون.
بدورها، تعتبر غريتا فينر أن هناك خطرا محدقا بصورة الكنفدرالية، لكنها تشير الى أن سويسرا تُعد من أكثر الدول نشاطا في مجال محاربة غسيل الأموال وفي إعادة الأموال المهربة من قبل الديكتاتوريين. وتقول: “إن هناك دولا أخرى متربعة على ملايين الدولارات ولا تقوم بأي شيء. وهذا ما يبدو مُحبطا، لكون الدول التي يكثر اتهامها، هي تلك التي تحاول القيام في الواقع بخطوات ما في هذا المجال”. ومن وجهة نظرها، فإن “الضغوط الدولية يجب أن تُوجّه أكثر في اتجاه بعض المراكز المالية في الدول العربية والآسيوية والمراكز الخاضعة للأنظمة القانونية البريطانية المستقلة”.
هذه الخبيرة ترى أيضا أنه يتعيّن – من أجل تحسين عملية محاربة غسيل الأموال – تعزيز الإجراءات الوقائية وتقول: “يجب على هيئة مراقبة الأسواق المالية في سويسرا FINMA أن تشدد قليلا من إجراءاتها ضد البنوك. إذ أن الغرامات المالية المقدرة بحوالي 60 الف فرنك التي فُرضت على مصرف يو بي إيس أو كريدي سويس في قضية أموال مبارك، ليست بالغرامات التي تلحق الضرر بأي منهما”، حسب رأيها.
ومن دواعي “المزيد من الأسف”، حسب رأي غريتا فينر دائم، هو أن النقائص والهفوات أكبر وأعمّ على المستوى الدولي، كما هو الحال مثلا في مجال التنسيق بين الدول لفرض تجميد على أحد الأرصدة، وتقول: “لا زالت في داخل الإتحاد الأوروبي، على ما يبدو، بعض الدول التي تعترض على عملية التجميد، وهذا أمر قد يُضرّ بنجاعة الإجراءات المتخذة على المستوى الدولي”.
(نقله من الألمانية وعالجه: محمد شريف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.