رغم أزمة العمل السياسي في تونس.. تحالف جديد يحاول تحريك المياه الرّاكدة
تمّ الإعلان في تونس العاصمة عن تأسيس تحالُـف سياسي جديد تحت عنوان "تحالف المواطنة والمساواة"، الذي يضم أربع مكوّنات، اثنتان منها حِـزبان يتمتعان بالاعتراف القانوني، هما حركة التجديد التي سبق لها وأن رشّـحت في مناسبتين منافِـسا للرئيس بن علي خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة وما قبلها (2004 و2009) وحزب التكتل من أجل العمل والحريات.
هذا الحدث، الذي لم يحظ بتغطية إعلامية واسعة على الصعيد المحلي، يثير عديد الأسئلة، من بينها: ما الجديد الذي حمله هذا التحالف؟ وهل سيكون مصيره مختلفا عن تحالفات سابقة، كان أهمّـها على الإطلاق، مبادرة 18 أكتوبر (عام 2005) والذي اعتبره البعض قد أصبح جزءً من الماضي، بينما تتواصل مساعي أطراف أخرى لإنقاذه وإخراجه من غرفة الإنعاش.
التحالف الجديد جاء تتويجا لحِـوار وتنسيق استمرّا عدّة أشهر بين مكوِّناته منذ اشتراكها في حملة الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت في شهر أكتوبر الماضي، حين اتفقت على دعم مرشح حركة التجديد أحمد إبراهيم، ثم أعادت الكرّة خلال الانتخابات البلدية الأخيرة. وقد أسفرت الحوارات الجماعية التي جرت على هامش المبادرات الانتخابية، عن بلورة وثيقة سُـميت بـ “مشروع أرضية للنقاش”.
وصفت هذه الأرضية الوضع السياسي بكونه “يتّـسم بانغلاق كبير”، وهو ما أدّى إلى “انحسار المواطنة وتعطل مسار الإصلاح السياسي، الذي تعهدت به السلطة منذ وصولها إلى الحُـكم سنة 1987″، إضافة إلى “التعقيدات المتعلقة بمسألة التداول على السلطة في استحقاقات 2014 الرئاسية وما تطرحه من استفهامات”.
30 عاما من الإخفاقات والأخطاء والعوائق
ليست هذه المرة الأولى التي تقرّر فيها أطراف من المعارضة تأسيس تحالُـف بينها، لكن كل التحالفات السابقة، الثنائية والثلاثية والرباعية والخماسية، قد مُـنيت بالفشل. ورغم ثلاثين عاما من الإخفاقات وتِـكرار المحاولات وإعادة إنتاج نفس الأخطاء والعوائق، يعتقد أصحاب التحالف الجديد بأنهم قد يشكلون الإستثناء في هذه “القاعدة” التي ليست حكرا على الساحة التونسية.
وبالرغم من اختلاف مساراتهم السياسية ومرجعياتهم الفكرية، إلا أنهم توصّـلوا إلى ما اعتبروه “قواسم مشتركة”، ومنها على سبيل المثال “التمسك بالنظام الجمهوري الديمقراطي” و”تكريس حرمة وعلوية الدستور وتطويره، بما يضمن تقييد سلطة الحاكم ومساءلته”، و”ضمان حق المواطنين في ممارسة حرياتهم العامة والفردية واحترام حرية المعتقد وممارسة الشعائر الدينية” و”تكريس مبادئ ومعايير حقوق الإنسان، وخاصة مبدأ المساواة الكاملة بين سائر المواطنين وبين الجنسين”.
أما الفقرة التي تطلّـبت نقاشات مطوّلة بين أطراف التحالف، كانت بلا جدال القائلـة بـ “اعتبار الهوية الوطنية لتونس، بكامل أبعادها وبانتمائها العربي والإسلامي، قاسما مشتركا للشعب التونسي واعتماد التواصل مع الجوانب المستنيرة في تُـراثنا والانفتاح على التراث الإنساني التحرري، خيارا حضاريا ثابتا”. وعندما استغرب أحد الصحفيين إدراج مسألة الهوية في مشروع أرضية سياسية، أجابه الدكتور فتحي التوزري (ناشط سياسي ينتمي حاليا إلى تيار الإصلاح والتنمية) بأن “الإصلاح السياسي ليس مجرّد عملية تكنوقراطية”.
ولعل الدافع إلى هذا النقاش، عوامل وخلفيات لم تذكر علَـنا، ولكنها مبثوثة في الأجواء السياسية التي حفت بتأسيس هذا التحالف. فحركة التجديد سبق لها أن تحفّـظت على حركة 18 أكتوبر لأسباب متعدّدة، لعل من أهمها وجود حركة النهضة (المحظورة) ضِـمن مكوِّناتها، وهو ما فجّـر جدلا واسعا حول مشروعية التحالف مع الإسلاميين، كما أن “حزب العمل الوطني الديمقراطي” لا يخفي تمسّـكه بالمرجعية الماركسية ويخشى بدوره أن تطرح مسألة الهوية في سياق يتعارض مع ثوابته الأيديولوجية، في حين لا تشكّـل هذه المسألة نفس القدر من الحساسية لدى “حزب التكتل من أجل العمل والحريات”، ذي الجذور الاشتراكية الديمقراطية.
أما “تيار الإصلاح والتنمية”، فبالرغم من الجهود التي بذلها عبْـر النصوص التي أصدرها، حتى من قبل انسلاخ رموزه من “الحزب الديمقراطي التقدّمي” (معترف به لكنه غير ممثل في البرلمان)، إلا أنه لا يزال ينظر إليه من خلال الانخِـراط السابق لبعض رموزه في تجربة “الإسلاميين التقدميين”.
كل هذه العوامل كانت بشكل من الأشكال حاضرة، وأملت التنصيص على “رفض توظيف الدِّين في الصِّـراع السياسي والإلتزام باستبعاد مسألة الهوية من دائرة المزايدات السياسية”، وهو ما قد يشكل لدى البعض رسالة موجّـهة لحركة النهضة ومن تحالف معها، مما قد يفتح المجال لالتحاق مَـن له موقف سلبي من أي تقارب مع الإسلاميين، في حين قد يفهمها آخرون من داخل التحالف بأن ذلك موقف مبدئي عام يحدّد علاقة الدِّيني بالسياسي ولا يتضمن بالضرورة قطعا سياسيا مع أيّ كان.
“أخلاقيات العمل السياسي”
ما هي الضمانات التي يمكن أن تحمي مثل هذا التحالف من تِـكرار أخطاء التحالفات السابقة في تونس وتجنّـبه أن يلقى نفس المصير؟ هذا السؤال طرحته swissinfo.ch على الناطقين باسم هذا التحالف، الذين أكّـدوا أن ما يميِّـز مبادرتهم هو “التماشي العقلاني وبرنامج يعتمد على مقترحات عملية”. وأكد مصطفى بن جعفر، الأمين العام للتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (معترف به) على كونهم “ليسوا معارضة احتجاجية، وإنما معارضة اقتراح، تنطلق من الواقع وتقدّم بدائل قابلة للتطبيق”، كما ألحّـوا على أهمية ما وصفوه بالتزام “أخلاقيات العمل السياسي”، مؤكِّـدين على أهمية التدرّج وعدم حرق المراحل وتجنّـب الحسابات الضيقة.
ورغم أن أحد ممثلي هذا التحالف (المحامي عبد الرزاق الكيلاني) قد نفى عنه صفة “التحالف الانتخابي”، إلا أن أحمد إبراهيم، الأمين العام لحركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا) قد كان واضحا عندما قال: “وضعنا نُـصب أعيُـننا أفق الاستحقاق الانتخابي لسنة 2014، ونحن مقرّون العَـزْم على العمل على تجاوز وضع الضّـعف والتشتّـت الذي عليه المعارضة الديمقراطية.. حتى يكون ذلك الإستحقاق فرصة لإحداث مُـنعرج نوْعي بالبلاد على كافة الأصعدة، وخاصّة على صعيد الإنتقال الديمقراطي”.
البلد في حاجة إلى سلطة متفاعلة
إذا كان أعضاء “حزب العمل الوطني الديمقراطي” يعتبرون بأن الإعتراف بهم ليس سوى مسألة وقت، حسب اعتقاد أحد قادتهم (المحامي محمد جمور) بعد أن رفضوا الإندماج في حركة التجديد أو البقاء متمترسين داخل صفوف الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية في تونس)، إيمانا منهم بضرورة احترام خصوصيات العمل النقابي، فإن تيار “الإصلاح والتنمية”، له وجهة نظر مغايرة. فأصحابه لم يقرِّروا بعد أن يتحوّلوا إلى حزب سياسي ولا يحرجهم بأن يُـوصفوا بالمستقلين، ويعتبرون أن الأولوية لديهم الآن، هو العمل على تطوير أداء المعارضة. فهُـم، بالرغم من إدراكهم بأن البلاد في حاجة إلى سلطة متفاعلة إيجابيا مع دعوات الإصلاح، إلا أنهم يلِـحّـون في خطابهم على التأكيد على ضرورة وجود “معارضة إصلاحية وجديّـة ومقنِـعة ولها تأثير”، ويؤكدون أنهم يريدون أن يكونوا “جزءً من هذه المعارضة”.
وإذ يؤكد محمد القوماني، عضو الهيئة المديرة للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، على أن من بين خصوصيات هذا التيار “نفْـي التعارض بين الهوية العربية والإسلامية وبين الحداثة، وأن هناك قواسِـم مشتركة يمكن أن تجمع مُـختلف التيارات وتحقّـق التوافق بينها”، فإن فتحي التوزري كان حريصا على أن يؤكّـد بأن ذلك “لا يشكِّـل الميزة الرئيسية للتيار”.
الإصلاح المؤسساتي.. عملية صعبة ومعقدة
لا شك في أن ضُـعف الأحزاب التونسية مقابِـل تضخّـم الحزب الحاكم المندمج في أجهزة الدولة، هو الذي قادها إلى التفكير في بناء تحالفات، عساها من وراء ذلك، أن تفرض وجودها وتحاوِل التأثير في صنع السياسات، لكن السؤال الذي يطرحه كثيرون هذه الأيام: هل سيقدر “تحالف المواطنة والمساواة” أن يغيِّـر، ولو قليلا، من المشهد السياسي القائم منذ أن انتهت عملية الفَـرز السياسي في مطلع التسعينات من القرن الماضي، حين تمّ تشكيل أول برلمان تعدّدي يحتكِـر فيه التجمع الدستوري الديمقراطي الأغلبية الواسعة والمتجدّدة باستمرار؟
وبتعبير آخر، هل ستتفاعل السلطة مع مكوّنات هذا التحالف، الحريصة على تجنب كل ما من شأنه أن يؤدّي إلى القطيعة السياسية مع النظام أم أنها ستبقى مُـكتفِـية بالأحزاب المقرّبة منها، رغم أنها غير مقتنعة بأداء بعض هذه التنظيمات التي أصبحت عالة على الحزب الحاكم وتعيش من الفتات الذي يقدّمها لها، خاصة في المناسبات الانتخابية؟
لا يوجد أي مؤشِّـر على إمكانية أن تكون علاقة السلطة بهذا التحالف الجديد مغايرة لما فعلته مع حركة 18 أكتوبر على سبيل المثال، رغم اختلاف اللّـهجة والآليات والخطاب، لكنها مع ذلك، بدت (أي السلطة) أكثر حِـرصا على عدم الإصطدام (في الوقت الحاضر على الأقل) مع أصحاب هذه المبادرة.
أما هؤلاء، فهُـم مقتنعون من جهتهم بأن الإصلاح السياسي الذي ينشدونه ويطلقون عليه صفة “الإصلاح المؤسساتي”، هو عملية صعبة ومعقّـدة، لكنهم – خلافا لأطراف أخرى في المعارضة – يعتقدون بأن تحقيق بعض المكاسب في ظل موازين القِـوى الرّاهنة، أمر ممكن وأن تجنب وسائل وآليات الإحتجاج السياسي، هو الأسلوب الأفضل لإنجاز ذلك، وهذا ما ستؤيِّـده الأسابيع والأشهر القادمة أو تثبت عكسه.
صلاح الدين الجورشي – تونس – swissinfo.ch
تونس (رويترز) – أثارت موافقة البرلمان في تونس التي تسعى للحصول على رتبة شريك متقدم مع الاتحاد الاوروبي على قانون للامن الاقتصادي جدلا واسعا في البلاد حول هامش حرية التعبير.
وكان نواب البرلمان التونسي أقروا بالاجماع يوم الثلاثاء 15 يونيو 2010 قانونا يجرم التعرض للامن الاقتصادي للبلاد عبر اتصالات مع منظمات وجهات اجنبية في ما يبدو انها رسالة شديدة اللهجة لمعارضي النظام.
وقالت وكالة الانباء التونسية الحكومية ان مجلس النواب وافق على قانون لاضافة أحكام يعاقب بمقتضاها كل تونسي يتعمد اجراء اتصالات مع جهات أجنبية للتحريض على الاضرار بالمصالح الحيوية للبلاد وذلك تأكيدا على أهمية الامن الاقتصادي وتأمين مصالح المواطنين.
وقال وزير العدل وحقوق الانسان لزهر بوعوني ان من أمثلة الاضرار بالمصالح الحيوية للبلاد التحريض على عدم منح قروض لتونس أو التحريض على مقاطعة السياحة وعرقلة مساعي تونس الى الحصول على مرتبة الشريك المتقدم لدى الاتحاد الاوروبي مما يؤثر على سياسة التوظيف وجهود التصدير والتنمية الاقتصادية.
واحتج نشطاء ومعارضون على القانون الذي اصبح يعرف بقانون ” الامن الاقتصادي” على اعتبار انه قد يقلص من الحريات المحدودة اصلا.
وقال محمد عبو الناشط الحقوقي لرويترز “هذا قانون خطير جدا على الحريات ويجب التصدي له..انه (القانون) غير دقيق ويمكن أن يجرم حتى من يعطي تصريحات لوسائل اعلام أجنبية”.
وأضاف أن الشكوى “لمنظمات اقليمية واجنبية ليست خيارا للعديد هنا .. فاذا كانت حقوق العديد مهضومة فلا يمكن تجريم من يتوجه لمنظمات أجنبية (للشكوى).”
لكن وزير العدل وحقوق الانسان نفى ان يكون لهذا القانون علاقة بحرية التعبير وقال امام البرلمان “خلافا لما يسعى البعض لاشاعته لا يمكن ربط علاقة بين التجريم والحريات المكفولة بالدستور وخاصة منها حرية التعبير.”
وقال المحامي سمير بن عمر لرويترز انه وفقا للفصل 61 مكرر من المجلة الجزائية فان مرتكب هذه الجريمة قد يواجه حكما بالسجن يترواح بين خمسة أعوام و12 عاما.
وتأمل تونس في الحصول على رتبة شريك متقدم مع الاتحاد الاوروبي وبدأت بالفعل مفاوضات في هذا الشأن مما قد يمنح تجارتها العديد من المزايا التفضيلية لكن معارضين تونسيين يطالبون بعدم تمكين تونس من هذا الامتياز بسبب سجلها في حقوق الانسان.
وسافر العديد من المعارضين خلال الاشهر الماضية الى أوروبا وطالبوا العواصم الغربية بالضغط على تونس لتحقيق انفتاح ديمقراطي وتحرير الاعلام بدلا من تقديم مكافات اقتصادية لها.
من جهته وصف الصحفي توفيق العياشي القانون بانه “قانون على المقاس” وقال “المصلحة الحيوية للبلاد ليست بمجرد شعار يرفع كفزاعة في وجه كل نقد نزيه او مطالبة بالاصلاح فهي فعل يقوم على الارادة الجادة في خدمة مصلحة البلاد وضمان مناعة اقتصادها بعيدا عن تصفية الحسابات السياسية والتطاحن على مواقع التأثير في الاتحاد الاوروبي”.
وكان الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اتهم عددا من المعارضين في نهاية العام الماضي بأنهم مناوئون ويعملون على تشويه صورة تونس في الخارج.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 16 يونيو 2010)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.