زياد مـدُّوخ: صوت من غزة يدعو إلى ثقافة اللاعنف والسلام
تطرق زياد مدّوخ، رئيس قسم اللغة الفرنسية بجامعة الأقصى بغزة ومنسق مركز السلام بالجامعة، في جنيف إلى واقع معاناة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة من جراء الاحتلال والإنقسام الداخلي، لكنه تحدث بإسهاب عن محاولات نشر ثقافة اللاعنف والسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان في منطقة تقترن صورتها في الخارج بمظاهر العنف والحروب.
وشهدت قاعة المعارض بالمكتبة العربية “الزيتونة” في جنيف مساء الاثنين 27 يوليو 2009 أمسية، قرأ فيها زياد مدوّخ، رئيس قسم اللغة الفرنسية بجامعة الأقصى في غزة، مقتطفات من قصائد ديوان شعره الأخير بالفرنسية، الذي يحمل عنوان “أدرِّس السلام في غزة”، وهي القصائد التي ردد في العديد من مقاطعها عبارة “أنا من دعاة السلام من غزة”.
الجمهور الذي توافد على المكتبة، وغالبيته من السويسريين، أتى ليستمع إلى صوت يدعو لانتهاج سياسة اللاعنف والسلام من منطقة لا تذكرها وسائل الإعلام الغربية إلا من خلال صور القتل والحرب والحصار وباقي أوجه الاحتلال، وأضيفت إليها في العامين الأخيرين صور الإنقسام الفلسطيني بعد استيلاء حركة حماس كلية على القطاع.
في لقاء خص به swissinfo.ch تطرق السيد مدُّوخ إلى تفاصيل مشروعه ورؤيته كما أورد نظرة الشركاء ومختلف الأطراف إليه.
swissinfo.ch: قبل الخوض في تجربة تدريس سياسة اللاعنف، ما هو الإطار الذي تندرج فيه مشاركتك في هذه الأمسية في جنيف؟
زياد مدُّوخ: أنا فلسطيني من غزة، مدرِّس لغة فرنسية بجامعة الأقصى بغزة، أحاول أن أوصل رسالة محبة ورسالة سلام، ولكن رسالة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة هي أن الشعب الفلسطيني سيواصل صموده ضد جميع محاولات الاحتلال، خصوصا بعد المجزرة الأخيرة في حرب غزة.
تواجدي بالمكتبة العربية لإحياء أمسية وقراءة بعض أشعاري بمناسبة صدور ديوان شعر بدار النشر “l’autre Edition” بمونبوليي الفرنسية، ولمقابلة بعض الشخصيات السياسية والإعلامية في جنيف لنقل صور عن صمود الشعب الفلسطيني الصامد في غزة، الذي لم تثنه المجازر الأخيرة عن مواصلة إصراره على نيل الحرية والاستقلال وتحقيق السلام.
عندما نتحدث عن مدرسة السلام من غزة أو الاهتمام بموضوع السلام من غزة، كيف يمكن شرح ذلك لجمهور اقترنت لديه غزة مقرونة دوما مع المآسي والمجازر والاعتداءات؟
زياد مدُّوخ: أريد أن اقول شيئا مهما جدا، وهو أن في غزة لا يوجد فقط العنف. العنف جزء من غزة ولكن غزة اكبر من العنف. في غزة هناك جامعات تعمل، وهناك عائلات تعيش في خيام بجانب منازلها التي دمرتها آلات الغدر الإسرائيلية. هناك إرادة شعبية.. في غزة هناك بحر متوسط جميل جدا حيث يذهب آلاف المسطافين.. هناك أنشطة ثقافية رغم الحصار الظالم المفروض ليس فقط من قبل سلطات الإحتلال الإسرائيلية ولكن أيضا من قبل المجتمع الدولي الذي لا يضغط على إسرائيل لفك الحصار ولا يضغط عليها حتى لتطبيق اتفاقيات السلام.
ومن هنا جاءت فكرتنا للقول للعالم الخارجي بأن في غزة حقيقة مرة: احتلال وحصار وانقسام فلسطيني.. وهذا شيء تعيس وحزين بالنسبة لنا، ولكن في غزة أيضا حياة مستمرة ومدارس وجامعات ومصانع. ولا ننسى أن الشعب الفلسطيني سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة شعب مسالم يحب السلام ويحب الحرية ولكن حبه للحرية والسلام لا يثنيه عن مواصلة الصمود بجميع النواحي ضد جميع إجراءات الاحتلال التي تحاول إقتلاعه من هذه الأرض الطيبة. فإذن السلام هو رسالتنا وهذا ما نردده في كل المؤتمرات واللقاءات مع الشخصيات السياسية والإعلامية.
وأؤكد على شيء مهم وهو أنني كمدرس لشباب وجامعيين لم أشاهد – بعد المجازر التي ارتكبت مؤخرا – حقدا في عيون ووجوه الشعب الفلسطيني الذي يريد شيئا واحدا: الحرية والسلام. فهذا يدل على أن شعبنا شعب صابر ومناضل ولكنه شعب مسالم ويحب السلام له ولجيرانه في المنطقة.
بوصفك منسق مركز السلام بجامعة الأقصى، كيف تقدمون برنامج هذا المركز للشباب الفلسطيني في قطاع غزة؟ وما هي المحاور التي تركزون عليها في عملكم اليومي؟
زياد مدُّوخ: طبعا مركز السلام الجامعي أنشئ في عام 2006 بمبادرة مني ومن بعض الزملاء لتطوير ثقافة السلام وثقافة اللاعنف لدى الشعب الفلسطيني وخصوصا لدى الطلبة لأن الشباب الفلسطيني متعلق بالدراسة ونسبة الدراسة مرتفعة في الأراضي الفلسطينية وتتجاوز 94% وهذا رغم محاولات التدمير والاحتلال.
فقد وجدنا في مركز السلام أن هناك اهتماما بالتعليم وبتعلم اللغة الفرنسية وبالإنفتاح على أوروبا. فوجدنا أنه من واجبنا نحن الجامعيين والمثقفين الفلسطينيين وممثلي المجتمع المدني أن ننشئ هذا المركز لمحاولة جلب الشباب الفلسطيني الذي يعيش الفقر والبؤس واليأس نحو بصيص من الأمل في ظروف الاحتلال والإنقسام.
فقد حاول المركز منذ إنشائه، ورغم الظروف المالية الصعبة والوضع السياسي الصعب ورغم الحصار وعدم توفر إمكانية الاتصال بالخارج وبأوربا ، العمل على ثلاثة محاور:
المحور الأول هو تنظيم ندوات ودورات تدريبية في مجالات عدة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان واللاعنف وحرية المرأة وحرية التعبير والسلام. وما هو إيجابي في هذا المركز أنه مفتوح للجميع وللطلبة حتى من خارج الجامعة ومستقل عن إدارة الجامعة. ويسمح بنشاطات تهم الشباب يشارك فيها الفتيان والفتيات.
والمحور الثاني هو خلق علاقات بين المجتمع الغزاوي والخارج وبالأخص أوروبا للتبادل حول مفهوم الديمقراطية في أوروبا، لأن هناك مبادرات شبابية في سويسرا وفرنسا وبلجيكا لتعميق ثقافة اللاعنف وثقافة السلام واحترام الآخر.
والمحور الثالث هو تعزيز ثقافة اللاعنف والسلام لأن في غزة هناك عنف واحتلال وحصار وانقسام. وكل المشاهد اليومية تؤدي بالشعب وبالشباب إلى اليأس والإستسلام. وهذا المركز يسمح بالتبادل الحر للآراء ويحاول أن يثير لدى الشباب الدافعية للعمل بشكل جماعي وبشكل افضل للشباب ولفلسطين بشكل عام.
وكيف يتقبل الشباب هذه الأفكار التي تبدو بعيدة ومتعارضة مع واقعه اليومي؟
زياد مدُّوخ: هناك نوعين من الشباب، شباب يقبل لأن طبيعته شعب مسالم، وهناك شباب يرفض الفكرة ويظن أن الوقت غير مناسب، وأن هناك أولويات وأننا تحت احتلال فلا يجب الحديث عن الديمقراطية. وهناك شباب مناضل يعتقد بأن دورنا ليس دور إحباط وإنما دور مساند يحاول أن يقترح أسلوبا جديدا في النضال هو أسلوب النضال اللاعنفي الذي يصمد رغم جميع الصعوبات.
ولكن النتائج ستظهر في السنوات القادمة لأننا حديثو العهد ولم يمر على تأسيس المركز سوى 3 سنوات، وقد أقيم في ظروف صعبة (احتلال واجتياح إسرائيلي، يضاف له انقسام فلسطيني ما بين فتح وحماس)، ولذا مكتوب علينا أن ننجح أحيانا وأن نفشل أحيانا ولكن هذه هي الحياة.
وإن استمرارنا في هذا النشاط منذ 3 سنوات رغم الصعوبات لهو دليل على أن هناك ثقة في عملنا من أجل خلق جيل واع ولا عنفي وجيل مؤمن بمبادئ السلام والديمقراطية من أجل فلسطين مستقبلية.
عندما تتحدثون عن العنف هل يشمل ذلك كل الجهات والأطراف؟
زياد مدُّوخ: طبعا هناك عنف داخلي وعنف خارجي. العنف الخارجي يأتي من القصف والمجازر والإحتلال والتدمير الإسرائيلي، وعنف داخلي وهذا تعيس، نحاول قدر الإمكان أن نوضح وجهة نظرنا فيه. فنحن لسنا حزبا سياسيا بل مركزا ثقافيا واجتماعيا لا نرغب ان نبرز فيه آرائنا السياسية بل نحاول فيه فقط تعزيز ثقافة السلام في المجتمع وثقافة التعاون. والسلام ليس فقط سلاما بين شعبين بل أيضا سلام داخلي، كما أنه مفهوم عالمي وليس فقط جهوي أو محلي.
لذلك نحاول أن نتصدى للعنف ولكن طريقتنا ليست بالمظاهرات ولا بالإصطدام بالسياسيين. وقوتنا أننا نحاول العمل مع الشباب عن طريق المبادرات والمشاركات الخارجية لأن قوة فلسطين في شبابها. وعلى الشباب ان يقرّر ما إذا كان يرغب في المواصلة معنا أم لا. لكن الإقبال الكبير للشباب على المركز منذ أن فتحناه يبرهن على انه يضع ثقته في برامجنا.
عندما تحدثون الجمهور في الغرب عن هذه الجهود لنشر ثقافة السلام في غزة كيف يتقبل ذلك خصوصا وأنه تعود من خلال وسائل إعلامه على رؤية غزة وأهلها من منظار العنف والعنف المضاد؟
زياد مدُّوخ: هناك ثلاثة أنواع من الجمهور الغربي. هناك جمهور غربي متضامن جدا مع فلسطين يعتبر أن عملنا عمل رائع يجب أن نطوره لأنه يعتبر أن فلسطين ليس فقط عنفا. وقد قامت هذه الفئة أثناء المجازر في غزة بالتنديد بما تقوم به إسرائيل وعبرت عن دعمها للشعب الفلسطيني.
وهناك جمهور يجد صعوبة في فهم ما نقوم به ويعتبرنا أناسا مخاطرين بحياتنا لأن ما لديه من معلومات عن غزة تتمثل في غزة العنفية وغزة الحصار وغزة الإنقسام والإقتتال الداخلي. وهذا هو دور الإعلام الذي عليه أن يكون موضوعيا ومحايدا وأن ينقل الواقع كما هو. ولكن مع الأسف الشديد ويجب ان نقول ذلك، الإعلام الغربي لا يجرؤ على انتقاد إسرائيل حتى في خرقها لجميع الاتفاقيات والمواثيق الدولية.
وهناك جمهور ثالث يحاول قدر الإمكان أن يجد مبررا لوجودنا ولكن يحتاج إلى بعض المعلومات الإضافية. لكن عموما أعتقد أن الجمهور يبارك هذه المبادرات والدليل على ذلك أن هناك تجاوبا مؤسساتيا مع مبادراتنا. وهذا دليل على أن المركز له مصداقية حتى في الخارج.
محمد شريف – swissinfo.ch – جنيف
أسس في عام 2006 بمبادرة من أساتذة جامعة الأقصى ويقوم فيه الاستاذ زياد مدّوخ بدور المنسق.
نظم المركز منذ تأسيسه أكثر من 48 لقاء ودورة تدريبية، بعضها حتى في بلدان مجاورة مثل الأردن ولبنان ومصر والغالبية في أوروبا، ولكن بسبب الحصار الإسرائيلي توقفت هذه النشاطات الدولية
من بين نشاطات المركز الأخيرة مشاركة في مهرجان بمونبوليي بفرنسا بجملة من الصور التي التقطها شباب المركز عن أوجه الحياة اليومية في غزة في الشوارع والمدارس والجامعات والمساجد والمباني المدمّرة ليبينوا الإبتسامة على شفاه الأطفال، والكتاب بين ايدي الطفلة التي فقدت منزلها.
وهناك فرقة مسرحية من مركز السلام ستقوم – إذا سمحت الأوضاع ورُفع الحصار عن غزة – بجولة عبر بلدان أوروبية بدعم من مؤسسة داعمة للسلام في مدينة نانت الفرنسية. وتهدف الفرقة إلى شرح الوضع الفلسطيني من خلال تعبيرات مسرحية.
نشأت علاقة السيد زياد مدُّوخ بسويسرا لدى مشاركته في عام 2004 كأستاذ محاضر في مدرسة السلام العالمية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة التي تعقد دوراتها سنويا في فصل الصيف في جنيف.
ساعده إتقانه للغة الفرنسية (بحكم إقامته السابقة في الجزائر) على إقامة عدة وسائل إعلام سويسرية ناطقة بالفرنسية لاتصالات معه أثناء الحرب الأخيرة على غزة حيث كان يوافيها بشهادات صوتية حية عن الأوضاع الميدانية في القطاع.
يعتبر زياد مدّوخ أن زيارته الحالية (التي تمت بدعوة من بعض الأصدقاء بمناسبة صدور ديوان أشعاره بالفرنسية)، استكشافية ويقول إنها سمحت له بإجراء لقاءات مع عدة شخصيات سياسية ومؤسسات وجمعيات ووسائل إعلام سويسرية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.