ستة أشهر مرت على حظر المآذن في سويسرا.. فما هي الحصيلة؟
بعد مرور ستة أشهر على إقرار حظر المآذن في سويسرا، يقول الخبراء إن التوتر الذي سببه ذلك القرار على الساحة الدولية قد هدأ نسبيا، لكن القضية التي لا تزال في الواجهة، شوّهت صورة سويسرا في الخارج.
وكان تصويت الشعب السويسري بنسبة 57.5% لصالح حظر بناء مآذن جديدة في البلاد يوم 29 نوفمبر 2009 عـرّض سويسرا إلى موجة شديدة من الإنتقادات من جانب المنظمات والحكومات الإسلامية، والأمم المتحدة ومجلس أوروبا، لكن الحظر لقي الإشادة والاستحسان من طرف الأحزاب الأوروبية اليمينية المتشددة.
وبعد حملة الإنتقادت الدولية التي أعقبت مباشرة الإعلان عن نتائج الإستفتاء، تواصلت الإنتقادات الرسمية، وإن جاءت متباعدة وبشكل متقطع.
ففي شهر مارس الماضي، أشار التقرير الذي تصدره سنويا وزارة الخارجية الأمريكية حول أوضاع حقوق الإنسان في العالم إلى قرار حظر المآذن في سويسرا باعتبار أنه “مثال للتمييز ضد المسلمين في أوروبا”.
وبعد أيام قليلة من صدور ذلك القرار، أقر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (مقره جنيف) مشروعا تقدمت به الدول الإسلامية الأعضاء في المجلس يصف قرار حظر المآذن بكونه “أحد مظاهر كراهية الإسلام”.
في المقابل تدل مؤشرات عديدة على أن هذا التوتّر قد هدأ، ويؤكد إيرفين تانّار، عضو مؤتمر الأساقفة في سويسرا الذي عاد أخيرا من رحلة قادته إلى سوريا ولبنان، أن قضية المآذن “قد أصبحت جزءً من الماضي”.
كذلك أشارت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي هي بصدد النظر في ستة دعاوى تعترض على قرار حظر المآذن، إلى أنها لم تتلق خلال شهر أبريل سوي شكايتين مقابل 50 شكوى في موفى شهر يناير 2010.
وبعد مرور نصف عام على ذلك القرار، وما رافقه من توجّس من صدور ردود فعل عنيفة، أو حدوث مقاطعات اقتصادية من طرف المسلمين للمنتجات السويسرية، على شاكلة ما حدث للدنمارك بعد نشر صور كاريكاتورية مسيئة لشخصية النبي محمد في عام 2006، لم يحدث أي سيء من ذلك.
وأوضح أدريان شالبيرغر، الناطق بإسم وزارة الخارجية السويسرية في تصريحات إلى swissinfo.ch أن “ردود فعل الدول والمنظمات الإسلامية على حظر المآذن كانت شديدة، لكنها اتسمت في غالبيتها بالإعتدال، ومع استثناءات قليلة، لم نر دعوات رسمية من الحكومات أو المسؤولين السياسيين لمقاطعة سويسرا”، وأضاف الناطق باسم الخارجية بأن صورة سويسرا في الخارج تظل “جيدة ومستقرة” بشكل عام.
وللبرهنة على صحة ما ذهب إليه، يشير شالبيرغر إلى سبر للآراء أنجزته جامعة سانت غالن (شرق سويسرا) تحت عنوان “سمعة سويسرا في العالم 2010″، أثبت بوضوح أن “تأثير حظر المآذن على الماركة السويسرية كان طفيفا جدا”. وهو ما أكدته أيضا تقارير صادرة عن كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، حيث تقول ريتا بالديغار، الناطقة بإسمها “ليس لدينا ما يثبت أن الشركات السويسرية في البلدان الإسلامية قد تعرضت إلى مشكلات أو عراقيل بسبب النتيجة التي أسفر عليها إستفتاء 29 نوفمبر 2009”.
محدودية الأضرار
يُرجع شالبيرغر ردود الفعل المعتدلة ضد حظر المآذن إلى حملة العلاقات العامة “النشطة” التي قام بها الدبلوماسيون السويسريون تجاه نظرائهم، وتجاه القيادات الدينية، ومنظمات المجتمع المدني في البلدان الإسلامية في الأشهر والأسابيع التي سبقت موعد إجراء الإستفتاء.
ثم تبع ذلك تكثيف الإتصال بين الحكومة السويسرية وجميع الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي (عددها 57)، ووزراء خارجية الإتحاد الأوروبي، وهذه الجهود متواصلة لم تنقطع.
ومن جهته، يعتقد السفير السويسري السابق فرانسوا نوردمان ان تلك الجهود قد أتت أكلها، وحصرت الأضرار، وهدّأت الخواطر. وبالنسبة لنوردمان فإن “الموافقة على ترشّح جوزيف دايس، عضو الحكومة السويسرية السابق، لمنصب رئيس الجمعية العامة للامم المتحدة في دورتها الخامسة والستين، وإعادة انتخاب سويسرا لعضوية مجلس حقوق الإنسان بجنيف، يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك أنه لا توجد عداوة دبلوماسية تجاه سويسرا”.
لكنه يستدرك قائلا: “من الواضح أن صورة سويسرا على الساحة الدولية، والتي تقدم نفسها من خلالها على أنها النموذج في احترام حقوق الإنسان، قد أصابها شرخ”، ويضيف عميد السفراء السويسريين “لقد أجبرنا حظر المآذن على أن نصبح أكثر تواضعا”،
أما حسني عبيدي، مدير مركز الدراسات حول العالم العربي والمتوسط التابع لجامعة جنيف، ولئن أقر بتراجع حدة التوتّر، فإنه يُرجع ذلك إلى عامل الزمن، وليس لجهود الدبلوماسية السويسرية. وما يدعو للقلق أكثر، بحسب رأيه، هو أن “عامة الجمهور في العالم العربي لا يستسيغون إلى حد الآن مبررات ذلك التصويت”.
ويقول عبيدي: “أنا عائد للتو من جولة في بلدان الخليج، وكلما تطرق الحديث إلى سويسرا، يقول الناس هناك إنهم لا يفهمون لماذا صوّت السويسريون لحظر المآذن”، ولا يتردد في التأكيد: “تعرّضت صورة سويسرا إلى ضربة حقيقية”.
سبق سويسري
يشعر إيف لادور، خبير في قضايا حقوق الإنسان بجنيف أن التأثير الدولي للتصويت “المدمّر” الذي أجرى قبل ستة اشهر غير واضح المعالم بما فيه الكفاية، لكن من الأكيد أن تكون له تأثيرات سلبية على المدى البعيد، حسب رأيه.
ويقول هذا الخبير: “إن الوضع يشبه العدوى أو الإصابة، فهي موجودة لكنها في البداية لا تمنع الحركة والفعل، لكن بالإمكان ان تتطوّر بشكل مفاجأ إلى شيء أخطر، يكون مدخلا للضعف والترهل”.
وفي الوقت الذي تحظى فيه سويسرا بدعم أوروبي، فإن “بعض البلدان لن تتردد في استخدام “ورقة المآذن” في الضغط على سويسرا خلال مفاوضاتها الثنائية معها في المستقبل”، مثلما يضيف لادور.
إجمالا، لا يخفي الخبيران قلقهما من طبيعة النظرة التي ينظر بها الأجانب إلى نتائج الاستفتاء السويسري، والطريقة التي يؤثر بها ذلك الإستفتاء على الجدل الدائر حول الإسلام في بلدان أوروبية أخرى.
ويقول حسني عبيدي: “عندما تقرأ ما يُكتب حول الحملات الداعية إلى حظر البرقع في بلجيكا وفي فرنسا، تشير كل تلك المقالات إلى سويسرا بوصفها صاحبة الريادة، لكونها كانت السباقة في هذا المضمار”.
قريبا سوف تصبح فرنسا ثاني بلد أوروبي يفرض حظرا على النقاب بعد بلجيكا، إذا ما أقر البرلمان الفرنسي مشروع القرار الحكومي خلال شهر يوليو القادم.
وفي المناطق الألمانية شمال نهر الراين، دعت مجموعتان يمينيتان هذا الشهر إلى حظر المآذن، وبدا تأثرهما الشديد بالحملة السابقة التي نظمها مؤيدون لحزب الشعب السويسري (يمين شعبوي) للوصول إلى ذلك سواء على مستوى الشعارات أو اللافتات الإشهارية.
وفي بداية هذا الشهر، تقدم كانتون أرغاو بمشروع قانون يحظر البرقع، وتبعه في ذلك فرع حزب الشعب في كانتون جنيف. ومن المنتظر أن تنكب لجنة دستورية على دراسة هذا المقترح العام المقبل، وإذا ما أقرته فسيُدعى الناخبون للتصويت عليه في خريف 2012.
ويعلّق لادور على هذه الحملة المعادية للنقاب والبرقع فيقول: “العدوى تنتقل من واحد إلى آخر.. وأي حظر للنقاب في جنيف سوف يؤدي إلى تخريب القطاع السياحي الذي يستفيد كثيرا من السياح القادمين من الشرق الأوسط. وإذا ما حدث ذلك، سيكون تأثير حظر النقاب أسوأ بكثير من حظر المآذن”.
سيمون برادلي – جنيف – swissinfo.ch
(نقله من الإنجليزية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
تـُمثل الجاليات المسلمة في سويسرا حسب آخر إحصاء عام نحو 4.5% من إجمالي السكان، وهو ما يوازي بلغة الأرقام 310.807 فردا، وفي عام 1970، كان لا يوجد في سويسرا سوى 16.000 مسلما تقريبا. وفي 1990، لم تتجاوز نسبة المسلمين 2.2% من مجموع السكان في حين ارتفعت تلك النسبة في عام 2000 إلى 4.3%.
ينحدر معظم المهاجرين المسلمين من يوغوسلافيا السابقة وتركيا. وإجمالا تضم هذه الجاليات في صفوفها أشخاصا يحملون حوالي 100 جنسية مختلفة.
حسب آخر إحصاء فدرالي أجري سنة 2000، فإن قرابة 88% من المسلمين المقيمين في سويسرا هم أجانب. أما المسلمون الحاملون للجنسية السويسرية، فتقل نسبة من حصلوا منهم على الجواز السويسري منذ الولادة عن 4%.
في عام 2000، كان عُمر 39,2% من مسلمي سويسرا يقل عن 20 عاما (بينما كانت نفس النسبة تستقر في 22,9% بالنسبة لـمُجمل السكان في الكنفدرالية).
لا توجد أرقام رسمية عن عدد معتنقي الإسلام (الجدد) في سويسرا، لكن الباحثة سوزان لوينبرغر (من جامعة برن) تقدر عددهم بحوالي 10000 شخص، اعتنق معظمهم الإسلام وهو متزوج أو متزوجة من مسلم أو من مسلمة.
يعيش في سويسرا اليوم حوالي 400 ألف مسلم ومسلمة، تنحدر الغالبية منهم من جمهوريات يوغسلافيا السابقة ومنطقة البلقان وتركيا.
تشير معطيات وأرقام متداولة إلى أنه لا يمارس الشعائر الدينية ولا ينتظم في تجمعات وهيئات ومنظمات دينية سوى 15% تقريبا من المسلمين في سويسرا.
تضم فدرالية المنظمات الإسلامية في سويسرا وهي أكبر تنظيم في الكنفدرالية حوالي 140 إتحادا وجمعية ومركزا إسلاميا موزعة على شتى أنحاء البلاد.
85% من مسلمي سويسرا ليسوا أعضاء في تنظيمات أو جمعيات، ويطبقون شعائرهم الدينية بشكل فردي أو لا يمارسونها بالمرة.
يُعرّف “المنتدى من أجل إسلام تقدمي” نفسه على أنه أرضية لإتاحة الفرصة لنقاش بين السويسريين والسويسريات من مختلف الديانات المسيحية واليهودية والإسلامية.
ويرى أعضاء المنتدى أن القرآن يتماشى والعصر الذي نعيشه، أما التقاليد المتراكمة فهي عرضة للإصلاح وقابلة للتكيف مع الحاضر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.