رفض الناخبين لم يُفاجئ أحدا
رفض أكثر من 70% من الناخبين السويسريين المبادرة الشعبية "من أجل شركة تأمين صحي وحيدة واجتماعية" التي لم تحصل على الموافقة إلا في كانتونين.
وزير الشؤون الداخلية باسكال كوشبان اعتبر أن “الشعب أقام الدليل على أنه لا يريد حدوث ثورة في النظام الصحي”، أما أصحاب المبادرة فقد صدموا لحجم الهزيمة المدوية.
أظهرت النتائج النهائية للتصويت أن الرفض شمل 71،2% من الناخبين و24 كانتونا ونصف كانتون (من بين 26) وهو ما يعني أن هزيمة المبادرة جاءت أقسى مما تكهنت به آخر استطلاعات الرأي التي تنبأت منذ فترة طويلة بمآلها السلبي.
استطلاعات الرأي أشارت أيضا إلى أن المبادرة التي تقدم بها اليسار ستحظى بتأييد أوسع في الكانتونات “اللاتينية” (أي الناطقة بالفرنسية والإيطالية) مقارنة بالكانتونات المتحدثة بالألمانية (ثلثي السكان تقريبا)، وقد أكدت النتائج النهائية للإقتراع هذين الأمرين.
ومع أن استطلاعات الرأي أوردت إمكانية حصول المبادرة على الموافقة في الكانتونات الروماندية (المتحدثة بالفرنسية) وفي التيتشينو (المتحدث بالإيطالية) إلا أن الحصيلة النهائية لم تسفر إلا عن تأييد كانتوني نوشاتيل وجورا فحسب للمقترح المعروض على الناخبين.
مع ذلك، فإن حجم الرفض في بقية الكانتونات الروماندية والتيتشينو كان أقل حدة ووضوحا مما حصل في الكانتونات المتحدثة بالألمانية، وهو ما يمكن تفسيره بسببين اثنين.
أولا، ارتفاع قيمة اشتراكات التأمين في معظم الكانتونات اللاتينية مقارنة بالمعدل الوطني العام وهو ما دفع نسبة أكبر من الرومانديين وسكان كانتون تيتشينو إلى عدم التردد في التصويت لفائدة إعادة النظر في نظام للتأمينات الصحية تحول بمرور الأعوام إلى عبء ثقيل على ميزانيات عدد كبير من العائلات.
لذلك لم يكن من باب المصادفة أن تصل نسبة الرفض للمبادرة في كانتون جنيف (الذي يدفع سكانه أغلى الإشتراكات في البلاد) 45،8%، في حين أن المعارضين لها في كانتون أبنتزل – رودس (الداخلي) حيث تسجل اشتراكات التأمين الصحي أدنى مستوياتها في الكنفدرالية حققوا نتيجة شبه ستالينية برفض 91،7% من الناخبين لها.
مقياس آخر يمكن أن يشرح خلفية هذه النتائج يتمثل في اختلاف الموقف والحساسية من كل ما يتعلق بالدولة أو بالقطاع العام. فقد أظهرت العديد من المواعيد الإنتخابية في السابق أن الرومانديين هم أكثر تأييدا لتدخل مطرد للدولة مقارنة بسكان الأنحاء المتحدثة بالألمانية من البرد الذي يمتلكون رؤية أكثر ليبرالية.
غموض كبير
رغم كل شيء، يثير الرفض الصارم لثلاثة أرباع السويسريين لمشروع اليسار التساؤل.
بداية، لا بد من الإقرار بأن مثال شركة التأمين الوحيدة ليس أفضل ما هو مؤمل مثلما تشهد على ذلك العديد من الأمثلة الموجودة في الخارج.
ففي بريطانيا والبرتغال على سبيل المثال، أدى اعتماد شركة التأمين الوحيدة على المرض إلى نشوء نظام صحي قليل الكفاءة وإلى ممارسة طبية تسير بسرعتين. أما فرنسا فهي تتوفر بفصل مؤسستها الوحيدة للتأمين على نظام صحي جيد جدا، لكن الإشكالية الكبرى فيها تتمثل في أن المؤسسة المعروفة اختصارا باسم « Sécu » تحولت – من الناحية المالية – إلى بئر لا قرار له سيأتي حتما اليوم الذي يجب القيام فيه بعملية تطهير (مؤلمة).
العقبة الكبيرة الأخرى التي اعترضت سبيل مبادرة اليسار تمثلت في عدم تمكن أي شخص من القائمين عليها أو المؤيدين لها من إفادة الناخبين بدقة عن النتائج المالية المترتبة عن اعتمادها بالنسبة للعائلات. ذلك أن نص المبادرة كان يشير إلى أنه سيتم تحديد قيمة الإشتراكات “حسب القدرة الإقتصادية” للمُؤمّنين. وهذا كلام غامض ومبهم، بل غامض جدا ومبهم جدا.
في سياق الحملة الإنتخابية التي سبقت التصويت، اتسمت المواجهة بين المؤيدين والمعارضين للمبادرة باللجوء لاستعمال واسع للأرقام، وقد كانت أرقاما متباينة جدا وغير مستندة إلى أي شيء ملموس وواقعي خصوصا وأن الجهة الوحيدة المخولة تحديد قيمة اشتراكات التأمين الصحي هي البرلمان. لذلك لم يكن متاحا لأي كان أن يتوقع نوعية القرار الذي يمكن أن يُتخذ من طرف غرفتي البرلمان في نهاية المطاف.
هذه الضبابية المالية أثارت بلا شك مخاوف عدد كبير من الناخبين. وهو ما دفع بالأغلبية إلى اختيار الإبقاء على النظام الحالي – الباهظ التكلفة ولكنه معلوم – بدلا من الدخول في مغامرة لا ضمانات فيها.
المشكلة لا زالت قائمة
على كل حال، لا يغير تصويت الأحد 11 مارس من واقع الأمر شيئا. فالمشكلة الرئيسية المتمثلة في تكلفة النظام الصحي السويسري (والإرتفاع اللولبي المستمر لقيمة اشتراكات التأمين) – تظل قائمة برمتها.
أما الأكيد فهو أن الوصفات التي اقترحها اليسار قد رفضت مرة أخرى، إذ ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها فكرة ربط قيمة اشتراكات التأمين على المرض بمستوى الدخل الفردي والثروة إلى هزيمة نكراء. ففي عام 2003، رُفضت مبادرة مماثلة من جانب ثلاثة أرباع الناخبين تقريبا.. أيضا.
في المقابل، لا تعني نتيجة التصويت أن الطريق أضحى الآن ممهدا بوجه تحرير متزايد للقطاع الصحي في سويسرا. فقد أظهرت استطلاعات مختلفة وحوارات ونقاشات شعبية وإعلامية وبرلمانية أن السويسريين لا زالوا متمسكين بمبدإ التضامن (بين الأصحاء والمرضى وبين الشباب والمسنين) ومعارضين في الوقت نفسه لأي تقليص في حجم وجودة الخدمات الصحية التي يكفلها نظام التأمين الصحي الحالي لكل مقيم في الكنفدرالية.
رفضت المبادرة من طرف 71،2% من الناخبين ومن جانب 24 كانتونا ونصف كانتون على 26.
جاء أقوى رفض لمبادرة اليسار من أبنتزل – رودس (الداخلي) الذي سجل فيه التصويت بلا 91،7%
تحققت أعلى نسبة من التأييد للمبادرة في كانتون جورا بـ 57،7% من النعم.
بلغت نسبة المشاركة في التصويت على المستوى الوطني 45،5%
أطلقت المبادرة الشعبية المعروفة باسم “من أجل شركة تأمين صحي وحيدة واجتماعية” من طرف الحركة الشعبية للعائلات وأودعت لدى البرلمان في ديسمبر 2004
طالبت المبادرة بإسناد مهمة الإشراف على التأمين الأساسي الإجباري على المرض وإدارته إلى شركة وحيدة وطنية وبأن يتم تحديد قيمة الإشتراكات تبعا لدخل وثروة المُؤمّنين.
دعّـم الحزب الإشتراكي والخضر المبادرة فيما أوصت الحكومة الفدرالية واغلبية البرلمان الفدرالي الناخبين برفضها.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: كمال الضيف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.