ستيفان هيسيل: “من الخطأ استخدام القانون لحظر الرأي الشخصي”
يُمثل مناهضو التشهير بالأديان أكبر تهديد لحرية التعبير في رأي المدافع عن حقوق الإنسان، ستيفان هيسيل (92 عاما) الذي التقت به سويس انفو مؤخرا بمناسبة تواجده في جنيف لمناقشة شريطه حول حقوق الإنسان "ماغنا كارتا"، وموضوع حرية التعبير الشائك.
ويُعتبر هذا الدبلوماسي الفرنسي – الألماني آخر المتبقين على قيد الحياة من الشخصيات التي شاركت في تحرير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر يوم 10 ديسمبر 1948.
عـَرضت مؤسسة “هيرونديل” الإعلامية السويسرية الشريط الوثائقي “La liberté d’expression est plus nécessaire que jamais” (حرية التعبير أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى) قبل النقاش حول حرية التعبير الذي جرى يوم 8 مارس 2009 في إطار الدورة السابعة لمهرجان جنيف للفيلم ومنتدى حقوق الإنسان الذي يتواصل من 6 إلى 15 مارس الجاري.
وقد ظهر مفهوم “حرية التعبير” تحت المادة رقم 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948، لكن المدافعين عن حقوق الإنسان يقولون إن تهديدات جديدة تواجه حرية التعبير والرأي، عندما يتعلق الأمر بانتقاد الأديان الذي يعتبره البعض تشهيرا بتلك الأديان.
وتهدد الولايات المتحدة وإيطاليا ودول أوروبية أخرى بمقاطعة مؤتمر دوربان الأممي الاستعراضي حول مناهضة العنصرية، أو “دوربان 2″، المُزمع عقده في جنيف من 20 إلى 24 أبريل.
وأعلنت بعدُ كل من إسرائيل وكندا مقاطعتهما للمؤتمر، فيما أعلنت دول عديدة أخرى أنها قد تتخلف عن المشاركة إذا ما استمرت البلدان الإسلامية في إصرارها على فرض مفهومها للتشهير بالأديان أو المبالغة في التركيز على ملف الشرق الأوسط.
سويس انفو: ما هو التقدم الذي تم إحرازه في مجال حقوق الإنسان خلال السنوات الـستين الماضية؟
ستيفان هيسيل: علينا أن نتذكر أن الإعلان العالمي كان مثالا (أعلى) يجب بلوغه وليس توصيفا للوضع العام. وكـُنا نعلم في ذلك الوقت أنه سيكون من الصعب جدا ضمان الحقوق والحريات، حتى في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.
غير أننا تمكنـّا خلال السنوات الستين الماضية من إحراز تقدم على مستوى الديمقراطية في بلدان كثيرة، وشهدنا على نهاية الفترة الاستعمارية، ونهاية الاستبداد في بلدان عدّة، ونهاية العديد من الأنظمة العسكرية. فقد حققنا بعض الأشياء، لكن لا يزال يتعين القيام بالكثير.
فهناك انتهاكات لحقوق الإنسان والحريات في بلدان كثيرة. وعلى مدى السنوات الثماني الماضية، حتى الولايات المتحدة أقدمت على عدد كبير من الانتهاكات، رغم أنها أول من أعلن الإعلان العالمي.
لهذا تبرز أهمية نوعية مثل هذا المهرجان، لأنه يظهر للجمهور، من خلال الأفلام، انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة في كثير من البلدان.
سويس انفو: شريطكم يحمل عنوان “حرية التعبير أصبحت ضرورية أكثر من أي وقت مضى”. كيف تتعرض حرية التعبير للخطر؟
ستيفان هيسيل: تتعرض حرية التعبير اليوم للتهديد من جانبين. فمن المنظور الاقتصادي، تزداد صعوبة التوفر على وسائل الإعلام والتعبير التي لا تخضع لسيطرة الشركات الكبرى. ففي سويسرا، تحظى الصحف بحرية كبيرة، ولكن حتى هنا يوجد خطر احتكار الإعلام ويجب مكافحة هذا الخطر.
لكن الخطر الأعظم الذي يهدد اليوم حرية التعبير هو ذلك الذي تفرضه الأديان الرئيسية التي تريد الدفاع عن مبادئها ضد هجمات الآخرين. فحتى عندما يثير (الشخص) بعض الآراء والأفكار صدمة الناس، كما هو الحال بالنسبة للدين، من الطبيعي أن يستطيع التعبير بوضوح عن أفكاره.
لا ينبغي أن نحد من حرية التعبير، إذ يجب أن يكون ممكنا إعطاء رأي مخالف لكل تعبير عن رأي حر. وأعتقد أنه من الخطأ استخدام القانون لحظر الرأي الشخصي، سواء تعلق الأمر برسم كاريكاتوري، أو نص منشور، أو معلومة تُبث في التلفزيون أو الإذاعة. فحظر الرأي يعطيه من الناحية القانونية وضعا لا يجب أن يحظى به. فهو رأي من ضمن جملة من الآراء الكثيرة ويتعين محاربته بآراء أخرى.
لهذا نحن في حاجة إلى حوار بين الثقافات خال من العنف، نحن في حاجة إلى الحديث وفهم حساسيات كل طرف واستعداده للدفاع عن بعض الحجج. وهذا ما تعنيه الديمقراطية: حوار بين الآراء، يمكن أن يكون عنيفا أحيانا، لكن يجب أن يقوم على الاحترام المُتبادل.
سويس انفو: تريد بعض الدول والمجموعات المشاركة في قمة الأمم المتحدة حول العنصرية، بمؤتمر دوربان الاستعراضي، أن تشمل مكافحة العنصرية مكافحة التشهير بالأديان. ما هو رأيكم؟
ستيفان هيسيل: هذا خطر حقيقي يجب أن نتفاداه. ونأمل فعلا ألا يؤدي هذا المؤتمر إلى نفس التجربة العنيفة التي شهدها المؤتمر العالمي لمكافحة العنصرية في دوربان قبل ثمانية أعوام.
ونأمل أن يتم التعامل مع هذه القضية باحترام وبمراعاة للحساسيات من جانب جميع الأطراف. فمن الطبيعي أن تكون بعض الحضارات حساسة إزاء ما حدث لها على مدى القرون الماضي وأن تطالب بحق الاحتجاج على الهجمات ضد قيمها الدينية.
الإجتماع (الذي تنظمه) الأمم المتحدة له هدف واحد (يتمثل في تمكين) أهم الثقافات والحضارات من اللقاء والنقاش وفهم أفضل لبعضها البعض. ويُعتبر مؤتمر “دوربان 2” فرصة لـجميع الدول لإظهار قدرتها على العمل المشترك.
[تحقيق نتيجة ناجحة] لن يكون أمرا سهلا، ولكنني أعتقد أنه ليس مستحيلا إذا ما كانت كل دولة مُستعدة لفهم حساسيات الآخر، ومطالبة الآخر بالاعتراف بالقيم الأساسية التي يُفترض أن ندافع عنها جميعا.
سويس انفو – سايمون برادلي – جنيف
تتواصل الدورة السابعة من مهرجان الفيلم ومنتدى حقوق الإنسان في جنيف من 6 إلى 15 مارس 2009.
يركز مهرجان هذا العام، المُهدى للمنشق الصيني السجين هو جيا، على الأوضاع في جورجيا والبوسنة والجزائر، وحرية التعبير والمهاجرين غير الشرعيين والعولمة.
يتنافس عشرون فيلما لنيل جوائز مختلفة.
تضم لجنة تحكيم المهرجان المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان، لويز آربور، والممثل والمخرج الفرنسي ماتيو كاسوفيتش، والمراسلة والكاتبة الدولية فلورانس أوبنا، وكاتب السيناريو والمخرج البوركينابي إدريسا ويدراوغو، والكاتب المسرحي الجزائري سليمان بن عيسى.
وسيـُقَدم الحائز على جائزة نوبل جوزيف ستيغليتز العرض العالمي الأول لشريط جاك سارازان “العالم وفقا لستيغليتز”. وتشمل قائمة العروض العالمية الأولى أيضا “في أرض غريبة” (En terre étrangère) لكريستيان زيربيب (فرنسا) و”Finding Face” (أو “بحثا عن وجه” لباتي دونكان وسكاي فيتزجيرالد (الولايات المتحدة وكمبوديا).
ومن أبرز الأشرطة التي ستعرض في المهرجان فيلم “Kassim the Dream” (أو قاسم الحُلم)، الذي يحكي قصة طفل جندي أوغندي يطرد أشباح تجربة العنف التي عاشتها في بلاده على حلبات الملاكمة في أمريكا الشمالية. وكذلك فيلم “The Choir” (الجوقة) حول السجناء في جنوب إفريقيا؛ و”To make an example” (أو إعطاء المثل) حول عقوبة الإعدام في تركيا؛ و”Brides of Allah” (شهيدة – عرائس الله) الذي يصف الحالة الذهنية لنشطة فلسطينية في سجن إسرائيلي، و”Yodok stories” (قصص يودوك) الذي يظهر مشاهد الحياة في معسكرات العمل بكوريا الشمالية.
إسمه الكامل ستيفان فريديريك هيسيل، وهو من مواليد 20 أكتوبر 1917 في برلين من أم بروتستانية وأب يهودي الأصل.
تم ترحيل الدبلوماسي والسفير، والمقاوم الفرنسي السابق ستيفان هيسيل خلال الحرب العالمية الثانية إلى معسكرات الاعتقال النازية قبل الالتحاق بالمقاومة الفرنسية والحصول على الجنسية الفرنسية.
شارك هيسيل في تحرير الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 وهو الشاهد الوحيد على هذا الحدث الفريد الذي مازال على قيد الحياة اليوم.
كان عضوا في اللجنة الاستشارية الوطنية الفرنسية حول حقوق الإنسان وفي المجلس الأعلى للتعاون الدولي. وهو أيضا عضو مؤسس للكوليجيوم الدولي للأخلاقيات والسياسة والعلوم ” Collegium International” في فرنسا.
حصل على وسام الشرف الفرنسي برتبة ضابط وعلى وسام الاستحقاق الفرنسي من الدرجة الأولى.
دعا يوم 4 مارس 2009، رفقة مجموعة من الشخصيات الدولية، إلى إقامة محكمة على نموذج “محكمة راسل” لفلسطين (على غرار محكمة راسل التي أنشأت في الستينات للتحقيق في/ وتقييم السياسة الخارجية الأمريكية والتدخل العسكري في فيتنام).
وقال في تصريحات صحفية نشرت يوم 10 مارس 2009 في سويسرا: “لا يجب أن تستفيد إسرائيل من إفلات تام من العقاب” في إطار إدانته لأعمال العنف الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.