سنة بعد إبرام اتفاق يو بي إس بين سويسرا والولايات المتحدة
تنتهي يوم 26 أغسطس الجاري، المهلة المخصصة لمراجعة ملفات 4450 من الحرفاء الأمريكيين بمصرف يو بي إس. وقد تطلب سعي سويسرا العام الماضي إلى إنقاذ أكبر مصارفها إبرام إتفاق مع الولايات المتحدة أثار جدلا كبيرا في الداخل لأنه ينال من السرية المصرفية التي دافعت عنها سويسرا منذ عقود طويلة.
ولم يرغب ماريو تيور، من كتابة الدولة المكلفة بالقضايا المالية الدولية، في الإفصاح في مستهل الأسبوع عن عدد حالات التهرب من الضرائب، التي تنتظر المعالجة، إذ ما زالت إدارة الضرائب الفدرالية تقوم بهذه المراجعة، وقد خصصت لتحليل المعطيات، 40 خبيرا.
فقد تعهدت سويسرا في شهر أغسطس من العام الماضي وبعد أزمة دبلوماسية استمرت لمدة شهر، بمراجعة ملفات 4450 من الحرفاء الأمريكيين لدى مصرف يو بي إس. وقد مُنح الزبائن المعنيون الذين تتهمهم مصلحة الضرائب في الولايات المتحدة بارتكاب جريمة التهرب الضريبي، فرصة الطعن أمام العدالة لمنع تسليم تلك المعطيات لسلطات بلادهم.
57 ملفا عرضة للطعن
وقال ماريو تيور “إنه في حوالي 300 ملف التي تم فحصها مع موفى شهر يوليو، إما لم يتم إنهاء الإجراءات القانونية بخصوصها أو أن تحليل المعطيات أدى الى اتخاذ قرار بعدم تسليم تلك المعلومات”.
وتنظر المحكمة الإدارية الفدرالية في الوقت الحالي في 57 طعنا لحرفاء أمريكيين لدى مصرف يو بي إس. وقد يعطي قرار أولي للمحكمة إشارة الى ما قد يؤول إليه مصير حوالي 40 من هذه الحالات، إذ كانت المحكمة قد رفضت في منتصف شهر يوليو الماضي، طلبا تقدم به أحد الحرفاء كان يرغب في منع تسليم المعطيات الخاصة به إلى الولايات المتحدة.
وقد تلقت المحكمة الإدارية الفدرالية ما بين مايو وأغسطس، أكثر من 120 طلبا للطعن، مثلما أوضح الناطق باسم المحكمة أندريا اركيدياكونو، مؤكدا بذلك ما تناقلته وسائل إعلام من قبل.
خلاف ضريبي قديم
وكانت إدارة الضرائب الأمريكية قد أوضحت في بداية شهر أبريل 2010، بأنها تراهن على التزام سويسرا بتطبيق بنود الاتفاق وتسليمها ملفات الـ 4450 حريفا أمريكيا، ضمن عملية المساعدة القضائية، وإلا فستلجأ الولايات المتحدة إلى تحكيم القانون.
وتشمل الإجراءات، التي اتخذتها مصلحة الضرائب الأمريكية لحد اليوم لطلب المساعدة القضائية من سويسرا 17 إجراء، يعود أولها إلى شهر ديسمبر 2007، عندما اعترف ايغور أولينيكوف، الملياردير الروسي – الأمريكي لأول مرة بأنه عمل على تمرير أموال عبر حسابات بنكية في مصرف يو بي إس، للتهرب من دفع الضرائب. وقد دفع أولينيكوف أموالا طائلة كغرامة وقدم شكوى ضد المصرف فيما بعد.
وعلى إثر قضية أولينيكوف، توصلت مصلحة الضرائب الأمريكية إلى برادلي برينكلفيلد، الموظف السابق في مصرف يو بي إس، الذي فضح الممارسات الخفية للبنك، ولكن بتجميل الدور الذي قام به فيها، وهو ما يقضي بسببه اليوم عقوبة سجن لمدة 40 شهرا.
وفي شهر يونيو 2008، قدمت وزارة العدل شكوى أمام محكمة في فلوريدا، تطالب فيها المَـدْعُـو جون دو سوممنس، بالحصول من المصرف على معلومات تتعلق بـ 52 ألف حسابا في مصرف يو بي اس.
وفي شهر نوفمبر 2008، تم رفع دعوى قضائية ضد راوول فايل، مدير يو بي إس، بتهمة التواطؤ مع مدراء آخرين وحرفاء من الأثرياء، في عملية احتيال ضد الولايات المتحدة.
وداعا للسرية المصرفية
في شهر أغسطس 2009، وقع المجلس الفدرالي على اتفاقية مع الولايات المتحدة، من شأنها وضع حد للخلاف القائم بين واشنطن وبرن. وبدل التعرف على الملفات الـ 52 الف للحرفاء الأمريكيين لدى مصرف يو بي إس المشتبه فيهم، مثلما كان مقررا في البداية، تم الاتفاق على أن تسلم سويسرا للأمريكيين محتوى ملفات الـ 4450 ممن تحوم شكوك كبرى على أنهم من أهم الحرفاء الأمريكيين المتهرّبين من الضرائب. وهنا بدأت السرية المصرفية في التصدّع.
ولكن في شهر يناير 2010، أصدرت المحكمة الإدارية الفدرالية قرارا بأن تسليم محتويات حسابات لحرفاء أمريكيين لدى مصرف يو بي إس للولايات المتحدة، يعتبر غير قانوني. ومع ذلك، صوت البرلمان السويسري في دورته الصيفية 2010، بعد أخذٍ وردّ، لصالح الاتفاق، ولكن بدون إخضاع ذلك لتصويت شعبي اختياري.
قطيعة مع الماضي
ويرى نيال فيرغيسون، الأستاذ بجامعة هارفارد والمتخصص في تاريخ الاقتصاد، أن سويسرا كانت في شهر أكتوبر من عام 2008 على حافة كارثة، عندما كان مصرف يو بي إس مهددا بالانهيار، ولكن بفضل ضخّ أموال الحكومة، بما يفوق 60 مليار فرنك يوم 16 أكتوبر 2008، تم إنقاذ هذا المصرف الكبير.
ويحاول مصرف يو بي إس اليوم، عن طريق حملة دعائية كلّـفت أكثر من مليار فرنك، تحسين صورته المشوّهة ومعها صورة الساحة المالية السويسرية، وذلك بنشر إعلانات إشهارية في بعض الجرائد، جاء فيها على سبيل المثال، “لأننا رسمنا خطوطا واضحة” أو “وضعنا معايير جديدة” أو “نعيد تقييم الماضي للتطلع بثقة للمستقبل”.
وفي الوقت الذي يجمع فيه الخبراء في العالم، على أن كِـبر حجْـم المصارف، مثل مصرف يو بي إس، يشكل خطرا على الدولة، وفي الحين الذي يرتسم فيه إجماع دولي على ضرورة احتفاظ البنوك بمزيد من السيولة وعلى مزيد من رأس المال الخاص في ميزانيتها، تمارس البنوك مقاومة، بما في ذلك مصرف يو بي إس وكريدي سويس، إذ يقومان بمناورات مكثفة لمنع مثل هذه الإصلاحات.
فقد حذر في هذا الإطار اوسفالد غروبل، مدير مصرف يو بي إس في حديث مع بعض الصحف السويسرية في شهر يونيو الماضي، من أن اتخاذ قوانين صارمة بخصوص رأس المال الخاص للبنوك، سيعمل على القضاء على مَـواطِـن الشغل والحدّ من النمو الاقتصادي المستقبلي.
تفادي وقوع أزمة مماثلة جديدة
لقد توصلت الساحة السياسية، بعد كارثة مصرف يو بي إس، الى قناعة أنه على الدولة أن لا تحاول في المستقبل انقاذ بنك كبير قام بمضاربات ضخمة في ميادين بها مخاطر مثيرة. وقد أصدرت الحكومة الفدرالية في نهاية شهر أغسطس الجاري اقتراحات عملية من أجل نظام مصرفي قوي.
وكان من المقرر آنذاك، أن تقوم لجنة الخبراء بقيادة بيتر زيغنتالر، الرئيس السابق للإدارة المالية الفدرالية، بتحضير تقرير حول خطر البنوك الكُـبرى على الدولة أو ما يُـعرف بعبارة “كلما زاد حجمه، كلما كان أكثر خطورة”، ولكن يبدو أن هناك تردّدا اليوم في إصدار هذا التقرير من قِـبل الخبراء.
والهدف من وراء هذه الدراسة، هو “تفادي أن تقع كارثة أخرى، مثل التي تعرض لها مصرف يو بي إس”، مثلما قال ميخائيل آمبوهل، الذي يدير منذ شهر مارس الماضي كتابة الدولة للقضايا المالية الدولية، وهذا لتفادي أن تجِـد سويسرا نفسها “كل أسبوعين” على قائمة سوداء.
كما أن كتابة الدولة للقضايا المالية الدولية تُـبدي آراء بخصوص مسألة العلاوات والأجور وتقدم نصائح للحكومة في هذا الشأن، حتى ولو أن رئيسها ميخايل أمبوهل شدّد في حديث لـ swissinfo.ch على “أننا لسنا خلية تفكير تابعة للحكومة”.
ويرى رئيس كتابة الدولة للقضايا المالية الدولية، أن المشاكل مع الولايات المتحدة قد وجدت حلا بإبرام الاتفاق بين البلدين. وعما إذا كانت مصارف سويسرية أخرى قد تتعرض لنفس المشاكل، قال ميخائيل أمبوهل “ليست هناك مؤشرات لذلك”.
جان ميشال بيرتو – swissinfo.ch
(ترجمه من الألمانية وعالجه محمد شريف)
منذ نهاية القرن السادس عشر، تميّـزت المصارف السويسرية (والموجودة منها في جنيف بوجه خاص)، بقدْر كبيرٍ من السرية والتحفّـظ، لكن السرّ المصرفي لم يُـثبّـت في التشريعات السويسرية، إلا ابتداءً من عام 1934.
يُـحدِّد الفصل 47 من القانون الفدرالي حول المصارف، الذي أقِـرّ في تلك الفترة بدون نِـقاشات تُـذكر، العقوبات الجنائية التي يتعرّض لها مَـن ينتهِـك السرّ المصرفي.
وجاء إدراج السرّ المصرفي في القانون، في أعقاب عشريتين من التوسُّـع الكبير للساحة المالية السويسرية.
خرجت سويسرا من الحرب العالمية الأولى، وهي تتمتّـع بواحدة من أقوى العُـملات في العالم وبمستوىً مُـنخفضِ جدّا لنسبة الجباية وبنظام سياسي شديد الاستقرار. هذه العواملُ – مُـضافا إليها السرّ المصرفي – سمحت للساحة المالية السويسرية بأن تُـصبِـح مأوىً مفضَّـلا لرؤوس الأموال الدولية.
كان جان ماري موزي، وزير المالية الكاثوليكي المحافِـظ، أحد أبرزِ مُـصمِّـمي السرّ المصرفي، بعد أن دافع منذ عام 1920 على اعتماد مبدإ السرّ المصرفي المُـطلَـق، مشدِّدا على أن سويسرا لا ترغَـبُ في لعِـب دور “الشرطي” تُـجاه هروب رؤوس الأموال من بلدانٍ أخرى، وخاصة من ألمانيا.
تستثمر الشركات السويسرية حوالي 150 مليار فرنك، أي حوالي 20% من كامل الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، وهذا يمثل مجموع ما تستثمره الشركات الألمانية والفرنسية والإيطالية والنمساوية. وتدر حوالي 15% من الأرباح.
في عام 2008، وظفت الشركات السويسرية حوالي 350 الف شخص فوق التراب الأمريكي، وبذلك تعتبر سويسرا سادس أكبر مستثمر أجنبي في الولايات المتحدة.
وعلى الجانب السويسري، تعتبر الولايات المتحدة ثاني أكبر مستثمر، بعد هولندا(85،5 مليار فرنك)، بحيث استثمرت في عام 2008 حوالي 18،5% من مجموع الاستثمارات الأجنبية في سويسرا.
يعتبر مصرف يو بي إس، ثاني أكبر مصرف في سويسرا بعد مصرف كريدي سويس، ويعتبر من أهم البنوك المديرة للثروة:
ويشغل المصرف، حسب بياناته، 64 الف شخص عبر العالم، من بينهم حوالي 37% في الولايات المتحدة وكندا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.