روحاني يُعيد للإصلاحيّين أصواتهم المسروقة بمفتاح الإعتدال
يشعُر الإيرانيون، الذين رفعوا بُعيد الإعلان عن نتائج الإنتخابات الرئاسية السابقة شعار: "أين صوتي؟"، بأن مرشّحهم الذي ساندوه في الإنتخابات الأخيرة، استعاد لهم أصواتهم، التي يقولون إنها سُـرقت في الانتخابات التي أجريت عام 2009 وأسفرت عن احتجاجات، هدّدت بقاء النظام وأوجدت شرخاً كبيرا داخله بل شكّكت بشرعيته.
وردّد الكثير من الذين احتفلوا بفوْز روحاني في شوارع طهران والمدن، أنه “بمفتاح الإعتدال”، أعاد فتح صناديق الاقتِراع في الانتخابات الماضية واستعاد أصواتهم، وعليه الآن أن يُعيد كل شيء إلى ما كان عليه قبل أن يتولّى الرئيس المُنتهية ولايته محمود أحمدي نجاد، الرئاسة، خُصوصاً في دورته الثانية.
قبض الثمن نقداً
أول ما طالبه به داعمو روحاني، حتى قبل الإعلان عن النتائج النهائية لفرز الأصوات والإعلان عن فوزه بفارق شاسِع عن مُنافسيه، هو الوفاء بوعده في تحقيق المصالحة الوطنية، وهو الإفراج عن الزعيمين الإصلاحيين مير حسين موسوي (وزوجته زهراء رهنورد)، ومهدي كروبي، اللذين وُضِعا قيْد الإقامة الجبرية منذ فبراير 2011.
وقد أطلقت الحشود المُبتهجة بالإنتصار، شعارات نادت أيضاً بالإفراج عن باقي السجناء الإصلاحيين الذين اعتُـقلوا بسبب الاحتجاج على نتائج انتخابات عام 2009.
صحيح أن إنعاش الإقتصاد المريض، في ضوء ما تواجِهه ايران من مصاعب، بسبب العقوبات المفروضة عليها على خلفية برنامجها النووي، يظل مطلباً أساسياً للناخبين، الذين يربطون ذلك بتعزيز جبهتهم الداخلية لتقوية ورقة التفاوض في الخارج حول ملفّات إقليمية ودولية، لكن هؤلاء يُـدركون جيداً أنهم توجّهوا إلى صناديق الإقتراع بكثافة، مُرتَـدين اللّون البنفسجي، أملاً بحصول تغيير يعتقِدون أنه مُمكن “وربيع الحرية قادم”، كما قالت بعض شعارات الإحتفال بالفوز، والتي ذكّرت بالفتاة الإيرانية ندا آقا سلطان، التي قُـتِلت في مظاهرات الإحتجاج على تزوير الانتخابات يوم 20 يونيو 2009، وخاطبوها “مكان ندا خالٍ في ربيع الحرية..”.
لقد اختار روحاني اللّون البنفسجي والمفتاح شعاراً لحملته الإنتخابية، وقدّم بذلك نفسه مرشّحاً مستقِلاً، رغم الدّعم الكبير الذي حصل عليه من الإصلاحيين الذين أجمعوا على اعتباره مرشّحهم الوحيد. وقد أمر الرئيس السابق محمد خاتمي نائبه الأول (في عهده) محمد رضا عارف، بالإنسحاب من السباق الإنتخابي لصالح روحاني.
“اعتدال خاتمي وبراغماتية رفسنجاني”
قيل الكثير قبل الإقتراع عن الرئيس الجديد وبعده، وتردد أن انتخاب روحاني (أو غيره) لن يُـغيِّر كثيراً في سياسات إيران الخارجية، إلا أن ما يتسرّب من مناقشات تجري خلْف الكواليس في طهران، في ضوء ملاحظة إجماع ناخبين من تيارات مختلفة على الإقتراع لصالحه، يؤكد أن المُرشد الأعلى علي خامنئي، فهم رسالة هذه الإنتخابات، ومفادُها أن إيران باتت على موعِد مع (أي شكل من أشكال) تغيير سياساتها، خصوصاً في الملفات الخارجية، إذ بإمكان خامنئي تقديم بعض التنازلات في هذه الملفّات، مع حفظ ماء الوجه، وعن طريق الرئيس الجديد، بمعنى أنه يمنحه فُرصة للعمل من أجل مصالح البلاد العليا.
ومع أن الإنتخابات جرت بين ستّة مرشحين، كلهم أقسموا الولاء لنظام ولاية الفقيه، فإن نتائجها في ظلّ ظروف حسّاسة تمُـر بها ايران، جعلت مُعظم الإيرانيين يتنفّسون فضاء الأمل، بحصول تغيير في الداخل ينعكِس على علاقات إيران الإقليمية والدولية، بما يخفِّف عنهم أزماتهم الإقتصادية (حيث سُجّل ارتفاع سِعر الريال الإيراني مقابل العملات الأجنبية هذه الأيام)، ويُخرِج بلادهم إلى أجواء أكثر انفتاحاً في الخارج، تتمثل بإيجاد حلٍّ للأزمة السورية، يحفظ مصالح إيران، وتخفيف العقوبات أو رفْعها في الملف النووي، بالتعاون بين إيران والسعودية.
لا مفر من التذكير هنا بأن المرشح الفائز حسن روحاني، كان الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي في عهدين، وكان أدار مفاوضات إيران مع الغرب في عهد الرئيس محمد خاتمي وتمكّن من فرض اتفاقية قصر سعادت آباد 2002، لتعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة لا تتجاوز 5%، كما نجح في إبعاد إيران في عهد الرئيس الأسبق رفسنجاني عن المشاركة في الحرب ضدّ أمريكا إلى جانب نظام صدّام بعد غزوه الكويت عام 1991، والتي كان داعِموه الإصلاحيون يُطالبون بها، ما يعني أن الرئيس في إيران قادر – إلى حد ما – على التأثير في صُنع القرارات الإستراتيجية، التي يملك الولي الفقيه مفاتيحها.
تبعا لذلك، يمكن القول أن روحاني، الذي يجمع ما بين اعتدال خاتمي وبراغماتية رفسنجاني، قادِر بالفعل على فتح العُـقَـد المُستعصِية في الداخل والخارج، إذا كان الغرب بالفعل مُستعدّا للعمل معه، وبإيجابية إشارات واضحة أرسلها، مفادها أنه سيعمد إلى “انتهاج سياسة خارجية أكثر تصالحية”، تعكِس نجاح المُعتدلين في ايران، بالدفع بالمتطرّفين إلى الهامش، وهو ما شدّدت عليه الحشود المُحتفلة بانتِصار روحاني، بشعارها المعروف الذي اعتاد عليه الإصلاحيون وأنصارهم في مظاهراتهم السابقة، للتأكيد على رغبتهم في بناء وطنهم، دون التدخل في دول وقضايا خارجية تحت غطاء المبادئ الثورية، وهو: “لا غزّة ولا لبنان، نفسي فدا لإيران..”.
يعقد الرئيس الايراني المنتخب حسن روحاني يوم الاثنين 17 يونيو 2013 اول مؤتمر صحافي له لكنه وعد بان انتخابه سيأتي ب”تغييرات” في كافة المجالات بعد تولي المحافظين الحكم في البلاد لثماني سنوات. وقال رجل الدين المعتدل الذي انتخب يوم الجمعة 14 يونيو لخلافة محمود احمدي نجاد انه يجب الا نتوقع ان “تتم تسوية كل الامور بين ليلة وضحاها”.
وتطلعات الشعب الايراني كبيرة خصوصا لجهة تحسين الوضع الاقتصادي في بلد يخضع لعقوبات دولية بسبب برنامج طهران النووي. وقد تم كشف الخطوط العريضة لبرنامج روحاني وهي المفاوضات مع الدول الكبرى “لتخفيف الضغوط” وتشكيل حكومة تضم معتدلين وتكنوقراطا ومساعدة الطبقات الاشد فقرا.
ونقلت الصحافة الإيرانية يوم الاثنين 17 يونيو عن محمد باقر نوبخت مستشار روحاني للشؤون الاقتصادية قوله ان “روحاني سيستعين في الملف النووي بخبرته في الدبلوماسية لتخفيف ضغط العقوبات من خلال التفاوض” مع الدول الكبرى.
وتشتبه الدول الكبرى واسرائيل بسعي ايران لامتلاك السلاح الذري تحت غطاء برنامج نووي مدني وهو ما تنفيه طهران. ولم تتوصل ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين والمانيا) الى اتفاق رغم عدة جولات مفاوضات. وتبنت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي عقوبات على ايران تطال خصوصا قطاعي النفط والمصارف ما تسبب بازمة اقتصادية خانقة وتضخم تجاوز ال30%، وتراجع قيمة العملة المحلية ب70ـ % وبطالة بـ 12%.
ورحبت الدول الغربية وروسيا بانتخاب روحاني واعربت واشنطن عن استعدادها “للتعاون في الملف النووي” مع الرئيس الايراني الجديد. وحدها اسرائيل ابدت تحفظات داعية الاسرة الدولية الى ابقاء الضغوط على ايران لارغامها على وقف انشطتها النووية.
ووصف وزير الخارجية البريطاني السابق جاك سترو روحاني بانه “دبلوماسي ورجل سياسي يتمتع بخبرة كبيرة”. وقال دبلوماسي اجنبي يتخذ من طهران مقرا له لفرانس برس “يجب الا نطلب الكثير وبسرعة من روحاني”. من جهته قال الرئيس المعتدل السابق اكبر هاشمي رفسنجانييوم الاحد 16 يونيو إن “الأمطار عندما تتساقط بغزارة تشكل فيضانات. لكن اذا تساقطت باعتدال تغير في آن آفاق وواقع الطبيعة”.
وطلب روحاني الاعتراف بـ “حقوق” ايران في المجال النووي للحصول على تنازلات من طهران للخروج من الطريق المسدود.
(المصدر: وكالة الصحافة الفرنسية أ ف ب بتاريخ 17 يونيو 2013)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.