رياح التغيير لن تهبّ قريبا على العلاقات السعودية الأمريكية
أثارت تصريحات الأمير بندر بن سلطان رئيس المخابرات السعودية والسفير السابق في واشنطن حول اعتزام المملكة الحد من تعاونها مع الولايات المتحدة بسبب إخفاق إدارة أوباما في التحرك بشكل فعال في الأزمة السورية والتراخي في الدور الأمريكي في عملية السلام وعدم دعم التأييد السعودي لحملة البحرين ضد الحركة المناهضة لحكومة المنامة بالإضافة للتقارب الأمريكي مع إيران تكهنات بأن رياح التغيير قد تعصف بالعلاقات الإستراتيجية القائمة بين الولايات المتحدة والسعودية منذ أكثر من ثمانين عاما.
وزاد من تلك التوقعات الغضب الذي انطوت عليه تصريحات السفير السعودي السابق في واشنطن الأمير تركي الفيصل إزاء السياسة الأمريكية التي استبدلت الإعداد لتوجيه ضربة عسكرية لنظام الأسد باتفاق على تجريده من ترسانة الأسلحة الكيماوية والتي وصف فيها الإتفاق بأنه مسرحية هزلية سمحت لأوباما بالتراجع عن توجيه الضربة العسكرية ودعم استمرار الأسد في ذبح شعبه.
صحيح أن تلك التصريحات أسفرت عن موجة من التصريحات الأمريكية التي استهدف معظمها التقليل من وقع التصريحات إلا أن بعضها وخاصة داخل الكونغرس طالب المسؤولين الأمريكيين باحتواء الموقف والحيلولة دون تردي تلك العلاقات البالغة الأهمية للمصالح الأمريكية في منطقة الخليج.
تطمينات كيري وقلق برلمانيين
في الأثناء، شدد مسؤولون أمريكيون على متانة العلاقات الأمريكية – السعودية مثل المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماري هارف التي قالت: “إن الجدل بين الرياض وواشنطن لا يدور حول الأهداف وإنما حول الوسائل كما أن العلاقات تستند إلى أهداف مشتركة. فبالنسبة لسوريا، تتفق الدولتان على ضرورة إنهاء الحرب الأهلية وبالنسبة لإيران فإن الهدف المشترك هو الحيلولة دون حيازتها للسلاح النووي وتهدف الدولتان لتسوية سلمية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي”.
وأقر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بعد اجتماعه مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل على هامش اجتماع أصدقاء سوريا الأخير في لندن بشعور الجانب السعودي بعدم الرضا عن التعامل الأمريكي مع الملف السوري فقال: “ندرك أن السعوديين شعروا بالإحباط لأن الضربة العسكرية لنظام الأسد لم تحدث ولديهم تساؤلات حول أشياء أخري يرغبون في حدوثها في المنطقة وأنا ملم تماما بالمخاوف السعودية وناقشتها مع وزير الخارجية السعودي وشرحت له الموقف الأمريكي منها وسنواصل التشاور مع أصدقائنا السعوديين حول كيفية العمل معا من أجل تحقيق أهدافنا المشتركة”.
كيري أكد أيضا أن الولايات المتحدة والسعودية ستظلان صديقين وحليفين كما كانتا دوما، لكن النائب الجمهوري مايك روجرز رئيس لجنة الإستخبارات بمجلس النواب الأمريكي لم يُخف قلق واشنطن من الموقف الذي عبر عنه الأمير بندر بن سلطان، واعتبر أن أي تدنّ في العلاقات السعودية الأمريكية “سيُقوّض المصالح الأمريكية في المنطقة”، كما دعا المسؤولين الأمريكيين إلى التحرك بسرعة “لإقناع المسؤولين السعوديين بعدم سلوك المنحى الذي لوّح به رئيس الإستخبارات” السعودية.
“عدم الرضا لا يعني التخلي عن الشراكة”
في محاولة للحصول على تحليل أكاديمي لما تنطوي عليه التصريحات السعودية الدرامية، توجهت swissinfo.ch بالسؤال إلى البروفيسور جريجوري جوز، رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة فيرمونت والمتخصص في العلاقات السعودية الأمريكية فقال: “تصريح الأمير بندر هو مبادرة من النخبة السعودية الحاكمة لتنبيه الإدارة الأمريكية إلى عدم رضى المملكة العربية السعودية عن توجهات واشنطن إزاء الملف السوري وعملية السلام وخشيتها من عواقب التقارب الأمريكي مع إيران والذي ترى السعودية ودول الخليج أنه سيكون على حساب هذه الدول”.
مع ذلك، لا يرى البروفيسور جوز أن حدة التصريح تعني بالضرورة أن السعودية تعتزم إدخال تعديل جذري على علاقاتها الوثيقة بالولايات المتحدة، وإنما يحمل في طياته تصميما سعوديا على انتهاج سياسات أكثر استقلالية عن تعاونها الوثيق مع واشنطن خاصة فيما يتعلق بالملف السوري. وعلق البروفيسور جوز على قول الأمير بندر بن سلطان إن رفض السعودية لمقعد غير دائم في مجلس الأمن إنما هو رسالة إلى الولايات المتحدة وليس إلى الأمم المتحدة فقال: “صحيح أن الرفض السعودي للمقعد كان رسالة من الرياض إلى واشنطن بعدم الرضا عن سياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بشكل عام، ولكنه كان أيضا رفضا لتوريط السعودية في أي قرار قد يتخذه مجلس الأمن حول سوريا ولا يتفق مع وجهة النظر السعودية”. في المقابل، يعتقد البروفيسور جوز أن الرفض السعودي لمقعد في مجلس الأمن يتسم بقصر النظر حيث أنه كان بوسع السعودية استثمار وجودها في المجلس للتأثير باتجاه حشد التأييد لوجهات النظر السعودية ليس فقط إزاء سوريا وإنما أيضا فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي.
على صعيد آخر، اتفق البروفيسور جوز مع تقييم المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية القائل بأن البلدين لا يختلفان حول الأهداف وإنما حول الوسائل، ويقول: “مع أن البلدين يسعيان إلى إنهاء الحرب الأهلية في سوريا فإن السعودية استهدفت مساعدة الجيش السوري الحر على إسقاط نظام الأسد لتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة وكانت ترغب في أن تلعب واشنطن دورا فعالا يصل إلى حد التدخل العسكري وتوجيه ضربة عسكرية للنظام لذلك شعرت السعودية بإحباط شديد عندما تراجع أوباما عن تلك الضربة واستبدلها باتفاق لنزع سلاح النظام الكيماوي دون أن يتضمن أي إشارة إلى رحيل الأسد”
من جهتها، تتفق باربرا سلافن، كبيرة الباحثين ومحللة شؤون الشرق الأوسط بمؤسسة أتلانتك كاونسل للأبحاث في واشنطن مع تحليل البروفيسور جوز وتقول: “تصريحات المسئولين السعوديين لا تنطوي على نية حقيقية في تغيير العلاقات مع واشنطن وإنما تستهدف الضغط بهدف التأثير في السياسات الأمريكية التي لا ترضى عنها السعودية”، واستشهدت سلافين على ذلك بأن الإجتماع الذي عقده وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في لندن مع نظيره السعودي لمدة ساعتين ونصف لم يتطرق الاجتماع – كما أظهر البيان المشترك – إلى أي حديث عن تقليل مستوى التعاون السعودي الأمريكي، وقالت: “يجب الإنتباه لحقيقة أنها ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يُعبّر المسؤولون السعوديون بطريقة درامية عن استيائهم من بعض السياسات الأمريكية. فقد كان الأمير بندر بن سلطان نفسه (عندما كان سفيرا في واشنطن) هو الذي أبلغ الرئيس جورج بوش الابن بأن عدم تدخل واشنطن لوقف القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في عام 2001 سيُجبر السعودية على انتهاج منحى آخر في علاقاتها مع الولايات المتحدة”.
باربرا سلافن، كبيرة الباحثين بمؤسسة أتلانتك كاونسل للأبحاث في واشنطن
ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يُعبّر المسؤولون السعوديون بطريقة درامية عن استيائهم من بعض السياسات الأمريكية
“لا بديل للسعودية عن الولايات المتحدة”
الخبيرة الأمريكية ترى أيضا أنه، رغم التدني النسبي لنفوذ ومكانة الولايات المتحدة في المنطقة، إلا أنها القوة العظمى الوحيدة القادرة على توفير الحماية لمنابع البترول والحفاظ على حرية تدفق صادرات النفط إلى دول الغرب عبر الخليج، وقالت: “على عكس التصريحات السعودية، كثفت المملكة في السنوات الأخيرة من علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة بشراء ما تصل قيمته إلى 60 مليار دولار من الأسلحة والمعدات العسكرية الأمريكية بما في ذلك من مشتريات بقرابة 7 مليار دولار في الأسبوع الماضي”.
بدوره يتفق البروفيسور جوز مع هذا التحليل ويؤكد أن الخلافات السياسية بين واشنطن والرياض لا يُمكن أن تسفر عن تضحية المملكة العربية السعودية بمصالحها الأمنية المعتمدة على الحماية التي توفرها الولايات المتحدة ويؤكد أنه لا يوجد أمام السعودية شريك استراتيجي بديل للولايات المتحدة يستطيع توفير الالتزام الأمريكي بأمن المملكة ويقول: “يخطئ من يعتقد أن العلاقات السعودية الأمريكية تقوم على أساس الإتفاق الكامل بين الدولتين حول كافة القضايا فتلك العلاقات مبنية على مصالح مشتركة أساسية تتعلق بأمن منطقة الخليج وضمان حرية تدفق البترول، وقد أكد البيان المشترك الصادر عن اجتماع وزيري خارجية البلدين في لندن على استمرار وجود مصالح أمنية مشتركة مع الإعتراف بوجود خلافات سياسية بين البلدين”.
البروفيسور جوز أشار أيضا إلى أن إدارة أوباما استجابت على الفور لتحذيرات زعماء الكونغرس من أي تصدع في العلاقات مع السعودية بمواصلة التشاور مع المسؤولين السعوديين وتهدئة مخاوفهم المبالغ فيها من أن يكون التقارب الإيراني الأمريكي على حساب زعامة السعودية لمنطقة الخليج والتأكيد على أن توصّل واشنطن إلى أي اتفاق محتمل لإزالة الخطر النووي الإيراني لن يُفضي في المقابل إلى السماح لإيران بأن تصبح قوة إقليمية مُهيمنة في منطقة الخليج، وقال البروفيسور جريجوري جوز: “يجب أن تتذكر السعودية أن الحرب التي خاضتها الولايات المتحدة في الخليج عقب غزو صدام حسين للكويت استهدفت الحيلولة دون أن يُصبح قوة مهيمنة في المنطقة وأن التواجد العسكري الأمريكي المكثف في قطر والبحرين يشير إلى إستراتيجية أمريكية راسخة تستهدف عدم وجود قوة مُهيمنة أخرى في منطقة الخليج البالغة الحيوية”.
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن وزير الخارجية جون كيري سيقوم بجولة تستمر تسعة أيام يبدأها يوم الأحد 3 نوفمبر الجاري في الرياض لإجراء محادثات مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز بهدف إزالة التوترات بين البلدين.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية جنيفر بساكي في بيان صدر يوم الخميس 31 أكتوبر 2013 إن كيري “سيؤكد مجددا الطبيعة الإستراتيجية للعلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية نظرا إلى أهمية التحديات التي يجب ان يُواجهها بلدانا سويا”. وتابعت أن جولة كيري من الثالث الى الحادي عشر نوفمبر، ستشمل أيضا بولندا واسرائيل وبيت لحم وعمان وأبوظبي والجزائر والمغرب.
وتشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية التي تعتبر حليفا أساسيا للأمريكيين، حاليا تجاذبات حول إدارة الملف السوري والتقارب الأمريكي مع إيران.
وكانت السعودية أعلنت في 18 أكتوبر 2013 رفضها مقعدا غير دائم في مجلس الامن الدولي غداة انتخابها للمرة الأولى في هذه الهيئة الاممية، في خطوة غير مسبوقة بهدف الإحتجاج على “عجز” المجلس وبخاصة ازاء النزاع السوري.
ويأخذ السعوديون على حلفائهم الأمريكيين عدم قيامهم بتوجيه ضربات ضد نظام الرئيس السوري بشار الاسد. وكانت صحيفة وول ستريت جورنال ذكرت أن رئيس جهاز الإستخبارات العامة السعودية الامير بندر بن سلطان آل سعود قال لدبلوماسيين أوروبيين ان الرياض ستقلص تعاونها مع وكالة الإستخبارات المركزية الاميركية (سي آي ايه) لتسليح وتدريب المقاتلين المعارضين السوريين بالتعاون مع فرنسا والاردن.
لكن مسؤولا أمريكيا شدد يوم الثلاثاء 29 أكتوبر على ان العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية “ما زالت قوية”، مُستبعدا المعلومات الصحافية التي تحدثت عن رغبة الرياض في الحد من تعاونها مع واشنطن بشأن سوريا.
وردا على سؤال عما اذا كانت السعودية أبلغت الولايات المتحدة بمثل هذا التغيير في السياسة، أكد المسؤول الأمريكي “بحسب علمي، هذه الرسالة لم تُرسل إلى وزارة الخارجية من قبل السعوديين”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 31 أكتوبر 2013)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.