زيارة ماورر إلى تل أبيب تُجدّد الجدل حول سياسة برن في الشرق الأوسط
أنهى أولي ماورر وزير الدفاع السويسري زيارة إلى إسرائيل، كان الهدف منها تعزيز العلاقات الثنائية وتوطيد الصلة مع نظرائه في مجال الأمن والدفاع، لكن الجدل الذي أثارته هذه الزيارة لم يهدأ بعد في سويسرا.
وإلتقى ماورر خلال زيارته التي دامت ثلاثة أيام شمعون بيريز، الرئيس الإسرائيلي، وإيهود باراك، وزير الدفاع الذي وجّه إليه الدعوة. كما زار مركز مؤسسة “ياد فاشيم” بالقدس المحتلة الذي يحتوي على نصب تذكاري للمحرقة (الهولوكوست)، وقاعدتيْن عسكريتيْن في ضاحية تل أبيب وعلى الحدود اللبنانية.
وخلال حديثه إلى ممثلي وسائل الإعلام في تل أبيب عقب اجتماعه مع إيهود باراك، ومسؤولين إسرائيليين كبار، يوم الإثنيْن 11 أكتوبر الجاري، أوضح ماورر أن المحادثات تركزت على جملة من القضايا السياسية والعسكرية، وعلى الخصوص قضايا التسلّح، والطائرات بدون طيّار، والصواريخ، والطائرات العسكرية.
وأضاف: “لقد سبق للجيش السويسري أن اقتنى أنظمة تسلح صُنّعت في إسرائيل، ومن هنا كان من الضروري الحفاظ على تواصل عالي المستوى بين التقنيين”. لكن سبق للوزير أن أكد في مفتتح زيارته يوم السبت 9 اكتوبر 2010 أنه “ليس من المقرر إبرام عقود تسلّح جديدة مع إسرائيل، لأن الجيش السويسري لا يتوفّر على موارد مالية لهذا الغرض حاليا”.
وطبقا لمجموعة “من أجل سويسرا من دون جيش”، شهدت السنوات الأخيرة تعاونا عسكريا مكثفا بين البلديْن. ورغم أن تصدير العتاد العسكري إلى إسرائيل ظل محظورا، فإن قيمة الواردات السويسرية من إسرائيل بلغت 64 مليون فرنك سويسري سنويا، واشتملت على أجهزة إلكترونية للتنصّت، وأنظمة مدفعية ذاتية التوجيه. كما تواصل التعاون، بحسب المنظمة نفسها، من خلال مشروعات مشتركة خاصة من خلال تطوير طيارات بدون طيّار، وعقد لقاءات منتظمة بين قيادات عسكرية عليا في البلديْن.
وأكّد الوزير في حديثه إلى وسائل الإعلام أن المحادثات الثنائية تطرقت أيضا إلى الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل، وإلى الاستيطان، وضرورة احترام حقوق الإنسان. وفي رده عن سؤال حول ما إذا كان قد أوضح لنظرائه في إسرائيل الموقف السويسري من القضايا المطروحة أجاب: “ليس لسويسرا توجيه النصح لأحد، الأمر متروك لأطراف النزاع لاتخاذ القرارات المناسبة”.
احتجاجات وانتقادات
انتهز وزير الدفاع السويسري، والذي هو أحد زعماء حزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) فرصة لقائه مع الصحافيين للتأكيد على أن زيارته كانت بدعوة من إسرائيل، وأنها تحظى بدعم جميع أعضاء الحكومة في بلاده.
وقد أثارت هذه الزيارة التي دامت ثلاثة أيام جدلا في سويسرا منذ الإعلان عنها قبل بضعة أسابيع . وسبق أن توجهت أزيد من 30 منظمة غير حكومية بطلب للحكومة السويسرية بإلغاء هذه الزيارة. ونزل إلى الشارع يوم الجمعة 8 أكتوبر في كل من برن وجنيف وزيورخ، العشرات من الأشخاص الذين أعربوا عن استنكارهم للزيارة مؤكدين أنها “تمثل دعما أحادي الجانب للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأنّها تضرّ بمصداقية سويسرا، وتتعارض مع التزاماتها المعلنة الساعية إلى إقرار سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط يستند على القانون الدولي.
ويوم السبت 9 أكتوبر إلتقى ماورر الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، وزار مركز مؤسسة “ياد فاشيم” بالقدس المحتلة الذي يحتوي على نصب تذكاري للمحرقة، حيث أوقد شمعة، ووقع السجل التذكاري ودوّن العبارة الشهيرة: “لن يحدث مرة أخرى أبدا”.
وفي آخر النهار إستقل الوزير السويسري طائرة هيلكوبتر لزيارة قاعدة عسكرية في منطقة هضبة الجولان الشمالية المحاذية للحدود اللبنانية، حيث أشارت التقارير الصحفية إلى أنه تلقى إحاطة من أجهزة الاستخبارات العسكرية حول أنشطة حزب الله، ثم انتقل لاحقا إلى قاعدة “بالماخيم”، إحدى القواعد الجوية العسكرية الكبرى بإسرائيل حيث استمع إلى المزيد من الإيضاحات والمعلومات.
جمود في العلاقات؟
وفي سويسرا، أشارت “لوتون” (يومية تصدر بالفرنسية في جنيف) إلى أن التعاون الإستراتيجي بين البلديْن قد تواصل على الرغم من توتر العلاقات. ففي شهر يناير 2010، التقى كريستيان كاترينا، رئيس قسم السياسات الأمنية بوزارة الدفاع السويسرية، بعاموس جلعاد، أحد كبار الموظفين بوزارة الدفاع الإسرائيلية، خلال اجتماع عمل انصب الاهتمام فيه حول إيران وحزب الله. ومن ناحيته، يقرّ الدبلوماسي السويسري السابق فرنسوا نوردمان بأن “نوعا من الإنفراج” قد شهدته العلاقات بين البلدين في الماضي القريب.
وكانت العلاقات بين سويسرا وإسرائيل شهدت توترا بين عامي 2006 و2009 بسبب سياسة سويسرا في الشرق الأوسط، واتفاق التزود بالغاز الطبيعي الذي وقعته سويسرا مع إيران، وإستقبال رئيس الكنفدرالية السابق هانس رودولف – ميرتس لنظيره الإيراني محمود أحمدي نجاد على هامش مؤتمر أممي لمناهضة العنصرية عُقد في جنيف.
وفي كل الأحوال، تدافع سويسرا عن التزامها بالتخاطب والتواصل مع جميع أطراف النزاع في الشرق الأوسط بما في ذلك حماس وحزب الله.
الحرص على التوازن!
على خلاف زيارة بيتر ماورر، كاتب الدولة بوزارة الخارجية، قبل أسبوعيْن، لم تشمل زيارة وزير الدفاع السويسري السلطة الفلسطينية في رام الله. وقد برّر الوزير ذلك بالقول: “لقد زارت دوريس لويتهارد (رئيسة الكنفدرالية) أخيرا الأردن، و من قبلها زارت ميشلين كالمي-ري (وزيرة الخارجية) السلطة الفلسطينية، هذا الأمر من شأنه أن يخلق توازنا”. وقد شدد ماورر على “علاقة الصداقة التقليدية” بين سويسرا والدولة العبرية، موضحا أن البلديْن “يواجهان نفس المخاطر في العديد من المجالات بما في ذلك المجال الأمني”.
من جهته، صرح جون بيار غرابر، وهو سياسي من فرع حزب الشعب في كانتون برن، خلال برنامج بثّته الإذاعة السويسرية يوم الأحد 10 أكتوبر 2010 بأن حوالي ثلثيْ أعضاء الحزب “مساندون لإسرائيل”، ومتمسكون بقوة بالثقافة والقيم المسيحية اليهودية. وأضاف خلال البرنامج نفسه: “يشعر عدد كبير من برلمانيي حزب الشعب بقدر من التعاطف مع هذا البلد، الذي يشبه هو وسويسرا، الجزيرة المعزولة في محيطهما”.
على العكس من ذلك، وجه كارلو سوماروغا، عضو مجلس النواب عن كانتون جنيف من الحزب الإشتراكي، وأحد الذين بذلوا جهدا من أجل إلغاء هذه الزيارة، انتقادات لاذعة لها. وأشار في تصريح لـ swissinfo.ch إلى أن “زيارة ماورر، التي شملت زيارات إلى قواعد عسكرية سرية لن تدعم عملية السلام قطّ”. ويرى البرلماني الإشتراكي أن “كل ما أراده ماورر من هذه الزيارة هو تنفيذ السياسة الخارجية لحزب الشعب، والتي من خلالها تصبح سويسرا أكبر صديق لإسرائيل في سيناريو حرب الحضارات”، على حد قوله.
في 1 يناير 1993، وُقـّـع اتفاق للتبادل التجاري الحر بين إسرائيل والرابطة الأوروبية للتبادل التجاري الحر EFTA في جنيف وتشتمل هذه الرابطة في عضويتها كل من سويسرا والنرويج وأيسلندا والليختنشتاين.
ويغطي هذا الاتفاق المنتجات الصناعية وكذلك الأسماك والثروات البحرية. إلى جانب ذلك وقعت اتفاقات ثنائية بين أعضاء هذه الرابطة وإسرائيل لتسهيل عمليات التبادل التجاري.
وقد بلغت قيمة الصادرات السويسرية إلى إسرائيل في عام 2009، ما قدره 927.4 مليون فرنك سويسري، في حين بلغت وارداتها منها 381 مليون فرنك.
شملت الصادرات المنتجات الصيدلانية، والأحجار والمعادن الكريمة، والآلات، والمنتجات الزراعية، والساعات، وأجهزة أخرى متطوّرة. في حين شملت الواردات أحجار ومعادن ثمينة، وآلات وأجهزة، ومنتجات زراعية، ومواد كيميائية أساسية وأجهزة قياس.
وأوضحت كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية في برن أن السياسة التصديرية تجاه إسرائيل تظل “مقيّدة جدا” بسبب النزاع في الشرق الأوسط بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
وفي عام 2009، صدّرت سويسرا إلى إسرائيل معدات عسكرية بلغت قيمتها 100.638 مليون فرنك. وكانت هذه عملية تجارية مؤقتة تهدف إلى الحصول على أجزاء من الطائرات العسكرية من نوع F/A- 18. في المقابل، لم تصدّر سويسرا إلى إسرائيل في النصف الأوّل من عام 2010 أي معدات عسكرية.
تستخدم سويسرا طائرات من دون طيار، يمثل تصميمها وتقنيتها جزءً من نظام تابع للصناعات الفضائية الإسرائيلية.
العسكريون الناشطون: 134886، من بينهم 1050 امرأة.
المجنَّـدون: 23940
الاحتياط: 77000
العسكريون المحترفون أو العاملون بعقود مؤقتة: 4230
تنفق الكنفدرالية حاليا نحو 4,1 مليار فرنك على سياسة الأمن الــوطني، منها 3,7 مليار على المعدات والبنية التحتية للجيش. وحسب وزير الدفاع أولي ماورر، يتعين أن تحصل القوات المسلحة على 500 إلى 700 مليون فرنك إضافي للتمكن من أداء مهمتها.
لكن الحكومة اتخذت قرارا أخيرا يقضي بتحديد ميزانية الجيش بسقف لا يتجاوز 4.4 مليار فرنك سنويا. وفي المستقبل، لن يزيد تعداد الجيش السويسري عن 80000 جندي.
(نقله من الإنجليزية وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.